الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلزاك..(سكرتير) التاريخ! والكوميديا (البرجوازية) بين الادب والسياسة (10)

ماجد الشمري

2018 / 11 / 3
الادب والفن


كان بلزاك يعتقد بأنه لن يرتقي لمكانة عليا على سفح هرم الطبقة البرجوازية بخدماته الاجتماعية او الثقافية،بل في اعتماده على ذاته وارادته،وجهده الفردي،ومهما كان الثمن!.وان الرغبة،رغبته هي التي تقود ارادته نحو العظمة والثراء،وبها وحدها-الارادة-تقاس القيمة الاخلاقية.يقول بلزاك:"ان الجرأة الاخلاقية تجعل من الانسان عظيما في طيبته،والامر سيان أكان متعلقا بالطيبة او الجريمة،فالمهم هو التحلي بالجرأة الاخلاقية".انها الارادة غير المؤمنة بصلاح البشر،والتغيير،العديمة العاطفة،الباردة،والتي لاتجدي معها كل اشكال الرجاء والتوسل.اذن:كيف تكون قوانين العدالة محققة في عالم قاس،ومقلوب،وظالم كهذا؟!.حيث تنقذ الارادة راستنياك،وتحكم بالفشل على لوسي دي رومبيري؟!.انها موجودة،ولكن ضد الضعفاء،لتطبيق شريعة الغاب،قانون وعدالة الاقوياء!.فتهب لنجدة ونصرة المنتصرين الجريئين،اصحاب الارادة والحيلة،ذوو البأس والقوة.موجودة من اجل مساعدة الارمل الخبيث الكذاب ضد الضابط شابير،موجودة من اجل المركيزة دي سبارو ضد زوجها،مع كاموزو دي مارفيل ضد الفقراء!.ان مؤسسة القضاء هي مؤسسة-جهاز طبقي-وأداة قانونية برجوازية حتى في العلاقات الثابتة بين الحكام والاحزاب المسيطرة-السائدة."وبسبب معتقداته،لم تعر الهيئة القضائية،المحامي "فيني"اذنا صاغية"!.هذا مايجري من ممارسات العدل البر جوازي في العالم الروائي البلزاكي الواقعي،حيث يرتفع الخط البياني للطموح بموازاة ارتفاع الانتاج والربح الصناعي والمالي.فالمجتمع يحمل في احشائه قانون حركته وصراعه،فحركة صعود المال تقدم تفسيرا منطقيا للتفاعل الجدلي بين العقول والنفوس.يقول فاتران-احد شخصيات بلزاك-عن هذا المجتمع:"ان النجاح هو السبب المحرك لجميع التصرفات"ومايجري في عروق افراد هذا المجتمع هو:الذهب بدل الدم!.لهذا دأب نقاد بلزاك المتحاملين على لومه،للمبالغة في سماع رنين التالر!.حاول الكثير من دارسي بلزاك وادبه ننبع انساب شخصياته في موسوعته الروائية"الكوميديا الانسانية"واقتفاء آثار الابطال الحقيقيون الذين وقفوا وراء خياله الروائي،ولكن لم يكم هناك سوى الجذر الاول،الام الكبرى،والتي انحدر منها الجميع،الا وهي:الملكية،فهي البطلة الرئيسية في ملحمة بلزاك وسرديته الطويلة.فهو يقول:"ان مهر الزواج هي احد بطلات هذه القصة"على لسان نائب ارسي!.ويقول ابن العم:"كلهم يريدون معرفة بطلة هذه القصة"ويقصد بذلك:مجموعة التحف الفنية الثمينة،والتي تبلغ قيمتها ملايين التالرات!.ان تتبع الشخصيات وتحولاتها،وانتقالها من رواية الى اخرى هو امر ممتع بالتأكيد،ولكن الاهم من ذلك هو متابعة كيس النقود!.وكيف يصنع هذا الكيس العجائب والمعجزات،بين حركة وانتقال وسلوك عبيد المال هؤلاء!.لنأخذ شخصية الاب"غوريو"مثلا على ذلك:ان هذه الشخصية التي تشبه الملك لير-لكن كبرجوازي!-يحطم نفسه من اجل بناته العاقات،ومن اجل ذلك لابد ان يكون غنيا ومالكا اولا!.وفي الحقيقة كان الاب غوريو في بدء انطلاقه "عاملا بسيطا في معمل لانتاج المعكرونة"واصبح اثناء الثورة الفرنسية رئيسا لمقاطعة مدينته،لابسبب ايمانه بمباديء الثورة والجمهورية الفرنسية طبعا!.بل لانه اراد "حماية تجارته"واستطاع تحقيق ارباح طائلة من مجاعة حقيقية او مفتعلة"وجمع ثروة كبيرة،وآلت تلك الثروة في الختام الى بناته،واللاتي جعلت تربيتهن الرفيعة منهن فتيات ميتات الروح والضمير،ومن الطبقة البرجوازية الراقية!.فتزوجت احداهن البارون دي نوسيني،وتزوجت الاخرى الدوق روستو،وهكذا تنتقل الثروة الطائلة من جيب الاب غوريو،بعد ان جمعها باستغلاله مجاعة باريس،الى جيوب الشرائح الرئيسية من طبقات الفترة الزمنية المقبلة:الى البنك،والملكية العقارية!.لقد انقضت تلك الحقبة التي تخون فيها"سوتيفل"عشيقها البرجوازي"جورج دندان"يكل برود ابان عصر موليير.ففي المرحلة الرأسمالية الصاعدة اصبح الوضع مختلفا جدا،فخيانة بنات مالك معمل المعكرونة-الاب غوريو-للبارون المالي،والدوق الشريف.احداهن مع ر"استنياك،"والاخرى مع"مكسيم دي تريل".فالعلاقات العاطفية خارج مؤسسة الزواج لاشأن لها بالحب قطعا عند هؤلاء السيدات والسادة المحترمون!.لقد اصبح راستنياك عشيقا لدلفين بعد ان تعلم درسا من موت ودفن الاب غوريو،فيخاطب من اعلى تلال مقبرة"بيير لاشيز"المدينة الجاثمة تحت قدميه،مخاطبا اياها قائلا:"والان اتى كلبنا ياباريس"!.وسيغدو راستيناك(نا) هذا رئيسا للوزراء عندما نلتقيه للمرة الاخيرة على صفحات الرواية،عندما يتزوج ابنة عشيقته،والتي يكون نصف مهرها"اربع افلاسات"ونصفه الآخر"من مجاعة حقيقية او مفتعلة"!.اما النصف الآخر من ثروة الاب غوريو،والتي يديرها المرابي"جوبه"فيتيح لورثة عائلة روستو الزواج من اعظم الاسماء في فرنسا!.وهكذا قامت حركة صعود النقود بوظيفتها الاساسية.كانت المجاعة منبع المال،ثم البنك،والملكية العقارية،واخيرا الحكومة و"فوبورج سان جرمان،وسيزار بيروتو-عنوان رواية لبلزاك بنفس الاسم.م.ا- تاجر العطور و"شهيد التجارة"الذي قام بوظيفة نائب عمدة مدينة مقاطعته،وابتدأ غناه من المضاربة بالنقود في فترة الثورة،ثم تاجر بالمراهم المزيفة المانعة للصلع،ورغم عدم جدواها كعلاج!.واشترى بأسعار بخسة عقارات مختلفة،ويرد على زوجته المحتقرة لعمله هذا،بأن هذه الاعمال هي من"ضرورات"هذا العصر!.وبعد افلاسه بسبب محام محتال،والاعيب احد اصحاب البنوك،يبروءه بلزاك من كل عمل مشين،جاعلا منه شهيدا للتجارة!.لتنتهي ملكيته المستعادة الى ابنته وصهره"انزلم بوبيتو"الذي سيصبح اثناء حكم لويس فيليب وزيرا للتجارة!.فياللمصادفات الطريفة:صهر شهيد التجارة يصبح وزيرها!!
............................................................................................................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا