الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة المرأة في القصة القصيرة جدا وبُعْدُ النوع الاجتماعي

علي بنساعود

2018 / 11 / 6
الادب والفن


شكل موضوع المرأة والقصة القصيرة جدا واحدا من أهم المواضيع التي استقطبت اهتمام المشاركين في ملتقى فاس للقصة القصيرة جدا، بل إنه حظي بأكبر عدد من تدخلات الحضور والمشاركين، عقب العرضين القيّمين لكل من الأستاذ محمد يوب والأستاذة سعاد الشنتوف...
جاء ذلك خلال ندوة "صورة المرأة في القصة القصير جدا وبُعْد النوع الاجتماعي"، عقدت بعد زوال اليوم الثاني من فعاليات الدورة الثانية من ملتقى فاس للقصة القصيرة جدا، الذي انعقد أيام 28-29-30 أكتوبر الماضي، بمركب الحرية بفاس، وتمحورت أشغاله حول "جماليات خطاب العتبات في القصة القصيرة جدا".
ففي مداخلة تحت عنوان "الكتابة النسائية تحت مجهر النقد الثقافي" تطرق الأستاذ محمد يوب إلى ما تعرضت له النساء، عبر التاريخ، من إخضاع وتدجين، بلغ حد أن المرأة نفسها أصبحت تقوم بدور أساسي في تدجين نفسها، باعتبار أنّ هذه هي خياراتها ونمط الحياة الذي تجد نفسها فيه، وقد انعكست هذه الوضعية على إبداعاتها الأدبية، فجاءت كتاباتها وفقا للنموذج الذي يحبه الرجل ويرضاه.
إلا أن الأمور تغيرت في مرحلة ما بعد الحداثة التي استمرت من أربعينيات القرن الماضي إلى تسعينياته، حين ظهرت مناهج نقدية رفضت الثبات والسكون، ومن أهم هذه المناهج "النقد الثقافي" الذي عقد مع الحركات النسائية شراكة مميزة، حيث اتخذ من إبداعات المؤنث موضوعا له، وشرع يقاربها مقاربة نوعية، مميزا فيها بين اللغة المكتوبة والذات الكاتبة، وباحثا في النص المؤنث عن الوعي الذي يفيض في ثناياه عبر الأنساق الدلالية، وهو ينوب عن المرأة في التعبير عن صمتها، مستجليا فكرة تمثيل المرأة الكاتبة لذاتها ولبنات جنسها، مضيفا أن المرأة لم تستطع إلا أن تبادل اللغة بالجسد، وأنها، وإن شاركت الرجل في التعبير العادي، فإنها تتفوق عليه في تعبيرات الجسد، فاللغة المباشرة للجسد تعتبر إحدى أهم أسلحة المرأة للدفاع عن وجودها المباشر أمام سلطة المؤسسة اللغوية السائدة، وضد الذوبان والانصهار المعلن والخفي في صف الذكورة، فيقابل احتفاء المرأة بجسدها ولغاته، احتفالية الرجل بفحولته التي يعبر من خلالها عن كينونته وتفوقه في مدارج السلطة المعرفية والثقافية، ولهذا، من حق المرأة أن تنظر لقضية الاختلاف بمفهوم التمايز لا بمفهوم المساواة.
وأضاف محمد يوب أن الكتابة النسائية، بصفة عامة، تحدث نوعا من الفضول في نفسية المتلقي، وتدفعه إلى التنقيب في عوالمها الداخلية والخارجية من أجل استكشاف السر في جمالها وتألقها، والبحث عما يجعلها متألقة وجميلة، وعن سر هذا الجمال، يتساءل النقد الثقافي: هل المرأة تكتب انطلاقا من المتخيل الأدبي حيث تتمكن من خلق عالم متخيل خاص بها يميزها عن هيمنة الكتابة الذكورية، فتتحول من امرأة مكتوب عنها إلى امرأة كاتبة، وبذلك، تتحول من صوت خافت مقموع إلى صوت سارد يعبر عن واقع هو أحاسيسها، أم أنها تكتب بجسدها الأنثوي، حيث تورط ذلك الجسد، في كثير من الأحيان، في سرد أحداثها وتجعله نقطة انطلاق مجموعة من الأحداث التي عرفتها في حياتها. وفي تعبيرها، تشكل لدى القارئ مجموعة من التصورات والتمثلات السميائية المفتوحة على كثير من القراءات والتأويلات.
مما سبق، خلص الناقد إلى أن دراسة الجسد النصي تمكن من تتبع الجسد الأنثوي المنتج لهذا النص، وذلك من خلال المفردات المليئة بالأنوثة، هذه المفردات التي في تعالقها تحدث جسدا نصيا ممشوقا كما جسد المرأة، وبذلك، يتحول من جسد فيزيقي إلى جسد سوسيو ثقافي، لأن النص السردي عندما نتناوله بالدراسة لا يهمنا فيه ظاهر النص/ اللغة، بقدر ما تهمنا فيه المضمرات النصية والتناصية والبصرية والدلالية، وما يحيل إليه من إحالات خارجية تفرزها الكتابة النسائية التي تتميز عن الكتابة الذكورية.
ويضيف الناقد أن الكتابة النسائية تحتوي على جانبين: فني وجمالي، فالفني هو الذي تنتجه الكاتبة والجمالي هو الذي ينتجه القارئ أثناء القراءة وهو الذي يجعله يميز بين الكتابة النسائية والكتابة الذكورية، وفي حالة عدم قدرة القارئ على هذا التمييز، فلا غرابة في نعت هذه النصوص النسائية بأنها لم تستطع الخروج عن الخط التحريري الذكوري.
والنقد الثقافي، حسب محمد يوب، يستطيع تحويل الرؤية المعرفية للمرأة إلى علاقات نصيّة، نقد يرصد الأنثوي الذي يشكل وجوده المُفكر فيه خلخلة لثقافة النسق المهيمنة، وهو الأنثوي الذي يشغل الهامش الكامن في فجوات هذه الثقافة، إنه نقد يستمع ويقرأ النص الأدبي للمرأة بمرجعية نقدية منفتحة على كل الإطارات النقدية السابقة، فهو يصغي إلى الشفرات المؤنثة المبثوثة في النصوص، ويدرك إيحاءاتها التي تعلن عنها مجمل الفروق الجنسية، لا فيما يتعلق ببنائها المادي الفيزيولوجي أو ببنائها الثقافي والاجتماعي، وخاصة رصد الموقف "الجندري" للأدب المتضمن في لاشعور النص
وذهب يوب إلى أننا، في كثير من الأحيان، نجد أن المرأة تعبر بضمير المذكر، وهذا لا يسلب من لغتها أنوثتها، لأنها تتماهى مع الذكورة لإثبات الأنوثة في إطار التجاوز للغة الفحولية المذكرة، طالما أن الذات المتكلمة والفاعلة لغويا هي أنثى أصلا...
ودعم الناقد محمد يوب أطروحته هذه بنظرية العالم النفساني "كارل يونغ" التي تبناها عربيا عبد الله الغذامي، حينما طرح مفهومي الأنيموس (الضمير الذكوري) والأنيما (الضمير الأنثوي) اللذين يتخللان لاشعور الإنسان رجلا كان أو امرأة...
وفي مداخلة لها تحت عنوان: "القصة القصيرة جدا: إضاءات من زاوية النوع الإجتماعي"، لفتت الأستاذة سعاد الشنتوف الانتباه إلى أن القصة القصيرة جدا كجنس أدبي صاعد، يعلن تمرده على الإطارات الكلاسيكية للكتابة السردية، عبر منسوب محترم من التجريب الذي يتسلح بخلفيات نظرية جديدة ومتجددة، لتتساءل: هل التمرد/ التجريب الذي يعرفه هذا الجنس يتم فقط على مستوى فنية الكتابة وتقنياتها، أم يشمل أيضا رؤية العالم وزاوية تناول القضايا/ الخلفية الفكرية لمشروع الكتابة في علاقته بالمنظومة الثقافية السائدة؟
وهل صاحَبَ هذا التمرد نقاش نظري مؤطر ثقافيا؟ وإلى أي مدى استطاعت القصة القصيرة جدا خلخلة الأسئلة المتعلقة بالنوع؟ وما مدى قدرة الكتابة النسائية على مناقشة بنية التراتبية القائمة على الجنس والنوع الاجتماعي؟ وهل استطاعت الكاتبات التخلص من الرقابة المجتمعية في ظل ما تمنحهن القـ. قـ. ج من مساحة ظل مشفوعة بالانزياح والرمز والإضمار والتكثيف وتشفير الخطاب...؟
وأكدت المتدخلة أنها لم تأت إلى الملتقى حاملة أجوبة، بل جاءت لتتقاسم مع الحضور أسئلة تؤرقها ومنها:
o هل تتخلص المبدعات، لحظة الكتابة، من الرقابة الذاتية؟
o هل هناك إبداع نسائي في مجال ققج بخلفية نسائية؟
o هل يستحضر القاص/ القاصة مقاربة النوع في عملية بناء الشخصيات؟
o ما الإضافة النوعية التي يمكن أن تشكلها هده المقاربة؟
o هل من حاجة إليها، ونحن في مجال الإبداع، ولسنا في مجال وضع خطط تنموية أو صياغة بيانات منظمات نسائية؟
وأوضحت المتدخلة أن مقاربة النوع كطموح نظري ثوري أصبحت ضرورة من أجل تفكيك وضعيات اللامساواة في توزيع السلط بين النساء والرجال، مبينة أنها مقاربة للنقد والنقد الذاتي المستمر، من أجل التطوير ضد السكون والجمود... وأنها ستفتح صفحة أخرى في كتابة تاريخ الانسانية، والإنسانية تتكون من جنسين...
وختمت الشنتوف مداخلتها بالقول: "لن يتغير الواقع الا بتغير تمثلات الفاعلين فيه، وتغيير الواقع لن يتأتى، حسبها، إلا بتفكيك المبدعة/ المبدع للهيمنة الذكورية، لا بالتغاضي عنها أو التماهي معها باعتبارها معطى طبيعيا وأن الأوضاع منذ الأزل وهي على هذا الشكل وستبقى عليه...
ودعت المتدخلة النسائيات والنسائيين إلى وضع نظارات النوع رهن إشارة كل الفئات المجتمعية، لعلها ترى عبرها ألوانا مغايرة، متمنية أن تكون قد توفقت في توجيه اهتمام الحضور إلى أهمية هذا المنحى في التحليل بالنسبة للناقد وبناء الشخصيات والتقاط الوقائع بالنسبة للمبدعين والمبدعات...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في