الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلب الظلام(جوزيف كونراد): حساسية مارلو المفرطة اتجاه ادراك العالم

بلال سمير الصدّر

2018 / 11 / 21
الادب والفن


قلب الظلام(جوزيف كونراد): حساسية مارلو المفرطة اتجاه ادراك العالم
ان كان علينا اختصار انجاز كاتب عظيم على شاكلة جوزيف كونراد،فأننا نقوم باختصاره بكلمتين (قلب الظلام)
التي نشرت بالأصل كقصة من ثلاثة اجزاء في مجلة بلاك وود الانجليزية عام 1899.
إذا كان النص الذي كتبه كونراد يشير في معناه العام الى نقد الاستعمار من خلال التعرف الى حالة استعمارية اصلية،فالنص ومن خلال المفهوم التجريدي يمكن دراسته من الكثير من الزوايا عند التجريد للنص الأصلي الى عدد كبير من العناصر ومن خلال كل عنصر،وان كان الاساس لهذا النص هو الحالة الاستعمارية لبلاد الكونغو في افريقيا،فالفصل بين عناصر الرواية من خلال الرؤية التجريدية سابقة الذكر-لكل عنصر هو الذي (فقط) اعطى النص قوته وشهرته اللامحدودة.
ففي المجال الأخلاقي من الممكن النظر الى الرواية الى انها حالة شخصية عندما تصطدم بالسؤال الأخلاقي المقابل لفكرة المنفعة غير المحدودة من خلال تجارة العاج:
تشير الدراسة النقدية للأستاذ ليفر:
تتناول قلب الظلام السؤال الأخلاقي المألوف بخصوص ما يؤول اليه حال الناس،فهي ترفع الضوابط وما يحدث حين يطور مجتمع معزول لغة أخلاقية تتغاضى عن وحشية مكشوفة..يعتمد رعب الحكاية على حقيقة اساسها أنه لايمكن تأسيس مرتكز أخلاقي ثابت ومعقول ،وقد قال كونراد ذات مرة بعد رحلته الى الكونغو التي قام بها عام 1895:قبل الرحلة الى الكونغو لم اكن أكثر من حيوان.
إذا هذا الفهم للموقف الأخلاقي نابع من الذات،نابع من تجربة شخصية هي الرحلة الى بلاد الكونغو الأفريقية،أي من خلال صراع مارلو مع الحياة كما يقول احد النقاد في موقع آخر...لنتأمل بهذه الفقرة النقدية للأستاذ اعلاه:
تعتمد قوة الحكاية على الحاجة لتوكيد رؤية أخلاقية خارج نطاق حدوسات المرء،فالسفرة النهرية التي قام بها مارلو أسفل النهر ليست رحلة رمزية الى اللاوعي على الرغم من صورها المجازية التي تسبر(الداخل).أن التأثير الغريب للرحله مرده ادراك مارلو بأنه في اكتشاف جنون بلد غريب فهو يكتشف ايضا جنونا بشريا كونيا كان قد وقع في حبائله بصرف النظر عن درجة رفضه له...ويبين كونراد أن العزلة الأخلاقية هي فوضى أخلاقية.
إذا يقينا أن رواية قلب الظلام تشير الى اطلاق الغرائز التي ظلت حبيسة حتى ذلك الحين:إذ أن حياة البرية تحرك الغرائز البهيمية المنسية وتعيد الى الذاكرة رغبات وحشية هامدة...
تدور (والكلام للكاتب هنا) رواية قلب الظلام حول ثلاثة محاور أولها:
محور نقد الفكرة الاستعمارية من خلال تجربة شخصية حقيقية....
وضع كونراد اصبعه على خريطة العالم وكان لايزال طفلا وقال:سأذهب الى هنا وكانت الكونغو
وهي الفكرة الواضحة التي تختصر نصّا بأكمله والتي من الممكن ان يفهمها أي قارئ للرواية
أما المنحى الثاني وهو الأهم،هو ان النص بأكمله نابع من شدة حساسية مارلو-الذي افترضنا بأنه كونراد-اتجاه العالم أو اتجاه ادراكه للعالم.
هذا المنحى المبني على الادراك يجعل من الرواية كاملة تحلق في جو غرائبي فنتازي مبني على الوعي الذاتي،وهو الأمر الذي جعل من الناقد ينفي أن الرواية ليست رحلة في عالم لاوعي البطل...
لكن في الحقيقة أن الرواية اساسا عن الوعي الذي يدرك عالما مثيرا للشفقة اتجاه الآخرين واتجاه الذات نفسها،وهذا الذي يجعلنا نستطيع قراءة الرواية من خلال فقط (تفكيك عنصر اللغة) وهو العنصر الثالث
يقول ت-ي ايثر صاحب(أدب الفنتازيا):
ان رواية قلب الظلام تبني خيال الكاتب الفنتازي وهو يحلق بعيدا،بمعنى أن العالم الذي تطرحه قريب الى عالم الكاتب الرمزي الذي تكون فيه الأشياء الخارجية مفردات في لغة تجريدية(انتهى الاقتباس).
هذا الخيال الفنتازي عند كونراد،وهذه اللغة التي احيلت الى عوالم كاتب رمزي اساسها ادراك مارلو للعالم،أي الحساسية المفرطة في ادراك هذا العالم،وبالتالي من الممكن القول ان كثير من عناصر النص التفصيلية من الممكن ان تكون تدور فقط داخل الوعي أو اللاوعي،وليست الكلمة الأشهر في الرواية والتي نطق بها كورتز في النهاية (الرعب) سوى امكانية منطقية عن تعبير لاواعي من مارلو اتجاه كورتز ككل وليست كناية عن ادراك كورتز لنفسه،فكيف يختصر كورتز حياته قبل موته بأن ينطق كلمتين فقط((الرعب-الرعب)) وهو الطاغية المؤله لنفسه.
وإذا كان كورتز تعني القصير باللغة الألمانية،فبالامكان القول أن كورتز شخصية واقعية ولكن ليست تبعات الاسم سوى من جوزيف كونراد.
يعتقد الناقد الفرنسي البيريسي:أن روايات كونراد تسعى الى خلق تأثير خلف حياة سطحية،ويضيف بأن هذا يعد اكتشافا للإنطباعية قبل ان تتبلور كنظرية بعد عام 1920(كيف يرى الفنان العالم)
أذا يقترب كونراد وبشكل غير محسوس من عوالم ديستيوفسكي وايغاله في النفس البشرية،ولكن الخيال المحيط بالتصوير للعالم جاء أقرب الى عوالم كافكا من عوالم ديستيوفسكي وهي وجهة نظر مخالفة للمقدمة النقدية للرواية.
اقتباس من الرواية:قرب الشجرة نفسها كانت حزمتان اخريان من الزوايا الحادة تجلس مقرفصة،أسند أحدهما ذقنه على ركبتيه وحملق في الفراغ بطريقة مروعة.أما شبحه فقد أراح جبهته كمن غلبه تعب عظيم،وحولهما انتشر آخرون متخذين كل أوضاع الانهيار المؤلم،كما في تصاوير المذابح والأوبئة.وبينما أنا واقف وقد مسني الذعر نهض احد تلك المخلوقات على يديه وركبتيه ومضى على اربعة نحو النهر ليشرب.لعق الماء من يده ثم جلس في ضوء الشمس متربعا وبعد قليل ترك رأسه يسقط فوق عظمات صدره.....
تتحرك كل شخصيات كونراد لتخوض في عالم الرعب الأخلاقي،فالصورة الأدبية المقدمة في الفقرة السابقة تخوض في عالم معتم حركاته ليست سوى تعبيرا عن الامتزاج بظلمة واقعها الأخلاقي مر...وهو مرفوض الأمر الأهم.
الايغال في الرفض الادراكي المنبثق ربما من اللاوعي،جعل من الشخصية تزحف على اربع لشرب الماء في صورة أدبية أقرب الى حلم كافكاوي منها الى الواقع...بل هو واقع مرتبط بفكرة الظلمة،وإذا كان كافكا يضيف الى المكان أبعادا كثيرة غاية في الوحشة والسوداوية بحيث يحل التكامل بين الحدث والمكان فهذا حاصل عن كونراد أيضا،فهو يقول في جملة من الرواية:
فالبرية نفسها كانت تبدو عليها سيماء امتئاب من جراء قرار غامض
تكتمل الصورة...يصبح المكان خاضعا للحدث والتكامل حاصل،لأن المكان عند كونراد ليس عبارة عن ديكور كأن تتحدث-مثلا-عن طبقة ارستقراطية طبيعيا ان يكون مكانها القصور،فالبرية أو المكان هو مكان الدافع الحقيقي وفي نفس الوقت هو شخصية ناطقة تتحرك وفقا للمفهوم الانطباعي الواعي وغير الواعي عند جوزيف كونراد،وتتحرك الكائنات ايضا وفقا لهذه النظرية الروائية:
...ثم تابع الكتابة من جديد.كان المريض اضعف من أن يئن،وطن الذباب وسط هدوء عظيم...
فالعالم الذي يخلقه كونراد هو عالم مرعب يتناسب تماما مع الجملة الأهم في الرواية:
الرعب...الرعب
انه عالم كامل يبوتق تماما مع الفكرة موضوع الرواية وهو الادراك الاخلاقي وليس الانتقاد الاستعماري وبالتالي يكون عالم رواية قلب الظلام مبعثه الفكرة اكثر من الشخصية كما هو عند كافكا...
....مشيت بمحاذاة الزورق،ثم وقفت ساكنة بمواحهتنا فسقط ظلها الطويل فوق حافة النهر،كانت سيماء وحشية مأساوية لحزن جامح وألم أبكم تمتزج برعب آت من قرار مقطوع لم يتبلور بعد،وقفت تنظر الينا دون حراك،وكالبرية نفسها كانت تبدو عليها سيماء اكتئاب من جراء قرار غامض.(من الرواية)
وفقا لهذا النمط،وضمن اللغة الرائعة الشفافة التي كتب فيها كونراد الرواية،فمن الممكن تفكيك الرواية الى عناصر جزئية كثيرة تقرأ كلا على حدة ضمن حدود خاصة بها ومن ضمنها اللغة نفسها،ولكن الرواية تعود الى الواقع بقوة...لأن موت كورتز ليس هو الحقيقة،بل الحقيقة أن الموقف برمته ينم عن التغاضي عن الحقيقة...اقتباسا عن احد النقاد:
وتبلغ السخرية ذروتها في لقاء مارلو بخطيبة كورتز حيث تتحول العبارات الى اصوات تعبر عن اي شيء آخر غير الحقيقة،وتتحول اللغة من اداة للتواصل الى جدران تحول بين فهم أحدهما للآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة