الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبوءة مجذوم

ستار جبار سيبان

2018 / 12 / 8
الادب والفن


نبوءة مجذوم .

( الگمر والديره )

الموت ذلك الكائن الساخر من الحياة ، يختطف شاعر شعبي كبير ، ويتستفز في اعماقي دمعة وذكرى اول ديوان شعر اشتريته بدرهمين او ثلاثة جمعتهما من مصروفي وانا في سن الثامنة من عمري ، من مكتبة فقيرة كانت دكاناً صغيراً ، جدرانه الثلاثة المقفرة من الطلاء والرفوف وكل ماتتميز به مكتبات اخرى في مناطق اكثر رخاء ، وكان بلا واجهة زجاجية مؤطرة بحديد او خشب كما المفروض ان تكون ، صاحبها الخمسيني القصير ذو الاصابع المجذومة في كلتا يديه والتي تعافت من الجذام بعد ان اكل منها نصف الاصابع وبقيت نتؤات بارزة منتفخة صلبة ، كان يفترش تختاً خشبياً عريضاً واضعاً عليه بشكل مرتب بنسق واحد صحف الثورة ، الجمهورية ، وطريق الشعب ، ومجلات الشبكة والموعد ومجلات للأطفال وبعض الكتب ، كان يجلس على كرسي حديدي صغير خلف التخت بمواجهة شارع المدينة الوحيد . كنت اقف هناك امام التخت كعادتي حين اذهب الى مدرستي القريبة من المكتبة ، كان ودوداً جداً حين ألقي عليه التحية ، ويردها بأبتسامة حزينة وارى تلألأ الدمع في عينيه ، ويضيف ( خليني اعله بالك طيف .. لوعادت ايامي يعود ... وخليني ويه دمك شوگ .. من شوگي البلايه حدود ) ، يصيبني شئ من الخوف والاحساس بفقدان هذا الرجل حين يوصيني بأن ابقيه على بالي وفي ذاكرتي ، كان يضحك حين اقول له هل هذا من القرآن ام اغنية لم اسمع بها من قبل ، فأنا اشتريت منه سابقاً كل كتب الاغاني الصغيرة ذات الغلاف الاصفر ، الذي تتوسطه صورة المطرب ، كنت احفظها جميعها واغنيها في ذهابي وإيابي للمدرسة ، تلك الطلاسم لم اسمع مثلها من قبل ، تشعرني بقدومها منسابة من غور عوالم اخرى بعيدة ، ابتسمَ حينها واحتضنَ بكفيه الصغيرتين كتاب صغير قريب منه ذو غلاف احمر وخطوط سوداء وناولنيه ، تلقفته منه كي لايسقط ، كان عنوانه المخطوط بالاسود ( الگمر والديرة ) قال لي بحرقة خذه بدون ثمن من عمّك سوف تدمن على قراءته فانك ستفقد الكثير ولاتجد من ينوح معك ويبكيك ، فكلنا نلتمس من يُبكينا حين تعيينا سبل الفراق والهجر . فرحت كثيراً وانا اسمعه يخاطبني كرجل بالغ . امتنع بداية الأمر ان انقده ثمنه لكني بأرادة رجل بالغ اصررت على دفع ثمنه ، اخذته وانصرفت . وكمن وجد كنزاً مفقوداً يتلمس تفاصيله بيديه وقلبه ، جلست عند اقرب دكة عمود كهرباء منتصب على رأس زقاق ترابي ، وكأني املك العالم بين يديّ ، لا اعلم حتى هذه اللحظة سر سعادتي بامتلاكه ، حيث تملكني حزن كبير وانا اقرأ تلك الابيات الشعرية الحزينة ، واحاطتني بهالة من شجن حتى احسست بأني افقد شيئاً كبيراً لايعادل ثمنه الكون بأكمله ، كبر معي حزني ولازمني يحلّ حيث ماحللت ، يحدثني ويصغي الي حين اخاطبه بصمت . بدأت افقد اشيائي الصغيرة بشكل يومي اقلام ، دفاتر ، مبراة ، ممحاة ، دراهم ، مداليات ، اشرطة كاسيت ، عطري المفضل ، صاحب المكتبة المجذوم ، رسائل حب ، شَعري الاسود الكثيف ، حبيبتي ، فتيات جميلات كنت اعشقهن ، خوذتي ، رصاص بندقيتي ، اصدقاء كانوا معي على السواتر ، كأسي ، احلامي ، ذكرياتي ، اولادي ، وطني .

-اخذني وياك چملنّي بعد گطره هناك .. لفيض گلبك ..
حتى روحي تنام
عصفورة جرف ..
بلّل جنحها الگيض ..
اخذني .. وياك .


....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .