الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتاب العتيق

ميلاد ثابت إسكندر
(Melad Thabet Eskander)

2018 / 12 / 6
الادب والفن


الكتاب العتيق
في محاولة مِني لترك الفراش، ويدي تفرك الكَسل من عيني
وقفتُ أخيراً، نَظرتُ إليه في حب واحساس مني بالعرفان بالجميل علي تلك الفُرصَة العظيمة التي مَنحها لي، فهو من عَـرَّفني بها...
و دون أن أشعُر ضَغطَ إصبعي علي مُفتاح التشغيل.
هرولتُ أتفحَصُ الرسائل ربما أرسلتْ المزيد،
ولكني لم أجد شئ... خرجتُ لأعد كوباً من الشاي_ كالمُعتاد في كل صباح_
وتركته دون أن أغلقه. عاودَتني الذكريات: أول إشعار منها لطلب الصداقة عبر(الفيس بوك)،أول رسالة تعارُف بيننا، إعجابها الشديد بكتاباتي، تعليقاتها الرقيقة علي لوحاتي ومنحوتاتي، نقدها الرائع لكل أعمالي الفنية والأدبية، عقلها المتفتح كالأزهار اليانعة، ثقافتها التي بلا حدود، حوارها المهذب الرقيق. جلست أرتشف الشاي وعيني ترقب شاشة
هذا الجهاز السحري الذي قَـرَّب المسافات بين البشر، وأتاح لنا دروب المعرفةِ... أشكرك: قُلتها لمَن أبدَع تلك المخترعات التي خدمت البشرية، وخدمَتني أنا علي وجه الخصوص: بإهدائها لي عصفورتي الجميلة
التي تعودتُ أن أسمَع تغريدها كل صباح، من رسائلها التي بثت في أعماقي الروح من جديد. فجأة ظهر إشعار باللون الأحمر ليُخبرني بوصول رسالة جديدة، بسُرعة البرق فتحتُ الرسائل: صباح الخير ، كَتبَتها فسمِعتُ صوتها كأنغام عود مشدود أوتاره ليَعزف أعذَب الألحان، صباح الخير صديقتي
كيف حالك؟ أجابتْ: علي ما يُرام ، وكيف حالك أنت؟ كُنت أود أن أُجيبها: إني في شوق لرؤياكِ ولكني تَماسكتُ وأجبتها: في أحسَن حال. أشادتْ بقصيدَتي التي نشرتها أمس بكلمات رقيقة؛ شجَّعتني أن أطلب منها صورة شخصية لها لأرسمها. صَمتَتْ للحظات، مَرَّت عَليَّ كساعات. قالت: أرجو أن تدوم صداقتنا للأبد؛ فلا تطلب مِني هذا الطلَب مَرَّة أخري. لم أعرف من أين اتتني الشجاعة لأجيبها: صديقَتي الغالية ألم تثقيِ بي حتي الأن؟!
حقاً أريد أن أراكِ كل ما بيننا حروف وكلمات، أريد أن أري
هذا العصفور مَن يُغـرد أحلي الأغنيات. رسمتُ لكِ صورة في خيالي قد تكون أبعد عن الحقيقة فلا تجعليني متعلق بخيال.
فتشتُ في صفحتك فلم أجد لك صورَة واحدة...
أرجوكِ أنا مُتَلهِف لرؤياكِ بدافع ال..... خانتني شجاعتي في تلك اللحظة فلم أنطق ببنت شفة. ولكنها أصرتْ علي موقفها، وشعرتُ من ردودها أن جدار الثقة بيننا
لم يكتمل بناءه بعد؛ فقلتُ لها مُعاتباً: لما صديقتي وأنا مثل الكتاب المفتوح بين يديكِ؟
أتتذكرين؟ أنت مَن اخترقتِ صَمتي وسكوني وأزحتِ ركام الآتربَة من فوقي، وبأصابعكِ تلاعبتِ بصفحاتي، وسطرتِ بها أحلي الكلمات، أنتِ مَن نفختِ الروح في ذالك الكتاب العتيق... قالت متسرعة_ كما شعرتُ _: لا تفهمني خطأ،
لا تجعل علاقتنا تأخذ مَنحي آخر.
وعندها وقف قلبي عن الخفقان، وتحشرجت روحي في صدري، وتلعثمت الكلمات في فمي،
ولم أدري كيف نطق لساني وقتها بتلك الكلمات. ارحلي اذاً ولكِ أن تمحي ما سطرتيه من كلمات علي صفحاتي، ولكن بصمات أصابعكِ ستظل محفورة بها، لا تستطيعين مَحوها
وقبل أن أُغلق الجهاز قالت: انتظر لا تكن متسرعاً في حكمك، دع الأيام والظروف تقول كلمتها؛
عندها شعرتُ ببصيص من الأمل يسري في داخلي؛ فأغلقتُ الجهاز وأعدَدتُ حاجياتي، وذهبتُ إلي الشاطئ أبث له خلجات نفسي كما اعتدتُ من قبل.
مرت الأيام ولم تُرسل لي أي رسالة؛ فكتبتُ أستفسر عن حالها؛ لأطمئن عليها وتوالت الرسائل ولكنها لم ترد؛ ساورني احساس بالقلق حيالها: أين ذهبت؟! كم اأنتِ عَنيدَة يا صديقتي! حتي رقم هاتفكِ مَنعتيه عني، فكيف لي أن أطمَئن عليكِ؟!
دَقتْ ساعة الحائط لتُخبرني بميعاد برنامجي المُفضل (في النور) فتحتُ التلفاز ورحتُ أتابع أحوال بلدي الذي صار الغرق قريباً منه قاب قوسين أو أدني.
بدأ مُقدم البرنامج في سرد الأخبار التي
اعتدتُ سَماعها والتي تتفاقم سؤ يوما بعد يوم وفجأة اتصل أحد المشاهدين يستغيث،
فقد تم خطف ابنته، وظهرت صورتها علي الشاشة، من فرط جمالها لم أنتبه لاسمها،
وبغتة وقع بَصَري علي اسمها وبياناتها؛ فصرختُ فزعاً: هي، هي بكل تأكيد،صديقتي،
كاد عقلي أن يطير، سجَّلتُ مُسرعاً عنوانها ورقم التليفونات المُتاحَة علي الشاشة ورحت أتصل بوالدها؛ لأعرف حيثيات الموضوع، ولكن الخطوط كلها مشغول؛. صرت أنفخ من فمي
أنفاساَ كاللهيب، وأطرق بقبضة يدي الحائط ، حتي كادت يدي أن تنكسر... صرختُ في جنون:
اه حبيبتي، أين أنتِ؟ مَلعونة تلك الذئاب الخاطفة. أي ذنب قد فعلتِ لتصيرين فريسة بين براثن الأوغاد؟! تلك الكائنات التي لا ضمير لها: يا إلهي مد لها يد العون وانقذها :
لا أحتمل الانتظار أكثر من ذلك؛ سأبحثُ عنها في كل مكان، لن أتركها أبداً؛ سأحارب في سبيلها كل ذئاب الفساد وإن حاربت المجتمع الفاسد بأسره، كل أنظمَة التعصُب الأعمَي
كل أفكار التمييز، كل مَن أباحوا لأنفسهم دماء وأعراض الأبرياء ،كل مَن سكن الشيطان
عقولهم وهيأ لهم الباطل حقاً، كل مَن شَرَّعوا بأيديهم أفكاراً فاسدة واعتنقوها بجَهلهم. لم ولن أسكتُ فالساكت عن الحق شيطان أخرس... سأجدكِ حبيبتي، وستعودين لي،
لتقرأي بين طيات صفحاتي كم كنتُ ومازلت أحبكِ، فأنا كتابكِ الوحيد أتذكرين؟
الكتاب العتيق.
*********
ميلاد ثابت إسكندر
فنان تشكيلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في


.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة




.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد