الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريطانيا ومأزق الانفصال عن الاتحاد الأوروبي

علي عبد الرحيم العبودي
باحث عراقي مختص في الاقتصاد السياسي

2019 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لقــــــد بني الاتحـــاد الأوروبي الذي كان يسمى (المجموعة الاقتصادية الأوروبية وقتذاك) فــــــي أعقـــــاب الحـــــرب العــــالمية الثانية كوسيلة من أجل التخلص مـــن إرث الصــــراعات العنيفة التي امتدت لقــــــرون عــــــدة داخــــل أوروبا , وأن ظهور دول قومية والطموحات المتنافسة لتلك الـــدول قد أدت دوراً رئيساً فــي حربين وحشيتين مما دفع بالأوروبيين لتبني سياسة التعاون الـــدولي كأســــاس لنظــام سياسي واقتصادي جــديد , وهـو نظام كان يجب حمايته بأي ثمن .
ولم يسمى الاتحاد الأوروبي بهذه التسمية إلا بعد معاهدة ماستريخت عام 1992، إذ مرّ التكتل بمراحل عدة من عام 1951 حتى بلوغه صفت وشروط الاتحاد عام 1992، ولم تكن بريطانيا عضو مؤسس للاتحاد الأوروبي بل كانت فرنسا وألمانيا ودول البنلوكس (هولندا، بالجيكا، والكاسمبورغ) العرابين لهذا الاتحاد . انضمت بريطانيا رسمياً إلى الاتحاد في عام 1973، بعدما واجهت رفض لمرتين من قبل فرنسا ، ومنذ انضمامها للاتحاد الأوروبي اندمجت مؤسساتها الاقتصادية وخضعت لقوانين وللوائح الاتحاد ، وأفاد الاتحاد من بريطانيا كما افادت بريطانيا من الاتحاد . (للمزيد يُنظر: علي عبد الرحيم العبودي، الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي: الأبعاد السياسية والاقتصادية، دار الدكتور للعلوم الاقتصادية، بغداد: 2019).
وعلى الرغم من ذلك وبعد (43 عــامــاً) مــن انضمام بريطانيا إلـى الاتحاد الأوروبي وما حققته بريطانيا من مزايا من هذا الانضمام , إذ صوت الشعب البريطاني على قـــــرار تاريخي لهم وهـــو الخــروج من الاتحاد الأوروبي , وذلك عبر استفتاء شعبي في 24 حزيران/يونيو عام 2016, حيث أعلنت اللجنة الانتخابية النتائج النهائية للاستفتاء , التي تمثلت بغــــالبية نحو (52%) لصـالـــح الخـــــــروج مــــــن الاتحـــــــاد الأوروبي, مقابل نحو (48%) عبروا عن تأييدهم للبقاء داخل الاتحاد ، وبهذا بدأت المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بمجرد اخطار المادة (50) من معاهدة الاتحاد ، والتي تنص على مدة عامياً من التفاوض بين الطرفين لاستكمال الانسحاب بشكل نهائي ، والمقرر انتهائها في 29/مارس/2019 .
ومع قرب هذا التأريخ ، وبعد الجولات الطويلة من المفاوضات بين الاتحاد وبريطانيا ، التي دامت أكثر من 17 شهراً ، يتأزم الموقف بشكل أكبر ، وذلك للانقسام الكبير داخل المملكة المتحدة بشكل عام ، والحكومة البريطانية بشكل خاص ، وذلك يعزى للخلاف بين فريقين اولهما يرغب في الانفصال عن الاتحاد بشكل نهائي ، والثاني يرغب في البقاء داخل السوق الأوروبية المشتركة وعدم الابتعاد عن أوروبا . ويُعد مجلس العموم البريطاني الميدان الرئيس لحسم هذا الخلاف .
وبعد رفض مسودة الاتفاق الذي قدمته رئيسة الوزراء (تريزا ماي) من قبل مجلس العموم بأغلبية ساحقة ، إذ رفض (432) عضواً الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة مع الاتحاد الاوروبية ، مقابل (202) عضواً ايدوا الاتفاق من اصل (650) عضواً ، هذا النتيجة تدل على ثقل كفة انصار الانفصال على حساب انصار البقاء عبر اتفاق ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى يبين مدى الخلاف الكبير داخل الحزب الحاكم وعدم سيطرة الحكومة وعلى رئسها (تريزا ماي) على مجريات الأمور . وينبغي الاشارة هنا إلى اهم ما جاء بمسودة الاتفاق الذي قدمته الحكومة لمجلس العموم ، حيث تضمن الاتفاق (585) صفحة عالج فيها مسائلة الحدود بين ايرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا وجمهورية ايرلندا احد اعضاء الاتحاد الأوروبي ، إذ نص الاتفاق على عدم وضع اي قيود حدودية بين الجانبين ، كما نص الاتفاق على وصول بريطانيا للسوق الاوروبية دون رسوم مع تطبيق لقواعد الاتحاد الخاصة بالسوق على بريطانيا وعدم مشاركتها في قرارات الاتحاد الأوروبي ، فضلاً عن حرية تنقل البضائع ورأس المال والخدمات والعمالة بين الطرفين . (للمزيد عن المسودة يًنظر الموقع الرسمي للمفوضية الأوروبية)
وعلى وفق ذلك يتأزم المشهد خاصة على بريطانيا التي وضعت نفسها ومن حيث لا تدرك موضع المتحير ، ففي الوقت الذي يراقب فيه قادة الاتحاد الأوروبي مجريات الاحداث في العالم بشكل عام ، وتلك التي تخص ملف انفصال بريطانيا بشكل خاص ، تقف الحكومة البريطانية موقف صعب بين ما يوافق عليه الاتحاد الأوروبي وما يوافق عليه مجلس العموم البريطاني ، فالاتحاد الأوروبي يمارس عمله الدولي بوجود بريطانيا أو دونها ، فإذا توصلت بريطانيا لاتفاق يجعلها داخل الاتحاد الأوروبي سيكون ذلك بمثابة اضافة للاتحاد الأوروبي ، وإذا قررت بريطانيا الانفصال نهائياً عن الاتحاد سوف لن يكون هذا الانفصال ذو تأثير كبير على الاتحاد . أما بريطانيا ووفق المعطيات الاقتصادية سوف تتأثر بشكل كبير في حال خروجها من الاتحاد دون اتفاق ، ولا يقتصر التأثير على الاقتصاد باعتبار نصف الانتاج المحلي البريطاني يذهب إلى أوروبا ، بل سيرافق ذلك فوضى سياسية وتشريعية كبيرة ، سياسية بسبب الخلاف في الرأي والتوجه بين الاحزاب السياسية ، وتشريعية بسبب الحاجة إلى تشريع قوانين جديدة تحل محل قوانين الاتحاد الأوروبي الكثيرة . وتبعا لذلك سوف تواجه الحكومة البريطانية برئاسة (تريزا ماي) أهم تحدي وهو الوصول إلى اتفاق يوافق عليه الاتحاد الأوروبي ومجلس العموم قبل يوم 29/مارس/2019 أو بعد طلب فترة التمديد المقترحة .
وبخلاف هذا سوف يتعقد الأمر ويتجه بأحد الاتجاهات الاتية : أولهما- سحب الثقة عن الحكومة وهذا يتوجب انتخابات جديدة ، والثاني-هو طلب انتخابات مبكرة من قبل رئيسة الحكومة نفسها ، والثالث –استقالة ماي وتنصيب شخص اخر من قبل المحافظين ، والرابع اجراء استفتاء على الاتفاق المقترح ، وخامساً وأخيراً هو اجراء استفتاء شعبي ثانٍ بخصوص عضوية بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي . ويبقى السؤال هنا عن ماهية الاتفاق الذي يرضي الطرفين؟ . هذا ما سوف تخبرنا به الايام القادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان