الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورتريه : المبدعة المغربية زهرة رميج لوتس اليسار النبيل

عبد الرحيم العطري

2006 / 4 / 12
الادب والفن


من أقصى اليسار جاءتنا زهرة رميج ، معلنة على لسان ماو "أنهم لا يستطيعون وقف زحف الربيع" ، و مرددة بكل امتلاء مع بسيسو أن "الشارع الدامي لنا مهما رشوا عليه من جنود ". جاءت الزهرة الجميلة من أقاصي الحلم المغربي ، تحاور المسافات الفادحة خلال زمن الاحتقان و الاستثناء ، تلتسع بالجمر و تختنق بالرصاص، و تنبعث من رماد الأيام المكلومة كما الفينيق في الزمن الغابر .
بالشعر تارة، و بالقص اللذيذ مرة ثانية، و بترجمة نصوص الآخر آفاقا أخرى، تمارس الزهرة اعتصار الرحيق و منح الحياة ، تحاور المنطق الأعمى لوطن لا يجيد إلا صناعة الرحيل ، رحيل في الزنازن ، و آخر في مقبرة المتوسط ، و غيره لا معروف في الغرف السوداء ،لهذا كانت زهرة رميج منذ انغمارها الأول في عوالم الكتابة منشدة لأغنية الحياة ، حالمة بالربيع و الشارع و الجرح الفاغر فاه.
في أحضان السماعلة و بني خيران نشأت المبدعة زهرة رميج ، مكتنزة في أعماقها تاريخ منطقة خبرت النضال و الاستماتة ، سافرت برفقة "ألف ليلة و ليلة" و تابعت متاهات " سيف ذو يزن"، هناك رضعت البداوة و البساطة و تمثلت المعنى المفترض للانتماء و الالتزام . من خريبكة ثم وادي السباع ( واد زم ) ارتحلت نحو البيضاء لاستكمال فصول التعليم الثانوي ، لترتحل مرة نحو فاس ، لتغرق في دنيا الأدب و اليسار النبيل .
بالحرم الجامعي ستهاجر هذه المرة نحو الألق الماركسي ، و ستختبر مفهوم الالتزام و النضال واقعيا، في عز القمع و التنكيل ، هناك لن يصير للحياة معنى، بعيدا عن الثورة و التغيير الجذري . في أحضان الماركسية اللينينية نمت الزهرة رميج و فاح أريجها العطر ، كاشفا عن كثير من الشاعرية المعتقة، لقد رضعت من أثداء الألم و خبرت النضال في ابتهاج الحجر و المحو ، كانت آلة القمع مكشرة عن أنيابها في وجه كل من أخلص الحب للوطن ، كلاب الحراسة ، محاكم التفتيش ، مطاردة الساحرات و الحرس القديم بالمرصاد لكل من سولت له نفسه عشق هذا الوطن ، لأنهم يريدون خلق جيل من الضباع كما قال محمد جسوس ذات زمن بعيد .
في سبعينيات الانقلابات و سوء الأحوال السياسية بين القصر و الحركة التقدمية ، سيتعرض الحي الجامعي بفاس لهجوم شرس نفذته الأجهزة القمعية ، سيتم إلقاء القبض على الزهرة الماركسية ، و سيخلى سبيلها بعد حين ، لتستمر في التحصيل المعرفي إلى أن امتهنت التدريس ، لتعود مجددا إلى البيضاء ، و إلى ثانوية الخنساء تحديدا ، تعلم طلابها دروسا في العشق الوطني قبل الدرس الأدبي المفروض قسرا عبر المناهج الدراسية .
خلال زمن البيضاء المختلف كانت المبدعة زهرة رميج تلتحف عباءة الشعر و القص الجميل ، تكتب مسارات الفداحة و الخسران العميق ، بالشعر تطرد الألم و بالقص تواصل الاختيار مع رفيق العمر الذي أهدى حياته للنضال و التشظي من أجل البروليتاريا المنسحقة جراء التفقير و التهميش. مع رفيق الدرب الراحل خطأ ستكتب زهرة اللوتس سيرة الاحتراق حبا في الوطن ، لتراكم في الأعماق تجارب الإنشراخ ، و تعنف بين الضلوع المكلومة أريج الكلمة و رحيق الحياة، إلى آن أوان الحكي ، فكان الإنكتاب و الخروج الجميل بإعلان الانتماء لخرائط المبدعين ، كانت منذ البداية و الحكاية تنشد مع درويش و هو يقول بملء الأمل و الانهيار " يا نشيد ، خذ المعاني كلها ، و اصعد بنا جرحا فجرحا، ضمد النسيان ، و اصعد ما استطعت بنا ، إلى الإنسان " ، لهذا بدت أكثر انتصارا لسؤال الإنسان ، و أكثر انشغالا بتفاصيله الدقيقة ، لأنها تعي جيدا كما درويش أن " الحروب تعلمنا أن نحب التفاصيل " ، و أن يظل الإنسان فينا يقظا و حاضرا في الحكي و الحلم و كل التفاصيل .
لقد اختارت الحكي القصير كجنس أدبي للتعبير عما يعتمل في مجتمع الفاقة و التهميش ،لأنها تنحاز إلى معاناة الذين هم تحت . و لأنها الزهرة الخبيرة بمنطق الحقول و الربيع ، فقد حكت لنا " أنين الماء " بدلا من خريره و انسيابه ، اختارت معانقة الأنين و الحزن امتعاضا من آلة القتل و التدمير . استجارت بالحلم هربا من عفن الأيام ، تخلق الشخوص، تؤثث المكان ، تسافر في الأزمنة القريبة / البعيدة ، تربك الأحداث ، تدفع بها إلى جنون التركيب ، دون أن تنسى ترميق كل التفاصيل .
بعد الاستماع جيدا لأنين الماء ، ستواصل المبدعة رميج الاشتغال في صمت صوفي على ترجمة النصوص العميقة ، ستترجم أشعار عبد اللطيف اللعبي ، و ستهدي القارئ العربي" تمارين التسامح" و" قاضي الظل" تباعا ،كما ترجمت لكل من بهاء طرابلسي و نفسية السباعي " امرأة ليس إلا " و عشيقة من الريف " على التوالي .
و لأنها قادمة من قارة السؤال و النقد ، فقد تساءلت مرة أخرى في خروج إبداعي جميل " هل تغرب الشمس حقا ؟ " ، فها الربيع الذي وعد به الرفاق ما زحف معلنا نهاية الخريف و الصقيع ، و لا الشارع الدامي صار لنا ، بل صار لهم مع احتدام آليات التدجين و الاحتواء للرفاق المعتقين ، فهل تغرب شمس الزيف حقا ؟ و هل يرحل الخبث الطافح،و يأتي غودو المنتظر ؟
إنها تتبرم دوما من نسوانية الحرف ، بل ترفض أي تصنيف جنسوي للكتابة ، الإبداع عندها لا جنس له ، يعبر عن الإنسان فقط دونما اعتبار لاختلافه البيولوجي ، هكذا موقف ليس غريبا بالمرة عن بدوية موغلة في البداوة ، لم تزدها الأسفار الطويلة في متاهات الوطن إلا اعتناقا عميقا للبساطة ، لم تسرق منها المدينة ،فائق الانسيابية و منتهى الضحك الطفولي . الكتابة قدر و شرط انتماء ، الحرف التهاب و مداد حياة ، لا يكون مشروطا بتاء التأنيث ، ليعبر و يربك الحسابات ، يكفيه أن يكون مخلصا للقضية ، مشرقا في وجه الظلام ، محرضا على الحلم و التغيير .يكفيه أن يكون إبداعا من رحيق المعاناة و ندى الفجر الجميل . هكذا تتمثل كتابة الإنسان لا الذكور أو النساء ، و هكذا تواصل زهرة اللوتس بهاء القول ، تبشر بالربيع الزاحف ، بالشارع الدامي ، باليسار النبيل ، بغودو المنتظر ، بالإنسان بكل العنفوان .
تنشد و تردد أحلى نشيد على درب الحكي و الشعر و الترجمة و ما نعرفه و لا نعرفه من أجناس القول ، تظل اللوتس زهرة الغد الجميل ، بشارة الزمن العذب ، بلسم الجراح ، و بسمة في وجه الخراب و فزاعات النحيب و مشانق الرحيل ، تظل الزهرة رميج مبدعة قادمة من قارة الإنسان الجدير بالإنسان ، سائرة في حقول الربيع / الحلم ، ابتغاء المفازة القصية ، تظل دوما مخلصة للحب ، و منشدة لشموخ الإنسان . لأنها اللوتس قبل موعد الربيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى