الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة حول الاقتصاد العراقي

علي عبد الرحيم العبودي
باحث عراقي مختص في الاقتصاد السياسي

2019 / 1 / 25
الادارة و الاقتصاد


عانى وما يزال الاقتصاد العراقي ، من نتائج انخراط عقد الإدارة المركزية في عقد النظام الاسبق دون أن تحل محلها آليات نظام اقتصادي جديد ، واضح المعالم بعد تغيير النظام السياسي في 9 نيسان 2003 ، على الرغم من التأكيد السياسي في اعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس الحرية الاقتصادية وسياسة السوق ( اعتماداً على وثيقة دستور 2005 ) بعد عقود من التطبيق الاقتصادي القائم على الملكية العامة لوسائل الانتاج وحالة من التذبذب في الدور المعطى للقطاع الخاص .
إن عدم وضوح المنهج الاقتصادي المعتمد ، افقد العراق السياسة الاقتصادية الواضحة للتعامل مع كل هذا الإرث من مرحلة سابقة تمتد لأكثر من نحو نصف قرن من الزمن في تخبط سياسي – اقتصادي لم نفقد فيها التبذير في الموارد والإمكانات والجهود فحسب وإنما خسرنا الزمن ايضاً ، حيث غلب فيه الاضطرابات السياسية على النهج الاقتصادي السليم ، هذا التخبط والضياع في متاهات الصراع السياسي افرز لنا نظام اقتصادي متخلف مع اقرب الدول بما في ذلك الدول المجاورة للعراق .
كان الاقتصاد العراقي ومنذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، اقتصاداً زراعياً ، إذ يستحوذ هذا القطاع على القسم الاكبر من الناتج القومي (GDP) ، ويعزى ذلك إلى نظام الاقطاع الذي كان سائداً وقتذاك، ومعظم سكان العراق كانوا من الريف ويمارسون النشاط الزراعي بالتوارث ، فضلاً عن محدودية المصانع وتميزها بالأنماط الحرفية البسيطة ، إلا أنه ومع بداية اكتشاف النفط (البترول) عام 1929 ، كانت نقطة البداية في تغيير هيكل الاقتصاد الوطني العراقي ، خاصة بعد عمليات الانتاج والتصدير عام 1934، مما أدى إلى اضمحلال قوة الاقطاع الزراعي ، لكنه لم ينهي سيطرة مالكي عناصر الانتاج (الاقطاعيين) بشكل كامل .
وعلى الرغم من اكتشاف النفط في العراق بشكل سبق بقية الدول المنتجة للنفط وتصديره في العهد الملكي ، ومن ثم دخول ايرادات جديدة من مورد جديد في تكوين الدخل القومي العراقي ، إلا أنه لم يدفع بالاقتصاد العراقي إلى التنمية الحقيقية ، إذ بلغت حصة العراق من الايرادات النفطية نحو 11 – 12% في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي ، وفي الخمسينيات بلغت نحو 16% ، ويعود السبب في ذلك إلى إدارة الحكومة الضعيفة والغير قوية التي لا تملك الخبرة الكافية في التخطيط واستغلال الموارد بالشكل الذي يؤدي إلى تنمية وتطور الاقتصاد العراقي هذا من جهة ، ومن جهة آخرى أن الحكومة الملكية ونظراً لتنصيبها من قبل الانكليز (بريطانيا) ، كانت تدار بشكل غير مباشر من قبل الحكومة البريطانية وقتذاك . لذلك احتكرت الشركات البريطانية التنقيب واستخراج النفط من الاراضي العراقية وفرضت امتيازات لشركاتها بالضغط على الحكومة العراقية ، ووفقاً لذلك كانت لهذه الشركات الحصة الاكبر من الايرادات . (للمزيد ينظر : حنا بطاطو، الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، 1990)
إن عملية انتاج النفط الخام في العراق والتي بدأت لأول مرة بصورة انتاج فعلي تجاري في منتصف الثلاثينيات كان بمثابة نقطة البداية في تحويل الهيكل الاقتصادي العراقي من شبة اقطاعي يعتمد على الزراعة إلى اقتصاد شبة ريعي يعتمد على النفط . وبعد التحول السياسي الذي حدث في عام 1958 وتغيير نوع النظام من ملكي إلى جمهوري ، اخذ الاقتصاد الوطني شيئاً فشيئاً بالاعتماد والاتكاء على الايرادات النفطية ، إذ حل النظام السياسي الجديد النظام الاقطاعي عبر قانون الاصلاح الزراعي رقم (30) لعام 1958، وإلغاء الامتيازات الخاصة بالشركات النفطية والتجاري والصناعي من خلال تأميمهما عام 1964 ، هذه الاحداث والقرارات قد أدت إلى فاعلية القطاع العام ولعبه الدور الرئيس في الاقتصاد واضمحلال دور القطاع الخاص الذي كان مسيطر على الاقتصاد الوطني .
وعلى الرغم من تأسيس شركة نفط العراق الوطنية عام 1964، وتحقيق واردات عالية من تصدير النفط ، إلا أن الاقتصاد العراقي بقى يدور في دائرة مفرغة ، وذلك بسبب الظروف السياسية غير المستقرة في هذه المرحلة ، وقصر عمر الحكومات ، فضلاً عن تهميش دور القطاع الخاص وسيطرة الدولة على جميع النشاطات الاقتصادية ، انعكس ذلك كله على عدم وجود برامج اقتصادية واضحة المعالم .
وفي مطلع الثمانينات اعتمد الاقتصاد العراقي اعتماداً لا مغالاة أن قلنا كلياً على الايرادات النفطية ، إذ بلغت في عام 1985 نحو 86% من مجمل العوائد الكلية ، رافق الانتعاش النسبي الذي عاشه الاقتصاد العراقي في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينات دخول اتون الحرب التي بدأها مع إيران والتي دامت من عام (1980 -1988)، إذ كرست كل الامكانات الاقتصادية والمالية في إدارة هذه الحرب حتى اضحى العراق ليس خالي من الموارد المالية والعملة الاجنبي فحسب بل مدين للخارج ، حيث أن الانخفاض الحاد في الرصيد الاجنبي للدولة العراقية جعلها أمام موقف المضطر للاقتراض الخارجي والبحث عن مصادر الائتمان الاجنبي والدعم المالي لتغطية متطلبات هذه الحرب وتداعياتها ، إذ اقترض العراق من دول الخليج ، ومؤسسات وبنوك عربية ، والاتحاد السوفيتي السابق ، وشركات خاصة حوالي (87 مليار دولار) هذا ما جعل العراق في ضيقة شديدة .(للمزيد ينظر : كامل كاظم الكناني ، ارجوحة التنمية في العراق ، 2013) .
وزادت هذه الشدة والضيقة الاقتصادية في التسعينات مع دخول العراق للكويت وحرب الخليج الأولى عام 1991، فضلاً عن الحصار الذي فرض من قبل مجلس الامن الدولي وحظر شريان الاقتصاد العراقي (النفط) من التصدير ، وبعبارة مختصرة يمكن وصف الاقتصاد العراقي من عام 1980 - 1992 (باقتصاد حرب) لتسخيره كل الامكانيات الاقتصادية على متطلبات الحروب ، هذا أدى إلى انهيار الاقتصاد العراقي وإرجاع العراق لعصر ما قبل الصناعة .
أما بعد عام 2003 ونظراً للاحتلال الأميركي للعراق تم إلغاء الحصار المفروض من قبل مجلس اللأمن ، وعاد العراق مرة آخرى لتصدير النفط ، لكن وبسبب الفوضى السياسية التي شهدها العراق وتفكك المؤسسات الإدارية ، ناهيك عن انتشار البطالة بشكل واسع ، وما صحابها من تدمير وتخريب واسع للبنية الرئيسية للاقتصاد الوطني ، وما نجم عن ذلك من انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات التضخم وتدهور سعر الصرف الدينار العراقي وترسيخ التخلف التقني الذي يعاني منه البلد منذ عقود عدة ، فضلاً عن ذلك هو تسلم السلطة اشخاص تبعية للخارج وبمباركة امريكية . هذا كله انعكس بطريقة مباشرة على هدر الاموال وتخلف الاقتصاد وانخفاض التنمية في العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار النفط العالمية تقفز بأكثر من 4% بعد الهجوم على إيران


.. دعوات في المغرب لا?لغاء ا?ضحية العيد المقبل بسبب الا?وضاع ال




.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ