الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى ميلاد الفيلسوف الشركسي جباغ قازانوقة.

امين حافظ
(Amin Hafez)

2019 / 1 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ذكرى ميلاد الفيلسوف الشركسي جباغ قازانوقة.

تمر هذه الأيام الذكرى 333 لولادة المفكر والمصلح الاجتماعي الشركسي جباغ قازانوقة، الذي ترك عبر كتاباته وأفعاله وسرده الشفاهي الفطن إرثاً فكرياً وثقافياً إنساني النزعة وأثر بشكل فعال في تعديل منظومة الدستور الشعبي أو منظومة العادات والتقاليد والأعراف الشركسية أو ماسمي بالدين الشركسي، ومن أقواله:
-يقول لي الناس، جباغ ماهي برأيك العادات والتقاليد والأعراف الشركسية؟
فأجيب بكلمة واحدة: الإنسانية.
-الدين هو الشيء الذي تدخل فيه وتخرج منه متى تريد بسلام.
-الإنسان هو أثمن وأسمى شيء في الحياة وهو في قداسة مطلقة.
-العمر الحقيقي للإنسان هو مدة بقاء العقل والجسم سليمين.
-لاتوجد أفعال وأعمال صغيرة، بل يوجد رجال صغار،زرع البصل عمل جيد وفعل عظيم لإنسان كبير مقابل إنسان صغير لايعرف سوى القتل والغزو والسلب واستعباد الناس.
-لاتكن أول من يضرب ولاترحم من يضربك.
-سأله الناس: ما رأيك بالإنسان؟ فأجاب: الإنسان وحده يخلق من نفسه إنساناً، والإنسان هو الذي يبدع الإنسان.
-العقل هو مصدر الدراسة والتوجيه وهما تتوفران طرداً مع توفر القيم الجمالية والأخلاقية لدى الإنسان وتمسكه بالعادات والتقاليد النافعة والإيجابية.

أهم مقومات فطنة قازانوقة هي قوة شخصيته الشعرية الملحمية وخطابه الشفاهي الطلق والمركز وحكمته وشجاعته، وقد نجح بها إقناع الناس والمجالس القبليةالشركسية بإلغاء أعراف الثأر والثأر المضاد بالقتل واقترح بدلاً عنه نفي القاتل وأسرته إلى خارج حدود أراضي القبيلة لمدة محدودة أو إلى الأبد، وقدم لهذه الأمور طروحات فلسفية أكثر حكمة وإنسانية.
كان جباغ يطرح افكاره على الناس ويناقشها معهم طويلاً خلال جولاته، حتى يقنعهم فسماه الناس رجل الشعب وصاحب الفطنة، ثم لقبوه بالحكيم والفيلسوف المفكر.
قدم قازانوقة صياغات وحلول لمسائل اجتماعية معقدة عانت منها القبائل الشركسية وتراكمت ما بين القرنين /12 _ 17/ م، لكن بعضها صار فناً من الفنون النارتية التي تهتم بالإبداع القومي الشفاهي الذي يرتكز على الفطنة وتأخذ طابع القصص الخفيفة والقصيرة التي تحمل معاني فلسفية واجتماعية مبسطة للناس.

البناء الفلسفي الأخلاقي عند جباغ ومفهومه للإنسان هو نوع من التجريد الفلسفي لكنه غير حقيقي، أما العمل والفعل فهما جزآن هامان من منظومة جباغ الجمالية والأخلاقية وعبرهما يتم التعمق لإدراك وفهم الإنسان كظاهرة فذة وشاذة. ظاهرة الفعل تحمل عند المفكر قازانوقة بعداً ملحمياً ومثله التصرف لأنه فعل مستقل ومقدس بذاته تماماً مثل قداسة الإنسان ويقصد بها حرية التفكير والإبداع والحرية الشخصية، وهو أيضاً تجريد فلسفي يريد منه المفكر إعطاء أولوية الفعل النشط على مجرد التروي والتأمل وانتظار الفرج، وبنى عليها جباغ تصنيفات للثنائيات الضدية والأعمال المترادفة المعاصرة على غرار ما جاءت في أسطورة نارت الشركسية وفسر معانيها الفلسفية والاجتماعية.

كتب جباغ عن جوهر فلسفته الحياتية حيال تصرف الفرد تجاه ذاته وتجاه الآخرين، كما أكد على ضرورة تبادل الأفكار عبر الحوار باعتباره أسلم وأفضل أسلوب سلمي للتواصل لرفع مستوى الوعي الاجتماعي.
عانى المفكر قازانوقة كثيراً من ظلم وتحرش الأمراء والنبلاء الذين سادوا في النظام الإقطاعي_ الأميري ذو الهياكل التنظيمية الاجتماعية الحادة والقاسية والحواجز بين الطبقات ، والتي قادت أكثرية القبائل الشركسية وقتها للتفسخ والتحلل واستمرار نمط حياة الغزو والحرب والسلب وأسر العبيد وبيعهم ، وعادات النزال الفردي بالتحدي حتى الموت بين الفرسان وخاصة لأنه كان لقيطاً ومن طبقة دونية لاقيمة لها اجتماعياً.

يظهر قازانوقة في كتاباته كمصلح اجتماعي وكانت معظم أفعاله و أقواله بمثابة تطهير للقيم والأخلاق والدستور الشعبي الشركسي ( أدغه_ خابزه) غ: ج مصرية_ خ مخففة، وأحياناً كان يظهر كمصلح للأمزجة الاجتماعية السلبية.
بدل جباغ خلال حياته أكثر من /100/ قانون قبلي وأعراف وتقاليد وكلها بالبرهان والإقناع وأفكاره كانت تعبرعن فلسفة الضرورة خلال المنعطفات الاجتماعية _القبلية الحادة في الحياة السياسية الشركسية وقال فيها:
لا تستحضر الماضي أبداً، رجل يراعي ويفهم زمانه هو جدير بالاحترام.

شكلت أفكار جباغ ومواقفه الجريئة خطراً على المصالح الأنانية للأمراء والنبلاء الإقطاعيين والملاكين الكبار الذين امتهنوا الغزو والسلب والأسر وبيع العبيد وقاومهم عبر خطبه وأقواله وأفكاره التي كانت تبدو غريبة في زمانه لكنها كانت صحيحة لذا احترمه الناس واعتبروه بمثابة البطل الأسطوري النارتي (نصف الإله) لأنه كان قوي التنبؤ وذو فطنة عالية وتصرفات عقلانية وهو متين البرهان في زمن كان فيه الوعي الاجتماعي متدنياً والإنسان مايزال يعيش حالة القرون الوسطى وعلى ذكريات الماضي فتراجع الدستور الشعبي وصار معظمه ذكورياً يلبي تطلعات ومصالح الأمراء والنبلاء والفروسية الذكورية الفجة والعنجهية الفارغة، كما تزايدت الشعوذة والخرافات والسحر والفتوات السلفية الظلامية التي كان المللات والقضاة الشرعيون الأتراك يقفون وراءها وخاصة بعد إلغاء المجالس القبلية وتحويل كل أعمالها للمحاكم الشرعية التي ألقت الأحكام وفق الدستور الشعبي الشركسي واستبدلته بالأحكام الشرعية الإسلاموية، وتزايدت وقتها الطقوس الدينية الرجعية وتضخمت العقلية الفردية المقرونة بالحدود الطبقية التي حددت المكانة الاجتماعية لكل فرد ومساحة تصرفاته وصلاحياته وفق الدور المسموح به لطبقته، وشمل ذلك معظم قوى الشعب وطبقاته المعدومة وخاصة الفلاحين الأحرار والفلاحين المحررين حديثاً والعبيد الأقنان والعبيد خدم البيوت، أما الأمراء والنبلاء فقد عاثوا في الأرض فساداً وكان المفكر والمصلح الاجتماعي قازانوقة يمثل بالترادف ماجاء في أسطورة نارت الشركسية دور الفارس البطل نصف الإله النارتي الذي كان يتصدى للآلهة ويناضل ضد جبروتهم واستبدادهم للبشر وتمثلوا بالأمراء والنبلاء والإقطاعيين الكبار.



من كتاب (أسطورة نارت الشركسية)
قيد الإنجاز تأليف

أمين حافظ

2019/1/5








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن