الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر شتوية: النسبية - -أنا- يتوقف على -أنت-!!

محمود عبد الله
أستاذ جامعي وكاتب مصري

(Dr Mahmoud Mohammad Sayed Abdallah)

2018 / 12 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


خواطر شتوية: النسبية - "أنا" يتوقف على "أنت"!!
بقلم: د/ محمود محمد سيد عبد الله (أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية المساعد/المشارك - بكلية التربية - جامعة أسيوط - مصر)

إن سألتني عن أكثر النظريات العلمية التي أؤمن بها وأقدرها وأراها بمثابة نقطة تحول (فارقة) في تاريخ البشرية كلها، سأقول لك إنها نظرية "النسبية" للعلامة الكبير ألبرت أينشتاين - والتي لم أقرأ عنها الكثير، ولكن بهرني عرض وتبسيط أستاذنا العالم الجليل د. مصطفى محمود (رحمه الله) في إحدى حلقات برنامجه الشهير (العلم والإيمان) والتي شاهدتها على اليوتيوب أكثر من ٢٠ مرة - دون مبالغة!! فالعرض كان شيقا للغاية يخاطب العقل العادي بكل بساطة وإقناع - وهذا ما عهدناه في أسلوب هذا العالم (العامل)..

و النسبية - في رأيي المتواضع - ليست نظرية علمية فحسب؛ بل أيضا إطار فلسفي إنساني ذو معاني ودلالات ومضامين إنسانية وتربوية وأخلاقية لا حصر لها.. فلا يوجد إنسان كامل بمعنى الكلمة (فالكمال لله وحده)، ولا "مطلق" إلا الله سبحانه وتعالى.. إنما تجزأ الشخصية الإنسانية (المعقدة) إلى مجموعة من الخبرات الحسية والسلوكيات وردود الأفعال التي يستوجب علينا أن ننظر إليها (بشكل نسبي) في سياق المواقف الحياتية والإجتماعية المختلفة - وفي ضوء علاقتها بالنسق القيمي السائد في المجتمع..

ومن هنا تبرز أهمية "المنظور" (النظارة) الذي ينظر من خلاله الواحد منا إلى الأمور والأشياء من حوله.. فمن يرتدي نظارة سوداء مثلا، فسيرى كل الأشياء من حوله سوداء قاتمة لا خير فيها ولا أمل في أي تغيير يمكن أن يقود إلى الإصلاح.. ومن يرتدي نظارة بيضاء، فسيرى العالم مكانا جميلا مليء بالأخيار؛ وسيرى الأمل عند كل موقف عصيب - بكل حب وإقبال وتفاؤل.. وهذا يتسق مع فحوى نظرية تربوية شهيرة تسمى "القبعات الست" (مثلا: تشير القبعة البيضاء إلى التفاؤل - والسوداء إلى التشاؤم والنظرة السلبية للأمور - والحمراء إلى المشاعر.. إلخ)..

وهكذا يكون الفعل و"رد الفعل" له دور عظيم في تعاطينا للأمور والقضايا - وأي مدخلات - والتي لا يمكن إختزالها في أطر ثابتة جامدة stereotypes - كما فعلت المدرسة السلوكية Behaviourism التي ألغت العقل وما يتم فيه من معالجات عصبية معرفية معقدة للغاية قد تقود إلى الإبداع والإبتكار creativity.. فكل شيء "نسبي" متغير قابل للجدل والتفاوض negotiation.. وكل موقف يفرض معطياته ومحدداته وشروطه.. ومن الصعب (بل من المستحيل) أن يتجرد الإنسان تماما من خلفيته (دينه - ثقافته - تربيته - ظروفه - أخلاقه - مستوى تفكيره - خصائصه وسماته... إلخ) عند التعامل مع أي موقف جديد.. فالمتعصب - مثلا - لن يتسم فكره بالمرونة المطلوبة لتقبل الرأي الآخر (المخالف) ولن يبذل أي جهد كي بستدخل أمرا جديدا في بنيته المعرفية بعد تعديل ما هو موجود بالفعل فيها (المواءمة) adaptation

وهذا يقودنا إلى نتيجة مفادها: من "أنا" يتوقف على ما تريده و تفعله "أنت".. فأنا "كريم" إذا ما رأيت فيك مروءة وكرما وشهامة.. وأنا "مخلص" إذا ما أخلصت لي وعاملتني بكل تقدير وود واحترام.. وأنا "بذيء" إن تعاملت معي بعنف واستفزاز َورداءة.. وأخطأت في حقي دون أن أخطئ في حقك.. وأنا "مهذب" معك طالما أن أسلوبك معي يتسم بالرقي والتحضر والأخلاق الكريمة.. وأنا "مجتهد" إذا ما شجعتني ووفرت لي الفرصة والمناخ الجيد الملائم للعمل والنجاح.. وأنا "شيطان" من وجهة نظرك إذا ما أردتني أن أكون كذلك.. وأنا "فاسق-فاسد" إذا ما أمعنت النظر ودققت في عيوبي ولم تبصر في ميزة واحدة وحولت كل مزاياي وخصالي الطيبة إلى عيوب ونقائص.. وأنا "شرير" إذا ما كان المناخ من حولي فاسد؛ فيه الطيبة ضعف.. والنفاق دبلوماسية.. والحق تزمت.. والإلتزام تعقد.. والأخلاق رجعية.. نعم "أنا" هو ما تراه وتريده" أنت".. أنا "ردة الفعل" لا الفعل!!
خالص تحياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال