الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث ذو شجون في الوطنية والقومية والطائفية

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2018 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


يعني الإنتماء الوطني كما جاء في قاموس المعجم الوسيط , حب الوطن و الشعور بارتباط باطني نحوه فهو حب الأمة للوطن هو قطعة معينة من الأرض يرتبط بها الفرد وتتعلق بها عواطفه و أحاسيسه. ويصف قاموس أكسفورد الإنجليزي, الوطني بالشخص الذي يدعم بلاده بقوة، والمستعد للدفاع عنها من الأعداء أو المنتقصين. بينما تعني القومية مجتمع طبيعي من البشر يرتبط ببعضه البعض بوحدة الأرض و الأصل و العادات و اللغة من جراء الاشتراك في الحياة وفي الشعور الاجتماعي و جغرافية مشتركة و مصير مشترك و مصلحة اقتصادية مادية مشتركة و ثقافة مشتركة نفسية مشتركة.
لم تعرف القومية، نظرياً، بمعناها الحديث إلا في نهاية القرن الثامن عشر وتطورت في القرن التاسع عشر لدرجة إنشاء دول على أساس الهوية القومية. قبل ولادة عصر القوميات بنيت الحضارة على أساس ديني لا قومي، وسادت لغات مركزية مناطق أوسع من أصحاب اللغة. مثلاً، كانت الشعوب الأوروبية تنضوي تحت الحضارة المسيحية الغربية وكانت اللغة السائدة في الغرب هي اللغة اللاتينية. بينما سادت في الشرقين الأدنى والأوسط، الحضارة الإسلامية واللغة العربية. وفي عصر النهضة تبنت أوروبا اللغة اليونانية القديمة والحضارة الرومانية. بعد ذلك احتلت الحضارة الفرنسية المكان الأول لدى الطبقة المثقفة في أوروبا كلها. ومنذ نهاية القرن الثامن عشر فقط، أصبح المنظار إلى الحضارة هو المنظار القومي، وأصبحت اللغة القومية وحدها هي لغة الحضارة للأمة لا سواها من اللغات الكلاسيكية أو من لغات الشعوب الأكثر حضارة.
والعراق بوصفه بلدا متعدد القوميات والأديان والطوائف فقد كابد منذ نشأة دولته الحديثة عام 1921 وحتى يومنا هذا , نزعات الطائفية والقومية والعشائرية وعرقلة بناء مشروع الدولة الوطنية الجامعة الشاملة لجميع مكوناته على أساس المواطنة والتكافؤ في الحقوق والواجبات, بصرف النظر عن إنتماءاتهم الدينية والطائفية والقومية. ورد في مقولة شهيرة منسوبة للملك فيصل الأول الذي نصبه الأنجليز عبر إستفتاء شعبي ليكون أول ملك ليحكم العراق عام 1921: "أقول وقلبي ملآن أسىً إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت، فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل شعبا نهذبه وندرّبه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لاتمام هذا التكوين وهذا التشكيل ...هذا هو الشعب الذي اخذت مهمة تكوينه على عاتقي". كما يصف المملكة العراقية بقوله: "العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني، وهذه الحكومة تحكم قسماً كردياً أكثريته جاهلة، وأكثرية شيعية جاهلة تنتسب عنصرياً إلى نفس الحكومة"، مما يعني أن الحكومة التي شكلها الملك فيصل ذات صبغة طائفية وأثنية معينة بصرف النظر عن الأسباب والدوافع التي أدت لذلك، الأمر الذي خلق فجوة وتسبب بحالة إنفصام بين الحكومة وغالبية الشعب العراقي من الكرد والشيعة، تمخضت عنها صراعات لسنين طويلة تحت واجهات مختلفة من أجل بناء دولة العدل والمساواة بين جميع سكان العراق بصرف النظر عن إنتماءاتهم القومية والدينية والطائفية.
كما حدد الملك فيصل عام 1932 في مذكرة إلى حكومته بعض ارائه , جاء فيها : " إن البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ، ذلك هو الوحدة الفكرية والملية (الوطنية ) والدينية .فهي والحالة هذه مبعثرة القوى ،مُنقسمة على بعضها ، يحتاج ساستها الى ان يكونوا حُكماء مدبرين .وفي عين الوقت أقوياء مادة ومعنى غير مجلوبين لحسابات أو اغراض شخصية أو طائفية متطرفة ،يداومون على سياسة العدل والموازنة والقوة معا ،وعلى جانب كبير من الاحترام لتقاليد الاهالي ،لاينقادون الى تأثيرات رجعية أو الى أفكار متطرفة تستوجب رد الفعل " , وبين أن هناك في العراق : " أفكارا ومنازع متباينة . ففضلا عن السنة والشيعة والأكراد والأقليات غير المسلمة هناك الشباب والعشائر والشيوخ . أما السواد الاعظم من المجتمع العراقي فهم الذين يخيم عليهم الجهل والاستعداد لقبول كل فكرة صالحة او سيئة بدون مناقشة " .
وعلى الرغم أن الملك فيصل كان حجازيا ولم يكن قد عاش في العراق قبل توليه عرش العراق ملكا متوجا , إلاّ أنه قد شخص واقع العراق تشخيصا واقعيا ودقيقا, ولو أن الحكومات المتعاقبة قد إعتمدت سياسات عقلانية لربما كان بالإمكان إنقاذ العراق من أدران الطائفية والتطرف القومي وما نجم عنها من صراعات دامية بين أبناء الوطن الواحد لعقود طويلة وما زالت فصولها مستمرة حتى وقتنا الراهن . لم تبذل هذه الحكومات والأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها جهودا حقيقية لبناء مجتمع عراقي مدني تحترم فيه حقوق جميع مكوناته القومية والدينية والطائفية من منطلق إنتماءها الوطني.
بدأ الأكراد أول محاولة إنفصال عن العراق من قبل الشيخ الكردي في السليمانية محمود الحفيد في 1919 وأعلانه مملكة كردستان قصيرة الأجل في 1922التي قمعتها الحكومة العراقية بمساعدة قوات الإحتلال البريطانية . كما عارض الشيخ أحمد البرزاني بقوة الحكم المركزي في العراق الانتدابي خلال عقد 1920, حيث أعلن تمرده في 1931 الذي تمكنت الحكومة العراقية من قمعه، مما إضطره اللجوء في تركيا. جرت محاولة إنفصال كردية أخرى بقيادة مصطفى البارزاني الأخ الأصغر لأحمد البارزاني في 1943، لكن قمع التمرد كما سابقاته، وتسببت في نفي مصطفى إلى إيران، حيث شارك هناك في محاولة انفصال الأكراد تحت لواء جمهورية مهاباد التي أجهضتها الحكومة الإيرانية, مما إضطر مصطفى البرزاني اللجوء إلى الإتحاد السوفيتي وبقائه هناك حتى دعوته بالعودة إلى العراق من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 والسماح له بممارسة نشاطه السياسي من خلال رئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما تضمنه دستور أول نظام جمهوري للعراق بتأكيده على أن العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن, فضلا عن مشاركتهم الحرة في الحياة السياسية في العراق, وتمتعهم بكامل حقوقهم إسوة بباقي المواطنين على أساس المواطنة والتكافؤ في الحقوق والواجبات . وبرغم ما تحقق لهم من حقوق لم يتمتع بها الأكراد في بقية دول الجوار بما في ذلك توليهم مناصب عسكرية ومدنية رفيعة في الدولة, فقد أعلن البرزاني تمرده المسلح على حكومة الثورة عام 1961, وتعاونه مع منفذي إنقلاب الثامن من شباط الدامي عام 1963 والإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم . ولم يستمر هذا التعاون طويلا فقد شهد عقد الستينيات أكثر من تمرد عسكري كردي بين مد وجزر, لتنتهي بإتفاق وقف العمليات العسكرية بإعلان الحادي عشر من آذار عام 1970, الموقع بين سلطة حزب البعث الحاكم وقيادة البرزاني , والمتضمن منح الأكراد حكما ذاتيا بعد تطبيع أوضاع المنطقة وتحديد الرقعة الجغرافية التي يشملها الحكم الذاتي حيث إستمرت المفوضات بين الطرفين دون التوصل إلى نتيجة مرضية لكلا الطرفين , مما إضطر الحكومة العراقية الإعلان من طرف واحد منطقة الحكم الذاتي التي شملت محافظات أربيل والسليمانية ودهوك المستقطعة أساسا من محافظة نينوى,وكذلك تحديد صيغة وشكل الحكم الذاتي , الأمر الذي لم يرق ذلك للقيادة الكردية المسلحة, مما دفعها للتمرد العسكري الذي تمكنت الحكومة العراقية من قمعه بتوقيعها إتفاقية الجزائر عام 1975 لترسيم الحدود بين العراق وإيران والتي تضمنت تنازل العراق عن نصف مجرى نهر شط العرب إعترافا بسياسة الأمر الواقع, حيث كانت الحكومة الإيرانية قد إحتلت نصف مجرى شط العرب عام 1969, مقابل توقف الحكومة الإيرانية عن الدعم المسلح للتمرد الكردي , مما كان له الأثر البالغ بإنهيار هذا التمرد.
شهد العام 1991 بعد إنتهاء حرب تحرير الكويت تمردا مسلحا واسعا ضد الحكومة العراقية في محافظات الوسط والجنوب والمحافظات الكردية , تمكنت الحكومة من قمعه , مما دفع قوات التحالف الأمريكي المدعومة دوليا من فرض حظر جوي على العراق في محافظات الوسط والجنوب والمنطقة الكردية, والطلب من الحكومة العراقية إنسحابها من مؤسساتها في المحافظات الكردية وتسليمها إلى الأحزاب الكردية المتعاونة معها بحيث أصبحت محافظتي أربيل ودهوك تحت سيطرة جماعة البرزاني ومحافظة السليمانية تحت سيطرة جماعة الطالباني بصورة أو بأخرى . وما زال الحال على ما هو عليه منذ ذلك الحين دون الدخول بتفصيلاته , وإن إتخذ شكلا آخر ظاهره نظام حكم ديمقراطي تتجلى فيه كل مظاهر النظام الديمقراطي من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية. وبعد مضي نحو عقدين من الزمان تمكنت الأحزاب الكردية وبخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الأسرة البرزانية وحزب الإتحاد الوطني الكردستاني من تعزيز سلطتها في مناطق نفوذها بعد إمتلاكها المال والسلاح عبر هيمنتها على موارد محافظاتها النفطية ومنافذها الحدودية حيث جعلت منها دولة داخل الدولة العراقية التي لم يعد لها أي وجود أوأية سلطة. وقد ذهبت أبعد من ذلك بتوسيع هيمنتها على المناطق المجاورة لمحافظاتها المختلطة التي يسكنها عرب وأكراد وتركمان وآخرين بدعوى عائديتها لهم. لعبت الأحزاب الكردية دورا محوريا في عراق ما بعد 2003 في ضوء إنشغال العراقيين العرب بصراعات طائفية عبثية كادت تودي بالعراق نحو الهاوية وتنهي وجوده . وما زالت هذه الصراعات مستمرة حتى يومنا هذا من أجل مصالح فئوية ضيقة ونهب المال العام من خلال الإستحواذ على مقاليد السلطة , وإلهاء الناس بقضايا هامشية لا تمت للحياة الإنسانية المعاصرة بصلة .
رب هناك من يقول أن الأكراد قد مارسوا حقا من حقوقهم بتقرير مصيرهم كقومية شأنهم شأن القوميات الأخرى سعيا لإقامة دولتهم الكردية المستقلة . وهنا نقول أن الدول لا تقوم بالضرورة على أساس قومية واحدة بل هناك عوامل أخرى كثيرة تجمعها كالعيش المشترك والترابط الإقتصادي وتقاسم الثروة والموروث الحضاري , والأمثلة هنا كثيرة على الدول ذات القوميات المتعددة , نكتفي بذكر أبرزها : الهند ذات القوميات والأديان والطوائف المتعددة, وبريطانيا أعرق بلدان العالم ديمقراطية , والصين أكبر بلدان العالم , ومن دول الجوار تركيا وإيران ودول أخرى كثيرة . ولو سلمنا جدلا بأحقية أية قومية معينة في بلد ما , بإقامة دولتها الخاصة وإنفصالها عن بلدها الأم , ألا يفترض أن يتم هذا الطلاق بالمعروف أي بتراضي جميع الشركاء لضمان مصالحهم ومنعا لأية مشكلات مستقبلية بشأن الحدود وتقاسم الثروات الطبيعية وبخاصة ما يتعلق منها بالمياه مثلا, وهل أن ظروف العراق الحالية التي يعاني فيها من إضطراب شديد في أوضاعه الأمنية وفوضى عارمة, مناسبة لأية حورات بناءة في مسألة مصيرية تقرر حاضره ومستقبله كإستفتاء تقرير المصير الذي أجرته الأحزاب الكردية بهدف إنفصالها.لقد واجه هذا الإستفتاء معارضة شديدة ليس من قبل الحكومة العراقية فقط , بل من جميع دول العالم بإستثناء إسرائيل لأسباب واضحة ومعروفة , وبخاصة دول الجوار لما له من إنعكاسات سلبية على أمن بلدانها ووحدة أراضيها.
لقد أثبتت التجارب فشل جميع محاولات الوحدة القومية القسرية ,وعدم أخذ مروجيها الظروف الموضوعية والذاتية لبلدانها وتطورها الحضاري ووعي شعوبها في الإعتبار , ويكفي أن نشير هنا إلى المحاولات الفاشلة التي تبنتها الأحزاب القومية العربية في العراق وسورية وبعض قادة البلدان العربية سنيين طويلة ,لإقامة بعض أشكال الوحدة العربية فيما بين بعض دولها , والتي كانت نتائجها كارثية على بلدانها, وهي اليوم أبعد ما تكون عن الوحدة.
وأخيرا نقول أن ما يوحد أية أمة من الأمم , مصالحها وعيشها المشترك وجغرافية بلدانها وإرتباطها التاريخي ببعضها ومشاعرها الإنسانية التي توطدت عبر السنين. أي بإختصار إنتمائها لأوطانها على أساس الهوية الوطنية التي تتلاشى أمامها الهويات الفرعية الأخرى. ويتوهم كثيرا من يعتقد أن الوطن هي مجرد الأرض التي ولد وترعرع فيها , بل هو أبعد وأعمق من ذلك كثيرا , إذ هي الأرض التي تؤمن للإنسان العيش الكريم بحرية وعزة وكرامة بعيدا عن أشكال العوز والقهر والحرمان , فها هو الإمام العظيم علي بن أبي طالب عليه السلام يقول الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن . لذا تقتضي مصلحة العراق في الوقت الحاضر أن تنصب الجهود لبناء عراق حرديمقراطي ومستقل بعيدا عن أية تشنجات عرقية أو دينية أو طائفية , والسعي لتحقيق تنمية إقتصادية مستدامة ينعم فيها الجميع بحياة كريمة , وأن يكون العراق سيد نفسه بعيدا عن دائرة أي نفوذ أجنبي وتحت أية واجهة أو أية ذريعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارتين في بلدة الشهابية جن


.. 11 شهيدا وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي استهدف سوق مخيم المغ




.. احتجاجات ضخمة في جورجيا ضد قانون -النفوذ الأجنبي- الذي يسعى


.. بصوت مدوٍّ وضوء قوي.. صاعقة تضرب مدينة شخبوط في إمارة أبوظبي




.. خارج الصندوق | مخاوف من رد إسرائيلي يستهدف مفاعل آراك