الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كهربة البلد في خطر !!

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2018 / 12 / 4
الادارة و الاقتصاد


كهربة البلد في خطر !
مثل اغلب المؤسسات العمومية فإن الشركة التونسية للكهرباء والغاز تعاني من عجز في موازناتها المالية وتتالي سنوات الخسائر ، الا أن الستاغ تعاني بالإضافة للكارثة المالية من هجمة إعلامية ومن حرفائها خاصة ( الجهد المتوسط) الصناعيين إحتجاجا على الترفيع في سعر الكهرباء !! يقبل هؤلاء الترفيع في اسعار كل المواد و السلع بوصفها ضرورة ناتجة عن التضخم و إنهيار سعر صرف الدينار و ارتفاع سعر خامات البترول والغاز ... الخ ولكنهم يشنون حملة ممنهجة ضد الستاغ لما تخضع لضرورة السوق وترفع من سعر الكهرباء!! وكأننا بتوربينات إنتاج الكهرباء تعمل على الهواء أو تدور ذاتيا !! وكأننا بشبكة نقل وتوزيع الكهرباء وصيانتها الدائمة تتم عن طريق النوايا الطيبة أو عبر النشاط الجماعي التطوعي وبمواد وطنية ذاتية الصنع ! ام هل تراها مكاتب الشركة وموظفيها تُدار دون أجور قرطاسية وأدوات مكتبية... الخ .
سادتي إن الشركة تنتج أغلب الكهرباء من توربينات الغاز وتوربينات الدورة المزدوجة وهي إستثمارات ( الاف المليارات ) ضخمة طيلة سنوات من العمل والمراكمة والتكيف مع التغير التكنولوجي حسب قدرة ونمو اقتصادنا الوطني من أجل المحافظة على سلامة إنتاج وتوزيع الكهرباء والحد من سوء التزويد والانقطاع حتى في أوقات ومواسم الذروة ، إن الستاغ تتزود بالمحروقات من غاز وبترول ( منذ 4 سنوات بعد قرار منع شراء الايتاب للبترول والغاز للستاغ) بالعملة الصعبة وبالاسعار العالمية مع ما يعنيه ذلك من خسارة في الصرف نتيجة التدهور المستمر لقيمة الدينار وتعرض تغير كلفة الإنتاج بتغير أسعار البترول فإذا أضفنا لهذا شح السيولة نتيجة تراكم ديون الشركة الغير مستخلصة لدى حرفائها ( 1300 مليار تقريبا أغلبها لدى مؤسسات الدولة والمرافق العمومية ) وهو ما يضطر الشركة الوطنية للاقتراض الدوري بنسب فائدة مرتفعة من أجل توفير العملة الصعبة لخلاص فاتورات المحروقات وهو ما يثقل كاهل الشركة بالديون من ناحية ويرفع كلفة إنتاج وتوزيع الكهرباء من الأخرى.
إن رفع سعر الكهرباء ونظرا لأهميته وخطورته الاقتصادية والاجتماعية ليس عملية محاسبية تقنية تقررها إدارة الشركة كما يروج البعض بل هو قرار سياسي سيادي يتعلق الموازنات المالية العامة للدولة التونسية تتخذه وتبرمجه الحكومة ضمن ميزانيتها لما تحدد حجم الدعم السنوي المرصود للكهرباء والغاز وآليات تعديله ، لأن الشركة التونسية للكهرباء والغاز وبكل بساطة تبيع دوما أقل من سعر التكلفة الحقيقي سواءا بسواء بالنسبة لحرفاء الجهد المنخفض ( منزلي) أو الجهد المتوسط ( صناعي) بالنسبة للكهرباء والغاز لأنهما مدعومان في هذا البلد .
إن كهربة البلاد عبر شركة عمومية وطنية لها طابع تنموي إقتصادي وإجتماعي وطني لا تخضع اسعارها لقانون السوق وتحرير الأسعار يحد بشكل كبير من الفوارق الاجتماعية ويمكن كل الناشطين الاقتصاديين والمواطنين من إستغلال معقول للكهرباء بخدمات وشبكة مقبولة نسبيا من حيث الجودة و استمرار الخدمة بعيدا عن تقلبات اسعار المواد الأولية الإنتاج وهي في هذه الحالة الغاز الطبيعي ، حيث تُحدّد الحكومة بشكل مسبق سعر بيع الكيلواط كهرباء لكل الشرائح تماشيا مع خياراتها الاجتماعية والاقتصادية ومراعاة لمؤشرات الاسعار للاستهلاء العائلي و الصناعي ، ويفترض تبعا لذلك تخصيص حصة من الدعم من الموازنة العامة للدولة للحفاظ على توازنات الشركة الوطنية التي تختل نتيجة فرق تكلفة الإنتاج وسعر البيع وهذا ما لم يحدث سنة ( 2016 مثلا صفر دعم و2017 ثلثي الدعم المرصود فقط!! ) .
لئن تمكنت الشركة التونسية للكهرباء والغاز من رفع مداخيلها بشكل ملحوظ من سنت الى اخرى فاق رقم معاملاتها لسنة 2017 ال3000 مليون دينار توتسي ومن تحقيق نتيجة نشاط/استغلال إيجابية لسنة 2016 بتحقيق هامش ربح طفيف يقدر ب4 مليمات على الكيلواط وهو ما يحيل إلى جانب الاستقرار النسبي في سعر الغاز في مستوى اسعار معقول ( 391 د تاب tep سنة 2016 مقابل 570 تاب 2017 ) ، على قدرة عالية من قبل الشركة على التحكم في تكنولوجيا الإنتاج والتوزيع والضغط على التكلفة وإدارة المخزون ...الخ ، الا أنها في النهاية حققت خسارة محاسبية جملية ثقيلة فاقت 350 مليون دينار وذلك نتيجة مباشرة لارتفاع أعباء الديون والقروض و خسائر الصرف الناتجة عن تدهور قيمة العملة التونسية ، وكذلك الأمر بالنسبة لسنة 2017 حيث تفاقمت الأزمة فسجلت الشركة خسارة في نتيجة النشاط/الاستغلال نتيجة الارتفاع الكبير في سعر المحروقات خاصة الغاز الأجنبي يضاف له تفاقم أعباء الدين و خسائر عملية صرف العملة ( التحويل للعملات الأجنبية لخلاص فواتير إستيراد الغاز ) التي فاقت 1000 مليون دينار لتسجل الشركة خسارة محاسبية تاريخية تجاوزت 1100 مليون دينار فابتلعت ديونها رأسمالها بل فاقته .
إن أكثر من 90% من انتاجنا للكهرباء مصدره الغاز الطبيعي الذي نستورد تقريبا 58% من حاجياتنا منه بالعملة الصعبة التي تحتكم منها الستاغ على لا شيئ تقريبا بحكم طبيعة نشاطها وعملائها مما يضطرها للخروج للسوق المالية لتتعرض لصدمات تغير سعر الصرف خاصة وان الشركة الوطنية تعاني عجزا متزايدا في السيولة النقدية حتى بالدينار التونسي نتيجة عدم خلاص الاستهلاك من قبل مجموعة واسعة من حرفائها اهمهم مؤسسات الدولة والمرفق العام حيث فاقت ديون الشركة لدى حرفائها 1200 مليون دينار وهو ما يدفعها الاقتراض الدوري لتغطية نفقات الاستغلال ويغرق نتيجتها المحاسبية أكثر فاكثر ومن سنة لأخرى في أعباء الديون ، بما يعيق قدرتها على الاستثمار في صيانة الشبكة وتحديثها ( إنتاجا وتوزيعا ، الطاقات المتجددة أو العداد الذكي مثلا الذي يجنب الحريف و الشركة أعباء الفاتورة التقديرية مثلا ... الخ)
لئن أعلنت الحكومة عدم عزمها في التفويت في المؤسسات العمومية ومنها "الستاغ" الا أنها لا تتخذ خطوات جدية للاصلاح والإنقاذ بقدر ما يبدو انها بلا مبالاتها تدفع في اتجاه تفليس الشركة إعدادا للتفويت فيها أو في جزء من مشمولاتها للقطاع الخاص وسماسرة البلاد و العباد المحليين والأجنبيين ، وهي لا تدرك أنها بذلك تكسر أحد أهم روافع الاقتصاد الوطني المتماسك وذو الطابع الشعبي بل أهمها على الإطلاق ، تحت شعارات واهية تقول بالتنافسية وتحرير سوق الطاقة الذي سيؤدي في النهاية الى تحرير اسعار الكهرباء للتناسب مع ارتفاع سعر المحروقات التي نعاني عجزا في انتاجها محليا فترتفع بالتالي اسعار الكهرباء عند الاستهلاك لمعدلات خيالية لن يقدر عليها المواطنون وصغار الحرفيين والصناعيين فنخسر في النهاية إنجاز كهربة تونس فتغرق في الظلام بعد أن فاقت نسبة الكهربة ال99% بأسعار معقولة وعبر المجهود الوطني للشركة الوطنية ، التي لم يتوقف دورها الاقتصادي والتنموي عند هذا الحد بل تعداه إنعاش الدورة الاقتصادية الوطنية في كل المجالات من خلال تفضيلها المزودين التونسيين في معاملاتها في السياحة والمقاولات والصناعات المعملية وشبه المعملية وتوفير السيولة لخزينة الدولة كلما دعت الحاجة بالإضافة إلى جدولة ديون القطاعات المازومة وتمتيع القطاعات الصناعية من اسعار تفاضلية في شراء الغاز اقل من سعر تكلفته ( يكلف الشركة خسارة أكثر من 200 دينار في الطن المعادل بترول tep ) وأهمها المرفق العام... الخ ولكن "صناعيينا" لا يدركون ولا يفقهون انهم بكل بساطة يطلبون قتل "الستاغ" ليرثوها ويعيثوا فسادا في المجال
ان الشركة التونسية للكهرباء والغاز اليوم ، تعاني ما تعانيه تونس و أكثر بما يهدد استمراريتها وكل نشاطها التنموي ، لذلك فهي في حاجة لمعالجة سريعة تعيد لها أنفاسها وتنقذ كهربة البلد :
- الضرب بيد من حديد من أجل استخلاص ديونها لدى الحرفاء توفيرا للسيولة وإخراج الشركة من دوامة التداين بفوائد مشطة لتغطية مصاريف الاستغلال وافساحا للمجال لإعادة تنشيط استثماراتها في تحديث الشبكة كما في استغلال الطاقات المتجددة
- ربط تعديل سعر الكهرباء بالتعديل الآلي لسعر المحروقات
- إلغاء الإجراء القاضي بشراء الستاغ للغاز بشكل مستقل بالعملة الأجنبية وإعادة الامور كما كانت بوساطة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية التي تتوفر بحكم طبيعة نشاطها على العملة الصعبة اللازمة في أوقات معقولة و بأسعار صرف معقولة .
- الترفيع العمومي العاجل في رأسمال الشركة .
- تمكين الشركة من حرية أكبر في قرارت التصرف في مواردها كما في الصفقات وكل النشاط وتعديل الأسعار...الخ بما يضمن لها ادواة التصرف التي يحتكم عليها القطاع الخاص لضمان نجاعة التدخل في زمن معقول ، وتقليص تدخل الحكومة المركزية في دور رقابي وتوجيهي عام من خلال ممثليها في مجلس الإدارة .
- إذابة العراقيل الموجودة أمام مشاريع الشراكة الكهربائية مع أوروبا خاصة ايطاليا وتسريع مشروع الربط لتصدير الكهرباء أثناء انحصار الاستهلاك في تونس و ذروة الاستهلاك في أوروبا( فصل الشتاء )
- إطلاق حوار وطني شامل حول مجال الطاقة والكهرباء خاصة لضبط خطة مستقبلية شاملة للانتقال الطاقي خارج عمليات السمسرة الظرفية التي تسعى إلى تحويل الستاغ إلى جثة وتقاسم تركتها بين اللصوص .
--------
TEP تاب أو طن معادل بترول : وحدة قيس قياسية لتحويل/معادلة قياس الطاقة بين مختلف مصادرها بالرجوع للقدرة الحرارية/الطاقية لطن بترول








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قاض بالمحكمة العليا البريطانية يحدد شهر أكتوبر للنظر في دعوى


.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024




.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال


.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة




.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام