الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية والنقاد

احمد حسن

2018 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



تعليق على مقال الصديق عمرو عبد الرحمن .
-------------
عمرو كاتب متميز وذكى، ومن القلائل الذين يمكن ان تقرأ لهم بقدر من المتعة، وهو من كتاب اليسار النقديين، الا أنه – في اعتقادي – تغلب عليه نزعة الماركسية الاكاديمية، ورؤية ما يدعي "اليسار الديموقراطي" وكليهما له مشاكله ومسافة ما فاصلة بينه وبين الماركسية "الثورية". وتشديدي على عبارة الثورية هنا له أهمية. فعلى عكس التعميمات التي يستخدمها عمرو ضمنيا بشأن الماركسية، الدقة تقتضي تحديد التيارات داخل ما يسمى بالمعسكر الماركسي. فثمة ماركسية تزعم تمسكها بمبادئ ومنهجية ماركس، واخري تتحلل، بدرجة أو بأخرى، تحت تسميات مختلفة من تلك المبادئ، اما صراحة.. بالمراجعات النظرية، او ضمنيا بتطبيقات مثل تلك التي مارسها جوزيف ستالين او ما وتسي تونج او فيدل كاسترو. او حتى أحزاب الأممية الثالثة في اغلبها التي تبنت الستالينية نهجاً واتجاهاً. وازعم انى من المنتمين للماركسية الثورية التي تنتسب الى ماركس وإنجلز ولينين وروزا وتروتسكي، وتختلف مع الجناح المحافظ او الجناح الستاليني الدولتى في رؤيته بكل تنويعاته. ولا يؤثر في ذلك الخلافات والتمايزات بين لينين وتروتسكي، او روزا ولينين. لأنهم تحركوا حول محور واحد لتلمس الطريق المفضي الى اشتراكية يقودها العمال وتبنى دولتهم تحت سلطتهم وفى أجواء ديموقراطية عمالية أوسع بما لا يقاس من الديموقراطية البرجوازية، واختلفوا في التفاصيل المقضية لتحقيقه.
يبدأ عمرو مقالته بالتساؤل عن (إزاى نفسر الفشل المبرم لكل التجارب اللي سمت نفسها اشتراكية حتى في ضوء معاييرها ذاتها؟ وهل يمكن اعتبار كل هذه التجارب الفاشلة محض خلل في التطبيق في حين إن النظرية صحيحة في ذاتها؟).
ويواصل معلقاً (لإجابات اللي بتتقدم على السؤال ده - سواء اللي بتقطع بفشل النظرية نتيجة فشل التطبيق أو العكس- كلها من وجهة نظري خاطئة لأن السؤال نفسه خطأ... ومصدر الخطأ في السؤال هو افتراض التماثل بين النظريات الاجتماعية أيا كانت وبين العلوم الطبيعية، والتجريبية منها على وجه الخصوص...).
اتفق مع عمرو في ان التساؤل خطأ فعلا.. ولكن ليس بسبب (افتراض التماثل بين النظريات الاجتماعية أيا كانت وبين العلوم الطبيعية، والتجريبية منها على وجه الخصوص). فالسؤال يتعلق فعلياً بخبرة تاريخية مركبة قدمتها تجارب شديدة التنوع، وضمن ظروف شديدة التباين. وليس سؤالا نظريا حول الفروض والمناهج بل سؤالا اجتماعيا وسياسيا، لا يمكن فهمه خارج مناقشة مادته التاريخية وفهم سياقتها واستخلاص نتائجها.
ولأن سؤال عمر أكاديميا وليس تاريخياً، فقد وقع في شرك التبسيط الذي حاول نقده. بداية من هذا المصطلح التعميمي المبسط الذي لا يساعد في فهم او تفسير أي تجربة عينية واحدة، وبالضرورة لا يساعد في الاقتراب من فهم تعقيدات تجربة قرن من الثورات.
الفشل.. او الفشل المبرم. حيث صين ماو لا تفرق عن روسيا لينين ولا يفرق أي منهما مع دول اوربا الشرقية. أفكار ماو لا تختلف عن نظرية تروتسكي او استراتيجيات لينين او دولة ستالين وكتابه الرسميين. سؤال عمرو ليس بحاجة الى التاريخ لإجابته، ولا حتى الى التاريخ النظري الخاص بمفاهيم وقضايا الماركسية. يكفيه عالم الفروض والمناهج. اما التاريخ الفعلي يمكن اغراقه واختزاله في بعض المقولات الى درجة التلاشي.
حتى ان مصطلح "الفشل" هذا على درجة من التعمية والقصور بحيث لا يساعد في فهم النجاحات النسبية، مثل الاستيلاء على السلطة مثلا بواسطة ثورة منتصرة. سابقة اعلان حق الشعوب في تقرير مصيرها، دروس تجربة حزب ثوري سري في علاقته بالجماهير، القدرة على الصمود امام محاولات الغزو في 1918. وحتى مزايا التأميم والاقتصاد المخطط مع ما اعتراها من مشاكل لاحقة، تغيير خريطة العالم وتوازناته لعدة عقود على الأقل. يكفي بجرة قلم ان نضع عليها جميعا عبارة "فشل مبرم" حتى لا نفهم أي شيء.
الفشل، مثل النجاح، مفهوم نسبي.. وليس مبرم.. والتعرض للتجارب الفعلية هو القادر على فهم الفشل في علاقته بالنجاح ضمن سياق ظروف تاريخية محددة. أي استخلاصات سياقية ومنطقية قادرة على توجيه الممارسات اللاحقة وخلق تراكم معرفي سياسي وتاريخي. مصدر الخطأ في السؤال الذي ناقشه عمرو ليس فقط انهم يدورون حول سؤال (النظرية ام التطبيق) ولكن أيضا قبول عمرو ضمنياً التبسيط المعمم لمفهوم "الفشل المبرم" الذي سيطبقه في المقال بوضوح. وخلافه مع من ينتقدهم سيحله بنقاش أكاديمي حول المناهج والفرضيات، تاركا التاريخ تحت ختم "فشل مبرم". ساعيا الى استخلاص أسباب اخري لتفسير هذا الفشل.
المنهج
يجادل عمرو في الاختلاف بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، من وجهة نظره (النظرية الاجتماعية ليست علما بحتا قائما على مجموعة من المسلمات العقلية المحضة وليست علما تجريبيا تتوقف صحة افتراضاته على قابليتها للإثبات أو التخطئة في العالم المادي). مبرهنا بإمكانية عزل عناصر التجربة العلمية عن الظروف الخارجية ثم أجراء التجربة عليها لتصحيح او اثبات الفرضيات المطروحة. بينما في تقديره هذا العزل مستحيل بالنسبة للنظريات الاجتماعية، ويذهب الى انه مستحيل بداية من وضع الفرضيات. (إذ يرى (النظريات الاجتماعية بتشتغل بشكل مختلف تماما يستحيل فيه الفصل بين سياق صياغة الافتراض النظري وسياق التجريب). وذلك لأن (في الاجتماع البشري المتغير دائما لا يوجد أبدا سياق مثالي يمكن عزله من أجل اختبار صحة افتراض بعينه). ليصل الى الاستنتاج التالي (الافتراض النظري عادة ما بيتشكل من داخل التجربة نفسها مش بشكل سابق عليها، وعلى ضوء التجربة يعدل الافتراض في الافتراضات السابقة عليه في حدود نظام معياري وأخلاقي بعينه ويعود ليجرب وهكذا في حركة لا نهائية (....
سوف استبعد هنا عبارة " أخلاقي" حيث اجدها مقحمة في نقاش حول المناهج العلمية.
رؤية عمر تتغافل عن وجود "مثير أولي" يحرك العلوم على اختلافاتها، أنه إما الضرورة العملية لمواجهة مشكلة في الواقع، أو الملاحظة التي تستفز البحث والتحليل ووضع الفروض واجراء التجارب الخ.
كليهما، العلم الطبيعي او الاجتماعي، يحركه أحد صورتي هذا المثير، أو المحفز بتعبير عمرو، لكنه أولى، مولد وليس مصحح، وبالقطع يلعب لاحقا دور المصحح.
كليهما لا يزعم اكتمالاً. ليس فقط العلوم الاجتماعية ولكن أيضا العلوم الطبيعية. وان كنت لا اعرف ما المقصود بعبارة "علماً بحتاً"، ومدى اتصالها بالمنطق الصوري في صورته المبسطة، إلا ان كليهما لا يوجد لديه "مسلمات عقلية محضة" لسببين، اما انه ينطلق من الملاحظة ليكتشف التكرار والتواتر فيبدأ من كون هذه المسألة مقطوع بها تجريبيا وتصلح فرضية ثابتة للانطلاق منها. او ينطلق من الافتراض المبنى اما على خبرات سابقة او احتمالات تركيبية، دون ان يقطع مقدما بصحة الفرضية. وظيفة العقل – او بدقة أكبر.. المنهج – هي. الملاحظة. الاستخلاص. التركيب. التوقع. وليس في ذلك شيئاً "عقلياً محض" وانما، في كل من العلوم الاجتماعية، والطبيعية، ثمة تفاعل بين الواقع والنظرية، وأيضا ثمة تنبؤ. مثلا في العلوم الطبيعية ما يتعلق بالعمر المفترض لكوكبنا، او العمر المفترض للشمس.. الخ.
ثمة عامل مشترك اغفله عمرو، هو أداة منهجية في كل من الحقلين، الطبيعي والاجتماعي، وهو الرياضيات التي يصعب افتراض وجود ممارسة علمية دون استخدامها. في الاقتصاد مثلا وهو علم اجتماعي يستخدم الرياضيات والمنطق وحتى علم النفس وتطورات البحوث بوجه عام وحتى تأثيرات المناخ على البيئة، اين نصنفه؟
المشكلة الأهم في مقال عمرو انه يحول العلوم الاجتماعية، الماركسية مثلا، الى متلقي سلبي للأحداث، ينتظر وقوع الحدث. فالفرض العلمي كما يذهب عمرو (افتراض مبني على الملاحظة أو تالي على التجربة ولكنه لا يسعى لصياغة قانون عام نتيجة يقينه من استحالة توفر السياق المعزول المثالي اللي يسمح باختباره) ولكن كيف يمكن إذاً الحديث عن "الاقتصاد الرأسمالي العالمي؟" ان كنا لا نسعى لوضع قانون عام في الاقتصاد، كيف يمكن الحديث عن "العرض والطلب" كقانون "عام".
وفقا لتلك المنهجية لم يكن ممكنا لماركس توقع انهيار الرأسمالية، أو تركز رأس المال الذي يفضي الى الاحتكار، او حتى ازماتها اللاحقة. حتى في عصرنا. انه التعميم المنهجي والتركيب هو ما سمح له بوضع قوانين عامة. عن تجارب لم تحدث في عصره، ويتنبأ بما لم يكن واقع تمت ملاحظته، بل سياق يمكن ضمن شروطه الهامة تلك ان يفضي الى كذا.
ان تصورنا أن المعرفة العلمية هي فقط تالية للحدث فكل الناس علماء، لأن الجميع يمكن ان يضع تحليلات وأفكار عن حدث اكتمل وظهرت اثاره فعلا، يكفينا فقط التركيب بين اجزاءه، وتكفي عين الصحفي الماهر كبديل للمنهج او النظريات.
ولا يمنع ذلك أنه، في كلا الحقلين، "على ضوء التجربة يعدل الافتراض في الافتراضات السابقة عليه" فهذه سمة عامة في كل بحث يدعى العلمية، سواء اجتماعي او فيزيائي او حتى رياضي.
وكما انطلق عمرو من افتراض "الفشل المبرم" فقد حصر بحثه في نقاش نفي "الاكتمال" النظري أو المنهجي.
(فالنظريات الاجتماعية عمرها ما اكتملت أو ادعت ذلك... ولكنها تختبر نفسها دائما في سياق الواقع... لا يمكن تحديد لحظة مثلا اكتملت فيها الليبرالية وبدأ فيها التطبيق... بالعكس التقليد الليبرالي بدأ يتشكل في الحقيقة بعد تشكل السوق ومؤسسات الدولة البرجوازية وليس قبل ذلك... هو تشكل للجدل معاها وتطويرها وجدله لا زال قائم لليوم... لا يمكن تحديد لحظة مثلا اكتمل فيها الفكر القومي ومن بعدها بدأ التطبيق... بالعكس لازالت القومية حية معنا إلى اليوم بالرغم من كل خيباتها وهزائمها...).
عمرو يسوق فرضية لم يطرحها أحد، ربما للرد على من يتهمون الماركسية بالركود النظري وتحولها الى عقيدة دينية. ولكن تلك الفرضية لا تميز النظريات الاجتماعية عن غيرها، بل تتعلق ايضاً بالنظريات العلمية. وهو قصور علمي مقبول ومرتبط بمستويات تطور المناهج وأدوات البحث سواء النظري او المعملي. حتى هنا لا اكتمال فعلاً (بالمعني التاريخ) ولا مشكلة في ذلك بل هي محصلة منطقية لعملية التطور ذاتها. ولكن.. لا يقدح في ذلك ضرورة الوقوف – في لحظة معينة – عند نتائج نظرية معينة والانطلاق منها باعتبارها صالحة على حالها. فرغم نسبية النظرية لكن لها مطلقها الزمنى المرن، أي حقيقة اللحظة التاريخية التي ولدت فيها، انها المطلق في إطار النسبية، كما يصف لينين (تقريبا في نقد المنهج التجريبي). ولا يمنع ذلك انفتاحها في لحظة تالية على التطور. نقصد هنا ان هناك "اكتمال" تاريخي وجدلي في ذات الوقت. تثبيت نقطة محددة – كحقيقة او فرضية أصلح – في لحظة محددة.
ومن ثم فالوقوف عند نقد الاكتمال فحسب يفتح الباب لنسبية لا يمكن الإمساك فيها بحقيقة، او الاطمئنان معها لنقطة انطلاق. لإحلال التفكيكية محل العلم التراكمي الجدلي بطبيعته.
منطق عمرو في الحقيقية يشير الى العملية التراكمية، في اشارته الى استمرار الليبرالية والماركسية والقومية منذ نشأتهم حتى الان. الا أنه يضعهم معا في سلة "ملاحظة" عامة واحدة. وذلك ليعلن.. أولا – خيبات وهزائم القومية والفكر القومي. بعد أن وافق "ضمنيا على الاقل" على الفشل "المبرم" لكل (التجارب التي سمت نفسها اشتراكية). كما أسلفنا لا يساعد تعبير "الفشل على فهم شيء، بل يترك الامر على علاته لتبدو علة عضوية تلازمهم وحتى لا نعرف مصدرها، فضلا عن وضع الجميع "رغم تعارضاتهم" في سلة "فشل" واحدة. ثم يترك الليبرالية في حالة حيوية وحية، حيث تتجادل مع واقعها وتتطور من خلال ذلك الجدل.
في الحقيقة لا.. بالغنا بغض الشيء في استنتاجنا الأخير. أنه يقر أن (الفكر الماركسي يتحول ويتغير دائما في جدل مع السياقات اللي بيخرج منها). لكنه قدم صورة مغلوطة عن الماركسية. أولا فيما يتعلق بماركس، ثانيا فيما يتعلق بلينين.
يقول عمرو (... هل لينين مثلا كان منظر أم مطبق؟ هو الاتنين في الحقيقة... وضع افتراضات ماركس محل التطبيق ورجع عمل فيها تغيير جذري في نفس الوقت في ضوء سياقه، وبالتالي تخلى عن أحد افتراضات ماركس الرئيسية وهي حتمية الثورة في المراكز الرأسمالية الأكثر تطورا، بل وتبنى الافتراض العكسي تماما وهو حتمية الثورة في الأطراف المتخلفة... هل افتراض لينين الجديد ده جزء من الماركسية ولا مجرد تطبيق؟ قطعا جزء من النظرية...).
أولا – تبنى عمر زعم نظري شائع عن فكرة الحتمية في المنهج الماركسي. فماركسية ماركس اقترحت ان التناقض بين العمل المأجور ورأس المال لن يجد حله سوى في الغاء الملكية الخاصة. وهي فرضية لا تزال كل تناقضات عصرنا تبرهن عليها. كما رأي أن الملاك لن يتنازلوا عن سلطتهم وامتيازاتهم طواعية، ومن ثم لن تنتزع منهم الا بواسطة عملية ثورية عنيفة، لسبب بسيط ان الملاك سيدافعون بشراسة عن امتيازاتهم، وهو أيضا افتراض تؤكد صحته تجربة قرنيين من التجارب البرلمانية والاجتماعية والوسطية والانقلابية والثورية حتى الان.
ثانيا – أوافق عمر في تنبأ ماركس – على ضوء منهجه – بأن تشب الثورة في الدول الصناعية المتقدمة. وان الدول المتأخرة ستمر أولا بالتطور الرأسمالي قبل ان تكون الثورة "الاشتراكية" مطروحة على جدول اعمالها.
ما تم اغفاله في تلك النقطة مسألتان – ان تلك الاطروحة تعود الى ماركس "الشاب" والكتابات الأولى قبل ان تتبلور نظريته الماركسية التي نعرفها. لكنه سبق البلاشفة في الحديث عن إمكانية ثورة في "روسيا" شبه المتخلفة وشبه الزراعية والاقل تطورا بالمقارنة مع اوربا. كما ذهب الى ان الرأسمالية كنمط انتاج يتم زرعها بعنف ودماء في الدول المستعمرة على الاغلب يقضي على إمكانية تطورها. ومن ثم ان أمكن تفادى هذا الثمن التاريخي الفادح للتطور سيكون أفضل. ماركس هذا رأى في المشاعة الريفية في روسيا أنها "في شروط معينة" فرصة لإعادة افتتاح عصر الثورات بعد فترة التراجع والهزائم.
بل انه أعاد النظر في رؤيته للتطور الرأسمالي في اوربا. على سبيل المثال في الطبعة الفرنسية من رأس المال، يسير ماركس إلى مقطع أكد فيه "أن الوسيلة الأساسية التي استخدمت في فصل المنتجين عن أدوات الإنتاج كانت” مصادرة ملكية المنتجين الزراعيين “وأضاف” تحقق هذا بطريقة جذرية في إنجلترا فقط” لكن جميع البلدان الأوربية في اوربا الغريبة كانوا يواصلون نفس المسار.". وان روسيا إذا دخلت فعلا طريق التطور الرأسمالي لن يكون امامها سوي (أن تواصل العمل تحت قوانينه التي لا تعرف الشفقة، مثل الشعوب الأخرى التي دنسها.) رسالة ماركس إلى Otechestvennye ZaPiski’. وان مصادرة الفلاحين وتفكيك المشاعة لن يحولهم الى قوة عمل حديثة، بل سيحولهم الى مشردين بلا عمل.
تخلى ماركس بوضوح عن فكرة ان اوربا المتقدمة تقدم للدول المتأخرة صورة تطورها في المستقبل. مراعيا خصوصية شروط التطور "المتفاوتة والمتباينة"، فبخصوص روسيا قال " في كل الأحوال ما حدث سابقا في الغرب لا يمكن أن يبرهن على شيء هنا مطلقا". – مسودات رسائل ماركس الى فيرا (غير مترجم).
هذا مثال اخر – حول “جزر الهند الشرقية” كتب: “أن الجميع، باستثناء السيد هنري ماين وآخرون من جنسه” يدركون أن قمع سكان الأراضي المشاعية لم يكن إلا أعمال تخريب إنجليزية، دفعت بالشعب الهندي للارتكاس وليس إلى التقدم". ودون استطراد نصل هنا الى ان ماركس لم يحتم شيئا. وبوجه خاص ثورة الغرب المتقدم، لكنه اعتقد – في بدايات تأسيس نظريته – انها – وفقا لشروط تطورها، وعلى ضوء التجربة الفرنسية التي شارك بقدر ما فيها. المرشحة تاريخيا لاندلاع الثورات. وفي مراحل لاحقة تطورت تلك الرؤية بدرجة كبيرة.
المسالة الثانية التي اغفلها عمرو. تلك النظرية التي راهنت ليس على مجرد التطورات الاقتصادية، بل على تطور الصراعات السياسية والاجتماعية الفعلية، والتي يمكن ان تسمح بقطع مسافات في التطور التاريخي دون الحاجة الى البدء من الأميبا الرأسمالية. دون استرسال اشير الى نظرية الثورة الدائمة عند تروتسكي. وهنا ننتقل الى ملاحظة عمرو عن لينين.
إن اغفال تروتسكي ونظريته – في الحديث عن تطور الأفكار الماركسية – خطأ فادح، خاصة فيما يتعلق بنظرية الثورة عند لينين – أيضا في مراحله الفكرية الأولى. فالماركسية في صورتها الروسية لا يمكن اختزالها، وخصوصا فيما يتعلق بنظرية الثورة، الى لينين فقط. ويزداد هذا التشديد أهمية عندما نقف على التلاقي الأخير للينين مع رؤية تروتسكي ونظريته، الى درجة اتهام لينين ب(التروتسكية) من قبل المناشفة والجزء المحافظ في الحزب البلشفي. عمرو مطلع جيد في تقديري على هذا التراث، لكنه اغفله لتسهيل اصدار احكامه.
يشير عمر الى صورة التطور جزئيا على الأقل- في الفكر الماركسي، وذلك في الأفكار التي وضعها (رواد الاشتراكية الديمقراطية الأوائل) ولأن عمرو يفهم جيدً ان هؤلاء ليسوا ماركسيين أصلاً، يحاول تخفيف الصياغة بقوله "جلهم ماركسيين"؟؟؟؟ من، وكيف.؟ أي مطلع بقدر محدود على تراث ماركس يعرف، أن الماركسية تطورت عبر نقد والقطع مع (رواد الاشتراكية الديمقراطية الأوائل) وعلى فرض جدلاً ان منهم من كان ماركسيا ثم تحول، هل نتعامل معه على انه تعبيراً عن تطور الماركسية، هل نتعامل مع كاوتسكي مثلا على انه تطويرا للبلشفية؟ ما علة هذا الخلط في مقال عمرو وهو ليس بالتأكيد عن عدم معرفة؟ ببساطة فيما يبدو ليبرر تصوراته هو. فهم – كما يقول - (وضعوا افتراضات ماركس في الواقع رجعوا عدلوا في النظرية وافترضوا إمكانية طريق برلماني سلمي للاشتراكية)؟؟؟؟ مرة اخري. متى، وأين؟
في حدود معرفتنا ثمة تناقض ضخم بين رؤية الاشتراكية الديموقراطية البرلمانية، ورؤية الماركسية، ببساطة ترى الأولى استحالة تنازل البرجوازية عن املاكها "الخاصة" وامتيازاتها بأي طريقة سلمية، وان البرلمان يمكن ان يكون أحد أدوات النضال السياسي في ظروف خاصة فحسب. بينما الاخيرة تري في البرلمان، لا في الثورة، قابلة التاريخ التي سوف تقوم بتوليد الاشتراكية من رحم تشريعات اغلبية اشتراكية. فكيف تمكن عمرو، أو طاوعه قلبه، في ان يطابق بينهما، بل أن يجعل الأخيرة تطويراً للأولى منبثقاً عنها.
يقر عمرو بكون الماركسية تنطبق عليها معايير قابليتها للتطور، وأنها لم تكف عن التطور عبر تاريخها. وانه (... النهاردة أصبح لدينا قراءات ماركسية نقدية معمقة لأسباب فشل التجارب السابقة ونهاياتها الكارثية - بما في ذلك الاشتراكية الديمقراطية مش بس الاتحاد السوفيتي - وكذلك لدينا قراءات معمقة لواقع رأسمالية اليوم وبناءها الطبقي وأيديولوجياتها المختلفة... والنهاردة لدينا ابداعات استطاعت تجسير الفجوة اللي نشأت بين الديمقراطية وتجلياتها المختلفة وبين الفكر الماركسي نفسه... كما إن لدينا انفتاح مبدع على إشكاليات لم تكن يوما على جدول أعمال الماركسيين من الأصل...).
أما عن "فشل" التجارب السابقة، أعني وجود " قراءات ماركسية نقدية معمقة" فهو ليس وليد "النهاردة" انما هو تقليد ماركسي رئيسي منذ نقد ماركس نفسه لتجربة "كوميونة باريس"، مرورا بانتقادات لينين للدولة التي كان على رأسها ودعوة العمال الى "الوقوف في مواجهتها" والنقد الذي قدمه تروتسكي، وحتى النقد الذي قدمه توني كليف ورفاقه لدول اوربا الشرقية والصين و"جزئياً" الدولة الروسية الستالينية. لا يمكن نزع تقليد راسخ في الماركسية عنها واعتباره وليد اليوم. بل ان هذا النقد "الماركسي يمتاز بعمق تحليلي للتجارب نفسها، وليس بعمق تقديري "في اغلبه سطحي" لنتائجها كما هو حال اغلب تحليلات "النهاردة".
اما عن تلك الابداعات التي استطاعت "تجسير" الفجوة اللي نشأت بين الديمقراطية، وتجلياتها المختلفة، وبين الفكر الماركسي". لا يساعدنا مقال عمرو في مناقشتها، فثمة تعارض بين ما يطلق عليه في التراث الماركسي "الديموقراطية العمالية" أو ديموقراطية المنتجين. والديموقراطية البرجوازية، بكل تنويعاتها وتجلياتها. حيث يتطلب كل منهما نظاماً اجتماعياً كاملا مغايرا للأخر. كيف، ومتى أقيمت تلك الجسور بينهما؟
الفشل الكلي المبرم.
بعد ان استنكر عمرو علمية أن تناقش القضية من خلال سؤال "فشل النظرية أم فشل التطبيق؟" واستعرض منهجيته وأسس رؤيته، وصل الى حكم شامل هو فشل الاثنين!!! النظرية والتطبيق. وذلك حتى لا يقع فيما اعتبره "استحالة الفصل بين النظرية والتطبيق" وبمعنى أخر استحالة الفصل بين ستالين وماركس. فلا فصل محتمل بين النظرية ومن يزعم تمثيلها في التطبيق، يكفي.. عند عمرو، ان يزعم ذلك، دون مقارنة او تحليل للتيقن مما إذا ما كان يمثل فعلا "امتداداً" للنظرية، او "انحرافا" عنها. فعمرو ينطلق من فرضية ثابتة. " استحالة الفصل ما بين النظرية والسياق" وكلمة السياق هنا ليست سوى استعاضة بلاغية عن كلمة "التطبيق" لأن السياق الذي وردت فيه هو، العلاقة بين النظرية و"التطبيق"، ولنرى حرفيا طرح عمرو بعيدا عن استخلاصنا.
(هل كل هذا الفشل دليل على سقوط النظرية أم أن النظرية تمام والعيب في التطبيق؟ في ضوء استحالة الفصل ما بين النظرية والسياق نقدر نقول إن ما سقط هو ماركسية القرن العشرين، نظرية وتطبيقا).
في الواقع يصعب عمرو إمكانية النقاش المدقق تماماً. استخدام عنوان كتاب جارودي " ماركسية القرن العشرين" مغاير نسبيا لمقاصد عمرو، أراد جارودي توسيع دائرة الخصوصية القومية، ومن ثم استدعى القرامطة مثلا وابن رشد ليقول ان العرب لديهم مصادر محلية لاشتراكية مبنية على تراثهم. فضلا عن بعض المعالجات الأخرى، جارودي أعتبر نفسه ينتمي الى هذا التيار الذي قصده في كتابه "اشتراكية القرن العشرين". عمرو استعار التسمية ليواصل التعميم والخلط، هكذا استنتج (في ضوء استحالة الفصل ما بين النظرية والسياق نقدر نقول إن ما سقط هو ماركسية القرن العشرين، نظرية وتطبيقا، بكل تجلياتها من الاشتراكية الديمقراطية إلى التروتسكية مرورا بالتجربة السوفيتية).
بتلك السهولة أسقط عمرو حلقة من أكثر حلقات تطور الماركسية ثراء، حلقة ضمت الكاستروية والجيفارية والماوية واللينينية والتروتسكية. وفي تعميمه لم يشعر بالحاجة الى ان يقول لنا "ما الذي سقط منهم على وجه التحديد؟" فالتعميم مغري ومريح وسهل. نظرية وتطبيقاً.
مرة أخري نشعر بالعجز عن المناقشة، ولذلك لغياب الدقة والتحديد والتسبيب. هل نطرح بعض الأسئلة لاختبار حكم عمرو. هل مثلا ثبت فشل نظرية "التطور المتفاوت والمركب" في فهم عالم ما بعد الاستعمار في الدول المعتبرة ضعيفة النمو، او ما أطلق عليه "العالم الثالث". او نظرية "الامبريالية" التي وصفها لينين وطورها ماركسيو القرن العشرين من بعده؟ هل أخفقت استراتيجية البلاشفة في قيادة ثورة منتصرة، ربما هي الوحيدة من نوعها حتى الان. وما أثر ذلك على الماركسية نفسها التي استندوا اليها، هل أخفقت بالتبعية "نظرية وتطبيقاً؟ ومن ثم لا معنى للقول بماركسية جديدة "ماركسية القرن الجديد" سوف لن تبنى نفسها على تراث الإخفاقات "النظرية والتطبيقية" والتي لا نعلم بعد ما هي، وماذا تقول، ولماذا سوف نعتبرها ماركسية؟
في الحقيقية يترك عمرو – بسبب تعميماته المبسطة – فراغاً بحجم الموضوع الذي يناقشه. ولا مزيد.

رابط مقال عمرو - https://www.facebook.com/amr.abdelrahman.397/posts/10161204199125453








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الثورة البلشفية
فؤاد النمري ( 2018 / 12 / 30 - 08:22 )
تكنى ثورة أكتوبر بالثورة البولشفية وتروتسكي وروزا لكسمبورغ ليسا بولشفيين
ستالين هو البولشفي الوحيد الذي قدم الاشتراكية على حقيقتها للعالم
كانت روسيا أفقر دولة في العالم فإذ بها أقوى دولة في العال في العام 41 وتهزم هتلر في معركة موسكو بقيادة ستالين
ستالين باعتبار رفيقيه في الحرب تشيرتشل وروزفلت كان أعظ القادة في كل العصور
أما تروتسكي فانتهى إلى أن يشتغل جاسوساً لدى مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركي كما استوثقت
الشرطة المكسيكية

ولعل أحد حسن أن قتل تروتسكي هو أحد التروتسكيين اللصيقين بتروتسكي ومن يدخل البيت المحروس بشدة دون استئذان


2 - عبقرية فذه
احمد حسن ( 2019 / 1 / 4 - 14:05 )
اهو ستالينك دا كان اكبر سبب فى تشويه الاشتراكية وتنفير الناس منها .. بس بالمناسبة هو قتل من الحزب البلشفي اللى ماقتلهمش القيصر او الحرب .. وكفاية ان مراجعك تشرشل وروزفلت (وفي كل العصور حته واحدة - اللهم لا تعليق) وياريت تنورنا بمراجعك الفوق عبقرية بتاعة مكتب التحقيقات علشان نكمل فرجه على ابداعات الستالينيين الخارقة - او ماتبقي منهم. . .

اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على