الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صاحبة المنزل

مالوم ابو رغيف

2018 / 12 / 1
الادب والفن


صاحبة النزل
استقل بيلي ويفر القطار وغادر لندن في ظهيرة احد الايام، نزل في مدينة سويندن واستقل قطارا اخر متجه الى مدينة باث .عندما وصل القطار الى المدينة في حوالي الساعة التاسعة مساء، كانت السماء صافية مثل صفحة المرايا وكان القمر يعلو فوق البيوت المجاورة للمحطة ، وكان الهواء شديد البرودة وكأنه قد تجمد واصبح مثل نصل شفرة يقطع وجهه!
سأل بيلي احد الحمالين
>معذرة هل يوجد فندق رخيص هنا في الجوار؟ربما تجد غرفة في فندق الجرس والتننين، اسلك هذا الطريق! انه ليس بعيدا، قرابة ربع ميل من هنا على الجهة الثانية ابحث عن غرفة، وحال استأجارها اتصل فورا برئيس فرع الشركة في المدينة.<
كان بيلي شابا في السابعة عشر من عمره، يعتمر قبعة جديدة من نفس لون بدلته البنية الانيقة، ويرتدي معطفا داكن الزرقة، كان يمشي مبتهجا بقوة وحيوية، فقد قرر في الفترة الاخيرة ان ينجز كل شيء بحيوية ونشاط فهو يعتقد بانها من اهم سمات رجل الاعمال الناجح. لذلك تراه معجبا بالحيوانات الكبيرة لانها هي الاخرى مفعمة بالطاقة والحيوية.
في الشارع العريض الذي سلكه بيلى لم يكن هناك دكاكين، انما صفين من البيوت العالية المتشابهه على جانبي الشارع، كانت هناك سلالم حجرية من اربع الى خمس درجات تقود الى بوابات بيوت متشابهة. بدون شك قد عاش في هذه البيوت اناسا مرموقين، لكن الآن، حتى في العتمة يستطيع الواحد ان يرى بان ابواب ونوافذ البيوت قد تقشرت اصباغها وأن واجهاتها قد تشققت وتفطرت وعلتها البقع الداكنة بفعل السنين.
فجأة وقع نظره على نافذة غير مرتفعة عن الارض يضيئ عليها عمود نور الشارع القريب منها. على اعلى زجاج النافذة لُصقت ورقة كُتب عليها بخط واضح
توجد لدينا غرفة مع فطور الصباح!
على دكة النافذة وضعت مزهرية تستطيل في داخلها نبتة بزهور صفراء. وقف بيلي للحظات ثم اقترب قليلا منها، على جانبيّ النافذة انسدلت ستارتان خضراوتان مخمليتان متناسبتان مع لون الورود الصفراء في المزهرية. اقترب بيلي اكثر واخذ يتلصلص على الغرفة من خلال زجاج النافذة. اول ما وقعت عليه عيناه كانت النار المشتعلة في الموقد والكلب القصير القوائم الذي كان يجلس متكورا على السجادة بالقرب من الموقد ويضع انفه قريبا من بطنه. لقد كانت الغرفة، بقدر ما يستطيع رؤيتها من خلال اضائتها الضعيفة، تشيع جوا من الهدوء والاطمئنان. وضعت في داخلها اريكة كبيرة وبضعة مقاعد وثيرة ضخمة وبيانو. وفي احد اركان الغرفة راى بيلي ببغاء في داخل قفص.
فكر بيلي بان الحيوانات دائما هي طالع خير وداهمه احساس بانه سيجد هنا مأوى مناسبا له وبالتأكيد سيكون افضل بكثير من العيش في فندق التنين والاجراس. فالمعيشة في هذا النزل لها فوائد عديدة فهي توفر له فرصة التعرف على الناس وشرب البيرة في المساء وتمضية الوقت في لعب الدارت الى جانب ذلك فان اجور النزل هي ارخص.
صحيح انه عاش مرة في احد الفنادق وكان راضيا جدا، لكن اللوكاندة، لا يعرف منها سوى الاسم، وبصراحة فان بعض من الخوف يعتريه عندما يُذكر اسمها ويخشى عدم نزاهة اصحابها اضافة انه لا يطيق الزفرة المنبعثة من صالتها.
وقف ثلاثة دقائق في البرد متأملا، لكنه رأى ان من الافضل له اولا القاء نظرة على فندق التنين والاجراس ليقرر بعدها بشكل نهائي اين سيسكن. في اللحظة التي استدار بها ليواصل طريقه الى الفندق حدث شيئ غريب، اذ ان عيناه وبشكل يدعو للدهشة قد ثُبتت على الورقة الملصقة على زجاج النافذة، فقرأ غرفة مع فطور الصباح..غرفة مع فطور الصباح، غرفة مع فطور الصباح. كل كلمة كانت كبيرة كانها عين سوداء واسعة تبحلق به من خلال النافذة وتكبله، تستوقفه عندها وتجبره على الوقوف و عدم الابتعاد عن المنزل او مواصلة طريقه! وقبل ان يتسنى له التفكير بالامر، وجد نفسه يبتعد عن النافذة منقادا باتجاه باب المنزل ليصعد السلالم القليلة ويضع يده على الجرس الكهربائي الذي رن في غرفة ما من النزل. وبنفس الوقت الذي قرع فيها الجرس، لا بد ان يكون بنفس الوقت ذلك ان اصبعه مايزال على زر الجرس حين انفتح الباب وبدت امرأة صغيرة الحجم واقفة امامه!
عندما يقرع الجرس عادة، ينتظر الشخص على الاقل نصف دقيقة قبل ان يُفتح له الباب، لكن هذه المرأة كانت مثل رجل الصندوق، ما ان يكُبس على الزر حتى ينفتح الباب ويراها الشخص واقفة امامه بشكل يدعو الى الاستغراب.
كانت تبدو وكانها في الخامسة والاربعين او الخمسين من العمر، استقبلته بابتسامة ترحاب حارة.
فتحت له الباب بالكامل وقالت له بكل ود ومحبة: تفضل ادخل من فضلك !
شعر بيلي بانه يود الدخول في البيت فقد كان الرغبة قوية جدا في اللحاق بهذه المراة الى الداخل.
قبل ان يتعدى عتبة المنزل الى الداخل قال لها: بأنه رأى قطعة الاعلان المعلقة على زجاج النافذة!
>اعرف ذلك!<
> اني ابحث عن غرفة<
> كل شيء حاضر لك يا عزيزي!< اجابته بهدوء، كان وجهها مدورا، وردي اللون، وكانت نظرات عينيها الزرقاوتين هادئة
> لقد كنت في طريقي الى فندق التنين والاجراس، لكن وبمحض الصدفة رأيت الاعلان على زجاج النافذة.<
ردت عليه بحنية:
>عزيزي الشاب لماذا تقف في البرد، رجاء تعال الى الداخل من فضلك، تفضل بالدخول!
> كم تكلف الغرفة الواحدة؟<
> خمسة ونصف شلن مع فطور الصباح.<
لقد كان سعر الغرفة الواحدة رخيصة بشكل لا يصدق، بل انها نصف ما اعتقد بيلي انه سيكلفه.
ثم اضافت المراة قائلة:
>واذا كنت تحسبها غالية، فانا استطيع ان اقلل من كلفتها! هل تريد بيضة في الصباح؟ لاحظ ان البيض اصبح غاليا هذه الايام، بدون بيضة ستقل التكاليف نصف شلن.<
رد عليها بيلي بان خمسة ونص سعر جيد وانه يود البقاء في النزل
>كنت اتوقع ذلك، تفضل بالدخول رجاء!<
لقد كانت امراة في غاية الادب وتبدو مثل الام التي تستضيف اصدقاء ابنها في المدرسة في ليلة عيد الميلاد. خلع بيلي القبعة من عن رأسه وتخطى عتبة المنزل الى الداخل.
>علقك اشياءك هناك!< ثم اضافت:
> تمهل ساساعدك في خلع المعطف<
لقد لاحظ بانه لا يوجد في مشجب الكوليدور اي قبعة معلقة ولا اي معطف ولا مظلة ولا عكازة مشي! لا يوجد شيء البتة!
> كل شي معد وموجود لنا وحدنا!< ابتسمت له بلطف وهي تصعد به الى الاعلى عبر السلالم!
>هل تعرف يا عزيزي، ان من النادر ان انعم بسعادة استضافة ضيف في هذا العش!<
قال بيلي في سريرته لا بد ان هذه المرأة قد اصابها قليل من الخرف، لكن عليه ان يتحملها من اجل سعر الغرفة الرخيص خمسة ونصف شلن فقط.!! ثم قال لها باحترام:
>اعتقدت لاول وهلة ان النزل يزدحم بالزبائن فلا يجد الزبون الجديد مكانا فيه.!<
>هو كذلك ياعزيزي، هو كذلك، لكن المسألة هي اني اميل بعض الشيء الى تحكيم ذوقي في الاختيار، هل وصلت لك الفكرة؟
> نعم، نعم اني لقد فهمت قصدك!<
>لكني دوما جاهزة، كل شيء جاهز ومهيء في الليل وفي النهار لاحتمال اطلال قدوم شاب مهذب في هذا النزل مثلك. يا عزيزي انها سعادة رائعة تلك التي اشعر بها عندما، نعم انها سعادة كبيرة عندما افتح الباب في هذا الوقت او ذاك لاجد الشخص المناسب واقفا امامي.<
كانت تسبقه في الصعود حتى وصلت الى منتصف السلم وضعت يدها على الدرابزين ثم التفت اليه من فوق وفغرت شفتيها الذابلتين عن ابتسامة باهتة قائلة : تمــاما مثلك!
حدقت اليه بعنيها الزرقاوين وانزلت بصرها ببطيء من رأسه حتى اسفل قدمية ثم من قدمية الى اعلى رأسه وكأنها تقيسه!
عندما وصلا الى الطابق الاول قالت له> انا اعيش هنا< ثم واصلا الصعود.
>وهنا هي مملكتك، واتمنى ان تعجبك الغرفة< وفتحت الباب ثم كبست على زر الضوء. لقد كانت غرفة صغيرة لكنها جميلة ومرتبة جدا.
>في الصباخ ستشرق الشمس مباشرة من خلال هذه النافذة يا سيد بلكن! اليس اسمك السيد بلكن؟<
رد عليها بيلي> كلا يا سيدتي ان اسمي ويفير<
>يا له من اسم جميل، لقد وضعت تحت الغطاء كيس ماء دافي حتى لا تشعر برطوبة البرد، ففي الفراش الذي لم يعتد الانسان على النوم فيه، يكون كيس الماء الدافيء مريحا جدا له، هل تتفق معي في هذا؟ واذا ما رجفت من البرد فانك تستطيع اشعال مدفأة الغاز.<
شكرها بيلي ولاحظ ان الغطاء قد انحسر من احد اطرافه وما عليه سوى سوى الانزلاق في داخله والخلود الى النوم.
نظرت بملأ عينيها في وجهه وقالت> اني فرحة جدا لانك اتيت فلقد انتابتني الافكار!<
قال لها بيلي وهو يضع حقيبته على احد الكرسي ويهم بفتحها> لا تهتمي، ان كل شيء على ما يرام<
>وماذا عن العشاء يا عزيزي؟ هل تناولت شيئا قبل وصولك الى هنا؟<
> شكرا لك! لا اشعر بالجوع> رد عليها واكمل قائلا
>اعتقد اني سوف انام مبكرا، لان علي ان افيق في الصباح الباكر لاذهب الى مقر الشركة واسجل حضوري هناك.<
> حسنا، ساتركك لوحدك تفرغ حقيبتك وترتب اشيائك، لكن قبل ان تأوي الى الفراش، ارجو من لطفك ان تنزل الى الصالون وتكتب بياناتك في سجل الضيوف، كل نزيل يجب ان يفعل ذلك، لان القانون يفرض ذلك وعلينا ان نعمل وفق القانون! اليس كذلك؟<
لوحت له بيدها ثم غادرت الغرفة مسرعة. لم تثر تصرفات مالكة النزل اي قلق عند بيلي، فالمرأة كانت دون ادنى شك غير مؤذية، وحتى انها تبدو ودودة وذات نفس كريمة. انها على الارجح فقدت احد ابناءها في الحرب او ربما عانت من وقع مصيبة لم تستطيع التخلص من آثارها الى اليوم.
بعد ان افرغ الحقيبة ورتب لوازمه وغسل يديه، نزل الى الطابق الارضي ودخل الصالون. لم تكن صاحبة النزل موجودة، لكن النار كانت مشتعلة في الموقد ومايزال الكلب صغير القوائم ينام بالقرب من الموقد، الصالون كان دافئ ومريحا. قال بيلي في نفسه وهو يفرك يديه بان الحظ قد ساعده للعثور على هذا النزل، فلا يمكن لي ان اجد افضل منه.
سجل الضيوف كان مفتوحا على سطح البيانو، اخرج بيلي قلم الحبر ليكتب اسمه وعنوانه في السجل، على نفس الصفحة كان هناك ثمة ادراجات لشخصين، قرأ بيلي البيانات مثلما يقرأ البعض كتب الغير بخلسة. احد الضيوف كان اسمه كرستوفر مولهولاند من مدينة كاردف، اما الثاني فيدعى غريغوي تامبل من مدينة برستول.
امرعجيب، داهمت بيلي الظنون، كرستوفر مولهولاند ! الاسم يبدو بشكل ما معروفا عنده!
اين بحق السماء سمع بهذين الاسمين غير المألوفين عنده!! هل كانا زميلان له في المدرسة؟ بالطبع لا، ربما كان احدهم من المتوددين الكثيرين لأخته! او ربما احد اصدقاء ابيه؟
كلا! بالتأكيد لا، القى نظرة اخرى على السجل ليقرأ
كرستوفر مولهولاند.. شارع الكاتدرائية رقم 231. كاردف
اذا صدق حدسه فان الاسم الثاني له ايقاع الاسم الاول على ذاكرته. غريغوري تمبل، قال بصوت مسموع وهو يبحث في ذاكرته عن اسم كرستوفر مولهولاند..
>هكذا هم الشباب الرائعين< سمع بيل صوتا من خلفه، استدار ليرى صاحبة النزل تدخل الغرفة وهي تحمل صينية فضية بكلتا ييدها بشكل عالي وكانها تمسك برباط حصان مطيع.
> هذان الاسمان يبدوان مألوفين عندي<
>حقا، ياله من امر مثير!<
> استطيع ان اقسم باني، بشكل او باخر اعرفهما، اليس هذا امر مثير، ربما قرأت عنهما من خلال الجرائد، او ربما يكونان شخصيتان مشهورتان؟ لاعبي كركت او لاعبي كرة قدم مثلا او ما يشبه ذلك؟<
وضعت صاحبة النزل صينية الشاي الفضية على طاولة الصالون امام الاريكة:
>مشهوران!! لا..لا لم يكونا مشهورين، لكن كلاهما كانا جميلان جدا، استطيع ان اؤكد لك ذلك، كانا طويلي القامة، وسيمان وشابان، كانا مثلك تماما يا عزيزي!<
انحنى بيلي مرة اخرى على السجل وهتف عندما وقعت عيناه على الادراجات اها اها.
>اخر تاريخ ادرج فيه احد الاسماء كان قبل سنتين!<
>هكذا!< هتفت المرأة
>نعم هو كذلك، وكرستوفر مولهولاند قد سجل اسمه قبل سنة من ذلك، مما يعني ان ثلاث سنوات قد مضت على وجود الاسم في السجل<
هزت المرأة رأسها وقالت متحسرة :
>يا لهي! لم افكر بهذا ، الا ترى كيف ينقضي الزمن سريعا جدا، اليس ذلك يا سيد فلكين؟
صحح لها بيلي اسمه
>اسمي ويفير، و.ي. ف. ي. ر<
قالت له وقد جلست على الاريكة:
>اوه، بالبطع، بالطبع يا عزيزي، يا لحمقاتي، أرجو ان تعذرني، مثل ما يقولون يدخل الكلام من الاذن اليمنى ليخرج من الاذن اليسرى، هكذا اصبحت انا يا سيد ويفير<
خاطبها بيلي مرة اخرى قائلا
>هل تعرفين ما هو الامر الاكثر غرابة في هذا الموضوع؟<
>لا.. لا اعرف! ما هو يا عزيزي؟<
> لاحظي! اني لا اربط هذين الاسمين، مولهولاند وتمبل بشخصين منفصلين او مستقلين عن بعضهما البعض، اذ يبدو لي بانهما بطريقة او باخرى مترابطان! وكأن كلاهما معروفان بهذا الترابط، اذا كنت تعرفين ما اقصد— ترابط مثل...ترابط دمبسي وتني او ترابط تشرشل مع روزفيلت.<
>يا له من امر مسلِ < قالت له ثم اردفت:
>لكن تعال واجلس بالقرب مني على الاريكة، لكي تشرب الشاي وتاكل بعض البسكت قبل الذهاب الى النوم<
قال لها بيلي بشي من الاحتجاج
>لا تجهدي نفسك ولا تتعبيها من اجلي!<
انحنى بيلي قرب البيانو ولاحظ كيف كانت منشغلة بحماسة بصحون وأكواب الشاي، كانت يداها بيضاء، دائبة الحركة واظافر أصابعها كانت مصبوغة بطلاء احمر.
قال لها بيلي
>انا على قناعة تامة باني قرأت هذين الاسمين في الجرائد، بالتأكيد بعد برهة سأتذكر<
لا يوجد عذاب اخر يشابه عذاب محاولة اصطياد ما يتسرب مرة بعد اخرى من الذاكرة، لكنه لن ييأس!
>انتظري لحظة< تمتم هامسا > لحظة واحدة فقط ..مولهولاند..كرستوفر مولهولاند..اه. الم يكن احد طلاب مدرسة ايتون الذي قرر القيام بجولة في غرب انكلترا لكن فجأة..!!<
سألته>هل تريد حليبا؟ هل تريد سكرا؟<
>نعم من فضلك، لكنه بعد ذلك فجأة...!<
>مدرسة ايتون< قاطعته قائلة >اوه..لا..لا ياعزيزي..ما تقوله لا يمكن ان يكون صحيحا، لان مولهولاند(ي) لم يكن طالب مدرسة ايتون، لقد كان يدرس في كامبرج. ها.. الا تود ان تاتي هنا وتتدفأ بنار الموقد؟ تعال فقط فلقد ملأت كوبك بالشاي<
طبطبت على المكان المحاذي لها بشكل خفيف تستحثه ثم تطلعت اليه بابتسامة انتظار. مشى بيلي في ارجاء الغرفة ثم جاء وجلس على حافة الاريكة بينما وضعت هي كوب الشاي على الطاولة امامه.
>هكذا صحيح! نعم هكذا.. كم الجو هنا جميل ومريح اليس كذلك؟<
شرب بيلي من كوب الشاي، هي بدورها شربت بضعة رشفات ، مر بعض الوقت دون ان ينطق احدهما بكلمة واحدة. لكن بيلي كان متاكدا بانها كانت تنظر اليه، لقد كانت شبه مواجهة له، وشعر كيف انها تراقبه من حافة كوبها. بين فترة واخرى كانت تتسلل الى انفه نفحة من رائحة مميزة يبدو انها تنبعث منها مباشرة ولم تكن باي حال رائحة غير محببة. نفثة كانت تذكر بيلي بشيء ما، لكن لا يمكن له تحديدها! هل هي نفثة رائحة الجوز المصنع في البيت؟ ام انها نفثة رائحة الجلد المدبوغ حديثا؟ ام انها رائحة مثل تلك التي تملأ ممرات المستشفيات؟
كسر المراة الصمت معلقة:
> كان السيد مولهولاند مولع بشرب الشاي، لم ارى في حياتي احدا يشرب شايا بقدر العزيز مولهولاند<
>اظن انه غادر هذا النزل منذ فترة قصيرة< افترض بيلي ذلك وكان غارقا في متاهات للغز الاسمين. انه الان متأكد دون اي ريب بانه قرأ الاسمين كعناوين رئيسية في الصحف.
>انتقلا!<
قالت صاحبة النزل وهي ترفع حاجبيها تعبيرا عن دهشتها.
>لا ياعزيزي الشاب، انه لم ينتقل بتاتا، انه مازال يسكن هنا، كذلك السيد تمبل ايضا، كل ما في الامر انه تم نقلهما الى الطابق الثالث<
وضع بيلي الكوب بحذر فوق الطاولة مركزا عيناه على وجه صاحبة النزل التي ابتسمت له ومدت يدها البيضاء وطبطبت على ركبتيه لتهدأة إثارته ثم سألته:
>كم عمرك يا صديقي الشاب<
>سبعة عشر عاما<
>سبعة عشر عاما، انه اجمل عمر، لقد كان السيد مالهولاند ايضا في عمر السبعة عشر ، لكنه كان اقصر منك قليلا، بالتأكيد كان اقصر منك، اما اسنانه فلم تكن بمثل بياض اسنانك. ان لديك اسنانا رائعة يا سيد ويفير، هل تعرف ذلك؟<
قال لها بيلي
>انها ليست بتلك الجودة التي تبدو عليها، فأغلب الاسنان الخلفية مملوءة بالحشو<
تجاهلت اعتراضه واستمرت بالحديث:
>بالطبع كان السيد تمبل اكبر عمرا، لقد كان في عمر الثامنة والعشرين، لكن لو لم يخبرني هو بعمره لما استطعت التخمين نهائيا. لقد كان جسده رائعا دون اي عيب<.
>دون ماذا!؟< قال بيلي مستفسرا
> لقد كان جلده مثل جلد الاطفال، تماما مثل جلد الاطفال<
سادت فترة من الصمت بينهما، اخذ بيلي كوبه واحتسى منه رشفتين ثم وضعه على الطاولة بعناية منتظرا اي تعليق من مضيّفته، لكنها لفت نفسها بالصمت. جلس بيلي محدقا بركن الغرفة المقابل له وهو يضغط على شفته العليا.
>ذاك الببغاء< قال بيلي محدثا > اتدرين باني عندما رأيته من خلال زجاج النافذة، انطلى علي الامر الى درجة باني مستعد ان اقسم على انه كان حيّ!<
>لكنه مع الاسف لم يعد كذلك<
>عمل مبهر جدا، حقا لا يبدو عليه نهائيا اي علامة تدل على موته، من الذي قام بحشوه وتحنيطه؟>
>انا<
>حضرتك؟<
>بالطبع انا< ردت لتؤكد ادعائها واكملت> هل رأيت الصغير باسل؟< واشارت بحركة من رأسها باتجاه الكلب الصغير التي تكور امام الموقد. نظر بيلي اليه وفجأة اصبح واضحا عنده، بان الكلب الصغير كان طول الوقت صامتا دون ان يبدي اي حركة مثله مثل الببغاء. مد يده وتحسس بحذر فوق ظهر الجرو الصغير، كان الظهر صلبا وباردا، وعندما ازاح باصبعه بعض الشعر الى الجانب، راى تحت الشعر جلده اليابس الرمادي الداكن المحفوظ بحذق ومهارة.
قال بانبهار:
>ياللسماء، انه عمل متقن ومذهل ومبهر جدا<
ثم واجه المرأة صغيرة الحجم التي تجلس بجانبه على الاريكة مبعدا نظراته عن الكلب الصغير المحنط
>لا بد ان هذا كان صعبا للغاية!؟<
ردت عليه ببرود:
>لا مطلقا، انا احشو كل اعزائي عندما يريدون مفارقتي، هل تريد كوبا اخرا من الشاي؟<
>كلا شكرا< لقد كان طعم الشاي قريبا من طعم اللوز المر لذلك لم يعجبه
<هل ادرجت كل بياناتك في السجل؟ اليس كذلك؟<
>بالطبع نعم<
> حسنا جدا، لاني بعد حين، وعندما انسى اسمك، سانزل دوما الى الصالون واتصفح السجل، انا افعل ذلك يوميا تقريبا مع السيد مولهولاند والسيد.. السيد...<
اكمل بيلي
>تمبل.. السيد غريغوري تمبل، لكن اسمحي لي ان اسئلك! الم يحل بهذا النزل خلال السنتين او الثلاث سنوات الاخيرة نزلاء اخرون غير السيدان مولهولاند والسيد تمبل؟<
رفعت الكوب بيدها الى فوق واحنت برأسها قليلا الى جهة اليسار ثم نظرت اليه من زاوية عينها وابتسمت قائلة
>>كلا يا صديقي العزيز لا احد غيرك انت<<
!!!!
قصة مترجمة عن اللغة الالمانية














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قاتلة متسلسلة
بارباروسا آكيم ( 2018 / 12 / 1 - 18:24 )
عرفت منذ البداية إن المرأة قاتلة متسلسلة
لا أتذكر و لكن قد سمعت ما يشابه هذه القصة
نسأل الله أن بلادنا عن النساء المختلات عقلياً
تحياتي و تقديري


2 - تصويب على تعليق
بارباروسا آكيم ( 2018 / 12 / 1 - 22:38 )
يبعدنا بدل بلادنا
خطأ غير مقصود
تمنياتي لكم بيوم سعيد


3 - الزميل بارباروسا آكيم مع التحية
مالوم ابو رغيف ( 2018 / 12 / 1 - 23:25 )
تحياتي زميلي العزيز
بارباروسا آكيم
وشكرا لك على التعليق
عندما قرات القصة، لم اتوقع نهايتها مثلك، رغم بعض اشارات الكاتب الى الغموض الذي يلف صاحبة المنزل وكذلك سعر اجار الغرفة الرخيص الذي يدل على انه اغراء لجذب الضحية.ـ
لكن في الفقرات الاخيرة يتضح مصير الشابين وكذلك اشارة واضحة للمصير الذي سيحل بالضحية الجديدة الذي بقى لا يعرف ان نهايته ستكون محنطة
القصة تحمل هواجس من الخوف وهواجس من التوقعات تجذب القاريء لمعرفة النهاية
اكرر التحية

اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج