الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماليات خطاب العتبات في القصة القصيرة جدا (نماذج مغربية)

علي بنساعود

2018 / 11 / 7
الادب والفن


نقاش عميق ومثمر ذاك الذي انكب عليه المشاركون في الدورة الثانية من ملتقى فاس للقصة القصيرة جدا، والذي تمحورت أشغاله حول عدة محاور من بينها محور: "جماليات خطاب العتبات في القصة القصيرة جدا: نماذج مغربية"
هذا المحور تم التداول فيه خلال جلستين مطولتين، الأولى سيرها وباقتدار الدكتور محمد أبركان، وشارك فيها الدكتور عبد المالك أشهبون والدكتورة نزهة الغماري، وكان مقررها الأستاذ عبد الغني صراض، وسير الثانية بتميز الناقد الأستاذ محمد يوب وشارك فيها الدكتور محمد صولة والأستاذ أبو إسماعيل أعبو والأستاذ حميد ركاطة.
في مداخلته، التي وسمها بـ"تَشْكيل عتبات القصة القصيرة جدا (عتبة "العنوان" أنموذجاً) أشار الدكتور عبد المالك أشهبون إلى أن الدراسات النقدية الحديثة كشفت عن حقيقة الجدل الدائر في قلب كل عمل فني بين مفاصله الداخلية، ومكوناته المحيطة به. وأوضح أن الوعي النقدي الجديد فتح الباب على مصراعيه أمام مجموعة من المقاربات النقدية حول علاقة العتبات (العنوان، اسم المؤلف، صورة الغلاف، التقديم...) بالمتن المركزي.
ومن العتبات المهمة التي تؤرق المبدعين، حسبه، اختيارهم لعتبة العنوان الذي يخرج به عملهم الإبداعي إلى النشر، لأن عتبة العنوان عادة ما تكون مفتاح الدخول إلى النص، وأحد جوانب الترويج له.
وبناء عليه تساءل:
• ما هي، يا ترى، المكونات البنيوية لعناوين هذه المجاميع القصصية؟
• وما هي الدلالات والإيحاءات التي تنطوي عليها هذه العناوين؟
• وما هي الوظائف التي يضطلع بها العنوان في هذه المجاميع القصصية؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، اقتصرت مقاربته على عناوين أربع مجاميع قصصية هي: "دموع فراشة" (قصص قصيرة جداً) لحميد ركاطة، و"حين يتكلّم الغبار" (قصص قصيرة جدا) لرحيمة بلقاس، و"وطن وسجائر.. بالتقسيط" (مجموعة قصصية) لأحمد السَّقال، و"حائك العتمات" (قصص قصيرة جداً) لعلي بنساعود.
وفي هذا الصدد، تناول مستويين من مستويات تشكل الصوغ العنواني في هذه المجاميع القصصية وهما:
العنوان القصصي وقضايا تشكله، ومن خلال تأمله لطبيعة هذا العناوين المنتخبة، وجدها تتشكل، على المستوى التركيبي، من جمل اسمية، وتتميز بالقِصَرِ والاختصار على مستوى الصياغة اللفظية، وعلى البروز والقدرة على لفت نظر المتلقي.
وحسبه، فإن أهم الأساليب التي وظفت في هذا الباب هي: التشخيص، والأنسنة، والحذف، واقتحام ما وراء الواقعي، وتمزق النسيج الواقعي...
وألفى الناقد أن هذه العناوين مثيرة للجدل، لأنها مسكوكة بكثافة وغموض، تاركة المجال رحبا لتوارد نسق من القراءات والتأويلات المتعددة الأبعاد والمقاصد حول ماهية العمل الإبداعي وغايته...
وبخصوص وظائف العنوان في القصة القصيرة جدا تساءل أشهبون عما هي الوظائف الجمالية التي اضطلعت بها هذه الأساليب في الصياغة النهائية للعنوان القصصي؟
وللإجابة عليها، استند على جيرار جينيت في كتابه "عتبات" موضحا أن هذا الأخير اختصر وظائف العنوان في أربعة عناصر هي: الوظيفة التعيينية، ومن خلالها، يعطي الكاتب اسماً للكتاب، يميزه بين باقي الكتب، ووظيفة وصفية تتعلق بمضمون الكتاب، أو بنوعه، أو بهما معاً، أو ترتبط بالمضمون ارتباطاً غامضاً، ووظيفة إيحائية، ترتهن بالطريقة أو الأسلوب الذي يعيِّنُ العنوانُ به هذا الكتاب، وظيفة إغرائية تسعى إلى إغراء القارئ باقتناء الكتاب أو قراءته.
بيد أن الجديد الذي توقف عنده الناقد والذي حملته عناوين هذه المجاميع هو تجاوزها لتلك الوظائف التقليدية التي درج السابقون على التقيد بها (كالتعيين، والتسمية، والوصف، والاختصار)، وإن كانت كلها متضمنة في ثنايا العنوان بداهة. هذا الجديد هو:
• الوظيفة الإيحائية: حيث إن قوة هذه العناوين في ما لا تقوله حرفياً، أي في قوتها الرمزية الإيحائية.
• والوظيفة التحفيزية التي تحث المتلقي على التفاعل الإيجابي، حيث وصف هذه العناوين بأنها "خادعة"، وأن حضورها رمزي، وليست مجرد معادل موضوعي وواقعي، كما جرت العادة في توظيف العنوان مع كتاب القصة التقليدية.
من هنا يغدو العنوان حمَّال أوجهٍ من التفسير والتأويل، نتيجة الحضور القوي لمثل الخرق اللغوي، والترميز، والسخرية، والأسلبة وغيرها.
وختم المتدخل بالقول إن عتبات الكتابة، بما فيها عتبة العنوان، ليست دائما دانية القطوف، وأنها لا تخلو من دلالات متعددة وملتبسة، بتعدد أسْيِقَتها التداولية، واختلاف وظائفها وطبيعة مستهدفيها، فويْحَ منْ لا يحْذَرُ المعنى الظاهر لهذه العتبات، ويخفِّفُ من يقظته، ولا يظل على احتراسه!
بدورها تناولت الدكتورة نزهة الغماري "جمالية العتبات النصية في القصة القصيرة جدا" وركزت في اشتغالها على عتبة "لو حة الغلاف".
وفي مطلع مداخلتها، أشارت الناقدة إلى أن الاهتمام بالعتبات جزء لا يتجزأ من فضاء النص، بل إن العتبات أصبحت، في نظرها، مداخل توجيهية واستباقية، وفضاء دالا يصعب تجاوزه وتجاهله، فتغدو بذلك العتبات خطابا موازيا، ومفاتيح إجرائية تنير عوالم النص، وتشكل ملامحه، وتحدد هويته، وتجعله ينفتح على مرجعيات متعددة؛ لأن قراءة المتن تصير مشروطة بقراءة هذه النصوص الموازية، لأنها تقوم بدور الوشاية والبوح. الشيء الذي يساهم، إلى حد كبير، في ضمان قراءة سليمة للعمل الإبداعي.
بعدها تساءلت المتدخلة عن كيف تم توظيف هذه الخطابات الموازية في القصة القصيرة جدا؟ وهل استطاعت أن تسك لنفسها منحى مغايرا يضفي عليها خصوصية جمالية ثرة ومتنوعة؟
ولتجيب عنها، قاربت الناقدة أربع مجاميع قصصية قصيرة جدا هي: "وطن وسجائر.. بالتقسيط" لأحمد السقال، و"ندوب" لميمون حرش و"أمواه أخرى.. قالت الضفدعة" للطاهر لكنيزي، و"قبلات في يد الهواء" لعز الدين الماعزي.
واعتبرت نزهة الغماري الغلاف بمثابة فضاء نصي، وعتبة أولى تستقبل المتلقي، وتحفزه، وتثير فضوله للاهتمام بالعمل قبل الولوج إلى عوالم النصّ اللامتناهية، لذلك، أصبح فضاء الغلاف محل اهتمام المبدعين الذين حولوه من مجرد وسيلة تقنية معدة لحفظ الحاملات الطباعية إلى فضاء يتم فيه الاشتغال على العلامات البصرية التشكيلية، والأيقونية، واللسانية.. فيغدو بذلك فضاء من المثيرات والمحفزات الخارجية والموجهات الفنية المساعدة على تلقي المتون.
وبعد مدخل نظري مسهب، عادت الناقدة إلى مسند اللوحة الفنية المؤثثة لفضاء غلاف المجموعة القصصية "ندوب" للقاص ميمون حرش؛ فوجدت أن الفضاء الكلي للغلاف الذي توشح بالسواد/ البياض شكل إطارا مفارقا ومبئرا، حيث تحضر تضاعيف هذا اللون بأبعاده المتشظية والمنكسرة والمنفتحة على كل رهانات القتامة والألم والخيبة والهزيمة... معتبرة هذا الفضاء عتبة استباقية وظيفية تحيل على مجموعة من المشيرات الدالة، يحضر فيها البعد الاجتماعي والسياسي والثقافي والجمالي الذي تراهن عليه المجوعة القصصية ككل.
في حين، تضيف نزهة الغماري، يعمل الإطار في لوحة غلاف المجموعة القصصية "قبلات في يد الهواء" على تأطير فضاء الصورة تأطيرا مضاعفا، من خلال تسييج فضاء المشهد بإطار بدا سمكه واضحا للمشاهد من جهة، ومن خلال جعل لون فضاء الغلاف أقل درجة من لون اللوحة (الأزرق الغامق)؛ وذلك لتكثيف فضاء المشهد، وحصر بؤرة الاشتغال عليه.
أما مسند اللوحة الفنية لغلاف المجموعة القصصية "أمواه أخرى.. قالت الضفدعة"، فوجدت الناقدة أن مشهده البصري غير مكتمل، ويتجاوز حدود الإطار، حيث تختفي فيه كثير من المكونات الأيقونية المرتبطة بالفضاء الذي تتواجد فيه الضفدعة، ومن تم فعلى القارئ المشاهد أن يستحضر وجودها الأيقوني ليكتمل المشهد داخل هذا المجال البصري غير المكتمل في قراءة متوالية الصورة.
وأضافت الناقدة أن فضاء اللوحة الفنية قد يتمرد على كل تسييج أو تأطير، حيث يؤسس غياب الإطار حضور مفهوم "الصورة المنزاحة عن المركز"، كما هو الشأن بالنسبة للوحة مجموعة "وطن وسجائر ..بالتقسيط" لأحمد السقال حيث غدا الغلاف الذي هيمن عليه اللون الأحمر إطارا لامتناهيا. وأصبحت اللوحة جزءا لا يتجزأ من فضاء الغلاف ككل. وهو اشتغال وجدناه في بعض المجاميع القصصية القصيرة جدا الأخرى، كمجموعة "أبراج" لحسن برطال، و"رسومك حيطاني" لعلي بنساعود، حيث يغدو الغلاف حائطا يرسم عليها المتلقي تداعياته وأحلامه وانكساراته.. ويكون الهدف من ذلك تحويل بؤرة الاشتغال لـ"إحداث تأثير عكسي يتمثل في سجن المشهد والمشاهد، وجذبهما نحو بعضهما البعض، في اتجاه المركز والدخول في عالم التخييل".
هذا التأثير الذي قد يأخذ منحى آخر ينفتح على جميع الاحتمالات، عندما يحتفي فضاء الغلاف بالبياض/ المحو، فيغدو هذا البياض تغييبا نصيا يمتح هويته من خاصية التشويق والانفتاح على جميع الاحتمالات والرهانات...
ما يمكن أن نلحظه إذا، هو أن الإطار يتجاوز كونه حدودا مادية واختيارات تقنية لها في العمق تأثيرات كبيرة على عملية تلقي الرسالة البصرية وقراءتها.
وبخصوص زاوية النظر، تضيف الناقدة أن الوقوف على بعض زوايا النظر للوحات غلاف بعض المجاميع القصصية، يجعلنا ندرك الوظائف الضمنية ونربطها بالعمق الدلالي الذي تشتغل عليه المتون الحكائية، إذ تأخذ الزاوية المنخفضة التي قدمت بها صورة غلاف "أمواه أخرى" التي تلتقط الصورة في اتجاه الأعلى، والتي تعطي انطباعا للمتلقي/ المشاهد بزيادة حجم الصورة، ولنا أن نتساءل عن سبب اختيار زاوية الرؤية هذه، خصوصا إذا ربطنا بين زاوية النظر هذه والوظيفة التي اقترنت بها؟
وبالعودة إلى اللوحة التشكيلية التي تتجسد على الغلاف، نجد أنها تتميز بتبئيرها لصورة الضفدعة، وجعلها قريبة من زاوية الرؤية لأنها ستأخذ مهمة الراوي الذي سيقوم بسرد المتون الحكائية في المجموعة القصصية، في حين، تأخذ لوحة غلاف "وطن وسجائر.. بالتقسيط"، الزاوية المائلة التي تستخدم في مواقف الترقب والاثارة وعدم التوازن أو الاستقرار... وهي بذلك تتميز بالفاعلية والإثارة والتشويق، هذه الإثارة والتشويق التي تتكرس أيضا من خلال اكتساح اللون الأحمر للوحة ككل.
بالاضافة إلى ذلك، نجد، حسب الناقدة، العديد من اللوحات/ الصور تشتغل على الزاوية العادية، وهي الزاوية التي تعطي انطباعا بقرب المشهد التشكيلي من المتلقي، وجعله مقابلا له (وجها لوجه)، كأنها تخاطبه، الشيء الذي يضفي عليها واقعية تجعل العمل الفني قريبا من المتلقي، ونمثل لذلك بلوحة "ندوب" للقاص ميمون حرش، ولوحة مجموعة "قبلات في يد الهواء" لعز الدين الماعزي، ولوحة" قليل من الماء لكي لا أمشي حافيا" للقاص الجزائري عبد الكريم ينينه، والمجموعتان القصصيتان "ذكريات عصفورة" و"دموع فراشة" للقاص حميد ركاطة و"خيوط متشابكة" للقاص محمد محقق...
بعدها، تناولت الألوان المهيمنة على اللوحات التشكيلية لتنتهي إلى القول بأن الحكي الذي ينفتح على آفاق رحبة تعانق فيها المتون الحكائية صخب الحياة ومفارقاتها وانتكاساتها، كما يعانق سحر الأرض وعطاءها وتوهجها... هو حكي دينامي يجدد نفسه مع كل خطوة نحو آفاق أرحب...
من جهته، أشار الدكتور محمد صولة الموشومة بـ"شعرية العتبات النصية ومحافل القراءة: قراءة في "ذكريات عصفورة" لحميد ركاطة، و"صدى الكلمات الجريحة" لآمنة برواضي، (أشار) إلى أن القصة القصيرة جدا نص ليس كباقي النصوص، وخطاب يتغيا التجاوز والمداهمة باستمرار، وإذا كان البعض قد فهمها من خلال تكثيفها الدلالي للصورة، أو المشهد، أو اللقطة، أو الومضة، مع إثارة التأويلات المختلفة المبنية أساسا على المفارقات، إضافة إلى الاهتمام بالعناصر الفنية والقدرة على التعبير، وذلك من أجل إعادة إنتاج المعنى، أو الرمز، قصد الإشباع الفني والجمالي، فإنه، بالتأكيد، حاول الإجابة على مجموعة من القضايا، ذات الاهتمام المشترك، على أن القصة القصيرة جدا ليست فنا سهلا، يمكن أن تركب موجته...
وفي ما يتعلق بالعتبات توقف الناقد عند "ذكريات عصفورة" للقاص والناقد حميد ركاطة، و"صدى الكلمات الجريحة" للقاصة آمنة برواضي واعتبر أن عتباتهما تسعفه في تمثل شعريتها ومحافل قراءتها، باعتبار الأولى تستحضر فضاء فانتازيا عميقا، له تخوم لا نهائية في الزمان والمكان، أما الثانية فتنغمس في قلق الذات، وتجعلها خاضعة تارة، ومشاكسة تارة أخرى، ومن هذا المنطلق، لاحظ محمد صولة أن تناول الكائن الحيواني وربطه بالإنساني يأتي في سياق توليف حكائي يسترجع وقائع الذاكرة، ويحاول شدها إلى مراحل استرجاعية، يستوطنها الحنين والشوق والطفولة، هكذا، حسبه، يبدأ القاص حميد ركاطة سيرته الأليجورية، حيث يستنير فيها بالماضي زمنيا، ويؤطرها بدلالة استعارية تتعرض إلى انحراف مركزي، يتمدد في العتبات الداخلية للمجموعة، كما أن هناك مصاحبا نصيا مباشرا، وتوجيهيا يستحضر الوالد والأم والزوجة والأبناء، إنه محفل المرسل إليه، يقول القاص: إلى والدي الحاج عبد القادر بن سلام، إلى أمي تبيبي فاطمة، إلى زوجتي تورية، إلى أبنائي صوفيا معاذ وزياد"، إلا أن المصاحب النصي عند آمنة برواضي، حسب الناقد، يخرق محفل المرسل إليه، ويدفعه إلى التعامل معه من منطلق خرقه، تقول القاصة: "إلى كل من مروا بذاكرتي، إلى كل من شغلت بهمومهم، وأنا أنسج كلمات قصصي، محاولة مرة أخرى استبدال حبر قلمي، بقطرات من عصارة أحاسيسي لأصور بصدق مرارة الواقع"، وأمام هذا الاختلاف في التمثل الموضعي للنص المصاحب، يصبح الإهداء مؤشرا على وظيفية دالة، يمكن اختزالها في تحديد هوية المتلقي للنص الأصل، أو تعيين مدلوله الضمني، أو إظهار قيمته، وذلك من خلال عنصري الانجذاب والغواية اللذين يدفعان القارئ المستهدف أو المحتمل إلى مباشرة التلقي السلبي أو الإيجابي، وبما أن كلا من المجموعتين تحملان عناوين رئيسة وفرعية، فإنها بالضرورة تنتقل إلى وضعية واصفة، تتمثل في مصاحبات نصية قرائية، يؤشر عليها ويوجهها تلق نوعي، مثلا: د. جاسم خلف الياس الذي يضع نصا موازيا بعنوان: شعرية القص وغواية الحكي، قراءة في مجموعة ذكريات عصفورة، ثم تقديم للناقد الأدبي محمد رمصيص، وأخيرا تقديم لصاحب المجموعة، كما أن مجموعة "صدى الكلمات الجريحة" لآمنة برواضي، يضع لها د. نور الدين الفيلالي تقديما مؤسسا للتجربة، ومن هنا يتضح بخصوص هذه العناوين والإهداءات والتصديرات التي تم توظيفها في المجموعتين، أنها أولا مرتبطة بالتمثل الشعري، ثانيا مفتوحة على الذاتي، ثالثا إيجازها لمقصدية المتن القصصي استعاريا أو مجازيا كحيز الاستهلال بالنسبة للمحكي عند القاصة آمنة برواضي، على أن وضع المستهل والمستهل إليه قد يختلف ويتنوع باختلاف وتنوع المقامات التواصلية التي يكشف عنها النص القصصي كما هو عند القاص حميد ركاطة، سواء على مستوى الحرفية والوثوقية، التي تميز عملية جمع الاستهلال ضمن التركيبة العامة للنص القصصي، وعلى مستوى استعارة صوت من خارج النص ونقله إلى داخله، وهذا ما يؤكد أهمية الأسئلة التي يستتبعها توظيف الاستهلال وعمق القضايا المحددة لوظائفه النصية في ارتباط بالسياق العام لتحققات الحكاية وطرائق سردها، هذا الصنيع الذي يقوم به الكاتبان في بداية نصوصهما القصصية، هو بالدرجة الأولى تصدير استهلالي يساهم في وضع تصور بدئي لمتخيل القارئ، ويدفعهما إلى الكشف عن بعض خطط الطريق الاسترشادية التي يتوخى النص، من خلال عمل الكاتبين، عبورها، ولما كان هذا التصدير استهلاليا، فهو يساهم، بتضافر مع عناصر أخرى من النص الموازي، في توجيه أفق انتظار القارئ، وتوسيع أفقه الثقافي في انسجام مع أفق النص"، لذلك، فوظيفته تتغيا البعد الإيحائي الذي يعيد النص إلى تشريح فني ـ جمالي، لا يمكن فهمه إلا بتوفر شروط التلقي، فهل تكتفي بهذه النصوص الموازيةـ التصديرات (المقاطع الأشبه بالشعر...)، ونعتبرها بمثابة مداخل يمكنها أن تحقق الاكتفاء في فهم النص، أم أنها تقتضي الربط بين شمولية القراءة (النص الموازي الفرع ـ النص القصصي المركز) ومدى تأويلها من لدن القارئ وملاءمتها لأفق انتظاره؟
وبالإضافة إلى محفل هذه النصوص الموازية، لاحظ الناقد أخرى، ثم عرضها في سياقات خارجية، والنصوص المصاحبة للعناوين الفرعية التي تبتدئ بها النصوص القصصية، وربما أنها خاصة الأخيرة منها، تقوم بنفس الدور.. فإنها استشهادات قائمة بذاتها داخل المتن، لكنها مساندة له ومدعمة لمحافله، ومحققة لشعرية بناء دلالته على مستوى منجزه النصي والخطابي والمفتوح على فعل التلقي، وفق ما تضمره العتبات من خلال المقاربة الثقافية بخصوص مرحلة المناص الثقافي.
إن نماذج للعناوين الداخلية في مجموعة "ذكريات عصفورة" للقاص حميد ركاطة، يمكن قراءتها من زاوية اعتبارها مختزلة لرؤية ذاتية، تهدف إلى دلالة إيحائية، ومتسمة بالوجودية والأسطرة، مثلا، نص حوار العربة والكرسي ص 27، وKaFKa ص37، وكأس الحكاية ص39، وحكاية قطار ص43، وسيد النمل ص49، وجلجامش ص60، وهوميروس ص63. هذه العتبات الداخلية تتشكل من مفارقات محلية وكونية، تستحضر الرمزية وتستغور كنه الواقع المحلي وصوره الكالحة والمتضاربة بين قلق الاغتراب وضجر الضياع، إلا أن محافل العناوين الداخلية لآمنة برواضي، تشدنا إلى الحديث عن القضية، وعن التضحية والاستشهاد من أجل المبادئ والقيم، إذ تتمظهر هذه الدوال خطابيا في: نص جرح وطن ص9، وخوف ص10، وشهيد القضية ص11، وشبح الظلم ص12، ودماء ص14، وصوت الظلم ص20، وقضبان الهموم ص26، وهواء ثقيل ص32، بحيث تأتلق نصوصها بمواجهة القهر والاستبداد والظلم، وهو ما يجعلها متموقفة على المستوى الذاتي والموضوعي، وإن غلبت الأول على الثاني، وبهذا تكون العلاقة بين اتساق النص الموازي وانسجام خطابه، تحققا لشعرية يتضمنها الوعي بالمنجز القصصي في شموليته، وبما ينسجه من محافل قرائية تستدعي مشاركة القراء في العملية التأويلية، ويبدو أن العناوين التي يبصم بها الكاتب مؤلفاته، تحتمل إمكانيات تحفيزية لقبول احتمال قراءات متنوعة ومتداخلة، قد تحقق تداولا مزدوجا بين المؤلف/ المرسل والقارئ/ المرسل إليه، وبما أن هذا الطرح يستحضر العلاقة التواصلية بين الاثنين، فإنه يستدعي بالتالي شمولية مقروئية تنزاح دلاليا عن مركزية بؤرية إلى هامش فرعي متعدد لا يقبل غير سلطة الانجذاب والدهشة، هذا العنصر قد يشترك في إنجازه كل من الناشر أو الكاتب، وفي نفس الوقت قد تستميل الجمهور، بحيث إنه ينفتح على تلقيات القراء التي هي أساسا يستحوذ عليها وعي المشاهد ولذة مصاحبته لها.

وفي مداخلته، الموسومة بـ"العنوان والصورة: جمالية التفاعل مع القصة القصيرة جدا" اشتغل الناقد الأستاذ أبو اسماعيل أعبو على أربع مجاميع قصصية قصيرة جدا هي: "حين يتكلم الغبار" لرحيمة بلقاس و"سيمفونية الببغاء" لحسن برطال و"أصيص الأحلام" للبشير الأزمي و"حائك العتمات" لعلي بنساعود.

واعتبر في مداخلته أن الناظر عن كثب إلى عناوين هذه المجاميع القصصية، يجدها تصدر عن تفكير استعاري، وتساق مساق التعبير المجازي الإيحائي المكثف، لذا، لا غرو إن أتت صورا شعرية، صيغت وفق استعارات مكنية، حذف منها المستعار منه. ولعلها بهذا، حسبه، تبعثنا على افتراض أن النصوص القصصية ستعقد مع الشعر علاقة تجانس، وستتحاور معه في منظومتها التأليفية، وقد تعدل عن الالتزام بالتوسيمات الجنسية للقصة القصيرة جدا.
والواقع أنها إذ يلابس لغتها الشعري، توحي بانزياح النصوص القصصية عن اللغة التصريحية المباشرة إلى اللغة الإيحائية غير المباشرة. كما توحي بكتابة ستراهن على اشتراع أفق سردي متراحب الاحتمالات التأويلية. وبهذا، يمكن أن نتوقع منها أن تشرك القارئ في العملية الإبداعية، وأن تبدع الواقعي، بدل أن تحاكيه.
وأول ما أشار إليه الناقد في هذا السياق، هو أن عناوين المجاميع القصصية، تختلف من حيث درجة التوهج الدلالي، لذا فهي مزدوجة، حيث هناك عنوانان شاسعا الإشعاع الدلالي، وهما "حائك العتمات" و"حين يتكلم الغبار" وذلك بحكم أنهما يشعان دلاليا على جميع نصوص مجموعتيهما، دون أن يناظرا عنوان أي نص من نصوص المجموعتين.
ومن أدق ما استوقفه في هذا المساق، أن "حائك العتمات"، اعتمد في تركيبته اللغوية الاستعارية طاقة إيحائية تحمل الذهن على التفاعل معها، وذلك حتى يجعل من صورته الشعرية صورا في مرايا تأويلية مختلفة، ويكون بالتالي عنوانا يعطي في سياق تفاعلاته النصية أكثر من نفسه، ويرى ذاته النصية في مرايا المغاير اللامتناهي، ما يجعله، حسبه، يحيل إلى حياكتين:
 حياكة فنية تحاك وفقها قصصه القصيرة جدا من حيث تلفظاتها، فتستوي وفق بنى حكائية نسقية محكمة التحبيك.
 حياكة دلالية تحاك وفقها النصوص من حيث ملفوظاتها، فتنتظم وفق مبدأ تنظيمي يتمثل في موضوعة العتمة، التي أتت بإيحاءاتها سلكا رابطا بين كل أنسجة النصوص وبناها.
بهذا، يكون شأن العنوان، كشأن السلك الناقل للشحنات الكهربائية، فهو يوحي بحيثيات الكتابة السردية التي تجانس الشعر، وما ينبغي للقراءة من حيثيات إزاءها.
أما "حين يتكلم الغبار"، فسجل الناقد بخصوصه أنه كعنوان، يبدو لأول وهلة غير مستوحى من أي من نصوص المجموعة، وأن كلماته لا تمت بصلة إلى أي حقل من حقولها الدلالية، ولا تشع عليها بأي إشعاع دلالي...
لذلك، طرح أبو إسماعيل سؤال الحمولة الرمزية المتداولة للفظة غبار، ووجدها في الرمز الأدبي الذي شاع في الثقافة الغربية، أي رمز هشاشة الحياة الإنسانية، الذي يستنبط من القول: "إن الانسان مجرد غبار"، أو مما ورد في الإنجيل: "تذكر أنك غبار، وسترتد غبارا"، فهذا الرمز، سيُيَسر له استكشاف تفاعل عنوان "حين يتكلم الغبار" مع نص قصصي، ترجمته صورة الغلاف واستدلت عليه بواسطة نسق تمثيلي أيقوني، وهذا النص هو: "مجرد جرة قلم رصاص" الذي يؤكد الصلة العضوية بين العنوان وما آل إليه الرسم، إذ أصبح ذا لون رمادي، كما أن الرصاص فيه اختلط بالقتامة التي توحي بالغبار، وتدل عليه لغويا.
إن ما يوحي به النص في شموليته، ويفصح عنه الغبار مجازيا، هو أن الإنسان رغم خلقه الإبداعي في أحسن تقويم، أتت حياته هشة، فهو مهما بلغ من الكمال، لا يلبث أن يصبح مجرد غبار.

إضافة إلى هذا، توقف الناقد عند عنوانين اعتبرهما محدودي الإشعاع الدلالي، وهما "سيمفونية الببغاء" و"أصيص الأحلام" إذ أنهما، حسبه، لا يشعان دلاليا إلا على نصين اقترنا بهما في مجموعتيهما.
واعتبر ابو اسماعيل أن عنوان "سيمفونية الببغاء"، لا يتعمق الشعري كما يوحي لنا، بشكل يحرك المعنى المتعدد وثراء احتمالاته، كما لا يرتسم لكتابته غاية الانزياح عن الدلالة المحايثة للكلمات، وبالتالي التجانس مع الشعر، فهو لا يحتفي بالإيحائي إلا ليدل بوضوح على التصريحي، فالنثري هنا يبدو مهيمنا على النص، حتى أنه يكاد يحجب الشعري.
وما يود القاص التشديد عليه، من خلال عنوانه هو جمالية المفارقة المدهشة في قصه، وانتظامه وفق تشكيلات إيقاعية تبديه سلس القراءة.
أما عنوان "أصيص الأحلام"، فيتفاعل جدا مع النص المقترن به، وينبني انبناء تخييليا، فتتراكب الصور الشعرية في بنيته السردية.
وإذا كان العنوان يشع شعرا على النص الذي اقترن به، فإنه في الآن ذاته يشعه على نصوص أخرى، دون أن يبلغ إشعاعه كافة نصوص مجموعته، ذلك أن الكتابة بـأسلوب تصريحي مباشر تقوم على إسنادات متجانسة، تستميل القاص بين الآونة والأخرى.

بهذا، تأكدت للناقد افتراضاته إزاء العناوين، إذ ارتهنت بتفاعلها مع نصوص مجاميعها، وإيحائها بملفوظاتها وحيثيات تلفظها، وهذا التفاعل، ارتهن بهيمنة الوظيفة الجمالية بشكل لافت على العناوين...
أما على المستوى الأيقوني والتشكيلي، فقد انتهى المتدخل إلى أن الصورة، التي اقترنت بغلاف: "حائك العتمات" تعتبر تكثيفا للعالم الحكائي، فهي لا تشف عن العنوان الذي يحاذيها جدا فحسب، بل تشف في الآن ذاته بنسقها التمثيلي عن الناظم الدلالي، الذي تنتظم وفقه النصوص، وهذا الناظم يمكن الاستدلال عليه من خلال لفظة العتمة، التي تضمنها العنوان، ورمزياتها التي توحي بها كل نصوص المجموعة القصصية بدون استتثناء، فهي تحتل ركنا كيانيا في ملفوظاتها، إنها عتمة الموت الصريح أو الموحى به، الذي نكاد نشتم رائحته ونحن بصدد القراءة، كما أنها عتمة الوحدة الوجودية واتخاذ قطيعة مع العالم، وعتمة المجهول، وعتمة الكينونة ووحدتها، وعتمة المصير السيئ، وعتمة غموض المعيش، وعتمة الوهم، وعتمة الغربة حتى في الوسط العائلي، وعتمة الإحساس بالقنوط، وعتمة المكان الذي لا يُحتمل العيش فيه.
أما الصورة التي تطالعنا على غلاف "حين يتكلم الغبار"، فاعتبرها الناقد ترجمة أيقونية وتشكيلية، لما ورد في النص المعنون بـ: "مجرد جرة قلم رصاص" التي استحضرها ضمن المستوى اللغوي، إنها صورة رغم بساطتها التركيبية، وبنائها المرجعي تدل على منزلة توحي بمنزلتين دلاليتين هما: منزلة ما كانت عليه المرأة من جمال، بينما بدأت العاصفة تعصف بها، ومنزلة ما ستؤول إليه هاته المرأة، وقد أثير الغبار على شعرها ووجهها، أي أنها صورة تعكس رسما بالكلمات، في اللحظة التي حلت فيها العاصفة بالمرأة البهية، لتذهب بما كان عليه وجهها من جمال، ولتطمس بعدئذ ألوانه، وتُحل محلها القتامة الغبارية.
لذا، فهي تعكس بنسقها التمثيلي القائم على علاقة طبيعية بين دواله ومداليله، نسقا لغويا قائما على علاقة اعتباطية، وهي إذ تعكس نسقا بآخر تضاعف دلالته، وتلفت النظر إلى إحالة لفظية بإحالة أيقونية وتشكيلية، أو بهوية بصرية مرئية ستطالها الهشاشة الحياتية، التي تعتبر الناظم الدلالي الذي تنتظم وفقه كافة القصص القصيرة جدا، المتضمنة في المجموعة القصصية...

أما الصورة التي تصدرت غلاف "سيمفونية الببغاء"، فاعتبر أبو إسماعيل أنها تستوقف الذهن بهندستها الملونة، التي لا تنصاع بتاتا إلى مبدأ الانعكاس أو المحاكاة، ولا ريب أن القاص اعتمد علاماتها التشكيلية على غلاف كتابه، ليوحي بعلاقة تقاطع بين قراءتها وقراءة العلامات اللغوية، التي صيغت وفقها القصص القصيرة جدا المتضمنة، وما يود الإيحاء به، هو أن شأن القراءة في المجموعة القصصية "سيمفونية الببغاء"، كشأن القراءة في لوحة تشكيلية، فهي قراءة ينبغي أن لا تكون منفعلة بالمقروء ومباشرة تقصر ذاتها على فهم أجوبته، دون التفاعل معه بالأسئلة، وإنما ينبغي أن تكون قراءة فاعلة غير مباشرة، تعتبر الفهم عملية بناء المعنى واستثارة معنى المعنى.

أما الصورة التي اقترنت بغلاف "أصيص الأحلام"، فرأى الناقد أنها مركبة وتطبعها الصبغة السوريالية، حيث الأفاعي تنمو في الأصيص بدل الورود، والسماء ذات لون مغاير لألوانها الأصلية، فهي بغرابتها هاته تنتهك حجب الواقعي، وتضع المتخيل داخل فضاء يتسامى عن المنطق العقلي المتداول ونطاقه الزمني والمكاني.
وما تود الصورة أن توحي به، هو أن زمن الحلم يحبطه زمن الواقع...
بهذا خلص الناقد إلى أن جمالية الصورة على غلاف "أصيص الأحلام"، ليست وليدة تركيب أيقوني، يستمد شرعيته من بنيته وصياغته، وإنما هي وليدة تركيبة من العلامات الأيقونية واللغوية المتفاعلة إيحاء...

من جهته، قدم الناقد حميد ركاطة ملخصا لدراسة قيمة وافية تحت عنوان: "القصة القصيرة جدا بالمغرب: دراسة في العتبات النصية" وفيها أشار إلى أنه قلما تم الاهتمام، من قبل، بموضوع "العتبات النصية، أو النصوص الموازية بأنماطها المتعددة ووظائفها المختلفة...
وأوضح الناقد أن دراسته تهدف "إلى الوقوف عند مجموعة من المعطيات، وتقديم بعض الخلاصات التي تم التوصل إليها بعد مقاربة تسعة وثلاثين مجموعة قصصية من بينها تسع مجاميع قصصية لكاتبات مغربيات من مختلف الأجيال إبداعيا.
موضحا أن "من شأن قراءة العتبات أن تساعد على ضمان قراءة سليمة للكتابن وفي غيابها تعتري قراءة المتن بعض التشويشات" وذلك "في أفق الخروج بتصور واضح عن دورها ودلالتها الرمزية ومصاحباتها اللفظية والأيقونية."
بعدها تناول المتدخل ما يشوب مفهوم القصة القصيرة جدا من ضبابية لا لدى الكتاب فحسب، بل لدى النقاد أيضا، إذ أن إطلالة سريعة على المجاميع ستجعلنا نجد تنوعا، وتعددا بتعدد الكتاب أنفسهم، فهناك من يجنس عمله تجنيسا واضحا "قصص قصيرة جدا"، وهناك من يجنح نحو تجنيس مخالف "أقصوصة، أقصودة، قصص مينمالية، القصة الومضة، الشذرة القصصية، خواطر قصصية، أقاصيص... أو يتم اللجوء الى تجنيس فضفاض "قصص" أو مجموعة قصصية".
ويضيف ركاطة أن مما أثار انتباهه أثناء تصفح أغلفة الصفحات الأولى للمجاميع المدروسة وجود العديد من الاختلافات على مستوى ترتيب معطياتها التعريفية من قبيل: اسم المؤلف/ وعتبة المجموعة/ والميثاق التعاقدي، حيث لاحظ وجود فوضى على مستوى تجنيس المجاميع القصصية، لاعتبارات منها ما يتعلق بكون بعض المجاميع المدروسة ضمت بين ثناياها نصوصا قصصية قصيرة، وأخرى قصيرة جدا، ومنها ما يتعلق بميثاق الكاتب نفسه في منح مجموعته تجنيسا فضفاضا، أو خاصا، أو غريبا، لاعتبارات ذاتية، وهو ما شكل، في نظره، نوعا من التمرد على ضوابط الجنس الادبي.
بل إن من بين المفارقات التي وقف عليها، أن مجموعة من المجاميع القصصية عثر بها على تضارب في ميثاقها التعاقدي بمجرد ما غادر صفحة الغلاف الخارجي نحو الصفحات الداخلية للمجموعة، بل عثر أيضا على استدراكات لأصحاب مجاميع أخرى بالعودة إلى وضع تجنيس ملائم بالجنس القصصي... أما بخصوص تقديم المجاميع، فاستوقفه أن بعض المجاميع تم التقديم لها من طرف مجموعة من الأفراد من بينهم، نقاد القصة القصيرة جدا، أ وكتاب للقصة القصيرة جدا، وأحيانا من طرف مؤلفيها، وهو ما جعل هذه الكتابات تختلف من حيث المنظور، والتصور، وزوايا النظر، بل منها ما يمكن اعتباره محاولات تنظيرية، أو تصورات خاصة وذاتية، حول زوايا النظر إلى مفهوم القصة القصيرة جدا.
وقد تباينت هذه الكتابات، حسب الناقد، واختلفت من حيث المساحة النصية التي حازتها، إلى درجة أن بعض المجاميع، شغل فيها التقديم زهاء ربع بل ثلث مساحة المجموعة، ومنها ما اشتمل على تحليل لنصوص بعينها من طرف مجموعة من النقاد، وكتاب القصة، أو من طرف أصحابها. وإذا كان بعضها اتخذ صيغة التخصص، فإن بعضا آخر نحا منحى المجامل، متسائلا عن جدوى إدراج مجموعة من الملحقات النصية، التي بقدر ما توجه قراءة المتلقي، بقدر ما تجعله ينفر أحيانا من التلذذ بقصص المجموعة، متسائلا أيضا عن الدافع وراء تضمين أكثر من تقديم داخل المجموعة الواحدة!!! وعما إذا لم يكن ذلك مساهمة في سقوط المجموعة القصصية القصيرة جدا، في فخ البدانة والابتذال مثلا!!!
ملاحظات أخرى استوقفت الناقد منها أن هناك:
• مجاميع قصصية تم التأكيد في صفحة غلافها الخارجي على ميثاقها التعاقدي بشكل واضح، وتم اعتماده كذلك في الحيز الخاص بتقديم المجموعة القصصية "قصص قصيرة جدا"
• مجاميع جاء فيها التجنيس فضفاضا، وعاما "قصص" وداخل المجموعة يعمد المقدم إلى إدراجها ضمن جنس آخر (قصة قصيرة أو قصة أو ومضة أو مجموعة قصصية)
• مجاميع تم فيها التقديم بشكل فضفاض، رغم وجود ميثاق تعاقدي واضح على ظهر الغلاف الأول للمجموعة القصصية "مقامات قصيرة جدا".
• مجاميع لم تتم الإشارة في تقديمها إلى جنسها وميثاقها التعاقدي
• مجاميع حاول التقديم إدراجها ضمن جنس القصة القصيرة جدا، رغم أن ميثاقها التعاقدي فضفاض.
• مجاميع تغيب عن تقديمها الإشارة إلى طبيعة الميثاق التعاقدي...
• مجاميع تضمنت شذرات تنظيرية، أو وجهة نظر الكاتب لجنس القصة القصيرة جدا سواء من منظوره الخاص، أو من منظور مقارتنها بجنس أدبي آخر...
وعلى مستوى الفهرسة والإخراج البصري، أشار المتدخل إلى أن مجموعة "صفر درهم TCC" للقاص توفيق بوشيري، التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا، لا تتوفر على تاريخ إصدار، وأن فهرسها خال من الترقيم، كما شاب المجموعة العديد من الأخطاء، على مستوى التصفيف بتداخل أكثر من نص، ووجود نصوص بعنوانين...
كما سجل أن التصفيف في مجموعة "لا وجود لقبلة يتيمة" للقاص نور الدين كرماط كان رديئا جدا، حيث نجد بكل صفحة بقايا نص سابق وأحيانا تداخل أكثر من نص.
أما بخصوص مجموعة "حين يتكلم الغبار" لرحيمة بلقاس فاستوقفه وجود نصين يحملان العنوان نفسه (ألغام)!
وتحت عنوان "القصة القصيرة جدا بين الكيف والكم" أشار الناقد حميد ركاطة أن دراسته انصبت على 2899 نصا قصصيا قصيرا جدا وأن أغلب كتاب المجاميع المدروسة التزموا بمقاييس محددة في اختيار عناوينهم، غير أنها جاءت أحيانا مكتنزة، وهذا الجنس يرفض البدانة والحشو.
وإذا كان حميد ركاطة قد عزا ما شاب أغلفة المجموعات من فوضى التصفيف إلى البحث عن المغايرة، والاختلاف، أو التميز، أو للإكراهات المادية الصرفة، واضطرار الكاتب إلى القبول بما ينجز له دون مناقشة، أو إبداء للرأي فيه، فإنه عزا ما شاب العتبات النصية من فوضى التجنيس والترتيب للمعطيات الأساسية، والايقونات البصرية، إلى غياب ثقافة جمالية، أو خضوع لنموذج يتم الاحتذاء به، وأيضا لغياب مراقبة من طرف دور النشر، التي لا تبحث سوى عن الربح المادي، واستغلال لهفة الكتاب، وتوقهم إلى خروج أعمالهم إلى النور...
للإشارة، فهذا الملتقى الذي دعمته وزارة الثقافة، نظمته "جمعية مسارات للتنمية والمواطنة" ما بين 28 و30 أكتوبر الماضي بمركب الحرية فاس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير