الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم من البارادوكس في ديوان ( دروب) للشاعر اللبناني سلمان زين الدين تقدمها الناقدة اللبنانية صفا أحمد شريف

عبير خالد يحيي

2019 / 1 / 22
الادب والفن


حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي
لجنة الذرائعية للنشر
الناقدة اللبنانية الأستاذة صفا أحمد شريف

عالم من البارادوكس في ديوان ( دروب) للشاعر اللبناني
سلمان زين الدين
دراسة نقدية ذرائعية بقلم الناقدة اللبنانية صفا أحمد الشريف

أولًا – المقدّمة:
السيرة الذاتية للكاتب :
الشاعر سلمان زين الدين، شاعر لبناني ولد في كوكبا قضاء راشيا سنة 1959، وتلقى دروسه الابتدائية في مدراسها، والمتوسطة في مجدل بلهيص الرسمية، أتم دراسته الثانوية والجامعية في العاصمة بيروت، مارس التعليم في المرحلتين الأساسية والثانوية، منذ العام 1978 حتى العام 1992، ثم انتقل إلى التفتيش التربوي، بعد فوزه بالمرتبة الأولى في المباراة الرسمية التربوية عام 1992، وما يزال يمارس المهنة حتى الآن.
شارك في تأليف كتاب {التربية الوطنية ولتنشئة المدنية} الصادر عن المركز التربوي للبحوث والإنماء، إلى جانب نخبة من المؤلفين، كما شارك بعدة أندية ثقافية، وجمعيات ، وقف على منابرهم، إما محاضرا أو ناقدا، و إما شاعرا، ونذكر بعضا منها: حركة الريف الثقافية، النادي الثقافي العربي، منتدى الربيع العربي، المكتبة الوطنية في بقلين، الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، بيت الزم في طرابلس، مركز الصفدي الثقافي، ... له عدة إصدارات شعرية ونقدية، نذكر منها: القناديل والريح، قفص الحرية، أقواس قزح، حين يروي شهريار، بلغني أبها الملك السعيد، كان يا ما كان، يا سادة يا كرام، ضماثر منفصله، و دروب المجموعة الشعرية التي نحن بصددها.... والكثير الكثير ...

ثانيًا- المستوى البصري و اللساني الجمالي External and Linguistic Level::

يضمّ هذا المستوى مداخل الجوانب العينية والمنظورة في النص، فالشكل في النص العربي في سباق مستمر مع المضمون من ناحية جمالية, وهو أحد سمات اللغة العربية التي تتميّز بها على اللغات الأخرى، والناقد المتمكّن هو من يجد التفوّق مرّة في الشكل وأخرى في المضمون, وأحيانًا يتوازى الاثنين بالجماليات المنظورة, ويبرز هذا الشأن في المداخل التالية :

1- المدخل البصريExternal Trend :
هذه القصائد نثرية، حديثة، يتفاوت عدد الكلمات في كل سطر، أقلها كلمة وأكثرها خمس كلمات، أما علامات الترقيم نجدها كثيرة، وذلك نظرًا لتدفق العاطفة الجياشة عند الشاعر : الفاصلة والنقطة ترتب هذه العواطف الضائعة ما بين الحزن والفرح، أما التساؤلات كانت فلسفية بامتياز :{ عندما تنشج في الريف المزاريب، شتاء، هل ترى تفعل هذا لرحيل عن ديار بارحتها أم هو الشوق براها لديار لم تطأها؟} الأسئلة تنقلت بين الفرح والحزن .{.أتراه فرحا ..أم بكاء؟؟} في قصيدة : {(حجر ) ..فلماذا نترك الظلمة تعمينا فنهوي في متاهات المكائد؟ وإلام الفتنة الكبرى ستبقى في مرايانا أميرة؟ ..فلماذا نتفانى وكلانا عمره طرفة عين في حسابات الوجود؟!} أما الأسئلة التي كتبها على لسان شهرزاد كانت منطقية ولبست ثوب الحكم:{ ما ذنوب الأخريات من النساء؟ فأي ذنب للعبيد؟ كيف، يا مولاي، تأخذ كل إنسان بفرد واحد أخنى عليه عريه البشري والأرضي، يوما، فارتدى غضب السماء؟ أين العدالة في القضاء على القفير لأن إبرة نحلة هوجاء تغرز في دمانا سمها؟ ..هل تؤكل الدنيا بلا شهد؟ وهل تتعطر الأيام من دون عبير؟} أما الجمل التعجبية : {كلانا عمره طرفة عين في حسابات الوجود؟! ....لن ينال الواحد الفرد سوى متريتدن لحدا، وحجر ! ...وعدت إلينا كتابا قميصا، ونعم القميص الكتاب!} نجدها قليلة إذما قارناها مع الجمل الاستفهامية، هي ثلاث فقط، أورد فيها الشاعر حسابات الوجود بالنسبة للإنسان، الذي لا يساوي إلا طرفة عين، ولن يناله من هذا الوجود الذي يعيش فيه هذه الطرفة سوى لحد وحجر يكتب عليه اسمه، عمره قصير ويمضي بسرعة، وسيرحل ..لكن يبقى هناك الآثر ..سيعود قميصا، كتابا قميصا. ضمّن الشاعر كلامه حكم ونصائح ودعوة للجِد والعمل في هذا الوجود كي يبقى الأثر مفيدا لباقي البشر، كي تستفيد من هذا الكتاب العظيم الذي تضمن خبرة الإنسان لأخيه الإنسان .

2- المدخل اللساني للنصLinguistic Trend :

القصائد غنية بالألفاظ الجميلة والجمل والتراكيب البسيطة في الظاهر، بينما في الداخل نجدها محملة بالدلالات العميقة، وهذا ما كنا نقرأه من العناوين في بداية كل قصيدة قبل الغوص بها: ( دروب، شهريار،إغراء، الأمين الخائن، تشكيل، لا شيء يدعو للقلق، كنز دفين، عندما، مذكرات غيمة، الصدى الأخضر، حجر، عاصفة، الكرسي، مهرجان، نجوم، إياب، هدى، صور) العناوين كانت مباشرة وواضحة الدلالة والمعنى ، بعيدة عن الغموض والترميز. أما الصور الشعرية عنده كانت كثيرة، تداخل المجاز والتضمين والانزياح لرسم هذه الصور التي عبرت عن المشاعر والعواطف بدقة: {كثيرون مروا، ووحدي بقيت. وسوف يمر سواهم، وأبقى. سيمحو الزمان جلال القصور ويطوي المكان جمال الوجوه، وأبقى لأشهد محو الزمان، وطي المكان، وسخف البشر} . هل هناك أجمل من هذه الصورة التي امتدت منذ زمن قديم وحتى الحاضر وستمتد للمستقبل ، هو الكرسي، وما يتضمنه من سلطة ومنصب وقوة وتسلط ، كان في القدم ولم يزل ، اللذين جلسوا عليه زالوا واحدا تلو الآخر ..وسسبقى ليرى زوال البقية وزوال الكون وطي المكان ..ليشهد سخف البشر وتمسكهم بشيء مادي، وبحثهم وطموحم للاستحواذ عليه لينعموا به وكأنهم آلهه ...ما يلبثوا أن يدركوا أنهم عبيد للسلطة وعبيد للمال وللقوة ..وينسوا أنهم بشر وعمرهم قصير وحتما سيرحلون يوما ما عن هذا الوجود الفاني

القصائد غنية بالتراكيب المتنوعة، امتزجت الجمل الأسمية والفعلية لرسم الصور، فكانت الغلبة للأفعال الفعلية وهذا دليل على حركية النص :
تلوح جمار نأت عن رماد الزمان
تقيني قليلا غوائل برد
يجوس المكان
ويدهم في كل حين طريقي
أمد..أقطف ..أشد ..فأبقى
الأفعال التي اختارها الشاعر هي أفعال مضارعة يدل فيها على الواقع ويستشرف المستقبل .
أما الجمل الإسمية تنوع المسند فيها، تارة جاء ضميرا منفصلا وتارة اسما ظاهرا.
نحن الأخوة الأعداء
هم يسلكون دروبهم
هو ينام ملء جفونه
هم بنتمون إلى تراب
أنا سجين الأين
الأيام أهدرها

المركبات تمازجت بين المركب الإسنادي ( تتدفق الأيام )، والمركب الإضافي ( في بحر الزمان)، ( من دنان الوقت) ، و للمركب النعتي ( الرياح الهوج)، ( للعروس الارض) .
أراد الشاعر توضيح ..شرح ..تفسير كل مايراه في هذا الواقع من منظور الجميع مع تحميل المعنى دلالات جديدة ، وتأويلات لا حصر لها .
تفنن الشاعر في استخدام البديع والبيان :
في البديع امتزجت المحسنات المعنوية واللفظية عند الشاعر: :
الطباق*
الظلمة#النور / الأسود #الابيض = طباق حقيقي بين اسمين .
أضحك #أبكى/ يغني #يبكي/ تعطينا #تمنعنا/ تكتبنا #تمحونا / نهدم# نبني = طباق حقيقي بين فعلين .
لهن#عليهن
أما غرضه كان التعبير عن الحركة النفسية للشاعر والصراع بين ماهو كائن وما يحب أن يكون

.الجناس*
: الخضير-المصير / الكبير _الخرير/صوته_صمته الزمان - الذوبان/ الغصون_ العيون/ جناس غير تام .
الإقتباس*
أما في علم البيان نجد الاستعارات والتشابيه قد أخذت مداها بالإضافة للمجاز والكناية الصور .
- -أجنحة النعاس / شبه النعاس بالطائر وذكر أحد اعضائه الأجنحة، وهي ترفرف كما يرفرف النعاس بين عيني الإنسان، ولهذا يكون تشبيه مؤكد مفصل .
--عندما الساقية المغناج تنساب كأفعى/ شبه الساقية بالأفعى ووجه الشبه هو الإنسياب والتحرك ببطء وهدو. تشبيه مرسل مفصل .
_اعتاد الأعالي مثل نسر / تشبيه مرسل مفصل، شبه الأمين بالنسر في علوه وعظمته- .


- فانا نهاري كامن في داخلي كالدر يكمن في المحار/ تشبيه، شبه فيه الشاعر النهار الذي في داخله أي الأمل والحب ..المحرك الأساسي كالدر أي اللولو الذي نجده في المحار .والجامع بينهما الإثنان يلمعان والإثنان يختبيئان في الداخل .

*الإستعارة /:
-تنهض من موتها الذكريات
استعار فعلا النهوض والموت من الإنسان، وحذفهما فكانت استعارة مكنية .
-ترقص الريشة، واللون يغني / استعار فعلا الرقص والغناء من الإنسان فكانت استعارة مكنية لان المستعار منه هو الإنسان وهو محذوف
-عصفورا يلون دفتر الأيام/ استعار فعل التلوين من الإنسان وشبه الأيام بالدفتر، نفتحه صفحة وراء صفحة
_البحر ما ينفك يفتح قلبه لتصب فيه / وهل للبحر قلب؟-
-هي الأيام تعطينا ..وتمنعنا ..وتكتبنا وتمحونا وترسم حول أعيننا أخاديد / وكأن الأيام أما تعطي وتمنع وتكتب وتمحو وترسم، استعارة مكنية

*المجاز : شتاء يزرع الريح على كل المحاور /مجاز عقلي علاقته زمانية، اسند الفعل زرع للشتاء وهو مسند غير حقيقي، الشتاء هو زمن الزرع.
هم ينتمون إلى تراب عاجز: مجاز في كلمة تراب، أصل الإنسان من تراب والعلاقة بينهما علاقة تاريخية وماضوية
تمتطي النهر إلى البحر الكبير: مجاز علاقته مكانية، حيث أن الركوب يكون على سفينه فوق النهر، النهر هو محل السفينة.

الكناية *
-تعرت غصون الحياة : كناية عن نهاية الحياة ، الحياة كالشجرة في آخر أيامها تتعرى من أغصانها
تتدفق الأيام : كناية عن التسارع في الأيام -

*بالإضافة الى النداء:
يا حلوتي / يا أخي في الخلق / يا ناره وجع الرحيل!..

استخدم الشاعر عدة رموز دينية منها( اقتباس):
¤القميص، وهو قميص يوسف عليه السلام وهو كنز أجداده ألبسته إياه جدته وبقي معه وأرسله لأبيه فارتد بصيرا، استخدمه الشاعر بمعنى الخلود : واغسل قميصك باللجين .. وفي موضع آخر قال : إن الخيانة طعمها مر كطعم الطعنة النجلاء في الجسد القميص. وفي موضع آخر قال للشيخ إياب :عدت إلينا كتابا قميصا ونعم القميص كتاب . رغم اختلاف المكان الذي ذكرت فيه نجدها تحمل دلالة الخلود والبقاء، وأن الخيانة لا تنسى تبقى في الجسد على مر السنين وهي ممتدة منذ القدم وحتى الآن ، أما بقوله للشيخ إياب أنك عدت قميصا ..أن الإنسان إذا رحل يبقى الآثر ...هذا الآثر سيخلد إلى أبد الأبدين .وسيتحول إلى كتاب ليقرؤه كل مريد .
¤الكهف : أيقظتني من نومة الكهف : الكهف رمز ديني ذكر في القرآن الكريم، وهو دليل على النوم الطويل الذي يمتد من زمن إلى زمن . كما ارتكز على عدة مفردات استقاها من الطبيعة ، ثلج ورياح وماء ونبع وبحر . ضمنها عدة معان بالإضافة إلى معناها الحقيقي ، ومن هذه المفردات يمكننا التنبؤ ببيئة القصيدة، الشاعر ربما كان يسكن في منطقة جبلية ، في الطبيعة البكر، يشاهد تساقط الثلج وانسياب السواقي والأنهار، امتزج في الطبيعة وغاص بأعماقها فأثر ذلك على شعره وقصائده.

ثالثًا – المستوى النفسي Psychological Level:

3-المدخل السلوكي: Behaviorism Theory


الأدب هو نوع من سلوك الإنسان، ينم عن أخلاقه وثقافته، في المدخل السلوك سنقوم على البحث عن الإشكاليات والجدليات التي أثارها الشاعر ونرى كيف حلها . طرح الشاعر عدة تساؤلات فلسفية كما مر معنا، حزن وفرح / أمل ويأس/ حب وخيانة/ ..، خلال تساؤلاته ظهر متفائلا، محبا، متحملا للمسؤولية، ملتزما بقضايا مجتمعه، مؤمنا بربه، واثقا بنفسه : (أنا مذ ساوى التحليق أجنحتي، ونادتني التلاع الشم كي أحظة بصهوتها، أحاول ما يحب الله من إتقان أعمالي، وأسعى كي يكون الصعب مرآة لأحوالي .) _ويقول في موضع آخر : ( إخوة نحن،على كثرتنا،في النور والمصدر واحد ). يظهر الشاعر على درجة من الثقافة والوعي متقبلا للآخر، لأن المصدر واحد، فكلنا أخوة، ثم يعود ويطرح سؤالا فلسفيا ليعمل العقل ويحفزه على إدراك واقعه، قائلا : (فلماذا نترك الظلمة تعمينا فنهوى في متاهات المكائد؟ وإلام الفتنة الكبرى ستبقى في مرايانا أميرة؟) _يدعو جميع بني البشر إلى الوعي ويحثهم على نبذ المكائد للقضاء على الشر الذي من شأنه التفريق بين الأخوة والأبناء، والعيش في ظلمة القتل والحقد والدمار .

أما الجدليات التي أثارها :جدلية الخير والشر / جدلية الموت والحياة/ القرب والبعد . ابتعد عني قليلا كي أراك فقليل القرب لا يخفي شذاك، واقترب مني قليلا لترى وجهك في مرآة وجهي فأنا لست سواك، وكلانا قبس من شعلة الروح ومرآة صقلية، فإذا ما أنعم الواحد منا الطرف في مرآة غيره، سيرى الروح الأثيلة . ( وفي موضع آخر ) أمنا الارض ونحن،الإخوة الأعداء، يفني بعضنا بعضا، ونريق العمر في حرب النجوم . وغدا ، حين نلبي دعوة الأم إلى الحضن الرؤوم، زتنادينا مواعيد القدر، لن ينال الواحد الفرد سوى مترين لحدا، وحجر!

4-المدخل الاستنباطي :Inference and Empathy Theory

ساق إلينا الشاعر عدة حكم ومواعظ، نراه تارة يظهر كالشيخ المعمم وتارة أخرى كالحكيم وتارة كالمصلح الاجتماعي...وفي مواضع نراه قد حمل لواء التجديد، وقد ظهر ذلك بقوله : {للآخرين دروبهم وخطاهم العجلى على تلك الدروب ولي خطاب ولهم شيوخ طريقة، كل يقلد شيخه، عبر الزمان، وليس لي شيخ سواي.} *أما ظهوره كالشيخ المعمم آمرا الناس بالمعروف كان عندما انتقده أحد العارفين بقوله :{ إلى متى سأظل أحمل سلمي بالعرض والأيام أهدرها على أمر بمعروف ونهي عن هوى منكر؟؟} * أما المواضع التي ظهر فيها حكيما تارة ومصلحا تارة آخرى، عندما تحدث عن الرضا والقناعة على لسان شهرذاد:{ فدع الهواجس والوساوس جانبا، وانظر إلى ما أنت فيه من نعيم الملك، يا مولاي، واعزف عن فراغ الكأس من عنقودها، وانظر إلى القدح الجمام....} *كما تحدث على مر الخيانة: {إن الخيانة طعمها مر كطعم الطعنة النجلاء في الجسد القميص فكيف أنسى ما جنت تلك التي توجتها حرمي المصون ؟} * وعلى العدل وعدم التعميم بين النساء، أطلق هذه الحكمة على لسان شهرذاد :{ مولاي عفوك ليس كل الناس في الدنيا سواء فإذا على النفس التي بالسوء تأمر قد جنت ، يوما ،براقش أو سواها ما ذنوب الأخريات من النساء؟} * كما تحدث على السلطة وأمراضها التي تمثلت بالكرسي، الذي يغوي البشر ويشهد رحيلهم وسخفهم :{ أما مذ وجدت نزيل القصور أضيء الزمان وأغري المكان ....وأغوي البشر . سيمحو الزمان جلال القصور، ويطوي المكان جمال الوجوه وأبقى لأشهد محو الزمان، وطي المكان، وسخف البشر}

5- المدخل العقلاني :Mentalism Theory

أخذ الشاعر قصة شهرذاد وشهريار من منظور آخر، أحدث فيها تغييرا ليظهر الحكم والمواعظ التي أرادهما، وفي موضع آخر نجده قد تلاقى نوعا ما مع سعيد عقل ،في طرحه جدلية القرب والبعد بقوله : ابتعد عني قليلا كي أراك فقليل القرب لا يخفي شذاك، واقارب متي قليلا لارى وجهك في مرآة وجهي فأنا لست سواك . هي عند سعيد عقل : قربك لي معبد لا يمس يزار ويلمس من شاسع. *وجدير بالذكر أنهما التقيا في انتقاء المصطلحين من الطبيعة، كلاهما غاصا فيها واتخذاها أما حنون : ثلج .نهر ..البحر .النجوم..الشمس .الليل ..الارض ..غمامة ..القمر .. أما نرجسية الشاعر تلاقت نوعا ما مع نرجسية المتنبي : الفجر يبزغ من ليالي أحرفي، والشمس تطلع من نهارات الورق. لا كنز يمكن أن يضاهي متحفي. وهي عند المتنبي : أنا ترب الندى ورب القوافي ...........وسمام العدا وغيظ الحسود .

رابعًا- المستوى الأخلاقي Moral Level

6-البؤرة الأساسية الثابتة للنص(static core):
البؤرة الثابتة في النصوص:
يتألف هذا الكتاب( دروب) من تماني عشرة قصيدة، تناول فيها الشاعر عدة موضوعات، ما بين رثاء وعشق، قصص ..و وصف للطبيعة..، حملت أولى قصائده عنوان الكتاب ( دروب ) خطّ الشاعر فيها طريقته المتفردة عن غيره من الناس، بقوله : للآخرين دروبهم، وخطاهم العجلى..ولي خطاي...كل يقلّد شيخه ..وليس لي شيخ سواي.
وفي قصيدته (عندما)..كان لوقع حياة الأرض والشتاء والثلج والليل والنهار وقع آخر غير الذي نعرفه،هي مشاهد طبيعية لكن الكاتب أسقط عليها رؤيته الفلسفية، ورسم كلماته بآلوانه الداخلية، وحولها إلى برادوكس رائع : هطول الأمطار وتسربها من خلال المزاريب، هو حزن ودموع للرحيل عن الديار؟ أم هو فرح لملاقاة الأرض, تساقط الثلج الذي هو غطاء لجسد الأرض العاري آتراه كفنا أم ثوب زفاف؟؛ هبوط الليل هل هو حزن لمفارقة الشمس؟ شروق الشمس على الثلج الأبيض هل هو فرح أم تحسّب لهبوط الليل ولبسها ثوب الحداد!! دائما هناك التقاء للحزن مع الفرح : الساقية المغناج تختلط فرحتها مع حزنها!! عند التقائها بالنهر وصولًا للبحر ..هل هي تبكي حزنا لمفارقة النبع أم فرحا لملاقاة البحر ؟؟؟.
أما قصيدة ( إغراء) نجد الكاتب قد طوّع كلماته لترسيخ حكمة الزواج وغايتها الأبدية، الحب والإخلاص والوعود الخضراء.
أما قصيدة (كنز دفين)، أكمل فيها الشاعر نظرته للوجود بعدما خطّ طريقه في نص دروب، يمدّ يده خلال السنين ليستمد دفاه من الجمر الذي نآى عن رماد الزمن، هذا الرماد الذي ينبئ عن حياة جديدة، كلما ضاقت الطريق يستعين بهذا الجمر لينير حياته وقوته منه، من خلال الذكريات الجميلة التي تمده بكل شيء جميل من جديد .
كما نجده قد عاد لطرح التساؤلات الفلسفية في قصيدة ( عندما ) ..يبدؤها في :{ هل ترى؟ أم هو؟} رسم الشاعر برادوكس شاعري في وصفه لنزول المطر، وتدفق المياه، وتساقط الثلوج، وانسياب الساقية .
أما في( مذكرات غيمة) التشخيص أخذ مداه، الغيمة وُلدت من بكاء السماء، سارت على طول الطريق من الجبل باتجاه السهل وصولًا للبحر، وفي طريقها هذا حضرت أعراس الطيور، غازلت الفراشات...نثرت طيبها فوق النباتات ..، حين استسلمت للبحر لم تمت, بل تراقصت مع الموج مدا وجزرا لحين ما تعبت ..فمدت لها السماء حبل الخلاص لتعود من جديد، وأي وصف هذا لآمر طبيعي نراه كل يوم، الدورة الطبيعية للمياه..تحولت لمسرحية مكونة من عدة فصول بطلتها قطرة ماء أو بالأحرى دمعة من السماء.
سقوط الثلج له وقع آخر في قصيدة (مهرجان) يستشعر فيه الشاعر عظمة الخالق ،كيف يغطي الثلج ما خطه الإنسان فتختفي معالمه تحت الغطاء الأبيض ..غطاء السلام .
أما النجوم في (قصيدة النجوم ) هي قناديل تضيء الليل ..اللفتة التي وضعها الشاعر هي تبديل المواقع للنجوم ..إذ أن هناك نجوم على الأرض تضيئها فتصير أعلى من مجرات الفضاء . .لا تبالي بها ..وتصنع أعظم مما تصنعه التي في السماء. هذا دليل لعظمة الإنسان فهو بأفعاله وإنجازاته وأخلاقه يصبح أسما من النجوم ، ويلمع أكثر منها .




7- الخلفية الأخلاقية للنص أو الثيمة :Theme´-or-Moral Background


ظهر الشاعر كما مر معنا رجلا ذا أخلاق عالية، ملتزمًا بقضايا أمته، محبًّا لشعبه..تارة كان حكيمًا وتارة أخرى كان شيخًا مصلحًا :{ سأبقى شاهرًا صوتي على المنكر إلى أن يحصل التغيير في حقلي، ويفرح نورج البيدر، فإن أفلحت، ذا حسبي، وإن أخفقت حسبي أنني أديت قسطي للعلى وجعلت من صوتي دروبا للصدى الأخضر}

خامسًا – المستوى الحركي في التحليل Dynamic Level

8- الصور الشعرية:

استخدم الكاتب اللغة وطوعها لوصف شعوره بخفة فجاءت صوره اللغوية مبتكرة، صوّر مظاهر الطبيعة من هطول مطر وثلج وتدفق أنهار ..صورا أقرب إلى الإنسان، طرح تساؤلات عاطفية( حزن أم فرح )، سنستعرض بعضا من هذه الصور : حين يتساقط الثلج، كنا نقول أن الارض لبست ثوبها الأبيض، لكن نجده قد أعطانا صورة آخرى :{ هل ترى ترفل في ثوب زفاف أم تواري عريها في كفن} شبه الأرض بامرأة تلبس الأبيض وتساءل: {أتراه ثوب زفاف أم كفن !!} * تدفق المياه، له وقع آخر عند الشاعر: {هل تراه ضاق بالظلمة في الأعماق ذرعا أم هو النور يناديه إلى السطح المنير ؟}

9- العاطفة والموسيقى:
العاطفة عند الشاعر كانت منسابة كالجدول لا توتر فيها، امتزجت ما بين فرح وحزن، إحساس مرهف وهدوء عبر عنهما الشاعر بلغة بسيطة،.على الرغم من بساطتها لم تخل من عنصر الإبداع والإمتاع. القصائد على اختلافها كانت كفرقة موسيقية تعزف ألحان مختلفة داخلية وخارجية، امتزج فيها صوت خرير الماء، صوت الشتاء، صوت الرياح، مع صوت الرقص، وصوت البكاء، ومشاعر الفرح...تناسبت الجمل وائتلفت الكلمات مع موسيقى التراكيب والصيغ والحروف كونت موسيقى شاعرية خاصة بالشاعر ..وتتغير الموسيقى لتغير حالته الداخليه الوجدانية، لأن حالته الشعورية تنوعت بين حزن وفرح وضياع بينهما في بعض المواقف.
سادسًا-الخاتمة:
لكل شاعر مخزون ثقافي معين ويظهر ذلك في كتاباته، يسرني جدا أنني تعرفت على كتابات الشاعر (سلمان زين الدين )، الغنية والمبتكرة ، تحياتي إلى كل من قرأ نقدي .

صفا أحمد شريف
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي