الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهامش والتهميش وحرق العلم الوطني

المريزق المصطفى

2018 / 11 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


وأنا أتابع أمس واقعة حرق العلم الوطني المشينة، تيقنت من جديد أن حلقات " المسلسل الديمقراطي" قد انتهت من دون تقدم على مستوى العمل الديمقراطي الشعبي. الحديث هنا ليس عن " القوي" أو "الضعيف" بل عن فشل جيل كامل من الفاعلين بمختلف أنواعهم، في تأطير وتكوين وتنظيم جيل التلامذة والطلبة والشباب عموما..
إن غياب أي إنعكاس ملموس على حياة الفئات الشعبية الواسعة التي يزداد جهلها بقوانين الصراع، و قيم المواطنة واحترام رموز الوطن ، نتيجة طحنها كل يوم ، وليس كل قانون مالية جديد؛ يسائل الجميع عن الإمكانات المرصودة للأحزاب السياسية والنقابات وجمعيات المجتمع المدني التي تستفيد من الدعم الوطني والخارجي..
إن حادثة حرق العلم الوطني، هي حرق للقوى الوطنية والتقدمية، التي لم تحقق الأهداف المنشودة التي سطرتها لنفسها والتي ما تأبى الاعتراف بفشلها، منذ أن أصبحت ديكورا ملائما لتمرير التشريعات التي تعزز الاستغلال والطبقية والنهب والفساد والريع بكل أشكاله وأنواعه.
إن حادثة حرق العلم الوطني، مؤشر واضح على فقدان جيل البراعم والشباب، ورأس مال البلد كل الثقة في القوى الوطنية والتقدمية، بل وفي جدوى الانتخابات ومن يتحرك في فلكها ، ومن يمثلها.
إن الجماهير الشعبية التي تخلفت عن صناديق الاقتراع بحسها السياسي علمت شبابها وأبناءها الحقد على السياسة والسياسيين، وغرست فيهم إحساسا عاما بأن الانتخابات لم تعد لها دلالات سياسية واجتماعية هامة، والنتيجة هي رفض مؤسسات الوساطة، ورفض اللعبة المغشوشة، لترفع شعار التغني بالمطالبة ب" إسقاط الجنسية المغربية".
وإنه لمن باب المخادعة و تكريس التغليط والمغالطات والقفز إلى الأمام، تحميل ما وقع أمس للتلاميذ أطفالا و شبابا..
من هنا، يتضح أن الأمر أبعد وأخطر من الحادثة نفسها، خاصة في ظل الاحتقان السياسي والاجتماعي وتردي الأوضاع الاجتماعية، و ابتعاد الحكومة عن تحمل المسؤولية، وتسميم بعض شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام للأجواء..
وسيكون من قبيل اللغو اللغوي و الغلو والمغالطة استمرار السكوت على ما يحصل في مغربنا، والعزف على أسطوانة تطوير الهامش الديمقراطي الذي لم تستفد منه لحد الآن سوى القوى الرجعية المتسلطة على السياسة والاقتصاد والثقافة، والذي فرضته الجماهير الشعبية والقوى التقدمية الممانعة والديمقراطية عبر مسيرة طويلة من الجراح والآهات والكفاح والتضحيات.
إن سياسة تدجين القوى الوطنية والديمقراطية، جعلت نخب المركز تركب الوهم وتترك الفضاء العمومي خاليا من أي تأثير ، بل ساهمت هي الأخرى في زرع التشكيك والتخوين في أطرافها وجسدها وتحقير الكفاءات وتهميشها، طمعا في الترقية الاجتماعية، وتنفيذ شروط المد النكوصي العام، وفك ارتباط المعارضة الإصلاحية بالجماهير ونضالاتها..والنتيجة هي تفكك الصف الوطني الديمقراطي، حتى أصبح مثل" أولاد الحجل"..
مرة أخرى، إن حادثة حرق العلم الوطني، لا يجب السكوت عنها أو محاولة تبريرها، إنها تدعو الجميع إلى وقفة مسؤولة، وإلى تحليل نقدي يراجع من خلاله " الزعماء" حساباتهم وأخطائهم. إن المسألة كما يعلم الجميع لم تعد فقدان طعم السياسية واحترام المؤسسات المنتخبة، بل أصبحت تطرح مصداقية الأحزاب بيمينها ووسطها ويسارها.
وبصرف النظر عن اختلافاتنا وزاوية الرؤية لهذا الواقع المر، يظل الهاجس الذي يجب أن يحركنا هو الإيمان بالوطن وبالتشبث بالنضال المستميت من أجل بناء المجتمع الديمقراطي الحق اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا. إن الظروف الحالية لا تبشر بالخير، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في ما يحدث الآن، وفي ما يمكن أن يحدث غدا.
لقد سئمت الجماهير الشعبية الحياة في الهوامش وفي المغرب العميق والعالم القروي، لأنها لم تستفد بعد من حقها في الثروة الوطنية، ومن حقها في العدالة المجالية والبنيات الأساسية، رغم التغني بالمخطط الأخضر والأزرق.. ورغم الاستقلال الذي شهدته بلادنا منذ منتصف القرن الماضي.
قد يبدو للبعض، و بخاصة قصارى النظر، هذا الحكم متسرعا ومتشائما، لكنها الحقيقة، رغم مرارتها، فهي ساطعة كالشمس، تؤكد انقسام الصف الوطني والديمقراطي على نفسه، وابتعاده عن حقل الصراع، وأن المسألة في نهاية المطاف لا تعدو توزيع أدوار جديدة، غير متجانسة للأسف، حول اقتسام " الحلوى الحكومية" التي لم يكبر حجمها مع تزايد عدد الطامعين في حصصها.
إذن لا يمكن أن نسكت عن واقع الهامش والتهميش، لأن شرعيتنا نستمدها من وفائنا للحاجة اليوم وغدا إلى استخلاص دروس تجربتنا النضالية، في علاقة مفصلية بالقضية الديمقراطية وليس بالهامش الديمقراطي.كما أن مواصلة الكفاح بنفس جديد وبرؤية خاصة للمستقبل، هو مهمتنا المرحلية، و جوهر نضالنا اليومي في الهامش ضد التهميش، ومن أجل تحقيق التقدم الاجتماعي ونبذ التبعية، ولكي لا يحرق الشباب علمنا الوطني ولكي لا يتنكر لجنسيته.
المريزق المصطفى
أستاذ باحث في السوسيولوجيا
بجامعة المولى اسماعيل-مكناس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف