الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الذاكرة / البعثيون والشيوعيون والديمقراطي الكردستاني 2/2

حامد الحمداني

2019 / 1 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



توقيع ميثاق الجبهة بين حزبي البعث والشيوعي:

وفي السابع عشر من تموز وقع الرئيس أحمد حسن البكر، بالنيابة عن حزب البعث، و[عزيز محمد] السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي ميثاقاً للجبهة، وبذل الطرفان جهوداً واسعة لإدخال الحزب الديمقراطي الكردستاني معهم في ما سمي بـ{الجبهة الوطنية والقومية التقدمية}، والتي انبثقت بعد توقيع الميثاق، إلا أن جهودهما لم تسفر عن أي نتيجة.

نظرة في بنود الميثاق:
من خلال دراسة مواد الميثاق نجد أن البعثيين لم يقدموا تنازلات جوهرية للحزب الشيوعي، فقد كان أهم ما قدموه له ما يلي :
1ـ حصول الحزب الشيوعي على الشرعية القانونية لمزاولة نشاطه العلني، وإصدار صحيفته المعبرة عن سياسته[طريق الشعب] حيث صدرت بالفعل وكانت توزع على نطاق واسع.
2ـ إطلاق سراح السجناء السياسيين والمعتقلين، وهدم [قصر النهاية] السئ الذي كان مقراً لتعذيب الشيوعيين، وسائر الوطنيين المعارضين لحكم البعث!!.
3ـ مشاركة الحزب الشيوعي في الحكومة بوزيرين، لكن تلك المشاركة في الوزارة لم تكن جوهرية، أو ذات تأثير على سياسة الدولة، هذا بالإضافة إلى أن مجلس قيادة الثورة الذي ينفرد به البعثيون هو الذي يقرر سياسة الدولة، ويتمتع بكافة الصلاحيات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية.

وفي المقابل قدم الحزب الشيوعي للبعثيين تنازلات واسعة وجوهرية تضمنت التالي:
1ـ إقرار الحزب الشيوعي بأن انقلاب 17 ـ 30 تموز ثورة وطنية ديمقراطية اشتراكية!!.
2 ـ الإقرار بمبدأ قيادة حزب البعث للجبهة !.
3 ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على بقائه بعيداً عن الجيش والقوات المسلحة الذي أصبح مقفلاً لحزب البعث!.
4ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على الدور القيادي لحزب البعث لكافة المنظمات الطلابية والنقابية والجماهيرية والاتحادات العمالية والفلاحية!.
5ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على مواقف حزب البعث من قضية فلسطين، وقضية الوحدة العربية.

وهكذا يتبين لنا أن الحزب الشيوعي قد خسر الكثير من المواقع، وقدم للبعث الكثير من التنازلات، في حين لم يحصل على دور هام وأساسي في تسيير سياسة البلاد.
أحدثت موافقة قيادة الحزب الشيوعي على شروط البعثيين وتوقيعه على ميثاق الجبهة شرخاً كبيراً بين القيادة من جهة، والكادر وقواعد الحزب من جهة أخرى، حيث لم تستطع قواعد وكوادر الحزب هضم تلك الشروط، وكان الشعور بخيبة الأمل والقلق على المستقبل، وعدم الثقة بالبعثيين سائداً صفوف الحزب، وجانباً كبيراً من كوادره، ولاسيما وأن تلك الجرائم التي أرتكبها البعثيون بحق الشيوعيين بعد انقلاب 8 شباط 1963، ما تزال ماثلة أمام عيون الجميع، فتلك المآسي لا يمكن أن يطويها الزمن بهذه السرعة، وعِبَر هذه الجبهة التي قامت على أسس غير متكافئة على الإطلاق.

كان الشعور العام لدى كل متتبع لسياسة البعثيين هو أن هذه الجبهة لن تعمر طويلاً، ولن يكتب لها النجاح، وأن البعثيين لا يمكن أن يضمروا للشيوعيين الخير، لكنهم لجاءوا إلى إقامة الجبهة معهم لمرحلة معينة يستطيعون خلالها تثبيت أركان حكمهم المتضعضع، وإحكام سيطرتهم على الجيش والقوات المسلحة الأخرى وأجهزة الأمن.

فالجبهة في الحقيقة لم تكن هدفاً إستراتيجياً لحزب البعث، وإنما كان تكتيكياً يمكنهم من العبور إلى شاطئ الأمان، وتثبيت حكمهم، ولم يكفّ البعثيون عن مضايقة الشيوعيين، وتقليص نشاطهم وتحجيمه، واستمرت أجهزتهم الأمنية في ملاحقة واعتقال العديد منهم بحجج وتبريرات مختلفة، حتى وصل الأمر إلى أن تصبح اللقاءات مع قيادة البعث تدور حول الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية، وقد سبب ذلك في تنامي خيبة الأمل لدى قواعد الحزب من مستقبل الجبهة، لا بل بدأت الأصوات تظهر وتعلوا شيئاً فشيئاً متهمة قيادة الحزب باليمينية وبالتفريط بمصالح الحزب وجماهير الشعب، وبدت الجبهة مجرد اتفاق بين قيادة حزبين تفتقد تماماً إلى أي قبول جماهيري، وكلما مرت الأيام كلما كان التباعد بين قواعد الطرفين يزداد ويتصاعد، وبدأت الأصوات تحذر مما يخبئه البعثيون للحزب الشيوعي في مستقبل الأيام.
ولم تمضي فترة طويلة من الزمن حتى بدأ التناقض ظاهراً بين قيادة الحزب وقواعده، كما بدا واضحاً أن قيادة الحزب غير بعيدة عن توجيهات قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي، بل وفرض إرادته على مجمل سياسته، ولاسيما بعد أن وقع البعثيون معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي في نفس العام، وقام الاتحاد السوفيتي على أثرها بتزويد حكومة البعث بالأسلحة الحديثة والمتطورة، ومدت الجيش العراقي بالخبراء العسكريين، حيث استخدم البعثيون تلك الأسلحة بعد ذلك في قمع الشعب العراقي عرباً وأكراداً، وتصفية ما كان يسمى بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية التي أقاموها مع الحزب الشيوعي مصحوبة بأعنف حملة اعتقالات وتعذيب وقتل للعناصر الشيوعية، وكل مناصري الحزب، ومتنكرين لاتفاقية 11 آذار حول إقامة الحكم الذاتي لكردستان، وشن الحرب الإجرامية الشعواء على الشعب الكردي، وفي العدوان على إيران والكويت، وزج العراق في حروب مدمرة.

موقف القيادة الكردية من الجبهة:
أحدث إعلان قيام الجبهة بين الحزب الشيوعي وحزب البعث تصدعاً في العلاقات بين قيادة الحركة الكردية والحزب الشيوعي، فقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة الملا مصطفى البارزاني، كانت قد أصيبت هي الأخرى بخيبة الأمل من سياسة البعثيين فيما يخص تطبيق اتفاقية الحكم الذاتي التي حُدد لتنفيذها مدة 4 سنوات بالرغم من قيام حكومة البعث بتعين عدد من الوزراء الأكراد في الحكومة، وإجازة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتوسيع الدراسة الكردية، وزيادة البرامج الكردية في إذاعة بغداد وتلفزيون كركوك، وتشكيل وحدات حرس الحدود من قوات البيشمركة الكردية.

أخذت العلاقات بين الأكراد وحكومة البعث تتباعد شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى أقصى درجات التقاطع، وعدم الثقة في تطبيق البعثيين الحقيقي لاتفاقية آذار، وبدا للقيادة الكردية أن البعثيين غير جادين في اتفاقهم،وأنهم يكسبون الوقت لتثبيت حكمهم، وتوجيه ضربة جديدة للحركة الكردية، وجاءت محاولة اغتيال الزعيم الكردي [الملا مصطفى البارزاني]عام 1971 لتهدم كل الجسور التي بناها الطرفان في 11 آذار عام 1970.

ولهذه الأسباب اعتبرت القيادة الكردية أن دخول الحزب الشيوعي في جبهة مع حزب البعث في ذلك الوقت ضربة موجهة لهم، وأخذوا يوجهون اللوم والانتقاد للحزب، وتطور النقد على صفحات جريدة الحزب الرسمية[ خه بات] في حين راح الحزب الشيوعي يحث القيادة الكردية على الانضمام للجبهة، والنضال من خلالها، إلا أن جهوده لم تثمر في هذا الاتجاه، بل على العكس توترت العلاقات بينهما إلى درجة خطيرة، وتصاعدت بسرعة إلى حد التصادم المسلح بين الحزبين في كردستان، وشنت صحافة الحزبين حملات إعلامية ساخنة على بعضها البعض، ولعب حزب البعث دوراً كبيراً في إذكاء الصراع، وتسعير نيران الاشتباكات بين الطرفين في كردستان.

وفي آذار 1974 قام عملاء السلطة بتفجير سلسلة من القنابل في مدينة أربيل، مما جعل إمكانية تلاقي القيادة الكردية مع حكومة البعث بعيد المنال، وعند انتهاء فترة السنوات الأربع المحددة لتطبيق الحكم الذاتي كان التباعد في وجهات نظر الطرفين حول تطبيق اتفاقية 11 آذار قد اتسع كثيراً، وأصرّ البعثيون على تطبيقها بالشكل الذي يريدونه هم، ورفضت القيادة الكردية فرض الحلول البعثية، ولجأت إلى حمل السلاح مرة أخرى، وبدأ القتال من جديد، وشن الجيش حرباً جديدة ضد الشعب الكردي، مستخدماً الطائرات والدبابات والصواريخ وكل الوسائل العسكرية المتاحة لديه، فدمروا مئات القرى، وشردوا مئات الألوف من أبناء الشعب الكردي، إضافة إلى عشرات الألوف من الضحايا .

الجأت تلك الأحداث القيادة الكردية إلى طلب الدعم من الولايات المتحدة وإيران، حيث انهالت عليهم الأسلحة والمعدات والتموين، وجرى علاج جرحى البيشمركة في المستشفيات الإيرانية، وقد أدى ذلك إلى اشتداد ضراوة القتال في كردستان، ووقف الاتحاد السوفيتي إلى جانب الحكومة في صراعها مع الأكراد، ولم تستطع حكومة البعث القضاء على الحركة الكردية إلا بعد توقيع صدام حسين وشاه إيران على اتفاق الجزائر في 16 آذار 1975، وقدم صدام حسين الكثير من التنازلات لشاه إيران لكي يرفع يده عن الحركة الكردية التي انهارت بسرعة مذهلة بعد توقيع الاتفاق بأيام.
واستسلمت معظم قوات البيشمركة لقوات الجيش ملقية سلاحها، وهربت القيادة الكردية إلى إيران، وقامت حكومة البعث بنفي الألوف من أبناء الشعب الكردي إلى المناطق الجنوبية من العراق وفي الصحراء!! وأفرغت مناطق الحدود من الوجود الكردي، وجمعت الأكراد في مجمعات سكنية إجبارية، وهدمت جميع القرى القريبة من الحدود الإيرانية والتركية، وكذلك جميع القرى المحيطة بمدينة كركوك.

كما زج البعثيون بعشرات الآلاف من الأكراد في السجون وجرى إعدام المئات منهم، ومات في أقبية التعذيب، في مديرية الأمن العامة، وزنزانات هيئة التحقيق الخاصة في كركوك والموصل ودهوك والسليمانية وأربيل المئات منهم، وتحول الألوف من الشعب الكردي من عناصر منتجة إلى عناصر مستهلكة بعد أن تركت مزارعها ومواشيها وانهار اقتصاد كردستان.

لم يهدأ الشعب الكردي على الضيم الذي ألحقه البعثيون بهم، فلم يكد يمضِ عام واحد على انهيار الحركة الكردية عام 1975 حتى بادر إلى حمل السلاح من جديد ضد سلطة البعث، وشن البعثيون حرباً جديدة في كردستان بشراسة منقطعة النظير. لقد كان من نتائج التصادم بين الحزب الشيوعي والقيادة الكردية أن خسر الحزب الشيوعي أغلب مواقعه في كردستان، حيث قامت القيادة الكردية بتصفية نفوذ الحزب هناك بقوة السلاح.

فشل الجبهة وانفراطها والبعثيون ينكلون بالشيوعيين:
لم يكد البعثيون يصفون الحركة الكردية، بعد تفاهمهم مع شاه إيران وعقد اتفاقية الجزائر، حتى بدءوا يشعرون أن مراكزهم في السلطة قد أصبحت قوية، وراحوا يتصرفون وكأن الجبهة غير موجودة، وتوضح هدفهم الحقيقي من قيام الجبهة، ولم يتحملوا وجود شريك لهم في السلطة حتى ولو كان ضعيفاً، بل لم يتحملوا حتى صدور صحيفة علنية للحزب الشيوعي، أو القيام بنشاط جماهيري للحزب، وهم الذين جاءوا بالأساس يوم 8 شباط 1963، وعند عودتهم إلى الحكم في عام 1968 لتصفية الحركة الشيوعية في العراق.

لقد بدأت المضايقات والاعتقالات تتصاعد ضد أعضاء الحزب، وجرى اغتيال العديد من قادته وكوادره عن طريق الصدم أو الدهس بالسيارات، أو إطلاق الرصاص، مدعين بأنها حوادث مؤسفة!، وتقيّد ضد مجهول!، وكان من بين القياديين الذين استشهدوا بهذه الطريقة كل من[ستار خضير] و[محمد الخضري] و [عبد الأمير سعيد] و[ شاكر محمود]، كما بدأت صحف البعث تتعرض للحزب الشيوعي، وتوجه حملاتها ضده، وأصبح الحزب أمام وضع صعب للغاية، وكانت اللقاءات بين الحزبين تدور كلها تقريباً حول التجاوزات التي يعاني منها رفاق الحزب، ولم تعد الجبهة سوى حبراً على ورق.

أدرك الحزب الشيوعي أن هناك مخططاً بعثياً لتوجيه ضربة جديدة وموجعة له، وبدأ يرتب أوضاعه للعودة إلى العمل السري، وتشديد الصيانة، وخاصة بالنسبة للقيادة والكادر، وغادر العديد من قادة وكوادر الحزب العراق هرباً من بطش البعثيين بعد أن تأكد لهم أن الحملة البعثية ضد الحزب قد باتت وشيكة !!، وحدث الذي كان بالحسبان، وشنّ البعثيون عام 1978 حملة واسعة النطاق لاعتقال ما أمكن من قيادات وكوادر الحزب وأعضائه في كافة أنحاء البلاد.

لكن معظم أعضاء القيادة كان قد أفلت من الاعتقال، وغادروا إلى خارج العراق، واختفى البعض الأخر ليقود الحزب، في ظل ظروف العمل السري البالغة الصعوبة، بينما وقع في أيدي البعثيين أعداد كبيرة من أعضاء الحزب، حيث جرى تعذيبهم بأبشع الأساليب والوسائل لأخذ الاعترافات منهم حول تنظيمات الحزب، وكان من بين القياديين المعتقلين الدكتور[ صفاء الحافظ ] والدكتور [ صباح الدرة]، اللذان جرت تصفيتهما تحت التعذيب.

كما قامت السلطات البعثية بكبس مقرات الحزب، وصحيفته [طريق الشعب]، وصادرت كل الوثائق الموجودة هناك، كما صادرت مطبعة الحزب، وجرى جمع كافة الكتب الماركسية، والتقدمية من الأسواق، ومن الدور التي داهمتها قوى الأمن وتم إحراقها، وجرى إعدام العديد من رفاق الحزب، ومات تحت التعذيب أعداد أخرى، وزج البعثيون بالسجون بالآلاف من أعضاء وأصدقاء الحزب.

وهكذا لم يبقَ حزب سياسي يمارس نشاطه على الساحة سوى حزب البعث، وبدا الوضع قد استتب لهم وحدهم للانفراد بالساحة، وكشف البعثيون عن وجههم القبيح كونهم يمثلون حزباً فاشياً وشمولياً، ولا يحتملون نشاط أي أحزاب أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف