الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل الخطاب السياسي للمبلغ الديني في العراق

فالح مكطوف

2018 / 11 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


وفي نظره لنفسه يقف الواعظ او المبلغ السياسي الاسلامي اما جدلية (الجنة) -التي كان يريد دخولها وإدخال جميع الناس اليها مرتكزا على العدل الالهي المطلق والذي آمن به قبل وصوله الى السلطة- و(النار) التي يحتمل بنسبة كبيرة ان يردها آسفا على ما اغرته الدنيا بنعومة الحياة و(بالقشيب المنمنم) والثروات الطائلة والعقارات المسروقة، التي يعلم الشيطان وحده من اين تأتي. وتقودنا هذه الجدلية لجدلية اخرى تكمن في الصراع بين التبليغ للمبادئ (العظيمة) التي اعتنقها وآمن بها وذهب ضحيتها آلاف الاشخاص من رفاقه المؤمنين ايام كان هو وكانوا هم في المعارضة، وبين هزيمته الذاتية المتأتية من عدم القدرة وانعدام الحماسة للقيام بواجب الواعظ وفقدان الثقة بالنفس للقيام بهذا الدور فالمغريات وانعام السلطة الحالية والمتعة تشرئب لها الرقاب حقا، فلا بأس بالكف او تقليل الحماسة.
فأمام هاتين الجدليتين وخصوصا في واقعنا الحالي يستطيع كل ذي لب ان يتلمس هزيمة التبليغ بمفهومه الاوسع بما يحمله من حماسة وايمان وتفانيأ وكونه آلية للتثقيف، فالتبليغ كان يعبر(بصدق) عن تلك الآلية التي مثلت طريقا مهما للوصول للسلطة مرتكزا على جذب الناس لصناديق خيار بديل الخلاص (البديل الاسلامي) مع الايهام بحلول العدالة ووجوب قطف ثمارها الآن، وكانت أيلولة تلك الآلية هي ان تركن خجولة وتخفت تدريجيا وينحني (المبلغ) لانتصار الدنيا على الآخرة داخل ذاته ولا يبقى الا الاكثار من الاستغفار لإعادة التوازن النفسي وكحل نهائي ومطمئن لرجل الدين السياسي، قد يعالج خياره بالاستجابة والانزلاق (لملذات) الدنيا الجميلة.
وقد لا يسلّم (المبلغ) ولا يركن لليأس فهو على الاقل وامام جمهوره الذي جعل له مكانة مهمة في يوم من الايام واعطاه الثقة والقيادة من جهة، ولكي يرضي شعوره بانه مازال يمارس دوره في ارضاء الله والحفاظ على المبادئ متغاضيا عن تجاوزه للهدف الاخر ويكونه اصبح ثقيلا وبعيد المنال من جهة اخرى، نراه يظهر بين الفينة والفينة الى الواجهة بصورتين اما كمعترض خجول يعظ الناس على صعيد الخطبة او اللقاء الاعلامي او المناسبات الدينية، فخطابه يتراوح بين الهدوء والشدة اوقد يصل الى التهديد غير المقصود، وذلك حسب ما يجري من ردود افعاله التي عليها ان تنسجم مع رضا وسخط المجتمع والحركات الاحتجاجية فيه، او يظهر كصانع او ملقن للقتل والارهاب يساهم في صنع القتلة بعد ان يصور لهم ان الآخر انما خلق لكي يقتل ويقطع من خلاف، اذا ارتكب ما لا يروق (للمبلغ) القاتل الذي لا تربطه صلة بالإنسانية وحقوق الانسان كحقه في الحياة، فيمكن استنادا الى اوامر هذا (المبلغ) ان يذهب الشخص ضحية لأي تصرف بريءغير مقصود كلعب الدومينو وحلاقة الشعر بقصة مختلفة او بيع المشروبات الكحولية، او ان يتم الامر بقتل النساء كما حدث في شقق زيونه او اماكن متفرقة او قتل نشطاء الاحتجاجات في البصرة فكل ذلك هو نتاج خطاب لرجل دين يأخذ من الارهاب حرفة.
وكان لمنع او تحجيم الطقوس والممارسات الدينية كحق من حقوق الانسان من قبل النظام السابق قد بني على اساس طائفي تضاف الى جرائم ذلك النظام العديدة، ولكن في الوقت ذاته مثل ذلك المنع والتحجيم المصدر الرئيسي لتزويد الاحزاب الدينية بالمادة البشرية، حيث كانت فرصة لرجل الدين عندما كان في صفوف المعارضة، وهي في الواقع ومن زاوية الاضطهاد المذهبي تعد بمثابة وسيلة يسيرة لرص الصفوف، لذا نرى ان تصعيد الخطاب الديني (للمبلغ) وتوظيف الاضطهاد الديني (الطائفي) اصبح يطغى على جميع انواع الاضطهاد، وكان الناس يصغون الى رجل الدين (المبلغ) الذي ليس عليه الا ان يعتلي المنبر ليحرض الناس او يرسل برسائله من بعيد او يشرف على تنظيم سري، وهنا علا شأن السياسي الديني المتحزب الذي لا يجد من يخالفه الا نادرا.
لقد كانت معاني (الصدق والنزاهة والثقة والزهد) بديهيات مفترضة بشخصه (المبلغ الديني السياسي) لا تخضع للنقاش، هكذا كان التأييد للأحزاب الاسلامية مبني على تلك المعاني فلا يمكن ان تتصور ان الاسلاميين يفسدون في الارض، لان خطابهم بالأمس اعطى الصورة المثلى التي جعلت الناس تثق بهم واعطتهم الولاء المطلق متأملين تحقيق الرفاه والاستقرار والامان.
أما في الممارسة العملية وبعد مضي القليل من السنوات فقط كان التحول الجذري لهؤلاء المعارضين السابقين للنظام السابق وساسة المقاومة، يظهر ويكشف امام الجميع بأنهم اصبحوا ساسة المقاومة للإنسان البسيط المحتج على فسادهم وسرقاتهم لقد اغراهم تأييد الناس لهم في بداية سقوط النظام السابق، ولكن سرعان ما اذهلهم رفض الجماهير لهم، ونرى انه ليس لخطاباتهم السياسية الآن اي نكهة وان ابسط الناس وأقلهم حظا بالتعلم والبعد عن السياسة، اصبح يرفض تبليغهم ولاسيما التبليغ السياسي لأنه يكشف عن خداع كبير، انه ليس خطاب الامس الذي كان بعيدا عن الحكم، انه الخطاب الذي اختبرته التجربة ففشل فشلا ذريعا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح