الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تنحرف الاحتفالات والتقاليد الاجتماعية عن مسارها

عبد الحسين العطواني

2019 / 1 / 21
المجتمع المدني


عندما تنحرف الاحتفالات والتقاليد الاجتماعية عن مسارها
د. عبد الحسين العطواني
نص الدستور العراقي على أن الإسلام دين الدولة , وينص القانون على أن لا يتناقض برنامج الدولة مع التقاليد والقيم الدينية , ويقينا أن تفرض التطورات العامة وقضايا العصر نفسها على الجميع .
ولا شك أن من أولويات الأديان السماوية تنظيم الشؤون والعلاقات المدنية وتقديم الحلول والأدوات التي تساعد المجتمع المدني على ممارسة نشاطه الحضاري والعمراني والتعايش بين أفراده على اختلاف أطيافهم ومنطلقاتهم العقيدية على أسس العدالة والمساواة والسلام والخير والتكامل .
كما إن الحرية الكاملة في التفكير وفي الاختبار وفي الاعتقاد وفي الممارسة يجب أن تكون مكفولة وإلا تعكر اتجاه ذلك الإيمان وتحوله إلى نفاق والى رياء والى ادعاء كاذب لا يقبله الله , وتطبيق الدين بناء على هذه القاعدة الثقافية والريائية يصبح ضربا من خداع الفرد وتحايله على مجتمعه .
وعلى هذا تبرز اليوم في المشهد العراقي مواقف وآراء وتوجهات متضاربة ومتصارعة في شأن بعض ممارسة الطقوس الاجتماعية والدينية , تسيرها الأهواء الشخصية والنفسيات المختلة والإسقاطات التاريخية الخاطئة والتأثيرات الثقافية لدرجة أن الدين العلمي الرصين والملتزم الذي يجد ما يؤيده من الحقائق العلمية والعقلانية ومن البدهيات المنطقية والفلسفية بات عند هؤلاء المصابين بمرض الجهل وانطفاء الهوية شيئا خطير ومنبوذا ومناوئا للدين ومتناقضا مع جوهره ومفاهيمه ومضامينه ومقاصده ووظائفه الأخلاقية والحياتية .
لذلك فان ضرر الجهل الذي لا يستند إلى أرضية علمية أوالى مبررات أخلاقية أو مسببات منهجية في القيم والمبادئ أو المصالح بان هؤلاء على حق وان ما يقع خارج مزاجهم النفسي والعقلي والإدراكي على باطل , لا بدافع البحث عن الصواب والانحياز إلى جانب الحق , بل تماديا في ارتكاب أي فعل أو تبني أي موقف يتصادم أو يتعارض مع القواعد والمبادئ التي يجهلها ولا يريد أن يحول جهله بها إلى معرفة فقط .
وعليه فان هذه الإمراض لا تكون أمراضا وآفات وأوبئة عادية لأنها لا تصيب البناء الجسدي للفرد , بل تصيب تكوينه العقلي والنفسي والروحي , وتصيب نمط المجتمع الثقافي وخطه الفكري والثقافي .
ما نريد أن نشير إليه من هذه الإمراض أو الحالات الموبوءة ظاهرة احتفالات الشعب العراقي بما يسمى بأعياد رأس السنة الميلادية التي تجاوزت اللامعقول في السلوكيات وفي التصرف دون أن يكون هنالك وازع أخلاقي أو ديني أو وطني وبالحد الأدنى إنساني يحول دون ذلك , فقد كانت الاطلاقات النارية تطلق بشكل عشوائي ومكثف راح ضحيتها العديد من الأبرياء , وأصوات الألعاب النارية سببت الاستياء والإزعاج لآلاف من المرضى والمصابين وكبار السن , رافقتها حالات غريبه وغير مألوفة نقتلها بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي , منها قيام احد المحتفلين بتقديم الخمر إلى طفله وتشجيعه باحتساءه أمام حشد غفير من المواطنين في كيفية غريبة من نوعها ونافية ومخالفة لأبسط قواعد السلوك والأعراف والتقاليد الاجتماعية , وتعاليم الديانات السماوية , الإسلامية وغير الإسلامية , والأخرى قيام النائبة وحدة ألجميلي بإطلاق العيارات النارية في الهواء , بتصرف يوحي عن استخفاف بل اختراق متعمد للأنظمة والقوانين التي يفترض عليها كممثلة للشعب أن تكون نموذجا للالتزام بها وتطبيقها.
لذلك فان هذه الحالات تمارس نمطها الحياتي الجديد في قوالبها المشوهة اللامنتمية إلى جذورها وأصولها العقيدية والثقافية والشروع في نقل العدوى لسائر أفراد المجتمع , كما لا نريد الخوض ببعض الأمراض والآفات الاجتماعية والتربوية والسلوكية , التي تأخذ شكل نشر الجريمة والتحريض على العنف والترويج للإباحة وللفاحشة وللانحلال والاستهزاء بأخلاقيات العفة والشرف والأمانة والالتزام , ومن أعراضه اعتبار الآسرة أو البيت سجنا إراديا , والتحريض على انتزاع السلطة الأبوية واعتبار الأبوين مجرد آلتين غيبيتين وظيفتهما زيادة انفراد الآسرة .
وهكذا أصبحت الضوابط والقيود الأسرية والاجتماعية في المجتمع العراقي شيئا من خرافة الماضي الغابر, واضحى العرض والشرف الرفيع يباع ويشترى بالشهرة والمنصب والمال , وأصبح بيت الأسرة فندقا يأوي أفراد متناثرين لا رباط بينهم إلا سجل الهوية , وتفتت الأسرة الكبيرة إلى أشباح ترتبط وتتواصل وتجتمع ولكن بالعناصر التي تألفها في الأسواق , وفي أماكن العمل واللهو , أكثر مما تتواصل وتجتمع بأعضائها الذي ترتبط بهم بصلة الدم والرحم والقربى .
ومع ذلك فأن أزمة الانحطاط تمادت إلى ماهو ابعد من ذلك , فأصبح المدني يتبنى أي أفكار أو منتجات يستوردها من المجتمعات الغربية , لا لأنها أفكار أو منتجات حضارية تناسب البيئة العراقية وتدفعها إلى الصعود , بل انحرافا عن الدين الذي لم يتم الحفاظ على مكتسباته العاطفية والوجدانية , ومنتجاته وأساليبه التي تداخلت في كثير من الأحيان مع ماهو اقرب إلى الخرافة والشعوذة , ومنها الاحتفالات المشار إليها والتي يظن البعض بأنها شيئا في التحول الاجتماعي , لا وفقا لإرادة وطنية , ولا تفاعلا مع قيم اجتماعية , الآمر الذي أدى إلى إحداث تصدعات خطيرة في البيئة الاجتماعية وانسحبت على قيم التراحم والتكامل والمساواة , وعلى طريقة أزياء وملبوسات بعض النساء العراقيات بحيث أصبح من الصعوبة بمكان التمييز بينها وبين غيرها من الشعوب الأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب