الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين موقع مصر الآن من الجغرافيا السياسية لمناطق النفوذ الإقليمي؟

محمد عبد الشفيع عيسى

2018 / 11 / 17
السياسة والعلاقات الدولية


هذه هى ما يمكن أن نسميها بالإزاحة نحو الشمال. وهى إزاحة جغرافية-سياسية ولمصر بالذات. إن قوة دفع هائلة، ناعمة وخشنة، تجرى من حولنا، في مصر بالذات، بل من بيننا، تحاول أن تذهب بنا بعيداً نسبياً عن محيطنا الطبيعى فى الوطن العربي و الإقليم العربى-الأفريقى، و أن تلحقنا بمجال جغرافى-سياسى ربما ليس هو الأكثر ملاءمة لنا بالمقياس التاريخى الحضارى .
تلك وجهة نظري فيما يجري. والذى يجري صراع بين قوتين : قوة الدفع الاصطناعية، وقوة الجذب الطبيعية. الأولى تتم من طرف أو طرفين أو ثلاثة أطراف عربية فى الخليج، على اختلاف بينها وخلاف فى الأغراض المتوخاه من التوسع "الجيوبوليتيكي". يتم هذا التوسع باتجاه البحر الأحمر بدءً من مضيق باب المندب تليه منطقة القرن الإفريقى (إريتريا والصومال وأثيوبيا) وصلاً إلى مدخل ومخرج خليج العقبة مروراً بخط تيران وصنافير، ثم خليج السويس وميناء "العين السخنة" – حيث بداية خط "سوميد" لنقل شحنات البترول– الذاهب للإسكندرية. وعودة إلى رأس خليج السويس حيث "اللوجستيك الكبير"، وخاصة من طرف الصين، باتجاه قناة السويس إلى أقصى الشمال مروراً بالمنطقة الاقتصادية الروسية المُزْمَعة، وذهابٌ إلى ميناء بورسعيد و قناة شرق التعريفة، و ربما بمحاذاتها ، على ساحل المتوسط دائما، عند كل من "إدكو-رشيد" –القديمة والجديدة – و ميناء ومدينة دمياط حيث تقبع فيهما المحطتان الرئيسيتان لإسالة الغاز.
فما هذا كله الذى يدور ؟ هذه قوة الدفع، و إن شئت فقل: قوة الطرد للكتلة المصرية باتجاه الشمال.
وإن مركز الزلزال الجيوبوليتكى الجارى حالياً يكمن عند الساحل العربى الشرقى للخليج من ناحية العربية السعودية والإمارات زحفاً إلى الشمال حتى قطر. وأما عند الطرف الجنوبى من الخليج، باتجاه سلطنة عمان، فهنالك مضيق هرمز حيث تجرى محاولة للطرد أو الدفع لإيران لتلزم حدودها البرية-البحرية بالكاد ناحية الشرق .

. . .
هكذا، بالتوازي، يتم الانطلاق من مركز الزلزال لإبعاد إيران شرقاً، عبر نزع أسنانها الممتدة يمنياً في حياء وخَفَر، جنبا إلى جنب مع اجتذاب جنوب اليمن حيث مدينة وميناء "عدن" و "ميناء المكلّا ثم بحر العرب"، والزحف بطيئاً باتجاه للشمال لاجتذاب ميناء "الحُديْدة" على البحر الأحمر.
تجرى عملية الإبعاد الاقتحامى لإيران شرقاً، بمزيج القوة المسلحة والاقتصادية والديبلوماسية والعوْن الخارجى عربياً وإسلامياً و "دولياً – أمريكياً"، بينما تتم الإزاحة لمصر غرباً، بالقفازات الناعمة للإرغام الفعلى De Factoوالإقناع بقوة الأمر الواقع Status quo والاشتباه بتقاسم النفوذ والمصالح على خط "العين السخنة –بورسعيد".

هنالك إذن تمهيدٌ لميدان المعركة الاستراتيجية جرى ويجرى على قدم وساق ، ضد عدو فى أقصى الشرق على الضفة الأخرى للخليج (إيران) وحليف (مصر) يعدّ له ميدان نفوذه الاستراتيجى بعيدا إلى حد ما، برغم إلحاح مصلحته البحرية-النهرية كما سنرى ... بينما يكمن على القرب طرف آخر قابع بمزيج من الصمت والجلجلة، يعمل على الاستفادة من حصيلة الصراع المتنوع دون جَلَبة ظاهرة، والمقصود هنا الكيان الصهيوني إسرائيل .

ذلكم هو الصراع الكبير على مناطق النفوذ فى الرقعة الفسيحة لمداخل الخليج والبحر الأحمر والقرن الإفريقى وخليج السويس وخليج العقبة وقناة السويس حتى شاطىء المتوسط. ولعله صراع على امتلاك نقاط القوة على المسالك والمعابر والمضائق وقنوات الوصل، فى عصر قادم للعولمة الشاملة من قِبل الأقطاب فى عالم "تعددية الأقطاب": ما بين أمريكا وأوروبا الغربية (محور بون-باريس) وروسيا (الأوراسية) والصين (:الحزام والطريق) .
فى عالم العولمة المستهدف ذاك ، يصبح الشعار الرمزى الذائع حول (القرية الكوكبية) واقعاً فعلياً، فيصير صراع القوة الأزليّ بين الجماعات البشرية صراعأً، فى هذه المرحلة، على خطوط الوصل ونقاط القطْع ، للتحكم فى المرور والعبور ومن ثم توزيع العمل الدولى.
فلعله إذن إيذانٌ بتجسيد – فى شكل مختلف – لشعار آدم سميث الأثير القادم صوته من أواخر القرن الثامن عشر (1776) : دعه يعمل ، دعه يمر (...... (Laissez Faire -Laissez Passer أو بتعبير آخر غير مختلف: حرية العمل والعبور-أو النقل و الانتقال. فمن ذا الذي سوف يقبض بيديه على ناصية النقل و العمل.. ؟ هنا يقع مكمن الصراع وجذره "الجغرا-تاريخي" إن صحّ التعبير.

تحكم مقتضيات الصراع بأن عصر الغاز وما يتبقى من البترول خلال نصف القرن القادم ويزيد، تحكمه القوى الكبرى القابضة على ناصية القوة الاقتصادية-التكنولوجية ، ما بين أمبرياليات قديمة غاربة، أوروبا "العجوز"، و إمبريالية صاعدة توشك على انحدار قريب – أمريكا، وقوى طامحة، غير إمبريالية بالمعنى العلمي فيما نرى: أبرزها الصين الاقتصادية وروسيا العسكرية ، وحوافّ هامشية محتجزة لدول مثل الهند والبرازيل.

و إذْ يعمل مركز الزلزال الجهوي المشتغل من الساحل العربى للخليج فى الإقليم العربي-الإفريقي باتجاه محور الدائرة الأطلسى، أمريكياً بالذات ، ليعكس تفاهماً مأمولاً لخلق منطقة نفوذ خليجية فرعية عند مداخل ومضائق الخليج ، وعلى طول البحر الأحمر ، ... تكون هذه المنطقة ذات المركز الزلزالى النوعي، نُظَيْما فرعياً Sub System ضمن المنظومة الأوسع المشمولة فى الغرب الشمالى ، الأمريكى – الأوروبى بامتياز، ولو إلى حين .
وإن الجائزة الكبرى فى هذا الصراع الاستراتيجى المعقد والممتد هى (اليمن) شمالاً وجنوباً ، من أرخبيل سقطرى ومضيق باب المندب ، إلى المكلا وعدن والمخا والحديدة .. لكأنها (عقدة المواصلات) فى الإقليم العربي الإفريقي كله أو هي قطب للتفاعلات المستقبلية فى العالم التواصلي الجديد، او قطبان متقابلان: جاذب ومنجذب .
هكذا نفهم ما يجرى حثيثاً الآن، من تبدّل للمواقع والمواقف، فى سرعة سريعة، باتجاه السيطرة التامة على اليمن و "لململة" الخلاف الإريتيرى-الأثيوبى (وهى خزان الماء المحتمل للشركاء ..!) -بعيداً عن مصر بمعنى ما- ومن ثم تصويب إثيوبيا باتجاه ميناءيْ إرتيريا: "مصوع" فى الشمال ، و "عصب" فى الجنوب، مع عزل جيبوتي من ثم تارة أو إعادتها إلى ."الحضن الدافيْ" تارة أخرى. يضاف إليه تحديد دور ميناء "بورسودان" ، ثم وضع قدمين : إحداهما فى "مقديشيو" الصومال قرب ميناء (بربرة) على البحر الأحمر ، حيث تتواجه الإمارات وتركيا إلى حد كبير، والقدم الأخرى فى جيبوتى عبر قواعد عسكرية يتنافس على إنشائها الغرماء : السعودية والإمارات من جانب ، وكل من قطر وتركيا من جانب آخر، ودع عنك أمريكا وفرنسا والصين ..!
. . .

تجرى عملية "تطهير" (مسرح العمليات) أو (الإخلاء الميدانى) لكل من الخصم القطرى والتركى ، و (العدو الإيرانى!) المفترض، بتجحيم النفوذ للخصمين والتهديد بالمزيد ، وخاصة قطر، وردع العدوَ المفترض المذكور لإجباره على الانكفاء نحو محيط استراتيجى (غير شرق أوسطى) ، عبر سلسلة بحر قزوين ، وآسيا الوسطى (الإسلامية) بدء من اذربيجان ، و أقصى غرب آسيا عند أفغانستان ، وجنوبها الشرقى عند باكستان. هنا يتكاثر الأعداد المصوّبون نحو النفوذ الإيرانى المحتمل ، وبذا يتم إلهاء إيران أو إشغالها فى معارك مستمرة غير مجدية على النفوذ ، مما يشكل خصماً مؤكداً من رصيد قوتها (ولا ننسى الأثر المكمل "للعقوبات" الأمريكية الممتدة عالمياً إلى حد ما) ، كما يشكل رفداً لقوة كل من"العدو الأكبر" القابع "أطلسياً" على البعد (أمريكا بشكل رئيسي) و "العدو الأصغر" ممثلاً فى الكيان الصهيوني إسرائيل ، ولعلها المستفيد الأكبر من محاولة إجبار إيران على الإنفكاء آسيوياً.

أما مصر الرسمية فلن تذهب خالية الوفاض على كل حال، ولسوف تتم طمأنتها بالتأكيد على مصالحها (المائية) عند أثيوبيا ، ولو بتفاهم "مهزوز" نوعاً ما مع السودان. ويتم ذلك لصالح مصر جزئيا فى حين تجرى على قدم وساق العملية التى أشرنا إليها بخصوص "تطهير مسرح العمليات" أو "الإخلاء الميدانى" ، لغرض عملية "إخلاء" الميدان من النزوع المصرى الطبيعى للتمدّد الحضارى فى المجال المشترك العربى – الإفريقى ، لدفع مصر دفعاً ناحية الشمال باتجاه المتوسط . وبينما تتم مقاسمة المصلحة جزئيا مرة اخرى عبر موانىء العين السخنة وخط سوميد والاستثمار فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وفى جنوب سيناء أيضاً ، يجرى "الدفع" بها إلى الشمال المتوسطى ليس بإرغام قوة الأمر الواقع فقط ، ولكن بالإقناع الناجم عن لغة المصلحة تلك ، وعن أمر آخر مهم – ما هو ؟
إنه العمل على إدماج مصر فى دورة اقتصادية – إقليمية على البحر المتوسط، عبر مشروع التحول إلى مركز إقليمى-شبه دولى لوجسيتى لتداول الغاز، بالتسييل وإعادة التصدير . ويتم ذلك عبر شبكة تعاون استرايتجى متوسطى تشمل قبرص وإسرائيل واليونان ، وتمتد أذرعها إلى الضفة الأخرى للبحر ضمن مشروع أشمل (الاتحاد من أجل المتوسط) ، وربما سعياً للامتداد أبعد من ذلك للمساهمة فى إمداد أوروبا الغربية بالغاز . وتدخل مصر بذلك فى سوق تنافسىّ بضراوة مع الغاز الروسى الممتد من السيل الشمالى ، عبر البلطيق ، مروراً بالخط الحالى عبر أوكرانيا ، وصولاً إلى مشروع "السيل الجنوبى" بالتعاون مع تركيا. وغير بعيد أيضاً ، مشاريع تتجير الغاز الإيرانى والقطرى شرقاً "آسيوياً) وغرباً (أوروبياً) بالإسالة أو بدونها . و لدولة الكويت – واسطة العقد "الوسطية" – فى كل ذلك نصيب معتبر عند رأس الخليج المتصل بكل الجهات الأصلية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وعبر محاولة الاستفادة من كل المبادرات المتنافسة الذاهبة و القادمة نحو الخليج : من الصين وإيران وروسيا، ومن قطر أيضاً، ولم لا نقول من التحالف الدولى الذى تقوده أمريكا انطلاقاً من القيادة العسكرية المركزية (أو الوسطى) الكائنة بصفة اساسية على خطوط البحرين (القاعدة البحرية للأسطول الخامس) وقطر (قاعدة العيديد) والكويت نفسها عند "الأحمدي".

. . .

التساؤل الأساسى المطروح بخصوص مصر الآن يتعلق بالوجه الآخر للدور الإقليمى الذى يتوقع إسناده إليها ضمن لعبة "الجيوبوليتيك" الكبرى القادمة فى المستقبل القريب ، على مدى الأجلين القصير والمتوسط ، ولا نقول البعيد .
إن كل ما سقناه بالإشارة إلى مصر حتى الآن يتعلق بوجه واحد أشرنا إليه فى البداية بما اسميناه "قوة الدفع" Push-Power أو هى قوى الطرد والإزاحة باتجاه الشمال ، وصولاً إلى المتوسط ثم أوروبا، حيث الشبكة الإقليمية للغاز بالذات .
ولكن ماذا عن قوة الجذب Pull-Power ؟ هذا يتعلق بإمكانيات واحتمالات الانجذاب المصرى الطبيعى Normal بفعل سنين التاريخ الحضارى وكذا التطلع المستقبلى، ناحية الرقعة الفسيحة للإقليم العربى-الإفريقى : عربياً بحكم الانتماء القومى والنزوع العروبى المتولد عنه، و إفريقياً بحكم ضرورات الموقع والموضع Situation & Location باعتبار مصر ممثلة لأقصى الرأس الشمالي للقارة، وحلقة الوصل بين أوروبا وآسيا عبر بوابة البحر الأحمر - كبحر عربى و إفريقى أيضا ، ثم باعتبارها دولة نيلية بامتياز وأحد الأضلاع الكبرى "لحوض النيل" الممتد إلى البحيرات الاستوائية وخاصة بحيرة فيكتوريا ، فى جوار لصيق مع سائر دول الحوض العشرة (رواندا و الكونغو الديمقراطية و أوغندا و كينيا و أثيوبيا و إرتيريا و تنزانيا و السودان و جنوب السودان).
مصر تشدّها إذن روابطها التاريخية – الحضارية وروابطها المصلحية – الآنية فى آن معاً بسائر إفريقيا ( و إنّ حضارتها القديمة، حسب "أنتى ديوب" ، زنجية العصب) ثم هى تشدها روابطها القومية مع سائر أجزاء وطنها العربى الكبير مشرقاً ومغرباً ، حيث يرتبط أمنها (الوطنى) بأوثق العُرى مع الأمن القومى للأمة العربية ككل .
فهل يجوز فى ضوء ذلك أن يتم (حشرها) فى زاوية متوسطية قصوى، تنشد من خلالها قرباً من دائرة ضيقة من الجوار البعيد نسبياً فى البحر (قبرص واليونان) ولا نقول (إسرائيل ..) ؟

ويمكن القول إن الدور الذى يراد لمصر أن تؤديه قاصر أو مقصور على الدائرة شبه المتوسطية الضيقة وحدها، فلسوف يبقى لمصر أدوار عدة بسياساتها الخارجية إفريقياً ونيلياً – وخاصة إثيوبيًّا – بكل تأكيد . ولكننا نتحدث عن ذلك"الدور المركزى" المتصور-أو المتوهّم- لمصر فى إطار الصراع الاستراتيجى القادم على رقعة الإقليم، وهو كما أشرنا غير مرة، دور الوسيط المتوسطى فى تجارة الغاز، ونشير إلى أنه –بالتعريف-دور الشريك مع إسرائيل بالذات ، ولهذا ما له من مغزى وأيّ مغزى ..!

...

في الخلاصة الاستنتاجية لمقالنا، ندعو إلى موازنة قوى الجذب بقوى الدفع، أو موازنة الدفع بالاندفاع، عن طريق استراتيجية عُليا توازنية دقيقة ، بحكم الموقع والموضع ، وبحكم دوائر الانتماء .
ونشير في هذا المضمار إلى أهمية أن (تفرض) مصر نفسها شريكاً (بدون دعوة) فى أية مساومات ومفاوضات جارية أو ستجرى بشأن ترتيبات اللوحة الجيوبوليتيكة الكبرى. و ليس يكفى هنا أن تكتفى مصر بنقاط التماسّ المصلحى من قبل (مركز الزلزال) فى الشطر المصرى من البحر الأحمر وخليجى السويس والعقبة وقناة السويس ، وإنما أن تكون (صاحب بيت) أو "أحد أصحاب البيت" ، فليست ضيفاً، أو ليست مجرد ضيف.
مصر بهذه المثابة لابد أن تكون مكوّناً (أقاليميًّا) فاعلاً فى كل ما يجرى من ترتيبات للمنطقة المتشعبة ذات الأهمية الجيو-استراتيجية فى عالم المستقبل التواصلى ، ابتداء من مضيق باب المندب ، إلى معابر القرن الإفريقى، ثم التعامل مع متغيرات الجوار الأثيوبى على النهر . هذا أولاً .
وثانياً إن من مقتضيات التعامل الاستراتيجى لمصر في المنظور القومي أن تجد طريقة ملائمة لتحقيق التواصل والاتصال الفعال مع كل من غزة وليبيا الطبيعية (الموحدة) .
فأما غزة فإننا نود أن نذكر أننا لا نشير من قريب أو بعيد إلى ما يشيعه الإعلام الدولى حول الربط بين غزة وسيناء استبدالا لفلسطين التاريخية، وإنما نؤكد على أهمية تفعيل الدور المصرى فى الربط مع غزة ككل كرأس جسر للنمو الاقتصادى المشترك فى إطار التفاعل مع الدولة الفلسطينية المنشودة عبر منظور عربي تكاملي عتيد.
ولربما نخاطر بالدعوة إلى إزالة الحواجز القائمة على الحدود بين مصر وغزة ، فوراً وإلى الأبد ، لخلق (منطقة اقتصادية مشتركة) شأنها شأن المناطق المشتركة على الحدود فى كثير من أقاليم الدنيا ، دون إغفال الربط مع الدولة الفلسطينية ككل ، وفق ما أشرنا للتوّ.
وأما عن ليبيا، فإن الأمر يقتضى مساندة القوى الحية في المجتمع العربي الليبي، مع العمل على فك الحصار الدولي المضروب من حولها، بالتعاضد مع جذور تلك القوى الحية وقواعدها الراسيات، ليس في الشرق فقط حيث الحدود مع مصر، وإنما أيضا، وبالذات، فى مناطق الغرب (طرابلس العاصمة وما حولها وصولا إلى تونس والجزائر) و الجنوب الشرقي (بالتماسّ مع السودان) والجنوب (تشاد والنيجر).
وليس هذا أو ذاك بكافٍ لنا من المنظور القومى والتوجه العروبىّ ، ذلك أن إيجاد (مثلث مصرى – سودانى – ليبى) هو أمر ضرورى لبناء سياج واقٍ للأمن العربى المشترك ، على أن يحيطه الطوق الطبيعى المكوّن من فلسطين والأردن وسوريا، سعياً إلى استعادة الحقوق الفلسطينية فى إطار "الحل النهائى" وخاصة حق تعزيز المصير، وحق العودة. ومن وراء الطوق ، سوار يحيط بالمعصم من (الحدود الشرقية للوطن العربى) فى شبه الجزيرة والخليج امتداداً إلى العراق، امتدادا إلى الجناح الغربى–المغربى، وصولاً إلى نواكشوط / حاضرة موريتانيا-شنقيط و خاصرة المحيط.

. . .

عند استعادة خلاصة فصل المقال، يثور سؤال رئيسي واجب في هذه الآونة بالذات: إلى أى حد يعتبر الصراع الاستراتيجى على رقعة البحار فى الإقليم العربى الإفريقى صراعاً حقيقياً: من المحيط الهندى إلى مضيق هرمز وباب المندب وبحر العرب و إلى خليج عدن فالبحر الأحمر إلى خليج السويس وخليج العقبة وقناة السويس ثم إلى بورسعيد ودمياط ورشيد والإسكندرية ناحية الشمال ؟
بعبارة أخرى : هل هو صراع "حقيقي" يعكس الثقل الآني والمستقبلي على "قاعدة القوة الذاتية" حقاً ؟
أو: هل تعكس عمليات الصراع والتوازن مشاريع وطنية أو قومية على غرار صراعات وتوازنات القوة فى (بحر الصين الجنوبى) مثلاً ، حيث تتنازع الصين (صاحبة الإدعاء الرئيسى بالسيادة على 80% منه) والفيلبين وتايوان وماليزيا واليابان وفيتنام –و أمريكا فى الخلفية دائماً .. على سبيل المثال ؟ هذا ولا نقول: "مبادرة الحزام والطريق" ذات الإطار الاستراتيجى الصينى المتين.
أم أن الصراع الراهن فى الإقليم العربي-الإفريقي، بقيادة دول النفط، صراع "القوة الجوفاء" ، يعكس طموحاً لبسط النفوذ فى إطار علاقات التبعية لقوى كبرى على رقعة الإقليم ..؟ نرى أن ذلك هو الأقرب إلى الواقع والحقيقة. و إذا شئنا صياغة عنوانات بدية لمقالنا هذا لاخترنا له عنوانين فرعيين، او أحدهما، من بين كثير:
1. جيوبولتيك "القوة الجوفاء" فى الإقليم العربي –الإفريقي: بين التمركز على البحر الأحمر و الإزاحة نحو المتوسط .
2. التمركز السعودي-الإماراتي على البحر الأحمر، و الإزاحة المصرية نحو المتوسط، والجائزة الكبرى هى اليمن. ..!
3.
وإنه لحريٌّ بنا–بعد كل ما سبق- أن نذهب جميعا إلى بناء قاعدة القوة الذاتية العربية و إقامةعلاقات توازنية متكافئة مع سائر مكونات "المنطقة العربية-الإسلامية المركزية"، وهذا ما نراه حقاً فى أفق المستقبل المرتقب.
ولكن هل تجاوزنا فى حلمنا العربى، بما قلناه، أم ترانا لم نقل إلا ما يمليه علينا لسان التاريخ الحضاري الممتدّ، وصوت الضمير .. ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سبب كل المشاكل
نجيب سرور ( 2018 / 11 / 18 - 18:44 )
سبب مشكل مصر بالذات - وباقي دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا - هو إعتقاد مثقفين - للأسف - فيما قاله الأستاذ الكاتب في مقاله من -محيطنا الطبيعى فى الوطن العربي و الإقليم العربى-الأفريقى،
وللنوضح : لا يوجد شيء اسمه الوطن العربي سوي الدولة المسماة الآن - السعودية - وباقي الدول فرضت عليها لغة وعقيدة البدو العرب الحفاة , بالسيف وبالجزية وبضرب المركوب .. ولن تنهض أية دولة من دول المنطقة طالما بقي فيها مثقفون يقول : أمتنا العربية ! والوطن العربي الكبير ! والعالم العربي !! ...خراب وتخريب مصر لم يتحقق سوي علي دعاوي عروبتها الكاذبة . ولهاث وتهافت عبد الناصر .. هو والقذافي وصدام حسين والبعث السوري .. وراء وهم وحدة عربية لأمة مزعومة لبدو الصحراء العرب . يسمونها تارة ب الأمة العربية و وتارات بالعالم العربي وتارة اخري بالوطن العربي الكبير .. ووضعوا دول وشعوب حضارات قديمة زاهرة وبلاد أنهار وخصوبة , في جيب بدو الصحراء المتخلفين الذين دمروا الحضارات وسطوا بسيوفهم علي الدول المجاورة كما الجراد . وأهلكهوها نهباً وحرقاً وسبياً للنساء وفرضوا عليهم لغة وعقيدة .. قاحلتين مثل
صحرائهم
وشكرا أخي الكاتب


2 - محيطك العربي
محمد البدري ( 2018 / 11 / 19 - 08:10 )
هذا المحيط الذي تحاول بدفاعك عنه البقاء فيه هو مستنقع التخلف الذي لم يضيف شيئا لمصر سوي الجاهلية العربية. اما ما تحاول الهروب منه فهو نتائج الحضارة التي تاسست في مصر من زمن ما قبل ان يصل الي مصر الصديد العربي. قليلا من انثرولوجيا المعرفة ستعرف ان الحضارة تاسست في مصر وبابل وبلاد آشور والصين فلماذا الهروب من نتائج هذا التاسيس بعد ان اتتقلت الحضارة الي اليونان فلسفيا ثم علميا وتكنولوجيا الي اوروبا والغرب عامة.
لبقاء في مستنقع الجهل العربي هو موقف ايديولوجي عربي واسلامي.

اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا