الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكذوبة الجيش (الوطني) الليبي في دولة الميليشيات

محمد بن زكري

2019 / 1 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


1 : مِن حوار هواة السياسة إلى مفاوضات العسكر
بعد خوض سبع جولات من المفاوضات ، بين قادة (الجيوش) الليبية ، كانت جميعها قد انتظمت في القاهرة ، برعاية ما سُمي بـ (اللجنة الوطنية المصرية المعنية بالملف الليبي) ، لإعادة توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا ؛ انتهت الجولة السابعة - أكتوبر 2018 - التي لن تكون الأخيرة ، إلى إقرار مسودة اتفاق بين أطراف التفاوض العسكرية ، التي تحمل صفة (الليبية) ، لا ريب في أن للراعي المصري (الاستخبارات العسكرية أساسا) ، دورا أساسيا في صياغة بنودها .
و من حيث المبدأ ، فإن مجرد وجود خلاف استقطابي حاد داخل المؤسسة العسكرية الليبية ، و من ثم البحث عن حل لذلك الخلاف ، بوساطة أي طرف خارجي ، و خارج أرض الوطن الليبي ؛ ينفي عنها أولا أهم ميزة للعسكرية النظامية ، و هي ميزة الضبط و الربط و تماسك البنية التنظيمية ، و ينفي عنها ثانيا استحقاق صفة (الوطنية) .
و أنْ يقبل من يسمون أنفسهم قادة عسكريين ، بواقع اختلال العلاقة التنظيمية داخل المؤسسة العسكرية ، المفترض بِها - و بِهم - الولاء للوطن وحده دون سواه .. ضبطا و ربطا ، فينحطون انحطاطا مهينا ، إلى مستوى الارتهان التام لأهواء أطراف التجاذبات و الصراعات السياسوَيّة اللاوطنية ، و هم يعلمون تمام العلم بأنها - جميعا - أطراف فاقدة للشرعية و مغتصبة للسلطة و منتحلة للصفة ، و لم تعد تمثل إلا مصالح خاصة و فردية ، لهواة السياسة و أرتال جراد المرتزقة ، ممن جاءت بهم الصُّدف المحضة أو القبَلية ، إلى كراسي إدارة الشأن العام في ما يسمى : مجلس النواب ، و المجلس الرئاسي ، و المجلس الأعلى للدولة ؛ زائدا حكومة اتفاق الصخيرات ، المغشوش و الـ (expired) ، و حكومة المؤتمر الوطني العام (المؤقتة) ، التي حوّلها برلمان طبرق إلى حكومة (مزمنة) ؛ فيذهب القادة العسكريون من ثم مذهب أدعياء الشرعية ، المتصارعين على سلطةٍ لا يملكون منها - فيما عدا رواتبهم الفلكية و امتيازاتهم الفاحشة و ممارساتهم الفاسدة - غير الاسم ، في نظام الغنائم الذي يتحكم به قادة الميليشيات في الغرب الليبي ، و تتحكم به القبلية و السلفية المدخلية في الشرق الليبي ، و تتحكم به (الفوضى الخلاقة) في كل الوطن الضائع و الممزق بين الأطماع الإقليمية و الدولية ؛ فهم بقبولهم ذاك ، إنما يسيئون إلى شرف العسكرية الليبية ، تكريسا منهم لواقع انهيار الدولة ، و فقدان مقومات سيادتها الوطنية على إقليمها الجيوسياسي ، الأمر الذي يدمغهم - قانونيا - بالخروج عن مقتضى عهد و ميثاق الولاء للوطن ، وفقا لمفاد صيغة و مضمون القسم العسكري .

2 : اتفاق توحيد المؤسسة العسكرية
و لأن الأمر كله ، لا يعدو كونه تفصيلة من تفاصيل مشكلة انهيار الولاء الوطني ، و انحدار مستوى الأداء السياسي لأطراف الأزمة الليبية المفتعلة ، و إفلاسهم أخلاقيا ؛ فسأكتفي بوقفة صغيرة عند مسودة الاتفاق سالفة الذكر ، التي خرجت بها الجولة السابعة لمفاوضات توحيد الجيش (الوطني !) الليبي .. في القاهرة ، بين قيادات الأطراف العسكرية المتفاوضة ، الممثلة لأطراف النزاع السياسوَيّ - المدجج بالسلاح - الدائر حول حصصهم من سلطة نظام الغنائم ، المفروضة على الشعب الليبي بحكم (وقاحة) الأمر الواقع ، خارج كل شرعية دستورية أو ديموقراطية ؛ إما بقوة سلاح الميليشيات ، أو بقوة العصبية القبلية و الجهوية ، أو بقوة التدخل الأجنبي ، وبالأخص التدخل الغربي المتخفي وراء ما يسمى المجتمع الدولي ؛ فإنه إذا تجاوزنا المقدمة و البندين الأول و الثاني ، المتعلقين - نصّاً و على الترتيب - بالمبادئ الحاكمة و الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة الليبية ، نصل إلى البندين الثالث و الرابع ، المنصوص فيهما - بالتوالي - على توصيف و تحديد كل من : علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة المدنية ، و تكوين و اختصاصات المستويات القيادية .
و في كلا البندين ، نجد أن قيادات الأطراف العسكرية الليبية المتفاوضة في القاهرة ، قد تخطت حدود اختصاص المؤسسة العسكرية ، لتذهب من طرف واحد ، إلى البث في شؤون عامة ، تتصل بالطبيعة السيادية للدولة ؛ إذ أنه ليس للمؤسسة العسكرية أن تقرر - نيابة عن كل الدولة ، ممثلة في السلطتين التشريعية و التنفيذية - إنشاء أجسام تنظيمية ذات طبيعة أعمال سيادية ، من قبيل : مجلس الأمن القومي (قيادة سياسية) ، أو مجلس الدفاع الوطني (قيادة سياسية عسكرية) ، المنصوص عليهما في البند الثالث من مسودة اتفاق توحيد المؤسسة العسكرية . و ليس لقيادة الأطراف العسكرية المتفاوضة ، أن تنفرد بالبث في كيفية تكوين المستويات القيادية الستراتيجية للدولة الليبية ، و ليس لأطراف مفاوضات توحيد (الجيوش) الليبية ، أن تحدد للمستويات القيادية العليا اختصاصاتها ؛ بالنيابة عنها ، وخارج أطر و قواعد إدارة شؤون الدولة تشريعيا و تنفيذيا و قانونيا ، على نحو ما ورد تفصيله في البند الرابع من مسودة الاتفاق ، و خصوصا فيما يتعلق منها باختصاصات كل من القائد الأعلى و وزير الدفاع ؛ اللهم إلا أن تكون أطراف المفاوضات العسكرية ، مخوّلة من قبل قياداتها السياسية (في دولة برقة و دولة طرابلس الغرب .. غير المعلنتين) ، برسم أطر العلاقة المستقبلية ، بين المستويات القيادية العليا (في الدولة الليبية الافتراضية .. المعترف بكيانها دوليا) ، و هو أمر غير وارد ، بدلالة إعلان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق (حكومة طرابلس) ، في بيانه ذي الصلة ، الصادر بتاريخ 19 أكتوبر 2018 ، بأنه ينفي - أصلا - التوصل إلى اتفاق في المحادثات الجارية بخصوص توحيد المؤسسة العسكرية .
و هنا يطرح السؤال نفسه : هل يوجد - الآن - في ليبيا جيش (وطني) نظامي ليبي ؟
الجواب هو قطعا بالسلب ، ذلك أن غارات حلف الناتو ، التي استهدف بها الغرب رأس النظام الليبي السابق العقيد معمر القذافي ، تصفيةً لحسابات بيْنيّة قديمة ، و خدمةً لأجندات الاستعمار الجديد النيوليبرالية ، لم تتوقف بعد سبعة أشهر (19 مارس – 20 أكتوبر 2011) من القصف الجوي المكثف للمنشآت و الأهداف العسكرية ، في حرب الناتو على ليبيا ، إلا و قد غدت القوات المسلحة الليبية أثرا بعد عين . و ذلك بالتركيز الشديد على تدمير ما تبقى من قوة للجيش الوطني ، الذي كان أصلا قد أنهكته الحروب العبثية التي وُرِّط في خوضها خارج البلاد ، زائدا عامليْ ضعف الإمكانات و التذمر السائد بين الضباط ، جرّاء تعمد إهمال الجيش ، لجهة تركيز الاهتمام على بناء الكتائب العسكرية الأمنية ، المعنية بحماية شخص معمر القذافي ، المنعزل في برجه العاجي بتكنة باب العزيزية ، و الدفاع عن النظام في مواجهة السخط الشعبي المتنامي بالشارع ، فضلا عن انصراف قادة الجيش و كبار الضباط إلى تنمية ثرواتهم و مكاسبهم الخاصة ، سواء تلك التي خصهم بها النظام (توزيع المزارع و أراضي المشروعات الزراعية و أراضي الغابات ، العائدة ملكيتها للدولة . و خاصة تلك الواقعة داخل مخطط العاصمة طرابلس أو بضواحيها القريبة) ، أم تلك التي كونوها بممارسات الفساد ، الذي استشرى بين الفئات المحسوبة على النظام ، في المستويات القيادية للأجهزة الإدارية و الأمنية و تنظيم اللجان الثورية ، حيث يأتي كبار ضباط الجيش في مقدمة المستفيدين (و بالأخص المشاركون في انقلاب 1969) ؛ فاجتمعت بذلك عوامل التدخل الخارجي .. متعددة الأوجه و الأجندات ، مع عوامل الانحلال الداخلي ، لتؤدي بتضافرها معا ، غداة فورة فبراير الشعبوية الخبط عشواء ، إلى تقويض ما تبقى من بنية المؤسسة العسكرية الليبية ، التي تفككت و انقسمت إلى عدة جيوش و تشكيلات عسكرية ، لا يربط بينها أي قدر من الولاء الوطني ، و لا تلتقي على الالتزام بعقيدة عسكرية وطنية موحدة ؛ حيث صارت لكل قرية سراياها ، و لكل بلدة كتائبها ، و صار لكل مدينة لواؤها المجحفل ، و لكل بلدية أو قبيلة مجلسها العسكري ، و صار لكل منطقة جيشها و قياداتها العسكرية .
على أنه إذا كانت عملية (الكرامة) قد صححت - نسبيا - وضع المؤسسة العسكرية في الشرق الليبي ، فإن عملية (فجر ليبيا) ، قد كرست - تماما - سيطرة الميليشيات المسلحة ، على الغرب الليبي ، و تسببت في انقسام الجيش النظامي على نفسه ، بين رئاسة أركان تابعة لحكومة غرب ليبيا ، و رئاسة أركان تابعة لحكومة شرق ليبيا ؛ انتهاءً إلى تفكك بنية المؤسسة العسكرية النظامية ، رأسيا و أفقيا ، فلم يعد ثمة من وجود حقيقي لجيش (نظامي) وطني ليبي .

3 : القوات المسلحة (العربية المدخلية) الليبية
فما يطلقون عليه في الشرق الليبي - أو إقليم برقة ، كما يفضلون القول هناك - اسم الجيش الوطني ، أو بالأحرى : القوات المسلحة " العربية " الليبية ، هو خليط من العسكريين النظاميين و عناصر التشكيلات المسلحة غير النظامية (السلفية و العشائرية) ، التي ترتدي الزي العسكري . أما عقيدته العسكرية ، فلم تعد قائمة على مبدأية (القتال) ولاءً للوطن ، بل على مبدأية (الجهاد) ، ولاءً لله أولاً ، و طاعة لـ (وليّ الأمر) ثانيا ، ثم يأتي مبدأ الدفاع عن الوطن تاليا ، في المرتبة الأخيرة من ترتيب الأولويات . و شتان بين عقيدة (الجهاد الإسلامي) و عقيدة (الدفاع الوطني) .
و في حين تشكل الميليشيات السلفية (المدخلية التكفيرية) ، كتلة وازنة مما يسمى : " القوات المسلحة العربية الليبية " ، و خاصة بعد أن تم إدماج ميليشيات التيار السلفي المدخلي في بنية الجيش ، كما في حالة ميليشيا " التوحيد " السلفية المدخلية ، التي صارت تشكل القوة الأساسية الضاربة ، في الكتائب ذات الأرقام 106 و 210 و 320 ، مثالا لا حصرا ، من الكتائب التابعة للقوات المسلحة " العربية " الليبية ، في برقة ؛ فإنه حتى الضباط العسكريين فيها ، صاروا مؤدلجين إسلاميا ، يعتنقون العقيدة السلفية المدخلية .
و الخطير في الأمر ، هو أنّ أيّ تداخل أو تقاطع ، فيما بين المؤسسة العسكرية و المؤسسة الدينية ، على أي مستوى من ممارسة العمل العام ، و خاصة في ظروف التخلف الاجتماعي السائدة ، لا يمكن له وظيفيا و بالضرورة ، إلا أن ينتج أسوأ أشكال الدكتاتوريات السلطوية و أشرسها ؛ قمعاً للحريات كافة .. و في مقدمتها حرية التعبير و حرية الضمير ، و هدراً لحقوق الإنسان .. و في مقدمتها الحق في الحياة ، و مصادرةً للحقوق المدنية .. كالحق في التظاهر ضد السلطة ، و إلغاءً للآخر.. كما في التمييز ضد الناطقين بالأمازيغية و التبو ، و نفياً لمبدأ الديمقراطية أصلا .. جملةً و تفصيلا ؛ حيث تتضافر سلطة الاستبداد الديني ، مع سلطة الاستبداد العسكري ، لتطويع الناس و تدجينهم ، بواسطة إصدار الفتاوى و التلويح بالعصا الغليظة ، و من ثم التمكين لسلطة الاستبداد السياسي ، في السيطرة المطلقة على الدولة و المجتمع ، باسم المقدس و الشرعية .
و لقد رأينا كيف أنّ القيادة العامة للقوات المسلحة " العربية " الليبية ، المرتبطة - تكامليا - ببرلمان طبرق ، قد استضافت أحد شيوخ السلفية المدخلية (هو الداعية السعودي ، الشيخ أسامة العتيبي) ، الذي وصل إلى ليبيا - 7 يناير 2017 - قادما من السعودية ، للإشراف على دورة دينية ، تحت مسمى (دورة الكرامة) . و بحسب بيان ترحيب ، صادر عن الهيئة العامة للأوقاف و الشؤون الإسلامية (سلفية مدخلية) ، التابعة لحكومة برلمان طبرق ، فإن الداعية السلفي المدخلي ، الشيخ العتيبي ، جاء مدعوّاً مِن قِبَل القيادة العامة للقوات المسلحة " العربية " الليبية ، لإقامة حلقات دينية و إلقاء محاضرات و دروس ، في مناطق الشرق الليبي ، حيث أولت الهيئة عنايتها التامة للتنسيق بالخصوص مع مدراء فروع و مكاتب الأوقاف التابعة لها ، بما يضمن تعميم الفائدة المرجوّة من الدروس الدينية للداعية السلفي المستضاف ، في (دورة الكرامة) .
و في خطبة جمعة ، ألقاها الشيخ أسامة العتيبي (المكنى أبو عمر) ، إماما للصلاة ، بتاريخ 27 يناير 2017 ، في مدينة اجدابيا (أحد معاقل التيارات السلفية التكفيرية) ؛ هاجم العلمانيين و الصوفيين و من أسماهم بالخوارج ، و حذر من خطر دراسة الفلسفة ، و أثنى على مصادرة الجهات الأمنية في المرج للكتب ، التي قال بأنها (الكتب) تروّج للبدع و الضلال و التشيع و الإلحاد و الانحلال و الشذوذ الجنسي .
و في مقابلة متلفزة ، أجرتها معه قناة الحدث ، الناطقة باسم حركة الكرامة (و المتوائمة مع الخط المدخليّ) ، أفتى الشيخ أسامة العتيبي ، بأن الأرض ليست كروية ، و أنها واقفة ، و لا تدور ! (صدّق أو لا تصدق ، لكن الأمر حقيقة و ليس نكتة) . انظر الرابط
https://www.youtube.com/watch?v=CAjQhz90myQ
و لعل سائلا يتساءل متعجبا : أيّ وجه اختصاص للمؤسسة العسكرية بالشؤون الدينية ، حتى توجه دعوة استضافةٍ إلى رجل دين من دولة أخرى ؟! و ما هي طبيعة علاقة المؤسسة العسكرية - هنا - بالمؤسسة الدينية ؟! لكن إذا عُرف السبب ، بطُل العجب . فالسلفية المدخلية ، تحرّم الخروج عن طاعة (وليّ الأمر) . و في عقيدتها ، لا يجوز التعرض بالنقد لوليّ الأمر (الحاكم) أو معارضته مطلقا ، بل و لا يجوز لديها حتى مجرد إبداء النصح للحاكم في العلن . و الهيئة العامة للأوقاف و الشؤون الإسلامية - المدخلية - في شرق ليبيا ، تعتبر أن كلا من القائد العام للقوات المسلحة " العربية " الليبية ، و رئيس برلمان طبرق ، هو شرعا (وليٌّ للأمر) ، كما أنها تعتبر الخارجين عن سلطة برلمان طبرق ، هم خوارج ، بما يعنيه ذلك ضمنا من استحلال قتل من يخرج عن وليّ الأمر .
و هكذا يتضح أن العلاقة بين المؤسسة العسكرية و المؤسسة الدينية ، هي علاقة تكافل و تمكين ، أو فلنقل هي علاقة (استثمار) متبادل ، يستثمر كل من طرفيها الطرف الآخر في خدمة أجندته الخاصة . و الرابح من وراء ذلك - بالنتيجة - هو برلمان طبرق الفاشل و الارتزاقي و منتهي الصلاحية ، أما الخسارة فتعود على الديمقراطية و المواطن العادي .
و في حدث متصل ، بليغ الدلالة ؛ كان رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة " العربية " الليبية - في الشرق الليبي - و الحاكم العسكري للمنطقة الممتدة من درنة إلى بن جوّاد ، لم يجد لديه أي حرج في الإقدام ، بتاريخ 16 فبراير 2017 ، على إصدار قرار ، يمنع بموجبه النساء الليبيات دون سن الستين ، من السفر إلى الخارج (دون مَحرم) . غير أنه تحت ضغط عاصفة ردود الأفعال الرافضة ، عاد مضطرا بعد أسبوع واحد ، إلى إصدار قرار الحاكم العسكري درنة – بن جوّاد ، رقم 7 لسنة 2017 ، بشأن تعديل و إلغاء قراره السابق رقم 6 لسنة 2017 ، فنص القرار الجديد على : منع الليبيين و الليبيات ، من الفئات العمرية 18 – 45 ، من السفر إلى خارج البلاد ، دون موافقة أمنية مسبقة ، من الجهات المختصة !
و لم يكن مستغربا ، أن تبادر الهيئة العامة للأوقاف و الشؤون الإسلامية ، بتاريخ 27 فبراير 2017 ، إلى إصدار بيان داعم لقرار منع النساء الليبيات من السفر دون محرم ، و أثنت الهيئة في بيانها ، على دور الحاكم العسكري (فضيلة الجنرال الناظوري) ، معتبرة قراره انتصارا للدولة و الشريعة الإسلامية . و في مواجهة الأصوات المدنية التي انطلقت مدافعة عن حقوق المرأة الليبية ، عززت الهيئة الدينية موقفها المؤيد لقرار الحاكم العسكري ، بتعميم خطبة جمعة ، كان عنوانها : " العلمانيون و محاولتهم إفساد المرأة المسلمة " ، أما محتواها فكان إرهابا فكريا تكفيريا بحتا . و تلك هي محصلة زواج المتعة السياسي ، بين المؤسسة العسكرية و المؤسسة الدينية ، إنها الدكتاتورية في أشد صورها فجاجة و قبحا .

4 : الجيش (الأمازيغي) الليبي
و علاوة على منزلق التحالف مع تيار السلفية المدخلية (التكفيري) ، فكم هو مؤسف في الخطاب السياسي لـ (حركة الكرامة) ، جنوحه الشديد إلى تبني النزعة العروبية الشوفينية .. الضريرة ! ذلك أن مؤسسها و قائدها الجنرال خليفة حفتر ، لا زال يعيش سياسيا - و ربما أيديولوجيا - في أجواء ستينيات القرن الفائت ، غارقا في أوهام العروبة و القومية العربية و الوطن العربي ! و من ثم فهو يصر على أن يسمي قوات عملية الكرامة ، التي يقودها في شرق ليبيا - بما فيها ميليشيا السلفية المدخلية - باسم : القوات المسلحة " العربية " الليبية !
فهل تتكون القوات العسكرية و التشكيلات القتالية المعسكَرة ، التي يقودها الجنرال حفتر ، من (العرب) حاملي الكود الوراثي / الجيني العربي (J1) ، دون سواهم ؟! وهل يخلو جيش حفتر من العسكريين الأمازيغ (بمن فيهم الامازيغ المستعربون) ، زائدا التوارق .. وهم أيضا أمازيغ ، و التبو ، و بقية الليبيين ذوي البشرة السوداء بالجنوب ؛ فضلا عن الليبيين المنحدرين من عشرات الأعراق الوافدة - عبر التاريخ - على الأرض الليبية ، و الذين اندمجوا ، بعشرات الآلاف ، في النسيج الديموغرافي الليبي ؛ مِن إغريق (قريتلية) و عبرانيين و رومان و أتراك و شركس و كورد و كورغلية .. إلخ ؟!
و كما لا زال الجنرال حفتر يعيش بعقلية الملازم - الناصريّ أو البعثي - الذي كانَه في ستينيات القرن الفائت ، فإن القناة الفضائية الخصوصية ، الناطقة بلسان عملية الكرامة ، تصر في كل نشراتها و برامجها الحوارية ، على تعريب الجيش (الوطني) الليبي .
فأية لحمة أو أية عصيدة وطنية ، تلك التي يتشدق بها القومجيون الشوفينيون العروبيون الجهلة بحقائق التاريخ ، سواء في شرق ليبيا أم في غربها ؟!
ألآ يحق للأمازيغ - إذن - أن يدعوا الجنرالات و الضباط و الجنود الأمازيغ - سواء الناطقون منهم بما تبقى من الأمازيغية أم المعرّبون - إلى التفكير (جديا) في تأسيس الجيش (الأمازيغي) الليبي ؟ أليس الأمازيغ ، هم أهل البلاد الأصليون ، و هم الأولى ببلادهم من العناصر السكانية الوافدة ، بما فيها الأقلية العرقية العربية غير النقية ؟!
أفلا يحق للأمازيغ ، و هم الأغلبية السكانية (عِرقيا) ، أن يردوا بنفس منطق الغلو القومجي : حذارِ حذارِ أيها الأعراب ، أحفاد البدو الغزاة الدواعش . و حذارِ أيها المعرَّبون ، المنتزَعون من هويتكم الليبية الأمازيغية الأصيلة ! إنكم توغلون بعيدا في التنكر للوطن الليبي و استفزاز مشاعرنا الوطنية الليبية ، و توغلون بعيدا بعيدا في الافتئات على التاريخ و الواقع . فهذه بلادنا ، و نحن أهلها . و ما العرب في ليبيا - الحالية - إلا أقلية عِرقية ، كغيرهم من الأقليات العرقية المتليّبة . و تذكروا ذلك جيدا ، فلكل فعل رد فعل .
على أنه بدلا من دعاوى و شعارات العروبة الزائفة ، التي لم و لن يكسب منها الليبيون - و لا غيرهم من أدعياء العروبة - شيئا ؛ فإن الأولى وُجوبا و ليس اختيارا ، هو إفراد الولاء و الانتماء للوطن الليبي ، و إجماع كل الليبيين - بشتى أصولهم العرقية - على شعار وطني واحد هو : ليبيا أولا ، و اشتراط أن يكون ذلك أولوية مطلقة ، فيما يخص العقيدة العسكرية للقوات المسلحة (الوطنية) الليبية .

5 : لا جيش في الغرب الليبي
أما في الغرب الليبي عموما ، و في العاصمة طرابلس خصوصا ، فلا وجود (حقيقيا) لجيش وطني ليبي ؛ ذلك أن الميليشيات المسلحة ، و بخاصة الميليشيات الإسلامية المؤدلجة ، بما فيها السلفية المدخلية ، هي القوة المسيطرة على الأرض ، تتبادل الحماية و الاحتماء مع سلطة الأمر الواقع ، و تتقاسم معها الغنائم (الاعتمادات المستندية / نموذجا) . و هي القوة التي تمتلك السلاح الثقيل و المتوسط ، و تحتل معسكرات الجيش ؛ في حين أن الفكر السلفي المدخلي ، صار يشكل أساس العقيدة العسكرية لبعض من كتائب الجيش النظامي - و لا أقول الجيش الوطني - و ضباطه و قادته ، حيث إن عددا من الوحدات و الكتائب العسكرية القوية و المعروفة في طرابلس و مسراتا و الزنتان و صبراتا .. و غيرها ، صارت تتبنى فكر السلفية المدخلية ، أو هي تنتمي أيديولوجيّاً إلى تيار الإسلام السياسي ، بمختلف فصائله (الإخوان المسلمون ، الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة ، الدعوة السلفية ...) ، في حين تنحاز أعداد من كبار ضباط الجيش ، إلى تيار جماعة الإخوان المسلمين المعزز أيديولوجيا بالسلطة الدينية لدار الإفتاء ، حتى إنه ليس من النادر أن ترى ضابطا بزيه العسكري و برتبته الكبيرة ، يظهر على شاشة إحدى قنوات الجماعة و تشكيلاتها الحزبية متعددة اليافطات ، مؤيدا لتوجهها السياسي و خطها الإعلامي ، المعارض لنزع سلاح الميليشيات و إنهاء وجودها الفوضوي ، و المحرض ضد وحدة المؤسسة العسكرية النظامية (الجيش) ، إلا أن يكون جيشا إخوانيّ العقيدة العسكرية .
و في فسيفساء التشكيلات المسلحة ، سواء العسكرية منها أم الميليشياوية أم المختلطة ، و سواء ذات الولاءات الجهوية منها أم الإسلامية ، المسيطرة على الغرب الليبي ، و المتناحرة فيما بينها ضِمن صراعات السلطة و النفوذ و الغنائم ؛ يبرز التيار السلفي المدخلي ، كقاسم مشترك بين عدد من أقوى الوحدات و الكتائب العسكرية و الميليشيات المسلحة ، و منها : جهاز مكافحة الجريمة في مصراتا ، و الكتيبة 604 مشاة في سرت ، و قوة الردع الخاصة في طرابلس ، و كتيبة أبي بكر الصديق في الزنتان .
و على سبيل المثال ، فإنه في بيان أصدرته كتيبة أبي بكر الصديق - بتاريخ 11 يونيو 2017 - قالت إنها قد قررت إخلاء سبيل سيف الإسلام القذافي : " امتثالا للشريعة الغراء و الشرعية ، و ما انبثق منها من أوامر .... طبقا لقانون العفو العام الصادر من البرلمان الليبي الجهة الشرعية و وليّ الأمر " . أنظر الرابط
http://www.libya-al-mostakbal.org/88/25196
فوفقا لكتيبة أبي بكر الصديق في الزنتان - و حسب عقيدتها السلفية المدخلية - برلمان طبرق ، هو وليّ الأمر ، (راعي) حمى الإسلام و المسلمين ، في إمارة ليبيا الإسلامية . و نحن الشعب الليبي ، لسنا مواطنين ، بل (رعايا) ، يجب علينا (شرعا) أن نمتثل لمشيئة برلمان طبرق و رئيسه الحاج عقيلة صالح ، فنسلم له الأمر في كل كبيرة و صغيرة ، بدءً من السطو على المال العام - راتب 16000 دينار لعضو البرلمان مثلا - و انتهاء إلى ما هو كائن من سياسات الإفقار (المنظم) لشعبنا ، و التدمير الشامل (المدبر) لاقتصاد و كيان بلادنا .
و تطابقا مع القيادة العامة للقوات المسلحة " العربية " الليبية ، في المنطقة الشرقية (برقة) ، قام الجنرال آمر المنطقة العسكرية الغربية ، بتوجيه رسالة رسمية - 28 يناير 2017 - يرجو فيها من الداعية السعودي (السلفي المدخلي) أسامة بن عطايا العتيبي ، التكرم بزيارة المنطقة الغربية ، لغرض إلقاء بعض الدروس و المحاضرات ، تعميما للفائدة المتوخاة من الدورة الدينية لعملية الكرامة (!) . أنظر الرابط .
http://www.libya-al-mostakbal.org/88/15137/
على أن المؤشر الأسوأ دلالة سلبية ، بمنظور قيام دولة المؤسسات ، هو انحسار دور القادة العسكريين (الرسميين) ، و فقدانهم حق ممارسة الصلاحيات المخولة لهم قانونا ؛ حيث لم يبق لهم - واقعيا - من أمر القيادة و السيطرة شيء ، غير حمل الرتبة و الصفة .. شكلا بلا محتوى ، في مقابل تعاظم دور و نفوذ قادة الميليشيات ، و حضورهم القوي الفاعل على الأرض . حتى إن أحدا من الجنرالات العسكريين ، بكل رمزية ما يحمل فوق كتفيه و على صدره من نياشين ، لا يملك أن يصدر أمرا أو أن يحرك ساكنا لقائد ميليشيا مدني ، انتزع لنفسه - بقوة الأمر الواقع - رتبة ملازم أول .
غير أنّ حكومة الكومبرادور ، التي مكنها الدعم الأجنبي ، تحت غطاء اتفاق الصخيرات ، من السيطرة على العاصمة طرابلس ؛ راعت في تطبيقها الانتقائي للترتيبات الأمنية ، بذكاء التجار الشطار ، أن تحافظ على ماء وجه جنرالات الجيش ، فجعلت تبعية أمراء الميليشيات و قواتهم الضاربة - عديدا و عدة - لوزارة الداخلية ، بدلا من الإدماج في الجيش النظامي و التبعية لوزارة الدفاع .

6 : أين صارت الترتيبات الأمنية ؟
و بصرف النظر عن أنّ اتفاق الصخيرات ، المعيب شكلا ، و المطعون فيه موضوعا ، قد سقط قانونيا و نهائيا ، اعتبارا من 17 / 12 / 2017 ، و لم يعد يصلح حتى كإطار توافقيّ عُرفيّ - افتراضيّ - لحل أزمة الصراع الهمجي الدموي ، على السلطة و المال ، في ظروف الغياب التام لثقافة الديمقراطية ، بمفهومها الليبرالي الغربي ، المتناقض كليا مع معطيات الواقع الاجتماعي الليبي المتخلف .
فإن الترتيبات الأمنية ، التي يحاولون تطبيقها خارج إطارها الزمني ، برعاية و تحت إشراف المندوبة الأميركية السامية ، السيدة ستيفاني ويليامز ، نائب الممثل الخاص (لأمين عام الأمم المتحدة) للشؤون السياسية ؛ تجري باتجاه تثبيت الوضع القائم في العاصمة طرابلس ، لإعادة إنتاج نظام الغنائم و دولة الميليشيات و حُكم الكومبرادور . و من ذلك على سبيل المثال و باختصار :
- التعيينات (الترضوية) نقلا من المجالس العسكرية الجهوية و القبلية ، إلى مواقع قيادية في الدولة : تعيين عضو المجلس العسكري و عضو مجلس الشورى لمصراتا ، وزيرا للداخلية . و تعيين رئيس المجلس العسكري للزنتان ، قائدا للمنطقة العسكرية الغربية . و تعيين آمر كتيبة ميليشيا الحلبوص في مصراتا (التي غيروا اسمها إلى الكتيبة 301 مشاة) ، قائدا للمنطقة العسكرية الوسطى .
- شرعنة التشكيلات المسلحة غير النظامية (الميليشيات) القوية و المسيطرة على العاصمة ، بإعادة تدويرها ، لتصبح وحدات أمنية تابعة - شكليا - لوزارة الداخلية ، و صرف رتب عسكرية - دون تأهيل مهني - لقادتها المدنيين . مع احتفاظ الميليشيات بأسلحتها المتوسطة و الثقيلة ، بدلا من نزع تلك الأسلحة و تسليمها للقوات المسلحة النظامية .
- تشكيل قوة عسكرية ضاربة ، باسم قوة حماية طرابلس ، تتكون من اتحاد التشكيلات المسلحة المسيطرة على العاصمة . و الغريب في هذه القوة الأمنية ، المنضوية - اسميا - تحت إمرة وزارة الداخلية ، أنها تمتلك من الأسلحة الثقيلة كالدبابات و المدفعية و الصواريخ ، ما لا يمتلكه الجيش النظامي في كل الغرب الليبي .
- تصرُّف رئيس المجلس الرئاسي ، خارج القانون ، بأصول المؤسسة العسكرية ، بما يصب في مصلحة المضاربين العقاريين و سماسرة المقاولات و الكومبرادور ، على نحو ما وقع لمقر الكلية العسكرية للبنات (بعد هدمها) ، و معسكر النقلية ، و معسكر السابع من أبريل ، بتسليم كامل مساحاتها لصندوق الإنماء الاقتصادي ، تحت ذريعة إخلائها من الميليشيات .
و الملاحظ في الترتيبات الأمنية سالفة الذكر ، أنها قد تمت بالمخالفة لنصوص البنود ذات الصلة ، من اتفاق الصخيرات ، و بالأخص فيما يتعلق بكيفية إدماج عناصر التشكيلات المسلحة غير النظامية ، في الجيش و الشرطة و الأجهزة الأمنية .

7 : المراهنة على الجنرال الجوع
نخلص مما سبق عرضه إلى النتائج التالية :
- لا استعداد مطلقا لدى أطراف سلطة الأمر الواقع ، أن يتخلوا طواعية عن المواقع التي احتلوها .
- لا استعداد مطلقا لدى الميليشيات ، أن تفهم بغير لغة السلاح و القوة الغاشمة .
- لا بديل (واقعيا) عن فعل تغيير ثوري ديمقراطي شعبي ، لإعادة صياغة الحياة تقدميا ، فوق الأرض الليبية .
- لا وجود (حقيقيا) لجيش وطني ليبي ، يمكن التعويل عليه في تلبية نداء الشعب و الوطن ، و استعادة هيبة الدولة .
- لا وجود (فاعلا) لحركة سياسية منظمة ، مؤهلة لقيادة الجماهير الغاضبة ، باتجاه استعادة مبادرة التغيير الثوري الديمقراطي .
- و لا يبدو أن جموع المفقَرين المجوَّعين ، قد تتوفر على وعي و إرادة الثورة ، إلا عندما يبلغ بها الجوع درجة انفجار الغضب و اللاعودة .
فهل لم يبق سوى تفويض الأمر إلى الجنرال (الجوع) ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر