الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبينك فرق و بين الحمار .

محمد حسين يونس

2018 / 12 / 28
سيرة ذاتية


أنا لا أخاف من الموت .. لقد قابلته يوم 8 يونيو 1967 الساعة الخامسة مساءا .. و لم يكن مرعبا .. كان يكفي أن تنحرف حركة الرصاصات المطلقة من رشاشات العدو سنتيمترات لتمزق هذه الرأس و هذا الجسد ويترك في العراء لايام وشهور تنهش فيه و تقتات علية الضوارى و الطيور الجارحة أو تحلله بكتريا الهدم و تعيد خلط مكوناته بالطبيعة المحيطة .
في أحيان كثيرة .. أندهش من سوء حظي الذى جعلني أستمر في الحياة بعد هذا الزمن لفترة تزيد عن نصف قرن .. أعاني فيها من كبد التواجد .. و طلب الرزق .. و أحزان الوعي بما يدور حولي في هذا المكن التعس .. و أندهش من غبائي و غرورى .. الذى جعلني أتصور .. أنه من الممكن أن أجد سبيلا نحو حياة إنسانية ممتعة .. مثل تلك التي يحياها من هم في خبرتي و سني في بلاد الواق الواق .
أن تعيش تحت حكم طواريء مستمر يوضع علي فمك لجام .. و تساق حيث يريد راعي البقر .. ليس بحياة .. إنما هي مجرد تواجد تافه .. لا يزيد عن التواجد الحشرى لذبابة أو حتي نحلة ..
ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا .. فأنا لا أخاف الموت ..و لا يهمني كثيرا ما سيحدث بعدى .. إن شااللة تولع بجاز إسود وسخ قادم من أبار بترول الخليج .
نعم أعطيت حياتي كل ما كان بمقدورى أن أقوم به .. كطالب.. و كمهندس.. و ضابط ..و كاتب .. وفنان.. و مثقف .. و قصاص .. وباحث .. و مترجم ..و مواطن يحترم وجوده .
أعطيتها بصدق و حب .. و أمانه .. ولم أبخل عليها بعلم أو ثقافة أو الإبحار في المياة العميقة .. دون إنتظار لمردود..و دون أمل في شكر أو تميز .. دون ضجة .. دون دعاية .. دون عائد أني أو مرتقب .
أعطيت و أنا شاب .. و أنا رجل.. و أنا شيخ ..و لم أقف لأسأل .. لماذا ؟؟
إنه مسار إجبارى قطعته أجرى و أنهج منذ أن حصلت علي بكالوريوس العمارة من جامعة عين شمس في يونيو 1962 .. و حتي اليوم ... لم أتوقف عن العمل و العطاء و لم أبخل بجهد أو خبرة .. و لم أمنع عن الأخرين ما تعلمت .
لدى صفحة علي الحوار المتمدن زارها حتي الان ثلاثة و ربع مليون زائر .. و عليها .. ما يقرب من أربعمائة و ثلاثين مقال .. كلها حول التاريخ و الفلسفة و التطورات السياسية
كما ان لي عدد 15 كتاب ..ولي الفين مقولة يومية علي حائطي في الفيس بوك لم اتوقف عن كتابتها منذ سبع سنوات او اكثر .. بمعني انني مكشوف تماما فكريا أمام من يريد ان يعرفني ,,
شاركت في ثلاثة أو اربعة حروب لو حسبنا إقامة ملاجيء ما بعد هزيمة 67 حربا (إستنزافية ) و في إقامة سد ترابي باليمن .. و تحصينات في سيناء و علي ضفاف القناة .. و شاركت في تصميم وإقامة مائة مشروع مدني .. سواء بالوادى أو سيناء أو الصحراء الغربية .. و مددت خطوط كهرباء بمئات الكيلومترات في العراق و مصر .. و كنت كبير الإستشاريين الذى حرص لمدة ربع قرن علي يخرج مشروع محطة الجبل الاصفر لتنقية مياة الصرف الصحي طبقا لافضل المؤشرات العالمية و أن يدار لعشرات السنين إدارة ناجحة .. وحرصت علي أن أدرب عشرات المهندسين علي الاساليب الحديثة للتشغيل (ومنهم أصدقاء عديدون علي صفحتي ) ..لم أسأل يوما ماذا كسبت .. ولم يدخل منزلي مال ليس من حقي .. أو أبتلع لقمة ليست من عرق جبيني .
الان أنظر خلفي و أبتسم فلقد أخذت الطريق الخطأ دائما ؟؟ ..فإنتهيت إلي مستنقع أسن يعج بالضوارى .. و الحشرات المؤذية ..لقد نفرت من ترديد قصائد المدح مع الكورال العام .. و كنت دئما ما أغني خارج السرب ..فحصدت اللاشيء ..
فنان وقصاص غير معروف غير مقروء .. و باحث محدود القدرة و التأثير .. وكاتب ينفخ في قربة مقطوعة علي رأى أحد الأصدقاء .. و مهندس دائما ما يجلس في الصفوف الخلفية عند التكريم أو المكافأة و في الخطوط الأمامية حين يتطلب الامر جهدا و علما و خبرة أو مهارة غير متوفرة لديهم .. و ضابط في جيش طبقي لا يهتم إلا بالعظام من أبنائه فوق عميد .. أما من هم دون هذه الرتبة فهم ارقام ..
وهكذا عندما إعتل الجسد و إضطررت للذهاب إلي المستشفي بحثا عن علاج لدوار حاد يصيبني فجأة ..أجد أنني قد صنفت خارج إطار الكائنات المتميزة بأنها من الخبراء حاملي رتب كبار ضباط القوات المسلحة
أكره هذا المكان الطبقي ..الذى ولدت فيه ولا يرى الأبناء إلا من خلال مصفاة تمييز .. تجعل البعض سادة .. و الأخرين أتباع .
أتمني عندما أغادر أن تلقي جثتي في البحار العميقة لتتحلل ويتغذى عليها أسماك المحيط بعد أن إستمتع مصاصي الدماء البشرية بتفريغها من قواها طوال نصف قرن يزيد عقدا .
لست واثقا تماما .. كيف سيكون حال البشر بعد قرن أو قرنين .. و كيف سينظرون إلينا ..هل بكوننا فترة إنتكاس و سقوط ..أم أبطال عاشوا في وسط غير مواتي ..
و لا أدرى ما إذا كانت كلماتي هذه ستصمد لأيام قادمة أم ستذوب في بحر من الأحداث لا حدود لشطئانه ..
و لكنني أعرف أن هذه الجثة ستتحلل و تذوب في بيئة لا تحتفظ بالجثث أو بذكرى لأصحابها .. لذلك إذا ما دفنت .. فأرجو أن يكون في مكان لا يعيش فوقة هؤلاء الظلمة محدودى الفكر .. منعدمي الإحساس بالمسئولية ..الذين يختالون علينا بأفعال لم يبذلوا فيها عرقا أو فكرا ..
قديما قال أحمد شوقي (( إذا ما نفقت ومات الحمار ... ابينك فرق و بين الحمار )).
أريد أن ابق في وفاتي كما كنت في حياتي مثل الحمار ..خارج الكورال الذى يتغني بأفضال راعي البقر ..فإرموا جثتي بوسط الصحراء أو علي قمة جبل لأصبح و جبة مشبعة للضوارى ومجرد إسم في صفحة الوفايات للاهين من البشر شبه الأحياء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
على سالم ( 2018 / 12 / 28 - 20:48 )
الاستاذ محمد , من الواضح مدى معاناتك فى هذه الحياه الظالمه المتناقضه , وخط بيان شريط الذكريات الاليمه الذى يمر بالعقل , الاشكاليه هنا اننا اتينا هنا بدون موافقتنا ورضانا , يعنى كل شئ تم فرضه علينا فرضا , الحظ هنا يلعب دور كبير فى وضعنا فى مكان الالم او الرضى , ظروف الزمان والمكان قاسيه اكيد على المعذبين فى هذه الحياه , هى رحله شاقه لابد ان تنتهى فى يوم من الايام , ارجو ان لاتشغل نفسك فى هذه المرحله واحسن ان لاتفكر بالمره , اكيد التفكير هو المسبب للحسره والمعاناه والقرف , ارجو ايضا ان تتأكد انه يوجد بشر معذب فى مكان ما على سطح الارض يعانى ويتعذب بشكل مروع وبشع اكثر مما نتخيل , انه لغز الحياه المؤلم الغامض


2 - ابتسم يارجل
ماجد جبراءيل ( 2018 / 12 / 28 - 23:01 )
أستاذ محمد . ابتسم يارجل . لا تنظر خلفك في غضب من نفسك أو علي نفسك . انظر خلفك بامتنان ورضا . فقد حققت الكثير ووضعت مواهبك في خدمة الناس .
ابتسم في رضا !!
علي الأقل .. فأنت من القليلين الذين اقرأ لهم بشوق في الحوار لسنوات ..


3 - علُمتني كتير يا سيدى ..
حازم (عاشق للحرية) ( 2018 / 12 / 29 - 10:05 )
استاذ حسين انا لا املّ أو اخجل من اقول انى تعلمت منك أمور كثيرة لم يعلمها لنا احد فى المدارس و لا حتى من بين معظم معارفي فى حياتى العامة ، الدنيا التى نعيشها ليس فيها مثالية و لا يتم فيها تغيير للأفضل دون وجع دماغ و تضحيات و دبلوماسية قد تكون مبالغ فيها إلى درجة النفاق احيانا، و طبعا قدر لا بأس به من المصالح على طريقة افيد و استفيد
المزيد من الظلم هو أن نطلب منك المزيد من العطاء بدل أن ترتاح و تنعم ببعض مما أنجزته و قدمته، لكن مقولة احمد شوقى تنطبق علينا جميعا كسياسة أمر واقع حول الحياة و الموت، و لكن فوق هذا، ثقافيا و فكريا انت علمتنا الكثير يا سيدى ، لا تنظر خلفك و تحزن، لم تضع سنين عمرك هباء مائة بالمائة كما تتصور


4 - بعيد الشر عنك ولا تستسلِمْ لليأس
ليندا كبرييل ( 2018 / 12 / 29 - 16:35 )
الأستاذ القدير محمد حسين يونس

تحية وسلاما

عندما التقيتُ بك في مصر قبل سنتين كنت تتفجّر بالنشاط والأمل
وهكذا عرفتك قبلها وبعدها

تمر علينا كلنا أياما كئيبة، يستعيد فيها الإنسان ذكريات أو أحداثا تركتْ آثارا سلبية على حياته قد ترافقه العمر كله ، بخطأ منه أو لإساءة تقدير أبعاد التصرف أو السلوك ، فتترتّب على هذه المواقف مشاعر يختلط فيها الحزن بالغضب بالنقمة على النفس بالإحباط ... لو استسلم لها الإنسان لامتصّتْ رحيق الحياة منه وانعكستْ على منْ حوله دون قصد منه

يكفي الإنسان شرفاً أنه تصرّف بوحي من صدقه وقلبه الجميل ، فلم يصطنع الوفاء في علاقاته مع الآخر أو يتكلّف الإخلاص في العمل
وهكذا كنت حضرتك من خلال ما قرأته لك من أحداث مرت بحياتك

محبةً لشخصك الكريم أستاذنا العزيز، وتمنياتي الصادقة بطول العمر والصحة والنشاط
ودامت أيام عائلتكم الجميلة هانئة، وأهديكم فردا فردا تمنياتي القلبية بالسعادة

وللمعلقين الكرام أجمل التهاني بالعام الجديد
وكل عام ونحن معكم بخير


5 - الاستاذة ليندا الاصدقاء علي و ماجد و حازم .
محمدحسين يونس ( 2018 / 12 / 29 - 17:07 )
أشكر مرور حضراتكم و إضافاتكم و مشاعركم الدافئة .. دمتم لي و دام التواصل ..تحياتي


6 - سنة جديدة سعيدة عليك
حازم (عاشق للحرية) ( 2018 / 12 / 29 - 18:33 )
شكرا استاذنا و سنة جديدة سعيدة عليك و على احبابنا هنا فى الحوار , و احبابنا اللى معانا فى مصر و خارج مصر كمان , رغم المُرّ الكتيير و الحلو القليل لكن عام جديد سعيد عليكوا


7 - لواءات
مواطن بسيط ( 2018 / 12 / 30 - 07:01 )
يوجد باليوتيوب لقاءات مع اناس يشغلون منصب سياسي مدني - محافظ - يحملون رتبة لواء جيش سابق . يسمعهم الناس فلايصدقوا انهم حصلوا علي شهادة الاعدادية . ولكن الجميع مجبرون علي مخاطبة الواحد منهم ب : سيادة اللواء . ولم نتصور ان أمثال هؤلاء لهم أفضلية في العلاج بالمستشفي عن الضابط السابق - والمثقف المبدع محمد حسين يونس
!!!

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي