الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صديقي الأميريكي

ملهم جديد

2018 / 12 / 4
الادب والفن


صديقي الأميريكي
خاض حربين امبرياليتين في كوريا وفيتنام ، و ثلاث زيجات فاشلة ، خلَّف دزينة من الأولاد نسي أسماء نصفهم و لا يعرف أماكن تواجد أي منهم . سألته فيما إذا كان قد قتل أحدا أثناء الحرب ، فأجابني " و هل تسأل فيما إذا كانت العاهرة قد نامت مع غرباء ، أو فيما إذا كان الرئيس الأميريكي كذب و ما زال يكذب ؟! ، الخدمة في الجيش مهنة ، و هذه المهنة تقوم على القتل " توقف عن الكلام لبعض الوقت ، تأمل سيجارته التي انطفأت ، أشعلها و أكمل " كنت و مازلت و سأبقى ضد القتل ، لكن عندما تجد نفسك في قلب المعركة ، و إن لم تكن مقتنعا بعدالة الحرب التي تخوضها ، فإن هدفك سينصب على أن لا تُقْتَل ، و لكي لا تٌقْتَل عليك أن تَقْتُل " " أفهم من ذلك بأنك كنت متحمسا في البداية كجندي ثم خَفَّ حماسك فيما بعد !!" صحيح ، و ربما استغربت إذا قلت لك بأن حماسي خفَّ عندما هبطت الطائرة العسكرية التي كانت تقلنا إلى كوريا في ألمانيا للتزود بالوقود ، أتذكر بأن الوقت كان ظهرا ، و كنّا نتناول الغذاء في مطعم القاعدة الأميريكية ، كان الضابط المسؤول عنا يتجول بين الطاولات مثل الطاووس ، يلقي النكات و التعليقات السخيفة التي لا أتذكر سوى واحدة منها ، قال لنا ، و كان قد اقترب من الطاولة التي أتشاركها مع ثلاثة جنود ، استمتعوا بوجبتكم هذه ، فقد تكون الوجبة الأخيرة التي سوف تتناولونها بهدوء ، و ما أن رأى امتعاضنا من نبوءة الشؤم هذه التي تفوه بها حتى استدرك و قال : طبعا ستتناولون وجبة عامرة احتفالا بالنصر عند عودتنا إلى أميريكا . و كان يهم بالإبتعاد عندما سألته : كم بقي من الوقت لنصل إلى كوريا ؟! فقال :،حوالي العشر ساعات ، فصرخت عشر ساعات ، ألا تعتقد بأننا نذهب بعيدا لقتال أعدائنا ؟! " ابتسم ، ربت على كتفي ، و قال " حتى لو كانوا في المريخ سوف نذهب لقتالهم ، أنت لا تعرف هؤلاء الشيوعيون ، إذا لم نقاتلهم الآن في شرق آسيا ، فإننا سنضطر لقتالهم على عتبات بيوتنا في واشنطن و نيويورك فيما بعد " . أدار ظهره و كنت أعلم بأنه غاضب ، فوددت أن أثير غضبه أكثر ، عندما تذكرت بأني لمحته يقرأ في الإنجيل أثناء الرحلة ، فصحت ، و لم يكن قد ابتعد كثيرا " عفوا سيدي ، عندي سؤال آخر " عاد و اقترب من طاولتنا و قال بتهذيب مفتعل " تفضل " فقلت " هل تعتقد بأن المسيح سيكون راضيا عن ذهابنا ألاف الأميال من أجل الحرب ؟!" ، و مازلت أتذكر كم كابد ليحافظ على تهذيبه ، فابتسم تلك الإبتسامة التي يرسمها من يود لو كان باستطاعته قتلك و قال " انتظر دقائق و سآتيك بمن يجيبك " . غادر و عاد بعد عشر دقائق ومعه خوري ، علمت فيما بعد بأنه كان على متن الطائرة العسكري الثانية التي كانت متجهة إلى كوريا . أشار الضابط إلي و تقدم مع الخوري باتجاهي ، مد الخوري يده فصافحته ، كانت يداه ناعمتين و كأنهما لم تقوما بأي عمل سوى تقليب صفحات الإنجيل في عظات الأحد . اقترح الضابط بأن نذهب إلى طاولة في الركن البعيد من القاعة ، فحدست بأنه لا يريد لبقية الجنود سماع حديثنا ،تفهمت ذلك ، فكما تعرف المعنويات نصف المعركة و لم يشأ الضابط أن يشك الجنود في عدالة الحرب التي هم على وشك خوضها . ما أن جلسنا ، حتى بدأ الخوري حديثه " حسب ما فهمته ، و يمكن أن تصحح إن كنت مخطئا ، بأنك تتساءل عن ذهابنا آلاف الأميال لقتال أعدائنا ، باختصار تتساءل فيما إذا كانت حربنا عادلة و تحوز على بركة المسيح !! أريد أن أؤكد لك بأن حربنا عادلة و بأن المسيح يباركها ، يباركها لأنها ضد أعدائه ، نحن في حربنا هذه لا ندافع عن مصالح أميركا فقط ، إننا ندافع عن العدالة ، أي ندافع عن العالم أجمع " و لا أعرف فيما إذا كان سيكمل عندما سألته " لكني حسب ما أذكر فإن المسيح قال : أحبوا أعداءكم !" نظر إلي تلك النظرة التي يتقنها من يعتقد بأنه وكيل الرب إلى أحمق ، و قال : قال المسيح أيضا " ما جئت لألقي سلاما بل سيفا " . في الحقيقة فوجئت ، فأنا لا أذكر بأنني سمعت ذلك في الكنيسة التي كانت تأخذني إليها أمي عندما كنت صغيرا ، و لأَنِّي لم أكن في وارد الشك فيما قاله ، مع أني أعرف بأن رجال الدين يكذبون ، إذ لم يكن من المعقول أن يدعي وجود آية من السهل التأكد من وجودها ، فقد سألت و كم مرة ورد ذكر السيف في الإنجيل !! فأجاب : مرة ، مرة واحدة ، ثم لم يلبث أن استدرك : لم يكن هناك شيوعيون في زمن المسيح ، و لو كانوا موجودين لكانت كلمة السيف وردت ألف مرة " . صمت ، فقال الضابط : أرجو أن يكون أبونا قد بدَّد شكوكك ، فبقيت على صمتي و أنا أردد بيني و بين نفسي " هل هناك عمل شرير لا يوجد رجل دين لتبريره ، لا بد أن الشيطان في غاية السعادة الآن ، فقد انضم إليه للتو شريك سوف يشاركه اللعنات إلى يوم القيامة " . انطفأت سيجارته مرة أخرى ، وعندما اقتربت لأشعلها له ، سألته فيما إذا كان مؤمنا ، فأجاب بعد تلك الحادثة انقطعت علاقتي بالكنيسة و قويت بالمسيح ، و لم يلبث أن سألني : هل تحب المسيح ؟ ، و هل هناك من يكره هذا الرجل الرقيق !؟ أجبته ، فقال : هل أستطيع أن أطلب منك شيئا باسم المسيح ! فقلت تفضل ، أحتاج ثلاثة دولارات لشراء فودكا . فقلت كان يمكنك أن تطلب ذلك باسمك الشخصي ، فابتسم و قال : إذا اعطني ستة دولارات ، ثلاثة باسم المسيح و ثلاثة باسمي الشخصي . ناولته ست دولارات وقبل أن يسرع ليقطع الطريق حيث محل الخمور ، سألته " هل تندم على شيء فعلته أو لم تفعله في الماضي !؟" " الشيء الوحيد الذي أندم عليه هو أنني لم أمتهن التشرد منذ يفاعتي " و أذهلني عندما أكمل بما يشبه ما قاله الشاعر السوري محمد الماغوط " عندما تصبح مشردا لا يستطيع أحد أن يجبرك على القيام بما لا تريد القيام به أو قول ما لا تود قوله أو حب ما لا تحبه ما دام هناك تبغ و ثقاب و خمور وشوارع ".









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا