الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنمية والثقافة، أي علاقة؟ -الجنوب الشرقي المغربي نموذجا-

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2019 / 1 / 2
حقوق الانسان


التنمية والثقافة مجالان متلازمان يستصحب أحدهما اﻵخر ويستلزمه. فالتنمية في حاجة إلى الثقافة والثقافة في حاجة إلى التنمية توفر لها بعض الإمكانيات .وكثيرا ما ثبت من خلال بعض المشاريع الحاصلة والجارية أن التنمية الاقتصادية لما تفشل في إنشاء حياة ثقافية وفنية ورمزية يعتريها النقص. وحينما يجري الاهتمام بالثقافة وحدها في غياب التطور في ميادين الاقتصاد والسياسة الاقتصادية، يحصل، في الغالب، الركود والثبات. وإنه باستحضار التاريخ الحديث ينجلي الضباب والعتمة والغموض في العلاقة بين الثقافة والتنمية. وحسبنا أنه في روسيا القرن التاسع عشر نمت الثقافة، فعلا نجم تولستوي ودوستويفسكي، لكن التخلف، تخلف التنمية، هو السائد، وظل الاستبداد المستنير سمة روسيا وقتها. وقبل ذلك، نسجل أنه ما كانت أوروبا أكثر تقدما من حضارة شعوب اﻷزتيك والمايا والإنكا يوم اكتشاف أمريكا، وما كانت لتقضي على هذه الحضارات لولا توافر الأوروبيين على الأسلحة النارية وعلى القوة الاقتصادية المادية.
إن فصل التنمية عن الثقافة صعب إن لم يكن مستحيلا . وفي عصرنا الحاضر حصل إطلاق على العقد الزماني ما بين 1988 و1998 اسم العقد العالمي للتنمية الثقافية. ولا غرو، فالعقد المذكور حمل مضمونه من خلال إجراء الإحصاءات في هذا المجال وتحديد الموارد الثقافية. وفي بحر ذاك العقد انعقد مؤتمر فيينا سنة 1993، فكانت مناسبة لرسم مسار التعدد اللغوي والثقافي. ومنذ وقتها برزت إستراتيجية دمج الثقافة في السياسة التنموية في ارتباطها بالعلم، والثقافة العالمة، أو البيئة، أو السياحة، أو الثقافة غير العالمة، أو ما يود البعض أن يسميه الثقافة الشعبية المادية، وغير المادية.
لقد ولى زمان باتت فيه التنمية تقاس بالمؤشرات الرقمية الكمية، وطلع فجر عصر وسعت التنمية المجتمع والثقافة، فظهر مفهوم التنمية البشرية، ومفهوم التنمية المندمجة، ومفهوم التنمية المستدامة (إلى حد ما)، والتنمية المجالية، والتنمية الثقافية التي ترتكز على الدور البارز للثقافة في تحصيل تنمية شاملة للإنسان، والمجموعات البشرية. وفي المغرب طفق الاهتمام بالثقافة يتطور تدريجيا. فقبل سنة 2011 التي يجمع الكل أنها تشكل منعطفاً تاريخيا حاسما ، نشطت الجمعيات الثقافية وأضحت تركز على المفهوم العالم للثقافة، وضمنه الفن واﻵداب والسينما. وإلى جانب النشاط الثقافي للجمعيات نظر إلى التنمية من الزاوية الاقتصادية التي تغفل بالطبع الثقافة، أو تربطها في أحسن الأحوال بالتعليم. وفي نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، بدأت مراجعة دور التعليم، فكان المراد المبتغى منه، بقطع النظر عن مدى تحصيله، الانخراط في مشروع مجتمعي، فضلا عن نشر المعرفة العلمية. ولما ارتبط البعد الثقافي بالتنمية طفت التنمية البشرية على السطح، وكانت التنمية الثقافية شرطا مصاحبا للتنمية الاقتصادية، شرطا ضروريا. ويستخلص من ذلك كله أن التنمية تستغرق ثلة من الحقوق الإنسانية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق المدنية والسياسية. وفي تلك الأثناء، وفي بحر العقد الأول من الألفية الثالثة برز بشكل واسع الحديث عن الديمقراطية بما هي سلوك وقيم، فكانت المناداة بانتهاء أسطورة ممارسة الديموقراطية بدون ديموقراطيين متشبعين بالقيم الديموقراطية. وبموازة ذلك فتح المجال للأشغال على محور الديمقراطية التشاركية والديمقراطية المجالية.
ولئن كان المغرب قد توفق في فتح بعض الأوراش المغلفة بالبعد القيمي والثقافي والحقوقي، من ذلك ورش الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، والخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمبادرة الوطنية في التنمية البشرية، وشرع في مأسسة حقوق الانسان، وخاصة ما يرتبط بالجانب الثقافي والقيمي، مدونة الأسرة، وقانون الجنسية، وإصلاح القانون الجنائي، ولئن كان المغرب قد توفق بفضل آداء المجتمع المدني في كشف النقاب عن الوجه الحقوقي، بما هو مجتمع متعدد ومتنوع، فإن كل تلك المبادرات محجوزة لم تأت أكلها، ولم تحقق قطيعة فعلية من كم إلى كيف، أو ببساطه من وضع يقاس بالمؤشرات الرقمية الكمية إلى وضع آخر، مندمج يتقاطع فيه المادي مع الثقافي الرمزي.
ويعول الكل على التغيرات التي طبعت سنة 2011 والمتجلية فيما يلي:
- ظهور تقرير مقترح الجهوية الموسعة الذي لا يستغرق فقط مقترح التقطيع الجهوي وحده بل يلمس مجالات أخرى كالتنمية المستدامة، والديموقراطية المحلية، والديمقراطية التشاركية، دون إعفال الوحدات السوسيومجالية المتجانسة، أو المعبر عنها بأحواض الحياة الاجتماعية المتجانسة.
- إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان معززا ومدعما بآليات جهوية ذات صلاحية واسعة.
- صدور دستور مصدق يوم الفاتح من شهر يوليوز 2011 والذي حمل فصولا ومواد ذات ارتباط بالديموقراطية التشاركية، وحقوق الإنسان، وضمنها أيضا التعدد اللغوي والثقافي، مما يدفعنا إلى الاعتناء بعامل الخصوصية الثقافيه ذات القوة الفائقة في الجنوب الشرقي المغربي على الخصوص، ومنطقة الريف على سبيل المثال. ذلك أن أي إستراتيجية تنموية لا تستقيم على طرق حسنة ما لم تدمج الخصوصية الثقافية المحلية واللغوية (اﻷمازيغية على سبيل الإشارة).
ويعد الجنوب الشرقي، وخاصة حوض كير، مجالا لائقا لملامسة علاقة التنمية بالثقافة. فإذا كانت الثقافة ضرورية لإقلاع التنمية، مادام الوسط بكرا، أو بالأحرى مهمشا يعاني من تخلف التنمية، بصريح العبارة، فقد كثرت اللحظات التي تعرقل فيها البنيات التقليدية المغلقة التنمية البشرية، وحقوق الإنسان، من ذلك وقع الأعراف على التسيير المؤسساتي، أو التنافر بين المؤسسات العرفية والمؤسسات الاجتماعية الحديثة. وللإعراف وقع على مدونة الأسرة، وكثُر ما يلتهم فيه الإثني الثقافي، وكثر ما يفرغ الثقافي الفعل التنموي من مضمونه.
هنالك وجب الانطلاق من الثقافي لتدوينه والتعريف به وتصحيح مساره ليلتقي بالتنموي، فتصح العلاقة بينهما، والعمل على توظيف الثقافي لخدمة التنموي استئناسا بتوصيات الندوات التنموية والثقافية التي استحضرت مجالات متعددة ذات ارتباط بالجنوب الشرقي، الأرض الجماعية، المحيطات المنجمية، موارد الماء، التصحر، السياحة الثقافية....إلخ.
ومن جانب آخر يزخر گير الأسفل بموقومات ثقافية كثيرة يمكن استثمارها في التنمية من ذلك، والبدء مستحسن في الاعتناء بالتراث الشفاهي. لذا وجب التعجيل بما يلي:
- تعميق تجربة إقليم الرشيدية في جمع التراث الشفاهي، التي أشرف عليها اتحاد كتاب المغرب، فرع الرشيدية، لتشمل كل موضع قبيلة ذوي منيع، وأيت سغروشن.
- ظهور بعض الدراسات ذات ارتباط بالتراث الشفاهي بمنطقة گير .
- نمو الاعتناء بالذاكرة والوعي المتحفي ونمو الممارسة المتحفية بالمنطقة.
والغاية من ذلك تحقيق ما يلي:
-- الاعتناء بالهويات الثقافية في إطار التعدد الثقافي والإثنوغرافي بتدوين تقاليدها وأعرافها.
- تدوين الأعراف، المضمنة لجرعات من القيم الحقوقية بعد تثمينها والتعريف بها، أملا في استثمارها وتثمينها وتوظيفها في ضمان الولوج إلى بعض الحقوق الطبيعية.
- المساهمة في كتابة التاريخ الشفاهي بالجنوب الشرقي والعمل على الحفظ الإيجابي للذاكرة الجماعية.
لقد نما الإحساس بكون الثقافة مدخل للتنمية، وبرزت مواسم ومهرجانات تحمل التنمية والثقافة، بما هما وجهان لعلمة واحدة، لكن الجنوب الشرقي المغربي جهة ينقصها التنسيق والالتقائية، مما جعل مسير التنمية والثقافة متعثرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال