الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْتَغْيِيْرُ وَاَلْمَطَاْمِعُ اَلْخَاْرِجِيَّةُ فِيْ اَلْسُّوْدَاْن ..!

فيصل عوض حسن

2019 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



يبدو أنَّنا لم نُدْرِك بَعْدْ أطماع العالم الخارجي، أو المُجتمع الدولي/الإقليمي، أو الأشقَّاء وغيرها من المُسمَّيات، في السُّودان ومُقدَّراته المُتنوِّعة واستكثارها علينا. فمنذ انطلاق الحِرَاك الشعبي مُنتصف ديسمبر الماضي، وكثيرٌ من السُّودانيين يتسابقون نحو (العالم الخارجي)، بالمُذكِّرات والمُناشدات والبيانات المدعومة بالصور ومقاطع الفيديو، لإثبات بَشَاعة وقَسَاوَة المليشيات الإسْلَامَوِيَّة ودَمَوِيَّتهم، وكأنَّ ما يُسمَّى مُجتمع دولي وإقليمي يَجْهَلْ جرائم المُتأسلمين المُتَطَاوِلَة ضد السُّودان وأهله.
تَنَاسَى غالبيتنا، وجود الأقمار الصناعيَّة وأذرع التَجَسُّسِ المُختلفة، الذين ينقلون/يُوَثِّقون (بدِقَّةٍ ووضوح) كُلَّ ما يحدث في العالم أوَّلاً بأوَّل، حيث تقوم الدول الكُبرى بفَلْتَرَة تلك الأحداث وتطويعها لخدمة أهدافها ومَطَامِعها حسب الحالة، إنْ لم نقل تَصْنَعها من العدم، وتَقَاسُم (الغنائم) في ما بينها، وفق اتفاقاتٍ وأدوارٍ معلومة، وهذه حقيقة لم تعد (خافية) لمن يُنْكِرْ ضوء الشمس! وبالنسبة للسُّودانُ، فقد عَانَى كثيراً من الإجرام الإسْلَامَوِي طيلة الـ30 سنةً الماضية، ولم يَتْرُك المُتأسلمون جُرماً إلا وارتكبوه، ودونكم ما جرى بدارفور والمنطقتين من إجرامٍ غير مسبوق أو مشهود حتَّى في حِقبة المُستعمر! حيث مَارَسَ البشير وعصابته أبشع صور الإبادة والجرائم ضد الإنسانيَّة، كالاغتيالات والاغتصابات الجماعيَّة والفرديَّة وحَرْق القُرى والحَواكِير، وتشريد الآلاف من المُواطنين ونهب مُمتلكاتهم، ورَدْمِ آبارِ المياه وتدمير المَزَارِعِ والحقول البُستانيَّة، والضربِ بالبراميلِ المُتفجِّرةِ والأسلحةِ الكيماويَّة، وغيرها من الجرائم التي تَقْشَعِرُّ لها الأبدان.
جميعها كانت جرائم واضحة، ولم يُنكرها حتَّى المُتأسلمون أنفسهم بدءاً بالبشير، الذي أقَرَّ (صوت وصورة) بِسَفْكِ دِمَاء الآلاف، ومع هذا تَرَاخَى (المُجتمع الدولي/الإقليمي) بكافَّة مُؤسَّساته العَدْلِيَّة والإنسانيَّة، ولم يتحرَّك إلا عقب مُمَاطلاتٍ طويلة، حيث أحَالَ مجلس الأمن القضيَّة للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، التي طَالَبَت باعتقال البشير وبعض أفراد عصابته منذ 2009، وما يزال البشير يتقافز من دولةٍ لأُخرى، وينقل إجرامه من الأطراف ليَعُمَّ كُلَّ السُّودان، بل وتصديره للخارج عبر الارتزاق في اليمن، والعالم بجميع مُؤسَّساته (يَتَفَرَّج)! وما القراراتُ الدوليَّة/الإقليميَّة المُتَتابعة إلا ذَرٌّ للرَّمادِ في العُيُون، ومُحاولة لِتَلَبُّسِ ثوب الإنسانيَّةِ والقانون، بينما يُساعدون (في الخفاء) البشير وعصابته لاستكمال (خيانتهم) الفريدة، وتفكيك وتمزيق وتذويب السُّودان ونهب وإهدار مُقدَّراته، بعدما وَزَّعوا الأدوار بينهم، حيث نجد الإدانات والعقوبات (الشكليَّة) الدوليَّة/الإقليميَّة، وفي ذات الوقت (الاعتراض) و(التراخي) في تنفيذ أيٍ منها، والثمن/المُقابل معلوم (اقتسام السُّودان) مروراً على جماجم أهله! وبعبارةٍ مُختصرة ومُبَاشِرَة، فإنَّ التَرَاخي الدَّولي/الإقليمي، مَرَدُّه (تلبية) البشير وعصابته لجميع (مَطَامِع) العالم الخارجي في السُّودان ومُقَدَّراته، دون تفكيرٍ أو تَرَدُّد، وهذه فرصة لن يجدها الطَّامعون لو (تَغَيَّرَت) أوضاعُ الحُكْمِ في بلادنا، لذلك نجدهم يدعمون بكل الوسائل (الظاهرة والمُسْتَتَرَة) بقاء هذه العصابة.
حينما ذهب البشير لروسيا مُبتغياً (حِماية) بوتين، كان من أهدافه (المُسْتَتَرَة) ضمان الدعم إذا ثار عليه السُّودانيُّون، مُقابل تلبية (المَطَامِع) الرُّوسيَّة وهذا ما حدث مُؤخَّراً. حيث أكَّدت روسيا، في 17 يناير 2019، على أنَّ القمع الإسْلَامَوِي للاحتجاجات الشعبيَّة (شأنٌ سُّودانيٌ داخلي)، ومجلسُ الأمن الدولي (غير مُفَوَّضٍ) لمُناقشة هذا الموضوع! وبعدها بيومين، تبعاً لصحيفة السُّوداني يوم 19 يناير 2019، وافقت روسيا على اتفاقيَّة تبسيط دخول سُفُنِها الحربيَّة للموانئ السُّودانيَّة، والتي قد يصل عددها لنحو سبع سُفُنْ حربيَّة، تَتَوَاجَد بمياهنا الإقليميَّة في وقتٍ واحد! هذا بخلاف ما رَشَحَ بشأن القاعدة العسكريَّة الروسيَّة المُزمع إقامتها بأراضينا، والتَوَاثُق مع بنك إنكرا الروسي لتمويل إنشاء (مُنتجعات سياحيَّة)، وفق ما أعلن والي البحر الأحمر في 18 مارس 2018، ورُبَّما هناك تَنَازُلاتٌ إسْلَامَوِيَّةٌ (خَفِيَّة) أكثر خطورة من الأمثلة التي ذكرناها. وبالنسبة لِفِرْيَة (الحِمَايَة) من الأمريكان، التي حاوَلَ البشير إقناعنا بها، فيفضحها تَحَالُف المُتأسلمين (الاستراتيجي) مع أمريكا، وتعاوُنهم (الوثيق) في أخطر المَلفَّات، وباعترافات الطَرَفين (المُوثَّقة)، ولقد تَنَاوَلْتَ هذه الأمور بالتفصيل، في عددٍ من المقالات آخرها مقالتَيَّ المُتتاليتين، (خَفَاْيَاْ اَلْعُقُوْبَاْتِ اَلْأَمْرِيِكِيَّةِ عَلَىْ اَلْسُّوْدَاْنْ)، و(مَنِ اَلْمُسْتَفِيْد مِنْ رَفْعِ اَلْعُقُوْبَاْتِ عَنِ اَلْسُّوْدَاْنْ).
كذلك الحال بالنسبة لما يُسَمَّى دول (الترويكا)، ففي الوقت الذي يَدَّعون فيه حِرصهم على قِيَمْ العدل والحَرِّيَّة والإنسانيَّة، ومُسَاءَلَة ومُعاقبة مُنتهكي هذه القِيَمْ، نجدهم يَتَعَاونون (خُفْيَةً) مع البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة، ويُنسِّقُّون معهم لتمزيق ما تَبقَّى من بلادنا، ويدعمونهم بملايين الدولارات/اليوروهات، لمُحاربة (الإرهاب) و(الإتجار بالبشر) حسب زعمهم! وهناك استهداف الموصوفين بـ(الأشِقَّاء)، لأراضينا ومُقدَّراتنا الوطنيَّة سواء بالاحتلال أو بالشراء، واحتضانهم للأموال التي نَهَبَها المُتأسلمون بمصارفهم ومَحَافِظِهمِ الاستثماريَّة. ولعلَّ آخر صور (غدرهم)، دَعْمهم للبشير وعصابته لتعطيل الحِرَاك الشعبي المُتصاعد، بدءاً بأدوات القمع كالعِصِي الكهربائيَّة والسيَّاراتٍ النَّوعيَّة والغازات المُحَرَّمة، مروراً بالأموال وشُحْنات النفط والقمح المُتتابعة، وانتهاءً بالامتناع عن إدانة الإجرام الإسْلَامَوِي السَّافر، والإيعاز لوسائل إعلامهم لتشويه الاحتجاجات ودَوافعها/مُتطلَّباتها الحقيقيَّة المشروعة. والأكثر (خَسَاسَة)، استغلال انشغال السُّودانيين بحِرَاكهم والمُسَارَعَة لابتلاع ميناءَنا الرئيسي ببورتسودان، الذي كتبنا عنه بالتفصيل الأُسبوع الماضي مقالنا (لِأَجْلِ هَذَاْ يُرِيْدُوْنَ اَلْبَشِيْرَ وَعِصَاْبَتِه)، وأكَّدت صحيفة برؤوت يوم السبت 19 يناير 2019، اكتمال التسليم الفعلي للميناء!
المُحصِّلة، أنَّ جميع هذه الأطراف (تُقَاوِم) اقتلاع البشير وعصابته ويفعلون المُستحيل لإبقائهم، فلا نَنخَدِعْ بإدانات البعض (الخجولة)، أو مُناشداتهم (الباهِتة)، التي لا تُغني ولا تُسمِن من جوع. وبدلاً عن مُلاحقة المُجتمع الدولي/الإقليمي ومُؤسَّساته، الذين لا يعلمون فقط جرائم البشير وعصابته وإنَّما يدعمونهم (سراً وجَهراً)، ينبغي على المُتخصِّصين والنَّاشطين السُّودانيين، تسخير طاقاتهم وخِبراتهم وعلومهم في ما يُفيد السُّودان وأهله فعلاً. وفي هذا الخصوص، يُمكنهم تقسيم أنفسهم لمجموعاتٍ مُتخصِّصة، لكل منها مهام وواجبات مُعيَّنة، على سبيل المثال مجموعة تُشرف على تجهيز (استراتيجيَّة) عِلمِيَّة وعَمَلِيَّة عامَّة للدولة، و(خِططها) التنفيذيَّة/التفصيليَّة ومُكوِّناتها وتكاليفها، لأنَّ السُّودانيُّين يحتاجون بشدَّة لمعرفة: ماذا سنفعل وكيف ومتى، منذ الساعة الأولى لاكتمال اقتلاع الكيزان. ومجموعة ثانية من المُتخصِّصين والنَّاشطين لدعم الحَرَاك الشعبي السَّاعي لاقتلاع المُتأسلمين، ومجموعة ثالثة لمُتابعة ومُراقبة مُقدَّراتنا الوطنيَّة ومَنْع تسليم أي منها للغير، وهكذا يكون العمل مُتوازياً ومُتوازناً في جميع المجالات والأصعدة في آنٍ واحد. والأهمَّ من كل هذا، عدم التعويل على العالم الخارجي في أيٍ من هذه المطلوبات، والاعتماد فقط على قُدراتنا الذاتيَّة، وهي كافية تماماً لبلوغ غاياتنا بكل سهولةٍ ويُسر، لو تَوفَّرت الإرادة والصدق والتَجَرُّد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اكذوبة المجتمع الدولي
عابد عقيد ( 2019 / 1 / 23 - 07:05 )
الاخ فيصل شكرا لهذا الحفر المهم
وكذلك حرب دارفور اشعلها المجتمع الدولي في العام 2003 كبديل لحرب الجنوب لطرد الاستثمار الصيني في السودان بحكم ان الصين قوة اقتصادية في مواجهة اقتصاد الغرب وتحديدا امريكا واصبحت الحركات المسلحة باكملها والحكومة بيادق في يد الغرب الذي من مصلحته بقاء هياكل النظام التي تخدم مصالحه الطبقية لذلك سعي مؤخرا لانجاز عملية الهبوط الناعم بالتغيير الشكلي علي رأس هذا التغيير البشير وعندما احس البشير بدأ التحرك تجاه محور المقاومة في المنطقة
بقيادة روسيا كقوة عدلية دولية وكسب الود الايراني من جديد كقوة عدلية اقليمية كي يعمل (باك آب) لظهره بعد تورطه في خدمة المجتمع الدولي الاستعماري ومن المعلوم تاريخيا ان روسيا منذ ايام الاتحاد السوفيتي ليست دولة ذات نزعة استعمارية بل العكس فهي الداعم الاساسي لقوي التحرر الوطني في العالم وحتي تصنيعها للاسلحة تعتمد بشكل اساسي علي الاسلحة الدفاعية فالتعاون التم مؤخرا لفتح مياه البحر الاحمر ارادت روسيا ان تخلق موازنة عسكرية في مواجهة الانفراد الامريكي المتمثل في السعودية / الامارات يقابله قوة عسكرية
لمحور المقاومة المتمثل في ايرا
وصل


2 - مواصلة اكذوبة المجتمع الدولي
عابد عقيد ( 2019 / 1 / 23 - 07:23 )
(هذا (البلنز
غاية في الاهمية بالنسبة للمنطقة التي انفردت بها امريكا منذ نهاية الحرب العالمية الباردة وهي خطوة محفزة ايضا بالنسبة لمحور المقاومة المنتصر في المنطقة في الحرب السورية مؤخرا ولكن ليس الحكومة السودانية الحالية من يسهم اسهام فعال في المنطقة نسبة لضعفها وعدم استقرارها في المواقف الدولية فهي متذبذبة بين هذا وذاك والثالث الموجود في الوسط قطر/ تركيا
بالنسبة لمعظم سودانيي الخارج تحديدا يغفلون عن التوازنات الدولية وفي مخيلتهم ان الحكومة السودانية هي الشر الاوحد وفات عليهم انها جزء من شرور الغرب الاستعماري لانهم بتعاملون مع القضية السودانية وكان السودان جزيرة معزولة عن قضايا المنطقة والعالم لذلك لا يتخيرون ادوات نضال وطنية منهم من يجهل ومنهم من يعلم ولكنه يلعب دور مرسوم ومدفوع الثمن .. نعم مدفوع الثمن .. وفي هذا المضمار سكب الحبر مطلوب
السودان تحكمه الليبرالية الجديدة وهم وبعض القوء السياسية في المعارضة بشقيها مدني
ومسلح ينطلقون من ذات الارضية ..... مواقف جبانة لا يغفرها التاريخ
السؤال المهم الذي يفرض نفسه بإلحاح
أي تغيير ينشدون ام هي لعبة كراسي والسلام ؟؟

كن بخير دوما

اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة