الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحوة اسلامية أم مزيد من الانحدار نحو الحضيض ؟

عمر بن أعمارة

2018 / 12 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صحوة إسلامية، أم مزيد من الانحدار نحو الحضيض ؟
بقلم:عمر بن اعمارة
- في تجليات ومظاهر الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي
«...وهذه الصحوة - أو البعث، أو اليقظة - التي نعيشها اليوم، هي صحوة عقل وفكر، وصحوة عاطفة وقلب، وصحوة إرادة وعزم وصحوة عمل ودعاوة .فهي صحوة شاملة، وهذا من خصائصها ».الفقيه يوسف القرضاوي كتاب: "الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي" صفحة 6 .
«إقبال الشباب على القراءة بنهم – إنتشار الكتاب الإسلامي بين الشباب –الإقبال على العلماء والمفكرين من دعاة الإسلام – ترجمة الكتب الإسلامية إلى جميع اللغات – الكتاب الإسلامي يضرب الرقم القياسي في سوق التوزيع - حماس دافق لدى الشباب إذا ذكر اسم الله ورسوله – مشاعر الحب والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين ومشاعر البغض للطاغوت وأوليائه والشيطان وحزبه – صعود تيارات تنادي بضرورة العودة إلى تحكيم وتطبيق الشريعة في كل مجالات الحياة – أداء الفرائض واتقاء المحارم، المساجد عامرة، مواسم الحج والعمرة مملوءة – ابتعاد الشباب المنتمون إلى الصحوة عن تناول المسكرات والمخدرات وألوان الهو والحرام – إظهار السنن: إعفاء اللحى، إلتزام الحجاب، الإعتكاف في رمضان وصلاة العيد في الخلاء – إنتشار العمل الخيري- الصحوة عالمية شملت بلاد العرب والعجم».
باختصار شديد هذه مظاهر الصحوة الإسلامية التي يعيشها العالم الإسلامي كما وردت في الكتاب المذكور أعلاه لأحد منظري "الإسلام المعاصر" العالم العلامة الشيخ والفقيه والداعية الكبير يوسف القرضاوي.
- هل في هذه التجليات والمظاهر ما يوحي بأن العالم الإسلامي يعيش الصحوة الإسلامية ؟
«...إن هذا الجانب الهام مما دعاه المراقبون والصحفيون ب"عودة الدين" أو(الصحوة الدينية)،يدل في الواقع على تفسخ الخطاب الروحي والاستخدام المبتذل أو الرديء للقرآن نفسه». المفكر محمد أركون كتاب: "القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني" صفحة 17. ترجمة هاشم صالح.
«... إن تنامي الحركات الإسلامية وكذا الحضور القوي للإسلاميين في جل الميادين، لم يمنع من تقلص وزن الوازع الديني في مجالات اجتماعية عريضة». المفكر محمد الطوزي كتاب: " الملكية والإسلام السياسي في المغرب" صفحة 14. ترجمة محمد حاتمي وخالد شكراوي.
«وحتى لو شهد المجتمع خلال حقبة من الحقب ازدهارا في علم الإلهيات والفلسفة والفقه والعلوم القرآنية، وتطوّع الآلاف لدراسة هذه الفروع، لن يعني كل هذا إحياءا دينيا بحال من الأحوال، فقد تكون كل هذه مجرد تحولات علمية وثقافية وأدبية وليست إحياءا لدين. وكذلك الحال بالنسبة للتحولات السياسية، التي قد تحصل في مجتمع ما بصيغة دينية، فهي لا تعني بالضرورة حصول الإحياء الديني. ذلك أن التحولات السياسية كالتحولات العلمية والثقافية ظواهر تاريخية لها أسبابها، ويمكن تفسيرها في ضوء تلك الأسباب». من حوار مع المفكر الإيراني محمد مجتهد شبستري كتاب: "الإيمان والتجربة الدينية" صفحة 138.إعداد وتحرير د. عبد الجبار الرفاعي.
على عكس ما راح إليه الشيخ القرضاوي وكل من يشاطره الرأي في كون العالم الإسلامي يعيش "صحوة إسلامية" نسجل على مضض أن واقعنا يعج ويصرخ بكل ما يناقض وينقض هذا الكلام قولا وفعلا ونقول:
هناك فتنة عامة وشبه شاملة، هناك مذهبية وطائفية متعددة: بين الشيعة والسنة وفي نفس الطوائف والفرق والمذاهب، في العراق، في سوريا، في لبنان واليمن، في أفغانستان وباكستان وفي الهند...
هذا التعدد والتنوع (الطوائف والمذاهب والفرق الإسلامية) حاليا لا يشكل عنصر إثراء وإغناء للدين الإسلامي والثقافة الإسلامية عامة، بقدر ما هو عنصر تدمير وتنحية وقتل وخراب، لأن منطق الفرقة الناجية والمنصورة بالله والآخرين إلى الجحيم هو الذي يحكمها، لا منطق الاختلاف رحمة ورأي صحيح يحتمل الخطأ ورأيك خاطئ يحتمل الصواب...
- نعم:
لقد سجلنا الظهور القوي والمكثف للحركات الإيديولوجية الإسلاموية: "الإسلام الدعوي"، "الإسلام السياسي"، "الإسلام التشريعي القانوني"، "الإسلام الطقوسي الشكلي"، "الإسلام الجهادي": حركة الإخوان المسلمين المعولمة والوهابية الأممية، تصدير الثورة الإيرانية وشيعنة العالم الإسلامي، حركة أبو سياف والقاعدة وداعش وبوكو حرام وشباب الصومال واللائحة طويلة.
تحت شعار "الإسلام هو الحل" لاحظنا لافتة ضخمة مكتوبة بالبنط العريض مرفوعة في كل مكان كعنوان للمرحلة واختصار للمشروع الحضاري للأمة -لا أدري إن عُرِف وفُهِمَ الإشكال أصلا - ؟
لاحظنا هيمنة بعض الحركات الانتهازية على الدين وممارسة السياسة باسمه والاسترزاق به مع العمل على إفراغه من كل ما هو روحاني وأخلاقي. هذه الحركات همها الوحيد هو تعبئة الجماهير وتجييشها بل حتى تهييجها وتحويلها إلى خزانات لا تنضب من أجل ما يخدم مصالحها، أقلها استعمالها كقاعدة واسعة وعريضة لأي عمل انتخابي، أو كجيش جرار لاستعراض عضلات الكم والعدد.
انتبهنا إلى تزايد الأتباع وانتشار منطق القطيع والشعبوية والتقليد العشوائي الحذافيري الصارم للأسلاف: (هيئة، هندام، لحى قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى مع حف الشوارب، دينار على الجبهة، لباس وحجاب النساء بأشكال متعددة (جلباب، نقاب، برقع ...)، طريقة الأكل والجلوس والتزين ومواده والخطابة والتحدث ...).
لمسنا استشراء النظرة العدمية والعداء لكل ما هو فن: مسرح، سنيما، رسم، نحت، موسيقى ورقص. وتحويل العديد من الأفراح والأعراس إلى ما يشبه المآتم والعزاء.
لاحظنا النظرة الاستعلائية والاحتقارية للثقافات الشعبية واللغات المسماة أعجمية وإن كانت هي لغة الأغلبية من الشعوب الإسلامية: (الأمازيغية، الكردية، الفارسية، التركمانستانية...) مع تقديس اللغة العربية واعتبارها لغة آدم والجنة.
سجلنا تزايد النظرة الدونية والتحقيرية للمرأة واعتبارها عورة ومصدر إغراء ومجرد حريم للرجل وأن مكانها الطبيعي هو المطبخ والفراش ولابد من وأدها ولو رمزيا.
أدركنا انتشار ثقافة الطب الشعبي والمسمى نبوي ومنطق الحبة السوداء دواء لكل داء: (السحر والشعوذة، الحجامة والرقية الشرعية) التي أصبحت تذر الذهب على أصحبها.
سجلنا الإكثار من بناء المساجد مع الحرص على الزخرفة المكلفة، في بلدان تئن تحت الفقر والجوع فئات واسعة من أبنائها، مع عدم الاكتراث للمدارس والمكتبات والمستشفيات والحدائق والملاعب. في كل البلدان الإسلامية هناك وزارة للشؤون الإسلامية وليس في أي منها وزارة خاصة بالبحث العلمي.
هناك سيادة عقلية الإقصاء والانفراد بالرأي ورفض الآخر وإن كان من نفس العقيدة مع هيمنة منطق الفرقة الناجية والآخرين المختلفين إلى جهنم واستهلاك الخطاب التكفيري الذي أصبح سيفا مسلطا على رقاب كل مخالف لرأي الجماعة المنصورة بالله.
نلاحظ انتشار فكر وخطاب معادات الغرب وكل ما له علاقة بفكره وتحميله جميع مسؤوليات تخلفنا وجهلنا وفشلنا والحروب فيما بيننا، مع استهلاك كل منتوجاته المادية: التكنولوجيا ووسائل التواصل والترفيه والسكن والأكل والشرب واللباس، فذلك حلال طيب علينا، فالله سبحانه سخر لنا الكفار لخدمتنا في هذه الأمور لا غير.
شاهدنا جمعيات خيرية تنبت في كل الدروب والأحياء، ظاهرها دعوي إسلامي وباطنها سياسي تعمل على تقديم مساعدات ورغيف خبز مطلي بفكر وهابي أو إخواني أو حتى شيعي مقابل الولاء الطائفي والسياسي.
سجلنا ظهور فئة نمطية من الفقهاء، إغتنت بالدين وفاضت عليها النعم الدنيوية وظهر عليها الغنى: في ألبستها الثمينة وسياراتها الفارهة ومساكنها الفخمة وزيجاتها المتعددة وفي أبنائها الذين يتابعون دراساتهم في المدارس الخصوصية والدراسات العليا عند العم سام وفي رحلاتها الكثيرة واستجمامها المستمر في أمريكا وأروبا الكافرة وفي تطبيبها في أغلى المصحات المحلية أو حتى الأوربية.
شاهدنا أفول بعض نجوم السماء وتوهج نجوم: يوسف القرضاوي، أبو قتادة الفلسطيني، أبو حمزة المصري، محمد حسان، عمر عبد الكافي، العريفي، عمرو خالد...على شاشات قنوات: الجزيرة وإقرأ والهدى والرحمة والناس والمنار...الممولة من عرق جبين الشعوب الإسلامية التي ترزح تحت الفقر والجهل والأمية وتتنفس وعودا وأوهاما من مشايخ التجهيل والتحريم.
لاحظنا استغلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة مع اهدار الملايين من الدولارات في الدعوة إلى الجهل وديمومة التخلف وتسخير لوجستيك ضخم من أجل تنشيط برامج تافهة تتحدث عن: تقنيات الوضوء والتيمم وبول البعير وعن هول وعذاب القبور وإرضاع الكبير وزواج القاصرات ومضاجعة الزوجة الميتة أو حول لباس المرأة وعن مصافحتها ولحية الذكر وأفضلية اليمين عن الشمال...
لاحظنا جامعات أفرغت من محتواها الفكري والعلمي وأصبحت في مؤخرة الترتيب العالمي، كما أصبحت تعج بلحى متعددة الأشكال وبأحجبة متنوعة مع سيادة ثقافة الشعارات المهيجة والوثوقية المطلقة وتغييب الفكر الحر التاريخي النقدي والنسبي.
شاهدنا ظهور حركة أسلمة المعرفة والعلوم ومبحث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة مع صفر اختراع علمي. كما لاحظنا هجرة جماعية لبعض الأطباء والمهندسين والتقنيين والخبراء إلى العمل الدعوي بل وتحول بعضهم إلى زعماء للجماعات الإرهابية ( بلادن والظواهري...).
لاحظنا كثرة الكتب والكتابات يغلب عليها طابع الترديد والتكرار والاجترار وعقم في الاجتهاد والإبداع مع غياب منتوجات فكرية عن اللاهوت الإسلامي وعلم العقائد وعلم أصول الفقه وإن وجدت فهي مطبوعة بالبساطة والسطحية والفقر في المناهج والتحليل والمراجع مع الاكتفاء بإعادة ما قاله السلف الصالح، كما نسجل غياب فقهاء وعلماء الدين كبار من طينة الشافعي وابن تيمية والغزالي وابن رشد وابن عربي...
شاهدنا التطبيل وإقامة الأفراح لكل فرد من الغرب المسيحي الكافر انضم للإسلام خصوصا إن كان ذو مكانة اعتبارية معينة (سياسي، فنان، نجم سينمائي، رياضي، مفكر...).
لمسنا في واقعنا والمعايش اليومي اتساع الهوة بين الخطاب الإسلامي المثالي والواقع المملوء بكل أشكال الانحرافات الأخلاقية: الغش، السرقة، الكذب، الرشوة، التحايل والتزوير ... وتقلص قيم: الرحمة، الإخلاص، الوفاء، الكرم، القناعة، التسامح، الاحترام، الكرامة وحفظ العهد ...
سجلنا تراجع إسلام أجدادنا وأباءنا، واندثار إسلام البسطامي وابن الرومي وابن عربي وظهور جماعات للدعوة والتكفير والقتل: جماعة أبو سياف بالفلبين، القاعدة المعولمة، داعش تصدير الجهاد، بوكو حرام متخصصة في سبي البنات، الشباب المجاهدين بالصومال خبيرة في تفخيخ الفنادق.
لاحظنا تآكل قيم ذات أبعاد تضامنية اجتماعية وظهور ذاتية مفرطة تقتات من كل ما هو تحايل وغش وتزوير حتى وإن كانت الأمور ذات صلة بما هو ديني: (بناء وتجهيز المساجد، الأضاحي ذات اللحوم الزرقاء يوم العيد كمثل يصرخ، وكالات أسفار التي تتحايل على آلاف الحجاج والمعتمرين مثل يتكرر كل سنة، المضاربات واحتكار السلع أيام المناسبات والأعياد الدينية، (احتكار وتخزين المواد، الزيادات في أسعار المواد وفي تذاكر السفر...).
لاحظنا أبناكا بعد أن بدلت جلودها كما لو كانت أفاعي، أصبحت بقدرة السوق وبدعوات الشيوخ، أبناكا إسلامية أو تشاركية دون أن يتغير شيء من محتواها وقيمة أرباحها.
شاهدنا الحجاب بكل أشكاله يدخل حلبة الموضى ويقتحم معارض الأزياء العالمية ويعرض على واجهات المتاجر العصرية.
لاحظنا آيات قرآنية وأحاديث نبوية مكتوبة ومعلقة على جدران البيوت والمكاتب والمتاجر وعلى الزجاجات الخلفية للسيارات، تحث على: الرحمة والمودة والصبر والتسامح والإيثار والصدق والأمانة والعدل، لكن مع الأفعال المناقضة تماما لمضامين هذه الآيات والأحاديث.
- بعض الأسئلة تفرض نفسها:
هل منسوب الجهل انخفض في المجتمعات الإسلامية ؟ هل اندثرت الأمية ؟ هل معدل الفقر تقلص ؟ هل مستوى التعليم ارتفع وأصبح ذا جودة ؟ هل التطبيب انتشر في القرى والمدن؟ هل السكن اللائق بكرامة الانسان أصبح في متناول العموم ؟ هل النظام أصبح سيد الموقف ؟ هل النظافة عمت قرانا ومدننا ؟ هل خَفَّت الشعوذة وكسد عمل السحرة والدجالين والمتحايلين وأصحاب دكاكين الحجامة والرقية الشرعية التي تحولت الى تجارة مربحة تذر الملايين على أصحابها وأصبحت قنابل اجتماعية موقوتة ؟ هل رفعنا أيادينا عن الشيطان والجن والعين والحسد الذين هم المتهمون الأوائل دائما وأبدا في كل فعل نقوم به دون أن نحمل أنفسنا قسطا من المسؤولية، دون أن ننتقد ذواتنا ونراجع أنفسنا بعيدا عن الآخر المجهول الذي أضفنا إليه مؤخرا الدول الغربية التي أصبحت هي المشجب الوحيد الذي نعلق عليه كل مصائبنا، تخلفنا جهلنا، حروبنا وفشلنا ؟
وأخيرا، مع نقل السفارة الأمريكية بإسرائيل إلى القدس. هل احتج المسلمون بأمريكا أمام البيت الأبيض ؟ هل خرج المسلمون بألمانيا إلى شوارع برلين ؟ هل تظاهر المسلمون بفرنسا في باريس ؟ هل اعتصم المسلمون بالحجاز في الرياض ؟ هل أضرب المسلمون بإندونيسيا في جاكرتا ؟ هل تزعم الوافدون الجدد على الإسلام أي حركة احتجاجية أو رفعوا أي عريضة استنكارية للرئيس الأمريكي ترامب أو للأمم المتحدة ؟.
طيب هناك أصوات سترتفع لتقول إن هذه الأمور من مسؤولية السلطة ونحن لا دخل لنا فيها ولا سلطة لنا. لكن ماذا عن خمسين سنة من عمر "الصحوة الإسلامية" ؟ ماذا عن تجربة إيران والسودان والسعودية والباكستان ؟. ولنذهب إلى المجالات التي احتكرتها وتحتكرها الحركات الإسلامية بكل أطيافها وتلاوينها. نعم هناك ظاهرة امتلاء المساجد عن آخرها وافتراش المساحات العمومية وبعض الشوارع والأزقة أيام الجمعة وفي التراويح أيام رمضان، لكن مع كثرة الفوضى وقلة النظام والاحترام والسرقة حتى داخل بيوت الله والأزبال والضجيج بمحيطها. نعم نشاهد اكتظاظا في الجوامع مع الفراغ والخواء في الروح. نعم نرى كثرة السجود وقلة الجود (دون أن ننسى أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر). نعم لاحظنا الاقبال المتزايد على صيام كل أيام الاثنين والخميس، لكن كما قال أحد الحكماء: "منهم من يعمل جاهدا أثناء الوضوء وهو صائم على ألا يبتلع قطرة ماء لكنه يبتلع حصة أخته من الميراث وأمتار من أراضي الجيران وكذلك أمترا من الشوارع العمومية". نعم مواسم الحج والعمرة مملوءة عن آخرها حتى أصبحت الفرص تمنح للدول بالكوطا وتوزع على الأفراد عبر القرعة مع المحسوبية والعلاقات الزبونية، لكن ماذا عن اللانظام والفوضى وعن الاكتظاظ والازدحام والكوارث والضحايا الناتجة عن ذلك كل سنة، في أماكن مقدسة المفروض فيها قمة النظام والتسامح والأخوة والإيثار والسلم والسلامة ؟ وماذا عن الشعوذة وزيارة القبور وما يقع فيها ؟ وماذا عن الرقية المسماة شرعية وعن الحجامة ؟ ماذا عن الرشوة ؟ ماذا عن احترام القانون ؟ وماذا عن نظافة الأزقة والشوارع ؟ ماذا عن احترام الجار؟ ماذا عن غض البصر ؟ ماذا عن الزكاة ؟ ماذا عن القسط في الميزان ؟ ماذا عن الغش الذي طال كل شيء من السياسة إلى التجارة إلى الامتحانات المدرسية ؟ ماذا عن عدم الاتقان في العمل ؟ ماذا عن التحريف والتزوير وشهادة الزور؟ ماذا عن الكذب والنميمة والنفاق ؟ ماذا عن احترام قانون السير؟ ماذا عن التحرش الجنسي وعدم احترام الآخرين ؟ ماذا عن مظاهر البذخ واستعراض عضلات المال حتى في الجنائز والعزاء والقبور؟ ماذا عن الفضائح السياسية والمالية والجنسية التي طالت حتى بعض الشيوخ والفقهاء الذين يقدمون أنفسهم كورثة للأنبياء ؟ هل اندثرت هذه السلوكيات المشينة والمدمرة أو على الأقل تقلصت إلى الحد الأدنى أم على عكس ذلك استفحلت وزادت انتشارا وتوسعا وتعددت وتنوعت في أشكالها ؟
- خلاصة مقتضبة
ليس من باب المزايدات أو النظرة التشاؤمية المفرطة أو حتى طغيان لذاتية متموقعة، إن رسمنا صورة قاتمة عن الوضع السائد الذي تعيشه الشعوب الإسلامية وقلنا عكس القائلين ب "الصحوة الإسلامية": لا صحوة ولا يقظة ولا إفاقة ولا قيام ولا انبعاث ولا نهضة إسلامية، بل عكس كل ذلك، هناك انحدار وانزلاق نحو الحضيض والمزيد من المستنقعات المملوءة بالضحالة والرداءة. هناك هجرة من الأخلاق إلى اللاأخلاق، هناك مغادرة القيم الى اللاقيم، هناك رحيل من المعنى إلى اللامعنى، هناك قيم وأصول تتآكل وتندثر وفي المقابل تنمو وتزدهر أخرى مخربة ومُدَمِّرة. هناك فن وجمال ينسحب وقبح وخراب ينتشر ويعم كل الأمكنة.
لا أدري إن كانت الظواهر والمظاهر والسلوكيات والأخلاق التي سردناها فيما مضى هي ما يسمى ب"الصحوة الإسلامية" أم هناك أمور خفية لا يعلمها إلا أصحاب هذه الأوهام، أو ربما تعاريف أخرى تليق لوصف وضعنا الراهن ؟
ذات يوم سُئِل شاب معروف بكثرة نومه: إذا صحيت من نومك ماذا تفعل ؟ أجابهم: أستريح.
هذه الأشكال والأفعال والحركات والأخلاق والسلوكيات والمظاهر والظواهر والأفكار، لا تشكل في العمق إلا نوعا من رد الفعل السلبي على قيام الدولة الوطنية والتشريع الوضعي وهيمنة الرأسمالية المتوحشة التي اكتسحت كل الميادين وعلى العولمة التي كسرت جميع حدود المعارف واقتحمت جميع الحقول بما في ذلك الحقل الديني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قول الحق
على سالم ( 2018 / 12 / 2 - 20:14 )
سرد جيد لتحليل امور الاسلام والمسلمين والنفاق المجتمعى , هذه هى الحقيقه الاليمه ويجب ان نسلم بها حتى وان كانت مره وعلقم , الاسلام مرض اجتماعى وعقلى خطير ومدمر والواجب الاعتراف بهذا , انها كارثه المسلمين والاسلام البدوى الذى يسمى حنيف


2 - أعتقاد بالإسلام
طاهر مرزوق ( 2018 / 12 / 2 - 22:09 )
الأستاذ/ عمر
بعد التحية
لقد شرحت وسألت وأجبت بإسهاب وإستفاضة بكل عفوية عن سؤال آخر لم يكن فى مضمون المقال ولا فى فكر الكاتب نفسه وهو: رغم كل ما ذكرته فى المقال هل هناك من يعتقد أن كلام ونصوص الإسلام صالحة لتقود الإنسان لصنع حاضره ومستقبله؟ هل الإسلام رغم تناقضاته النصوصية والبشرية يصلح الآن لنقول عليه أنه دين بدوى بشرى؟
بعد كل ما كتبته هل أنت مقتنع أو القراء مقتنعون بأن القرآن والسنة هما الحل لمشاكلنا؟ أم أنهم مجرد كتب دينية تاريخية مثل بقية كتب الأديان البشرية؟
أتمنى التفكير فى كلامى هذا وعلى العقل التوفيق!!
مع الشكر


3 - النكسة الإسلامية
ماجدة منصور ( 2018 / 12 / 3 - 09:50 )
إنها النكسة الإسلامية بكل معنى الكلمة0
من ثمارهم تعرفونهم....وهذه ثمار الشريعة الإسلامية بكل وضوح0
بئس دين لا يرتقي بالإنسان و الإنسانية جمعاء0
كل الذي ذكرته صحيح و لكن لابد من طرح سؤال وجودي هام وهو: ماهو أساس كل هذا الدمار و الخراب الذي نرتع به؟؟؟؟؟
أين هي (الصحوة) في كل ما ذكرته؟؟؟؟
و إذا كان هذا هو شكل الصحوة!!!!فكيف ستبدو لنا (النكسة))؟؟؟؟؟
نحن نندثر....هكذا هو حالنا بكل صراحة
سوف يبصق علينا التاريخ...ذات يوم ليس ببعيد0
لقد أثرت فينا الوجع القديم سيدي الأستاذ
احترامي للجميع

اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53