الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكثر من نصف جسمك ليس بشراً

منير المجيد
(Monir Almajid)

2019 / 1 / 20
سيرة ذاتية


«هل يقضي الرسول حاجته؟». هكذا طرحت سؤالي على والدتي حينما كنت طفلاً، مُتجرّئاً على الإفصاح عن أفكاري الصغيرة، وقبل أن أتعرّف على مقولة: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ.
لا أتذكّر ردّة فعلها. ربمّا نهرتني قليلاً، لأنني اعتديت على هالة الأنبياء القدسية.

اليوم تذكّرت سؤالي ذاك، مما قادني إلى البحث في مجال لا أعرف عنه الكثير، حتى لو قمت بقراءة مئات الكتب والأبحاث: البكتيريات.
أجسادنا مليئة بالبكتيريات، وهذا لا يشمل الكائنة في فضلات الطعام فحسب. الطعام الذي نقيم به الأفراح والإحتفالات والولائم ولا يكتمل جمعٌ دونه ونتلذّذ بتناوله، يتحوّل، كما هو معروف، إلى بقايا نتنة مُقرفة.
يا للخسارة.
ما سوف يلي ليس للأرواح الرقيقة. فقط للتحذير.

هدفت دراسة جديدة نُشرت في مجلة bioRxiv إلى إعادة النظر في الأبحاث السابقة التي أُجريت في السبعينات قائلة أن أعداد البكتيريا في أجسامنا قد تصل إلى مائة تريليون. وقد حُسب ذلك من خلال قياس كمية البكتيريا في غرام واحد من البراز، على أساس أنها موزّعة بالتساوي في الجهاز الهضمي عبر القناة الهضمية. مُقابل هذا يُعتقد أن جسم الإنسان يحتوي على عشرة ترليونات خليّة، معظمها خلايا الدم الحمراء. دراسة المجلة الجديدة أكّدت، في تحدٍّ واضح، أن البكتيريا لا تنتشر بالتساوي عبر القناة الهضمية بل تتركّز في أغلبها في القولون. ومن هنا فإن تركيبنا الجرثومي هو بمقدار الثلث وليس العشر تناسباً مع خلايانا.
هل هذه أخبار مريحة؟ لست واثقاً.
«أكثر من نصف جسمك ليس بشراً» كما يقول العلماء.
هذا لا يشمل البكتيريا فقط، بل الفيروسات والفطريات والعتانق أو البَدْئِيَات أو الأًصليات أو فوق مملكة الأثريات أو مجمل الكائنات الحية التي ساء تصنيفها كبكتيريا. صحيح أن معظمها يتواجد في الجهاز الهضمي، إلّا أنها تكثر على جلودنا وتحتها، في أفواهنا، في وعلى أعضائنا التناسلية (خبر غير سار للذين يتيهون بالقبل والممارسات الجنسية الفموية المستوحاة من الشرائط الإباحية)، علاوة على وجودها من حولنا، في الهواء الذي نتنفّسه، الطعام الذي نتناوله، والأشياء التي نلمسها. هل تعلم، مثلاً، أن هاتفك الذكي أو جهاز الريموت كنترول قد يكونا أشدّ تلوّثاً من مقعد التواليت؟
الجيوش الجرّارة التي تستعمر أجسادنا، وبالرغم من أسمائها المُفزعة، ليست سيئة بالكامل، بل أن معظمها ضروري، فهي تحمينا من الأمراض والعدوى، وتعمل على سيرورة الدورة الدموية وعمليات هضم الطعام المُعقّدة، وهي أيضاً في حرب دائمة مع الجزء المُؤذي.
وكما في أي حرب تقليدية، ينتصر دوماً طرف على طرف آخر، وتتبادل الأدوار فيربح الجيد حيناً والشرير أحياناً. وهنا يأتي دور الطب والعقاقير.
لقد كانت المضادات الحيوية واللقاحات هي الأسلحة التي تم إستعمالها ضد أمراض مثل الجدري والمتفطرات السلية أو MRSA.
كان هذا شيئًا جيدًا وقد تمّ إنقاذ ملايين الأرواح.
لكن بعض الباحثين يشعرون بالقلق من أن هجومنا على الأشرار قد ألحق أضراراً لا حصر لها بـ "البكتيريا الجيدة".
صحيح أن الطب أدّى عملاً بديعاً في القضاء على الكثير من الأمراض المُعدية، لكن الزيادة في أمراض المناعة والحساسية تُعدّ مُرعبة.
والمعروف أن هجومنا على الأشرار تمثّل في اكتشاف المُضادّات الحيوية (الأنتيبيوتيك)، والذي أسرف الأطباء في وصفه للمرضى دون معرفة آثاره اللاحقة، لأن البكتيريا حصّنت نفسها وقويت في مقاومة الأدوية مؤخّراً، مما قد يتسبّب في موت مئات الملايين، إن لم يفلح العلماء في إيجاد حلول للكارثة المُقبلة.
حتى أن مفهوم تناول الدواء لعدة عقود كان محصوراً بتناول المضادات الحيوية، ومن منّا لم توصف له من قبل الأطباء، أو حتى الصيادلة.
عند إفتتاح صيدلية «الحايك» في السبعينات أو مطلع الثمانينات، كان والد الصيدلاني المُتقاعد، يُساعد إبنه (شقيق صديقنا الفنان حنّا الحايك) بوضع الأدوية، التي كانت معظمها مُضادات حيوية طبعاً، في الأكياس وإستلام النقود. وكان قبل أن يدس علبة الدواء في الكيس، ينظر إليها ويقول للزبون «دواء ممتاز، لقد جرّبته بنفسي».
«أبو حسن» المُناضل الشيوعي، صار عنده تسعة أطفال خلال عشر سنوات من زواجه، بين فتيات وفتيان، لأنه كان يُجامع زوجته بعد كل زيارة لنادي العمال، فذهب إلى الدكتور «دارا عارف» يستشيره. «إما أن تتوقف عن مجامعة زوجتك أو تجعلها تتناول حبوب منع الحمل». قال الدكتور دارا. أبو حسن لم يفكّر للحظة في المسألة. «الحبوب».
ذهب إلى صيدلية الحايك. «دواء ممتاز أبو حسن، لقد جرّبته بنفسي». فقال أبو حسن متعجّباً «هذه حبوب منع الحمل يا أبو حنّا».

مهلاً، هناك، إستطراداً، خبر جيد قبل أن نُصاب بالهلع، فالطب الجرثومي في مراحله المبكرة الآن، ويعتقد بعض الباحثين أن مراقبة الميكروبات الخاصة بنا سوف تصبح حدثاً يومياً قريباً يوفر منجماً ذهبياً من المعلومات حول صحتنا.

دعوني، رغم فسحة الأمل، أعود إلى الجانب غير المريح.
نحن، كبشر، من أقذر المخلوقات لأسباب لا تُحصى. إذا لم نذكر أسلوب حياتنا الذي سوف يدمّر الأرض التي نسير عليها وتُفسد الهواء حولنا، وتلوّث مياه الأنهار والبحيرات والبحار والمحيطات. يصعب صيد سمكة في البحار تخلو من بقايا مادة البلاستيك مثلاً. هذا إن لم أتطرّق إلى الحروب الوحشية التي نخوضها ضد بعضنا البعض.
بسبب هذا الكم من البكتيريات والجراثيم، فإننا لو امتنعنا عن الإستحمام عدة أيام فإن رائحة أجسادنا ستنفر الآخرين، بسبب تكاثر البكتيريا والفطريات التي يفرزها التعرّق والدهنيات. المخلوقات الاخرى لن تُصاب بالنتانة مثلنا. إن لم نفرشي أسناننا عدة مرات في اليوم فإن رائحة فمنا ستصبح كريهة جداً بسبب تكاثر البكتريا الفوري، وهذا لن يُؤثّر على رائحة فم قطّتك أو كلبك بنفس الوتيرة. رائحة غائطنا مُقرفة بالمقارنة مع رائحة مخلفات الحيوانات. قد يقول قائل أن الحيوانات تعتمد غذاءً لا يتنوّع كما غذاء الإنسان. صحيح، لكن الشمبانزي، الأقرب إلينا جينياً، يتبع نظاماً غذائياً متنوعاً أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس