الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيانات-المعلومات-المعرفة : خطوتان إلى الأمام، خطوة إلى الخلف...!

محمد عبد الشفيع عيسى

2018 / 11 / 2
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إعادة هيكلة البيانات والمعلومات: عن الثورة الربعة والتحول الرقمي
لعل من أهم المقاربات التي يمكن تقديمها لما بات يعرف بالثورة التكنولوجية-أو الصناعية- الرابعة، أو "الثورة الرابعة" اختصارا، هو تبلور مايمكن تعريفه بالقطاع المركب، وبالأحرى: المعقّد، بَلْهُ المتعقّد او المتشعّب، لثلاثية البيانات والمعلومات والمعرفة. ويقع هذا التطور في إطار الدول الرأسمالية المتقدمة اقتصاديا أو "الدول الصناعية" في المقام الأول (الدول الصناعية السبعة المعروفة: الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان)؛ وفي المقام الثاني: "الدول المصنّعة حديثا"، المسماة في بعض الكتابات بالاقتصادات الناهضة Emerging Economies- تمييزا لها عن مصطلح سابق عُرف بالأسواق الناشئة، وتضم ما يطلق عليه أحيانا "الدول النامية الديناميكية الكبيرة" المكونة عموما من بعض دول الشرق الآسيوي وخاصة كوريا الجنوبية بالإضافة إلى أعضاء تجمع "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين و جنوب إفريقيا).
في ضوء ذلك يمكن أن نتصور صيرورة التحولات الهيكلية للقطاع المتشعب، ثلاثي الأضلاع، البيانات والمعلومات والمعرفة، على سبيل التمثيل المختصر، بأنها تتضمن القيام بخطوة واحدة إلى الخلف، و خطوتين إلى الأمام.
فأما الخطوة التى إلى الخلف فهى العودة بقطاع المعلومات مرة أخرى إلى خليّة البيانات. و لطالما تحدث الباحثون المتخصصون عن أن مسار التطور التكنولوجى انتقل من البيانات إلى المعلومات ثم إلى المعرفة؛ ولكن فى سياق هذا التطور نفسه خلال العقدين الأخيرين عاد الاهتمام بالبيانات مرة أخرى ، ليس كمجرد تقْدِمة للمعلومات، ولكن كأساس قاعدى لها من نوع جديد . نقصد هنا "تثوير" وضعية البيانات داخل الثلاثية المعروفة، وكأنها تصبح حاضنة للمعلومات نفسها. ومن الأمثلة على ذلك :
1- الثورة فى تخزين البيانات ، من خلال ما يسمى بالتكنولوجيا السحابية ، بالارتباط مع "قواعد البيانات الكبيرة" Big Date .
2- ثورة فى تداول البيانات وتدفقها على المستوى الدولى أى ما يسمى Trans- border Data Flews ويتم ذلك من خلال "الجيل الرابع" للاتصالات البعيدة فيما يعرف بتكنولوجيا السرعة العالية والنطاق العريض.
3- ثورة فى إدارة البيانات على مستوى تعديل وظائف الأجهزة الصلبة أو "العتاد" – "هارد وير" -عبر ما يسمى حالياً "إنترنت الأشياء" .

هذا عن الانتقال بالمعلومات خطوة واحدة إلى الخلف، حيث البيانات.
أما عن الانتقال بقطاع المعلومات خطوتين إلى الأمام ، فيتمثل فى: خطوة أولى للانتقال بالمعلومات إلى بنيان أو هيكل المعارف والمهارات الجديدة، إنتاجاً وتداولاً وانتشاراً واستخداماً، بواسطة "إدارة المعرفة" وصولاً إلى "إدارة المواهب". ومن النقاط الدالّة على ذلك ما يأتي:
• إنتاج واكتساب المعرفة والمهارة بطرق جديدة، فى مقدمتها "التعلم الذاتى" و "التدريب من بُعد" و "التعليم من بُعد" .
• تداول وانتشار المعرفة والمهارة عبر المسافات من خلال "العمل من بُعد"، ويتبعه : البحث عن فرص التشغيل بالآليات والطرق الرقمية .
• استخدام المعارف والمهارات -تأسيساً على البيانات- من خلال طرق جديدة مثل "إسناد عمليات التشغيل للغير" (أو "التعهيد") سواء على المستوى المحلى أو المستوى العابر للحدود
أما الخطوة الثانية فتتمثل فى الانتقال بالبيانات والمعلومات والمعرفة إلى حيّز الابتكار، لاسيما من منظور وطنى متكامل فيما يعرف بالمنظومة الوطنية للابتكار National System of Innovation . وهنا يتم الوصول إلى حواف الخلق أو الإبداع بما يشمله من محتوى "ناعم"، و من عمليات مادية، كما فى "الصناعات الإبداعية" بصفة خاصة.

الأثر على قوة العمل
تؤدى النقلة بالمعلومات إلى الخلف وإلى الأمام إلى إحداث آثار للربط الأمامى والخلفى ، وفق ما هو معروف فى آليات التحول الهيكلى والارتباط البنيانى أى ما يسمى Forward & Backward Linkage effects.
وينعكس الأثر الهيكلى للترابط والتحول ضمن عملية إعادة هيكلة قطاع المعلومات فى تغيير بنية قوة العمل على النحو الآتي، إلى حدّ بعيد:
• استحداث وظائف جديدة عاملة على قواعد البيانات الكبيرة والتخزين السحابى .
• وظائف بناء البرمجيات المتصلة بإدارة الأشياء، أى التوجيه من بُعد للأجهزة الطرفية ، من أى مكان وفى "اللا زمان" تقريبا.
• وظائف المشتغلين فى إدارة وتنظيم التدريب والتعليم والتشغيل عبر المسافات البعيدة.
• عمليات التعاقد مع الموردين عبر أسلوب الشبكات الإلكترونية والعناقيد الصناعية، فى إطار حركة "تدويل الإنتاج" . ومن مظاهر هذه العملية توسع مجال التوظيف فى "التعهيد" من خلال الوظائف المتصلة بمراكز خدمة الزبائن ".
o وعلى سبيل المثال- طبقا لبعض التقديرات- فإن مجال التعهيد فى جمهورية مصر العربية -وخاصة في مجال استخدام "مراكز البيانات وخدمة الزبائن-يحقق إيراداً مقدراً بنحو 2,5 مليار دولار فى السنة (عام 2016) .

• أنشطة بناء وتشغيل مواقع الإنترنت للبحث الرقمى عن فرص العمل ، والتشغيل الرقمى عموماً .
• الوظائف المرتبطة بأنشطة الإبداع ، سواء من الجانب التمويلى أو الإدارى أو التسويقى فى المجال السمعي-البصري (الموسيقى والصور المتحركة) .
• تكامل حركة التشغيل والوظائف والمهارات على المستوى القُطْري، من أجل دفع عملية الابتكار وخاصة على مستوى الشباب ، بوسائل عديدة من بينها "إدارة المواهب" على سبيل المثال.
• وظائف تقوم على مجرد "التوجيه الرقمى" لخلق قيمة مضافة عالية على سلسلة القيمة فى النظام الهادف إلى الربح ، دون تحمل لتكلفة رأسمالية تقريباً – مثل نظام تشغيل المركبات بطريقة "نظام المعلومات الجغرافية" GPS ، على نحو ما تفعل شركة "أوبر" العالمية وفروعها في مختلف البلدان.
• وظائف مرتبطة بتفعيل الإدارة الرقمية للبيانات (و المعلومات) ، سواء فى مجال أنظمة الدفاع أو الصناعة المدنية ، والمقاولات ، والإعلانات ، والبحث عن فرص الاستثمار والشّغل . وقد يعرف هذا النوع من الوظائف ب "ملف جوجل" اقتداءً بما حققته شركة "جوجل" صاحبة ثانية أكبر رقم للأعمال على مستوى العالم للشركات عابرة الجنسيات بعد شركة (آبل) عام 2014 . وتحقق كل ذلك للشركة: ( جوجل) من خلال إدارة الملفات الرقمية لأنشطة المال والأعمال عبر الإعلانات والمدونات و الفيديو (يوتيوب) وتحليل الخرائط ومشاهدة الصور عبر العالم Google earth ، و عرض الكتب وملخصاتها بما يدخل فى عالم النشر، و كذا التسويق وتقديم معلومات عن أسواق المال، وإدارة مواقع التسويق والبيع، فضلاً عن استخدام جوجل أصلا كمحرك للبحث على شبكة الإنترنت .
• الوظائف المرتبطة بالأتمتة و الروبوت لإدارة وتشغيل النظم الآلية رقمياً فى مواقع الإنتاج السلعة والخدمات المتنوعة.


والآن يثور الساؤل عما يمكن لمصر وسائر الدول العربية فعله في ضوء التحولات الهيكلية الجارية في القطاع متعدد الأبعاد للبيانات والمعلومات والمعرفة، بآثارها العميقة على قوة العمل بالذات ..؟
هنا تتبدّى ضرورة تبنّى استراتيجية محددة للتعامل مع الثورة الرقمية ، بأوسع وأشمل من مجرد أعمال البنية التحتية التكنولوجية ، أو صناعة الهواتف النقالة، وحتى الشرائح الدقيقة السيليكونية. إن أنشطة ما بعد السيليكون Beyond Silicon تمثل القفزة الحقيقية فى عالم الثورة الرقمية، وخاصة من خلال الاهتمام بالعنصر الناعم لنماذج البرمجة القائمة على "الذكاء الاصطناعى" وتطبيقاتها فى الآلات المفكرة والروبوت والتحكم الأوتوماتيكى . ويرتبط بذلك ، بناء إطار للتوسع في استخدام الانترنت فى مجال العمل بالأرياف و بالأحياء الفقيرة فى المدن، سواء من خلال المنصات الرقمية للتشغيل، أو المواقع الإلكترونية المتخصصة، أو لاستخدامه فى التدريب على الأعمال الإنتاجية المختلفة، وتسويق المنتجات السلعية والخدمية والوصول إلى الزبائن على البعد، ولو عبر الحدود، ضمن شبكات الموردين. ويتم ذلك فيما يتعلق بالمنتجات النهائية وقطع الغيار وأجزاء الأجهزة ، من خلال الانخراط ضمن أعمال التوريد ضمن نمط "التشغيل لصالح الغير" او "التعهيد" –المشار إليه سابقا- من الأفراد والأعمال الصغرى إلى الشركات الكبرى من القطاعين العام والخاص داخل البلاد. وهذا فى صناعات الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية (هواتف – تليفزيون ..) وصناعة السيارات ومعدات النقل، والمعدات الإلكترونية فى الأنشطة المهنية المختلفة مثل الطلب والرعاية الصحية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على