الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصخرة المثيرة الملعونة

عمر بن أعمارة

2018 / 11 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



*هذا المقال كتب بمناسبة الاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها تمثال المرأة العارية الموجود في "عين الفوارة" وسط مدينة سطيف الجزائرية.
«لا يظهر الصنم إلا عندما يقرر نظر ما أن يوقف نفسه عنده لا يتعداه ...لا يرى الناس في الصنم غير نظرتهم إلى حدود أنفسهم». جون لوك ماريون، ترجمة المفكر التونسي فتحي المسكيني.
هي صخرة، لكن ليست ككل الصخور، فهي ليست جامدة ولا أصمة، بل حية، متحركة، ناطقة، فاتنة، مثيرة، مغرية، جريئة ووقحة. لها سلطة مغناطيسية كبيرة لا تقاوم ولغة جسدها وحركاتها أشدّ عليَّ وقعا وأبلغ من لغة الكلمات البشرية.
هي من كانت تستفزني في كل لحظة أمر بجنبها وكانت تفتنني وتثير غرائزي، وأنا كنت أنظر إليها خلسة وأتظاهر بأنني لا أفعل، بل حتى أنني لا أراها، رغم أنني كنت دائما أرغب في رؤيتها، كنت ألعنها كل صباح أراها فيه، وهي كانت تنتظرني مبتسمة في وجهي كلما حضرت إلى الساحة التي أنبتوها عليها أولئك الوثنيون الكفرة غصبا عنا، لنشر الفتنة والرذيلة بين المسلمين. لا بل كنت أزني بها كلما سرقت النظر إلى جسدها المكتنز، كلما تمعنت في نهديها المنتصبين، كلما انجذبت إلى عيونها المغريتين، إلى شفتيها البرتقاليتين وإلى خديها الورديين، إلى شعرها المدلى، حيث كان الهيجان والفضول يأخذني إليها. هي من كانت تدعوني للرذيلة، فهي لم تكن من حجر أو طين أو رخام أو خشب أو نحاس أو حتى سيلكون، بل من لحم ودم وروح، لم تكن مجرد صخرة بل صنم من نوع خاص، هي صنم لكن لم تكن تدعوني إلى الانتماء إلى أي رهط من الآلهة الوثنية أو أي شكل من الطقوس والعبادات والتخشع أو إلى المحراب والصلاة، بل كانت تدعوني إلى سريرها، وبين ذراعيها وأحضانها، هكذا كانت تثير غرائزي ولعابي. لم تكن حجراً أصم وأبكم، بل كانت امرأة تحرك مشاعر حتى الحجر الأصم، إذ جعلت كامل جسدها يتحدث تغنجا، لقد سكنها وتملّكها الشيطان، هي غامضة، غريبة وغربية، هي مرتع إبليس ومعبده وقبلته وعليها يقيم كل صلواته، هي جرثومة فرنسية في أرض الجزائر المسلمة الطاهرة الحرة، فهي لم تكن طاهرة بل زانية تفوح قذارة ونجاسة وتقطر دناسة وعهرا، كانت تصدني عن أشغالي وتشوش علي في تفكيري ومعتقداتي كلما حاولت أن أتخشع ولم تتركني أفكر في أمور آخرتي، كانت تلهيني عن ديني وصلاتي وحتى صومي وتدعوني صباح مساء إلى حضنها وإلى الرذيلة والخبث، هكذا كلما مررت بجانبها كانت ترمقني بنظراتها الولهى وتخصني بلمساتها الحريرية وخصلات من شعرها تحركها ريح شيطانية حتى تتدلى على وجهي، هكذا كانت تغريني وتسحرني وتوقظ نزواتي الدفينة، وفي مرات عديدة كنت أنجذب وأستسلم لها ولإغراءاتها وأستحلي الأمر وأغوص فيها لأعيش لحظات متعة قلقة وأرتعش بكل مفاصلي وتأتيني قشعريرة ورهبة، وبعد أن أستفيق من خيالاتي ألعن الشيطان وأصيح في وجهها: "تبا لك يا فاجرة، لا لن أرتكب أية خطيئة وأية فاحشة معك بعد اليوم، وأنصحك أن تبتعدي عن طريقي وتستري عورتك يا عاهرة". لكن هي لا تستجب لطلبي ونصحي لها، بل كانت تمارس عليّ عنفا وجاذبية خاصة، لقد بلغ بها الأمر أن تتحداني وتأتيني حتى في منامي وأحلامي، وتجرني جرا للخطيئة وللرذيلة، وفي مرات عديدة كان وجودي أمامها مضمحلا إلى درجة الإلغاء والاحتواء. لقد كانت تحث حتى بناتنا ونسائنا على العري وتحرض شبابنا على الرذيلة والفحش، وكنت أخاف من أن تندلع شرارة الإباحة والعري منها. حاولت مرارا وتكرارا أن أهجر المكان أو على الأقل أن أتفادى المرور بالفضاء الذي تتواجد فيه، لكن قلت في قرارة نفسي: "كيف لهذه العاهرة أن تحرمني من مدينتي وحيي وأصبح أنا المنهزم أمامها، وإن فعلت ذلك سوف لن أستفيد شيئا، فهي ستلاحقني أينما حللت وارتحلت؟ هي الحاضرة حتى في أحلامي وخيالي". كانت اللعينة بنظراتها كالسهام تخترق جسدي وتنتهك حرماتي وبهمساتها في أذني تثير شهواتي، وبجسدها الشبقي تهيجني، هكذا كانت تعرض علي خدماتها الماجنة والمجانية لتسقطني في شباكها ومكائدها وأكون من الآثمين، لكن لطف الله وحفظه يحول بيني وبين الرذيلة والإثم، وكنت أكرهها ولا أطيق النظر إليها حيث تنظر هي إلي، فهي ليست كما الصخر، هي الصخرة الشيطانة المغرية، كانت في كل مرة تختبرني في ذكورتي وفحولتي، وفي مرات عديدة تشككني في ديني وعقيدتي، وكنت لا أطيل فيها النظر، إذ كلما نظرت إليها أثارت شهواتي وغرائزي الخامدة وأشعلت اللهب بأعماقي. دعوت الله أن يزلزل الأرض التي هي عليها جاثمة حتى تندثر، فلم يستجب لدعائي، ودعوت الأرض التي تحتضنها أن تبتلعها فلم تفعل. كانت تؤرقني كلما طمعت في النوم، فلا يكون أمامي إلا أن أقوم وأدعو عليها بالاندثار. أحيانا كنت أحاول كلما مررت بجنبها أن أخفي وجهي بين يدي، لكن صورتها كانت تتسرب بين أصابعي مما يجعلني ألعنها، أسبها وأشتمها، تارة سرا وتارة جهرا وعلنا، ثم أتفل وأبصق على الأرض، وكم من مرة صرخت في وجهها، اللعنة عليك يا زانية، يا صخرة، يا شيطانة. وأنا المتقي، كنت دائما أحترس من إبليس ومن ذريته الفاسدة وأبتعد عن أماكن تواجده، لكن لم يخطر ببالي مرة ما أنه سيتمثل لي في صخرة ويتجسد فيها هو أو زوجته أو إحدى بناته اللعينات. كانت تعبث بمشاعري وجوارحي ولم تكن خجولة ولا مستحيية، والذي صنعها ونحتها هو كذلك شيطان كان متربصا بنا وبعقيدتنا. كلما خلدت إلى فراشي أستعيدها فصورتها تحضرني ولا تغادر مخيلتي، وحين أغمض عيني أتمثلها وهي في عريها ونهديها المنتفخين والمنتصبين وجسدها العاري الممشوق، إنها الزانية التي تتعقب أثري وتلاحقني أينما كنت لتمارس عليّ سلطتها وهي الكائن المسكون بالشهوات حد اللعنة. وهذا ما كان يؤرقني. هكذا استخلصت في النهاية أن الشيطان هو الذي يتجسد لي في صورة هذه الملعونة، ومن ثمة لا بد لي من مصارعته وقتله بأي ثمن كان.
قبل أن أفكر في حمل الفأس وتحطيمها، فكرت في البداية أن أعظها وأنهيها كي لا تبقى عارية مكشوفة، لكن قلت: "ماذا لو لم تستجب لنصيحتي فهي معاندة"؟ هكذا، فكرت في أن اشتري لها حجابا من قماش سميك أسود اللون كي أغطيها، أسترها وأستر عورتها، فقلت: "قد يسرقه اللصوص ليلا أو تنتزعه السلطات المناصرة لعريها"، قررت بعدها أن أغض النظر، كما يأمرني ديني بذلك، لكن كبريائي ورجولتي جعلوني أمتنع عن ذلك، وقلت: "لماذا أغض النظر أنا؟ لماذا لا تفعل هي، هي الصخرة الكافرة الزانية، في بلاد المسلمين، بل لابد من اقتلاعها". هكذا، صممت على أن أنفيها إلى بلدها، أعني فرنسا، لكن بعد تفكير خلصت إلى أنني بفعلي هذا سأمنحها فرصة للحياة مرة أخرى، كذلك الأمر لا يستقيم لذلك وليس بمقدوري، فإن أردت أن أفعل لابد من اقتلاعها والبحث عن وسائل النقل وكذا عن السفينة التي ستحملها والإجراءات القانونية وكذا الجمركية، فنحن دولة مستعمرة ونخضع للقوانين الوضعية العلمانية. آنذاك، فكرت أن أستغل إحدى الليالي المظلمة وأذهب إليها وأبصق في وجهها وأتبول على نهديها وأتغوط على فخديها، فقلت: "هذا قليل في حقها وإن فعلت ذلك سيأتون الزنادقة الذين يحمونها في الغد لتنظيفها وربما تزيينها وقد تصبح بعد ذلك في حلة أبهى وأجمل مما هي عليه الآن". وقلت: "إن الحل هو أن أذبحها من الوريد إلى الوريد، وهكذا سأقصد السوق لأشتري سكينا حادا من النوع الجيد والحجم الكبير حتى أتمكن منها، وفي ليلة مظلمة سأقصدها في مكانها المدنس واتجه إليها وأجهز عليها مباشرة، بأن أمسكها من عنقها وأبدأ في تمرير سكيني على حنجرتها"، لكن بعد تفكير قلت: "لا بأس، هذه الفاجرة لا يصلح معها الذبح والسكين مهما كان حجمه، ذاك أن هذه الزانية لا تفهم إلا لغة السيف كأداة حاسمة، ألم يقل الزنديق المسمى أبو تمام أحد السفهاء والغاوين ؟ :"السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ"". هكذا فكرت في أن أقصد إحدى دكاكين الحدادة وأوصي الحرفي أن يصنع لي سيفا من النوع الحاد القاطع المتين وبعد أن استيقظ باكرا حتى قبل آذان صلاة الفجر سأتوجه حيث تتواجد العاهرة وأسل سيفي من غمده وأصيح ثلاث مرات "الله أكبر" وأضربها على عنقها بكل ما أوتيت من قوة، لكن قلت في نفسي: "قد يتكسر سيفي ولن يفصل رأسها عن جسدها"، وقلت: "أكيد إن هذه اللعوبة ليست بصخرة إنها ملبوسة بإبليس. إذن سأفكر في خطة جديدة وسوف أنتقم منها شر انتقام، فحكم هذه الزانية هو الرجم"، وهكذا رحت أفكر في كيفية أجمع بها الحجر من خارج المدينة، لأنقله في إحدى الليالي المظلمة إلى حيث تتواجد الفاسقة وأرجمها أخيرا، ثم فكرت: "كيف للحجر أن يقتل الحجر فهي لن تصيح ولن تنوح ولن تقطر ولن تنزف دما "؟، وبعد تمعن تساءلت: "هل أنا مغفل أو ساذج؟ كيف لي أن أرجم هذه الباغية بحجر وهي في كل مرة حاولت فيها قتلها تتحول إلى حجر"؟ وبعد ذلك فكرت في حرقها رغم أن ديني يمنع علي ذلك ويؤكد أنه وحده سبحانه من يعذب بالنار، وهكذا فكرت في شراء ما يكفيني من حطب لتحويلها إلى رماد وفي إحدى الليالي المظلمة سأتوجه وأنا مثقل بحطبي إلى مكان الفاسقة وأحيطها بالحطب من جميع الجهات حتى لا يفلت أي عضو من أعضائها من النار والإحراق وبعد ذلك سأوقد النار وانصرف بسرعة إلى منزلي، وفي الغد مع الصباح سأتجه إلى الساحة حتى أتشفى في حطامها ورمادها، لكنني فكرت وقلت: "هذا الحطب سوف لن يحولها إلى رماد بل إنها قد تتصلب أكثر وقد يتبدل لونها وتستحيل سمراء، وربما بهذا اللون ستجلب أنظار الكثيرين من المعجبين المعتوهين وهي منتصبة في مكانها في حلة أبهى وأجمل". وبعدها قلت لماذا لا أصلبها مادامت هي من أهل الصليب ؟ لكن تراجعت إذ قلت الصلب ليس من شيمنا نحن ولن ينال منها في شيء. وبعد ذلك فكرت في خطة جهنمية هي الوحيدة التي ستجعلني أتخلص منها بشكل مطلق ونهائي دون أدنى شك، إذن سأفخخها وأفجرها، لكن بعد لحظات من التفكير استخلصت أن ذلك سيتطلب مني إيجاد متفجرات ومعرفة تقنيات التركيب والنسف وربما إن ارتكبت أدنى خطأ قد أؤدي حياتي ضريبة لذلك. لكن بعد تحليل عميق ورصين وصلت إلى خلاصة وهي: أن المستعمر الفرنسي مازال لم يغادر الجزائر، لقد زرع في بلادنا شياطين وأبالسة كُثر، وما هذه الزانية إلا نبتة خبيثة منهم. وهكذا في الأخير قررت أن أنتقم للثورة الجزائرية، للشهداء الأبرار، للجزائر الحرة، للإسلام والمسلمين جميعا ولله سبحانه ولرسوله عليه الصلاة والسلام وأن أحطم هذه الصخرة الملعونة. عليّ أن أجاهد من أجل ديننا الحنيف ووطننا الحبيب. عليّ أن اجتثاها من أرضنا الطاهرة وأقوم بتكسيرها وتحطيمها إرباً إرباً والتخلص من نفاياتها النجسة. وهكذا، في النهاية وضعت خطة عمل، وكان أول ما فكرت فيه هو تمزيق نهديها المستفزين وفقئ عينيها المغريتين وتشويه وجهها المثير للشهوات وقطع شعرها المدلى. إنني من حماة الإسلام والمسلمين، سأنتقم لشرف الأمة من الفاجرة، الزانية، العاهرة، الصخرة الملعونة، إذ لم يعد هناك من رجال مؤمنين، لم يعد هناك من يحارب المنكر والطاغوت، بالنيابة عنهم جميعا، أنا المؤمن القوي أقول: لماذا لا أغير المنكر بيدي وبفأسي المباركة ؟ لماذا لا أخلص الأمة من شرور هذه اللقيطة وذنوبها، فهي ليست صخرة ككل الصخور، هي مسكونة بالشيطان وبكل المعاصي والشهوات. وفي الأخير قررت أن أواجهها أمام الملأ وأعلن نفسي قائدا ومخلصا للأمة الإسلامية من عار هذه الزانية الدخيلة، المارقة.
وأخيرا جاء الفرج، صوت بداخلي يناديني أقتلها، قم فورا وحطم الزانية وانتقم لشرف أمتك من عار هذه العاهرة، المتبرجة، البواحة، المستفزة والمتحدية لمشاعر مليار ونصف مليار من المسلمين. هكذا، ما كان مني إلا أن استيقظت باكرا وتوضأت وصليت ودعوت الله أن يوفقني ويبارك لي في عملي وجهادي، وعقدت النية والعزم. انتظرت حتى وسط النهار إذ يكثر المارة كي يشاهدوا كيف يغير الرجال المؤمنون المتقون والغيورون على دينهم المنكر بأيديهم على ما بإمكانهم أن يصنعوه. سأجعلهم يتخذونني قدوة وعبرة. هكذا أخذت فأسي المباركة الطاهرة التي ورثتها عن جدي رحمة الله عليه، ورحت إلى الساحة واتجهت مباشرة صوب الملعونة، وبعد البسملة والتكبير، انطلقت في تحطيم الزانية وبدأت في تكسير النهدين اللعينين وبعدها في خدش وإتلاف معالم الوجه المثير.
• ربما سيلاحظ القارئ على النص بعض التكرار لبعض الكلمات أو حتى لتعابير، لقد تم ذلك عن قصد وبشكل واعي كمحاولة مني لسبر القليل من البواطن وللكشف عن الهواجس الداخلية التي تعيشها الشخصية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #


.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع




.. #shorts yyyuiiooo


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. يهود #بريطانيا يعتصمون أمام البرلمان في العاصمة #لندن للمطال