الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مجموعة (مسافات) للقاص والاديب سمير الشريف

محمد رمضان الجبور
(Mohammad Ramadan Aljboor)

2018 / 11 / 21
الادب والفن


قراءة في مجموعة (مسافات) للقاص والاديب سمير الشريف
(من الاصدارات الحديثة في المملكة الاردنية الهاشمية ، مجموعة قصصية بعنوان (مسافات) للأديب والقاص سمير الشريف ، قصص قصيرة جدا .)
لقد أصبحت القصة القصيرة جدا تقف بقوة أمام الانواع الادبية الاخرى ، وقد أخذت مكانها كجنس أدبي حديث ، فهي تواكب عصرها ، وتفرض نفسها بقوة ، فقد أصبح البعض يجد الصعوبة في قراءة الاعمال المطولة ، وكأن تقنيات العصر وما نعيش فيه من الظروف في هذا العصر تقف حاجزا بيننا وبين هذه الاعمال الطويلة ، فجاءت القصة القصيرة جدا ، أو ما يسميه البعض القصة الومضة لتسد هذا الفراغ .
ومن الاعمال التي تم نشرها حديثا من هذا النوع ، مجموعة قصصية للكاتب والاديب سمير الشريف بعنوان مسافات ، وقد جاءت المجموعة في سبع وتسعين صفحة من القطع الصغير ، وضمت بين دفتيها سبعا وثمانين قصة ولوحة ، والمتأمل لهذا العنوان الذي أحسن اختياره الكاتب والاديب سمير الشريف (مسافات) ، يرى أن هذا العنوان وراءه الكثير من الاسئلة ، فأي مسافات قصدها الكاتب وارادها ، فهل هذه المسافات التي ارادها هي المسافات التي تفصله عن هذا العالم الذي رفضه وأصابه الاشمئزاز والتقزز من صورٍ مرت به ، أم أن هذه المسافات تحمل أبعادا أخرى ، نستطيع دركها من خلال العناوين التي طرحها الكاتب في مجموعته ، فلا شك أن كلمة مسافات تحمل أبعادا كثيرة ، فحرفا المد اللذان رافقا الكلمة دلا على مدى بُعد هذه المسافات ، فهي مسافات تحملُ في طياتها الوجع الذي يرافق الكاتب في معظم الصور التي رسمها ، وقد اقترن عنوان هذه المجموعة وهذا الألم والاشمئزاز من الوضع الذي صاحب الكاتب في معظم لوحاته بهذا اللون الاسود الذي غطى غلاف المجموعة ، سوى من قليل من الخطوط البيضاء التي توحي ببصيص من الأمل ، أمل الوصول ، فقصص المجموعة تنوعت وهذا ما ميزها ، فمن النقد السياسي اللاذع ، الى التوجع من ضنك الحياة وهمومها الكثيرة ،ففي قصة (معارضة ) يصور لنا الكاتب الحالة التي وصل اليها المواطن العربي الذي لم يجد مكانا يقضي به وقت فراغه سوى هذه السينما المتهالكة جدرانها فالكاتب يمهد للمتلقي للمشهد الذي سيأتي بعد هذه الجملة ، فالمواطن قد زحمه البول ، وهو في مكان لا يليق بهذا المواطن من حيث البناء والتجهيزات والمرافق ، فماذا سيفعل وقد زخمه البول ، ليس هناك الا الجدار المعتم الملطخ بإعلانات الناخبين ، وكلمة الملطخ الذي أجاد الكاتب حين أختارها دون الكلمات الاخرى والتي اذا عدنا لمعاجم اللغة علمنا أنها لا تأتي الا بمعنى وسخ ، لوث ، أفسد ، نجّس، فهي أسم مفعول من لَطّخَ بتشديد الطاء ، فهذه الاعلانات الكاذبة لا يليق بها الا هذا النوع من التلطيخ ، ثم تأتي القفلة في القصة ، الارتياح الذي صاحب هذا المواطن المهموم ...المأزوم ، الراحة الجسدية من هذا الذي كان محبوسا به ، والراحة الاخرى الأهم ألا وهي تلك الاعلانات الكاذبة التي تم تلطيخها بالبول فهي تستحق ذلك .
أردتُ أن أطيل الوقوف عند هذا النص ، لنرى ما يميز القصة القصيرة جدا من التكثيف والايجاز والعمق والحركة ، كلمات قليلة لم تتجاوز الثلاثين كلمة ، لكنها استطاع الكاتب أن يوصل لنا الفكرة التي أرادها من هذا النص ، وهذا ما يميز القصة القصيرة جدا ويُحسب لها . وهذا ما يجذب المتلقي لهذا النوع من القصص ، فهي تُقدم المتعة المطلوبة في عدد قليل من الكلمات ويطرق الكاتب العديد من المواضيع التي تهم المجتمع ، واستنادها على المفاجأة والمباغتة تجعل المتلقي يتذوق ما أراده الكاتب .
ومما يميز القصة القصيرة جدا هو تحولها في بعض الاحيان الى طُرفة فيها العبرة والتهكم من أحوال معينة ، ففي قصة (رعاية ) يقول الكاتب فيها : تقدم الصفوف ليصلي على جنازة خالته ،تمتم طويلا ثم استدار ، ما اسم المرحومة . فهو لا يتذكر حتى اسمها ، نقد لاذع بطريقة التهكم وفيها الكثير من الطرافة .
جودة النص تكمن في لغته المميزة القوية ، فاللغة السردية هي من أهم عناصر البناء القصصي ، فهي المادة التي يهندس من خلالها القاص أو الكاتب خطابه السردي ، بالإضافة لكونها تضفي على العمل الادبي جماليات بلاغية واسلوبية . فلم تكن اللغة عند الكاتب والاديب سمير الشريف مجرد اداة تعبيرية أو وسيلة بل استطاع أن يمتلك ناصيتها ويحسن توظيفها وتوظيف مفرداتها وتراكيبها فهي القالب الذي سوف يحمل الى المتلقي الافكار والعواطف والجمال . في قصة (شواء) يقول الكاتب: تقيأته الدروب، نسمات مساء عليلة ، ضجيج الناس ، رائحة شواء تحتل الفضاء، طلب التوظيف ينتظر، هل تتسول لقمتك؟ هذا لا يليق لغير العجزة ، السطو ما يليق بالرجال، أسرها في نفسه وعاد يملأ معدته بالرائحة .
وبقي أن نقول أن الكاتب والمبدع سمير الشريف قد وضع في هذه المجموعة الرائعة (مسافات) خبرته وقراءاته المتنوعة ، واستطاع من خلال توظيفه لتيمات عديدة ومتنوعة أن يشد القارئ ويوصل له المتعة والفائدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي