الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هو صراع المتناقضات

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2018 / 11 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يدور داخل الإنسان ديالكتيك هيجلي بين متناقضات. صراع بين طبيعته الخام الوحشية المتمحورة حول الذات، وبين ‏نوازع اجتماعية فطرية، تتطلب فرض قيود على شهواته ورغباته الأنانية. فما يميز الإنسان عن سائر المملكة الحيوانية، ‏ليس العقل كما اعتدنا أن نقول. فالعقل الذي هو تسمية لعمل أحد أعضاء الجسد وهو المخ، موجود وإن بدرجات متفاوتة ‏من التطور عند سائر الحيوانات. ولا يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات إلا بتطور وعيه، إلى درجة "الانبثاق" عن ‏الذات التي يتمحور حولها سائر الكائنات الأخرى، ليتواصل مع غيره من الكائنات، سواء البشرية أو حتى الحيوانية ‏والنباتية. بل ويتواصل أيضاً مع معالم بيئته المادية، من جبال وسهول وأنهار وخلافه. لذا نستطيع أن نقول أن التعريف ‏الأشمل والأهم للإنسان أنه "حيوان اجتماعي".‏
الديالكتيك الذي يدور داخل الإنسان بين نوازع التمحور حول ذاته، وبين نوازعه الاجتماعية، هي التي تذهب به لإلزام ‏نفسه بما نسميه "الأخلاق"، لكي يستطيع التوافق مع الآخرين ومتطلباهم. فالأخلاق قواعد نفعية لتنظيم العلاقات في ‏المجتمع، وهذا هو الداعي أو الوظيفة الوحيدة لها. ويجدر هنا الإشارة إلى أن إسنادها لأوامر أو وصايا ميتافيزيقية عليا، ‏يُفقدها معناها وجوهرية الالتزام بها.‏
من ثمار هذا الديالكتيك الذي ينحو إلى "انبثاق" الانسان خارج ذاته، علاوة على الأخلاق على يتوافق بها مع البشر، ‏ظهرت وإن متأخراً في مسيرة الإنسان الحضارية، "أخلاقيات" التواصل مع سائر مكونات الوجود غير البشرية، سواء ‏المكونات الحية أو مظاهر الطبيعة الجغرافية. فكانت أخلاقيات "الرفق بالحيوان" والمحافظة على أنواعه المهددة من ‏الانقراض، وكذا المحافظة على البيئة من كافة أنواع التلوث وإهدار الموارد الطبيعية.‏
نتائج هذا الديالكتيك لدى الفرد وعموم منتسبي المجتمع، هي التي تشكل نوعية العلاقات بين الأفراد، وتحدد المستوى ‏الحضاري الذي يصل إليه المجتمع. وما يعطي هذا الديالكتيك ديناميكية ووقوداً مستمراً لدوام الفاعلية، هو تغير البيئة ‏بفعل التطور التكنولوجي والنمو السكاني وتأثير العلاقات مع مجتمعات مجاورة. حيث يؤدي هذا إلى تغذية الديالكتيك ‏دوماً بعناصر مستجدة، تدخل عملية التفاعل أو الصراع، فتبقيه في حالة نشاط مستمر، ينتج لنا طول الوقت حالات ‏اجتماعية جديدة متجددة.‏
يكاد لا يشذ مجتمع إنساني عن حالة الصراع الداخلي والتطور الديالكتيكي الدائم هذه. الفرق بين مجتمع وآخر، أو بين ‏المجتمعات المتقدمة الحية، والأخرى المتخلفة المتجمدة، هو في درجة قوة الصراع، وطبيعة المكونات الداخلة فيه.‏
نستطيع هكذا أن نرى ما تمر به شعوب الشرق الأوسط الآن من قلاقل بمستوى كوارث، وتدخلات العالم الحر للتأثير ‏على مجرى الأحداث وتوجيهها، على أنها اشتعال للصراع الدياكتيكي بالمنطقة بدرجة سخونة فائقة.‏
وإن كان هذا التوصيف لما يحدث بسائر أنحاء المنطقة الآن يفتقد تعميمه للصحة المطلقة. إذ يبدو جزء ضخم من ‏الصراع المدمر الآن بالشرق الأوسط، لا تتوفر له مواصفات الديالكتيك الهيجلي البناء. فالصراع مثلاً بين القوى الشيعية ‏والسُنيَّة، أقرب لتطاحن "مطلقات دوجماطيقة" مصمتة، لا تنتج لنا "جديداً" مغايراً، وإنما مجرد صدام محض لا يترتب ‏عليه سوى الخراب للعمران والحضارة وسفك دماء الآلاف من البشر. كما أن صراع السلفية الدينية مع مكونات الحضارة ‏الإنسانية المعاصرة، هو مجرد هجوم تخريبي من الأولى على الثانية، ودفاع من الثانية عن نفسها، ننتظر الآن ما ‏سيسفر عنه.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت