الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المدنية الديمقراطية ومنطلقات بنائها الحلقة الثانية

صبحي مبارك مال الله

2018 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


تناولنا في الحلقة الأولى من المقال نقاط مهمة حول طموح شعبنا نحو بناء دولة عصرية وحديثة وديمقراطية، بعدالمتغيرات السياسية التي حصلت وسقوط النظام الدكتاتوري السابق في 09/04/2003 وبيّنا بأن الشعب كان يأمل في احزاب المعارضة ومنها أحزاب الإسلام السياسي ،بأنها ستكون متحمسة لبناء الدولة الجديدة ولكن ذلك لم يحصل بسبب طبيعة النظام السياسي الذي حل محل النظام السابق باشراف امريكي. الدستور العراقي الذي كُتب في عجالة أقرّ بأن النظام هو نظام برلماني أونيابي ديمقراطي فدرالي أو إتحادي تعددي يتيح للشعب ممارسة الديمقراطية ويقر حقوق الشعب حسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والعهود الدولية وإقرار فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والمؤسسات الدستورية ولكن الفعل العملي جاء على غير ماثبتّه الدستور حيث أدخل النظام في إطار المحاصصة الطائفية والإثنية والقومية، وحسب التوافق العُرفي أي أصبح النظام المحاصصي الطائفي هو المتعارف عليه وتبعاً لذلك جرى تقسيم المناصب السيادية والعامة، بسبب إرتباط أغلب الأحزاب بولاءات مذهبية وطائفية وإقليمية ودولية بدلاً من الإرتباط الوطني الأصيل .
ونتيجة لفشل هذا النظام الذي لم يحقق الوحدة الوطنية وبناء الدولة العراقية الجديدة طُرح السؤال عن ماهو البديل؟ فذكرنا بأن الوصول إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والديمقراطية وهذا لايتم إلا عبر نضال متواصل وتحالفات وإصطفافات وطنية عابرة للطوائف والتأكيد على المصالحة المجتمعية وترسيخ الوحدة الوطنية. إنها تعمل أي الدولة وفق منهج علماني بفصل الدين عن الدولة مع احترام الدين والمتدينين، وتستبعد أو ترفض توظيف الدين لأغراض سياسية .
إن عملية بناء الدولة المدنية الديمقراطية تأتي عبر نضال متواصل كما ذكرنا ولغرض تحقيق ذلك فهي تحتاج إلى قوى سياسية واعية مؤمنة بها و بمؤسساتها الديمقراطية حيث (تمارس سلطتها عبر الدولة المؤسساتية ويكون أصحاب القرار فيها طلاب دولة لا من طلاب سلطة وحقائب وإشغال مراكز في الحكومة )..عبد الجبار نوري –الدولة المدنية الديمقراطية /العلاج الأمثل لعراقنا المأزوم/ إن عدم الوصول إلى مثل هكذا بناء مؤسساتي هو إستمرار الأزمة الشاملة والمستعصية بسبب النهج المحاصصي الطائفي والمناطقي وغياب المؤسسات فضلاً عن تسيس الدين. لم يكن الفساد المنتشر في جسم الدولة حالة غريبة في ظل النظام الطائفي المحاصصي، والخراب المستمر قد حصل بدون أي تخطيط وإنما هناك (فعل وعمل) منظم ومبرمج مع سبق الإصرار والترصد لتدمير ما تبقى من بناء الدولة ونظامها الشمولي السابق وحتى ماقبل ذلك النظام، فنشأت طبقة سياسية فاسدة ضمت الطفيليين والمنتفعين والإنتهازيين، سيطرت على ثروات البلاد مدعومة بمليشيات وبدفع وتأييد قوى سياسية خارجية وداخلية، تعتمد العناصر المخربة لأجل تمرير مخطط التدمير الممنهج، وإلا ليس من المنطقي ان يكون الفساد بهذه الصورة الوبائية يصيب كل جزء من البنى التحتية والفوقية للدولة العراقية المستهدفة.
لقد ظهرت الكتل المتنفذة التي تصلّب عودها بقوة الأموال والمليشيات المسلحة، وسط علاقات معقدة خارجية وداخلية لتقديم الخدمة وفق منهج التخادم أي الخدمة المتبادلة (المحافظة على المراكز والنفوذ والأموال الفلكية مقابل ضمان مصالح الدول وقواها وفتح الأبواب لها لغرض التحكم الخارجي في القرار العراقي والتدخل في شؤون العراق )وكمثال على ذلك –التخريب الإقتصادي ونهب النفط وتهريبه –نهب الثروات –فتح منافذ الحدود وبناء شبكة مافيا واسعة النطاق أهدافها واضحة وهي :-
التخريب الإقتصادي وإبقاء الإقتصاد الريعي وحيد الجانب، نشر الفوضى والتصادم الطائفي، التخريب الثقافي، طمس الهوية الوطنية والإهتمام بالفرعيات (الطائفة،العشيرة،القومية، المناطقية ..الخ) تخريب الوعي، نشر ثقافة الكراهية والإحتراب الطائفي الديني والمذهبي والقومي، إضعاف الدولة وتفكيك مؤسساتها، السيطرة على الوزارات ذات الحساسية والعمل من خلالها لتمريرمخططات التخريب وخصوصاً الداخلية والدفاع، محاربة الحداثة والتقدم والديمقراطية ، توظيف الخطاب الديني السياسي لمحاربة المفاهيم الوطنية الديمقراطية والعلمانية، العمل على تمزيق الوحدة الوطنية العراقية والنسيج الإجتماعي. وكما يلاحظ منذُ خمسة عشر سنة والحكومات المتتالية عاجزة عن تلبية مطالب الشعب، عاجزة عن توفير أبسط متطلبات الحياة في القرن الواحد والعشرين، الماء والكهرباء والخدمات، عاجزة عن حل الأزمات المتراكمة .
الدولة المدنية الديمقراطية لايمكن أن يتم بنائها دون تمهيد حقيقي وتكوين الأرضية الصلبة لها وأولها الشروع بالمشروع الوطني الديمقراطي الذي يمهد الطريق لبناء وأسس الدولة الجديدة، كما ان (التحول الديمقراطي يعتمد على التراكم في تجربة الديمقراطية كما وتوجد عدة سيناريوهات لهذا التحول ) ..د.هاشم نعمة. كما يذكر د.هاشم نعمة في كتابه الموسوم (دراسات في الدين والدولة) المقومات السياسية الإجتماعية لبناء الدولة المدنية الديمقراطية حيث وضعها في مجموعتين من العوامل وهي العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية، فالعوامل الذاتية تُعين للحركة أهدافها وقيمها التي نناضل من أجل تحقيقها وتغيير الواقع الموضوعي للوصول أليها، والعوامل الموضوعية التي تخص البُنى الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية. كما توجد مقومات عامة مشتركة بين أنظمة الحكم الديمقراطية وهي وبشكل مختصر 1- الشعب مصدر السلطات 2-المواطنة الكاملة المتساوية والفاعلة 3-التعاقد المجتمعي المتجدد يتم تجسيده في الدستور الديمقراطي 4-الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتحقيق التوازن بينها 5-ممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وفيما بينها.
المشروع الوطني الديمقراطي يتطلب العمل الجاد لبناء أوسع تحالف سياسي بين القوى والأحزاب والكتل التي تتوافق على المفردات الأساسية لمشروع إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الفيدرالية أن تعمل على إصلاح العملية السياسية العراقية وتطويرها، وتخليصها من المرتكزات والتوجهات والممارسات الطائفية وتوسيع قاعدتها الإجتماعية والمصالحة الوطنية وإصدار القوانين الخاصة بها وإعتماد أسلوب الحوار والمرونة والتنازلات المتبادلة من قبل جميع الأطراف.
السؤال هل ممكن ضمن الظروف الموضوعية والذاتية ضمان المنطلقات لبناء الدولة المدنية الديمقراطية أم توجد معوقات لعرقلة هذا المشروع ؟ في مداخلة لرائد فهمي في الفعالية الفكرية الثامنة بتأريخ 17-11-2017 للحزب الشيوعي العراقي :في ظل الإستقطاب الطائفي الإثني وهيمنة نهج المحاصصة ... هل طرحّنا مطلب أو شعار الدولة المدنية هو طرح نخبوي؟ هل يوجد أساس مادي يسمح في الإنتقال إلى الدولة المدنية بطابعها الديمقراطي ووفق العدالة الإجتماعية ؟ وما هي ممكنات تحويل الدولة الطائفية إلى دولة مواطنة، دولة مدنية ؟......وهل يمكن تحقيق الديمقراطية في مثل هذه الظروف ؟ وأضيف على هذا السؤال: لقد وضع النظام الطائفي المحاصصي بدلاً من تطبيق الدستور جملة من الآليات التي ترسّخ هذا النظام بالضد من المواطنة الحقيقية والديمقراطية وحول التوافقات السياسية، حسب نظرية التوازن وهو تعبير عن المحاصصة، إلى خدمة الطبقة السياسية وبما إن هذا النظام أثبت فشله ولكن بنفس الوقت يلائم الطبقة السياسية ويضمن إمتيازاتها، فلابدّ من التغيير تحت ضغط جماهير الشعب التي تعاني من الفقر والجوع وإهمال المطالب لأن الغليان سيجد طريقه نحو الإنفجار وتحقيق التغيير المطلوب وإرساء الدولة على أسس الديمقراطية والعدالة الإجتماعية.
الدولة المدنية الديمقراطية هي البديل ولكن المعوقات تتبلور حول طبيعة المجتمع العراقي وتقسيماته التي عمّقها الإحتلال حسب الشعار القديم (فرق تسد)، ومصادرة الحريات العامة وإنتهاك الدستور ومبادئ حقوق الإنسان والأعراف والمواثيق الدولية، التعصب الديني وفرض طروحات الإسلام السياسي وممارسة الإرهاب الفكري بإشكاله المختلفة ومصادرة الرأي الآخر وتشجيع وإدامة النزعات الطائفية واالمناطقية والعشائرية على حساب مبدأ المواطنة والشراكة الوطنية ومحاربة القوى التي تريد التجديد بأسم الدين والعمل على تكفيرها . مهمة القوى الوطنية الديمقراطية السير في المشروع الوطني الديمقراطي بصفوف موحدة وتكثيف النشاطات المدنية ومنظمات المجتمع المدني ومؤازرة التظاهرات والتواجد في قلبها لتحقيق مطاليبها فضلاً عن الوسائل الأخرىِ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استهداف فلسطينيين أثناء تجمعهم حول نقطة للإنترنت في غزة


.. طلبة في تونس يرفعون شعارات مناصرة لفلسطين خلال امتحان البكال




.. الخارجية القطرية: هناك إساءة في استخدام الوساطة وتوظيفها لتح


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يناقش خياري إيران ورفح.. أيهما العاجل




.. سيارة كهربائية تهاجر من بكين إلى واشنطن.. لماذا يخشاها ترمب