الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيهما أكثر إبداعاً وإمتاعاً .. الباليه أم الرقص الشرقي ؟

رضي السماك

2019 / 1 / 26
الادب والفن


تراجعت الحركة الفنية للرقص الشرقي تدريجياً منذ نحو أربعة عقود في بلداننا العربية التي عرفت هذا الفن وعلى رأسها مصر ، وذلك تحت تأثير طغيان موجة التشدد الديني الذي فرض سلطانه وابتزازه بدرجة كبيرة على روافد الثقافة والفن ومن ضمنها فن الرقص ؛ هذا في الوقت الذي بات فيه الرقص الشرقي ينتقل إلى بلدان اوروبية وغربية عديدة . و تعد الباحثة الإنجليزية وندي بونافنتورا التي عُرفت بافتتانها بالرقص الشرقي من أكثر من قدموا تقييماً مُنصفاً للرقص الشرقي ، فالسبب وراء انجذاب النساء الغربيات إليه يتمثل - حسب تعبيرها - في الأوراك المتمايلة كما التنويم المغنطيسي ، والتموجات المتلوية المتعرجة . وإذا جاز لي أن أعبّر عن جوهر فكرتها بشكل أدق ممزوجاً بما عبّرت هي نفسها عنه لقلت : إن الرقص الشرقي هو سلاح المرأة الانثوي الجرئ الذي كثيراً ما يضعف أمامه أعتى الرجال ، حيث تفجره الراقصة الشرقية بجرأة تُحسد عليها أمام العشرات او المئات من مشاهديها بحملقة مركزة وهي إذ تفعل ذلك فبوصفه خلاصاً للأنوثة : إنه الترفع والسلطة معاً ، والرقة والقوة أيضاً . فبالنسبة للكثيرات من النساء المتعودات على إظهار الجانب اللطيف فهذا من طبائع كل إمرأة ، وإذ تشكٌل أيضاً حركات الاوراك المتحدية ، كما في الرقص الشرقي جاذباً كبيراً . ( انظر مقالها : المرأة الجوهر ، أبواب ، شتاء 1995). وفي مقارنتها الرقص الشرقي بفن الباليه ترى بونافانتورا أن الثقافات الغربية لا تقدم للنساء الرقص بوصفه عنصراً بالغ الأهمية في التعبير عن النفس ، ولا بوصفه النشاط الذي يتيح لهن أن يتحركن ليبرزن أنفسهن بحرية تامة ، كنساء بعيدا عن أي قيود ، بطريقة تبدو لهن طبيعية ، ذلك بأن لغة الرقص الأرفع في الثقافة الغربية لا يزال فن الباليه الكلاسيكي الذي حضرت معظم الفتيات إبان طفولتهن لبعض صفوقه على الأقل هو المهيمن . وتقول حرفياً : وأنا لا أزال أذكر بؤس ما انتابني من مشاعر فيما كنت أحاول تقليب قدمي والقيام بعدد لا يُحصى من القفزات الصغيرة التي تقطع أنفاسي . ربما لم أكن ملائمة لذلك ! أو ربما ببساطة ، لم أكن من صنف الرياضيين ، حيث الباليه نوع من رياضة الموسيقى . لكن مما لاشك فيه أنه حين تكبر الصغيرات ويصبحن على دراية بصورة المرأة والأنوثوية، وهي الصورة التي يطمحن إلى الاقتراب منها ، يجدن ان نموذج الباليه أحد أكثر النماذج تنفيراً . فهو يقدمّهن ككائنات سماويات ، هشّات العظام ينبغي لذراع شركائهن الرجال أن تحملهن وتنقّلهن فوق المسرح . ويُفترض براقصة الباليه عند تأهيلها منذ طفولتها او صباها أيضاً أن تكون نحيفة إلى درجة فقدانها شهية الأكل . حتى أن الناقد الفرنسي ثيوفيل غوتييه وصفهن في القرن التاسع عشر بأنهن هياكل عظمية متحركة . ثم تختتم فكرتها قائلةً : وكان هذا في زمن شكله النسوي الأمثل أكثر شهوانية وحسية بكثير مما هو اليوم " . فالنظام الضابط للباليه نظام عقاب إلى الحد الذي يكثر من تعريض الجسد ، خصوصاً القدمين للجرح والألم . والكثيرات من راقصات الباليه كُسرت أ قدامهن أو جُرحت . لهذا تبدو لي المطالبة بشكل رقصي كالباليه شديدة التلاؤم مع التقليد الفلسفي والديني المسيحي للغرب . "
أما الرقص الشرقي فتصف بونافنتورا سماته المتفردة بالقول : " … إنما يخالف الرقص الغربي بكل الطرق التي يمكن تخطر على بال . فهو ليس أرضياً فحسب ، حيث القدم موضوعة بثبات في مكانها ونقطة الجذب في أسفل البطن ، بل يعطي النساء الفرصة لاكتشاف الحركات في الحوض ، أي المكان الذي يجمع إلى حد الإثارة ، أعمق محرماتنا " .
والباحثة إذ أبانت مخاطر وأضرار الرقص الغربي ، كالباليه ، توصف ماللرقص الشرقي من آثار علاجية فتشبهه بالشكل التمريني الذي يعمل من الداخل إلى الخارج ، فيوصل الرسائل إلى الاعضاء الداخلية للجسد بقدر ما يحركها ، وفيه على حد تعبيرها نفع لعسر الهضم والتهاب المفاصل وآلام الظهر ، فالتحريك المتموج للعمود الفقري يساعد على تليينه . وبتمركزه حول الصدر فإن العضلات التي لا تتحرك تتقوى وتتناغم كما ان الدوران وحركات الاوراك المتسارعة كالوميض تجعل الحوض مرناً ما يساعد الراقصة على سهولة ولادة مولودها .
وإن جاز لي التعبير عن هذا الإتجاه الذي عبّرت عبرت عنه بونا فانتورا لأضفت أيضاً : بأن الرقص الشرقي يجسٌد عيانياً أمام مشاهديه قدرة خارقة لمحترفة هذا النوع من الرقص في إبراز مفاتن جسدها الانثوي الأكثر تطوراً مما حاول أن يٌعبٌر عنه مشاهير الفنانين التشكيليين الاوربيين الكبار في لوحاتهم الفنية خلال عصر النهضة عن جمال هذه الاُنوثة بريشهم الإبداعية وإبراز روعة جمال ذلك الجسد ، أو كما عبٌر عنه شُعراؤنا العرب في قصائدهم الغزلية ماضياً وحاضراً ، وإن كانت ممارسة الرقص الشرقي في تقديري تتفوق على الفن التشكيلي ووصف الشعراء بادائه الحركي الأكثر تجسيداً لفتنة لاُنوثة المرأة وقوامها الممشوق الجذّاب ، ودون التقليل من خصوصية الأول ووظيفته المميزة في هذا الشأن . أو حسب تعبير الكاتبة اللبنانية جنى الحسن في مقال لها : أن الحركة الإنسانية للرقص الشرقي ، كما هي لدى نادية جمال التي تتلمذت على يد " تحية كاريوكا " في القاهرة ، خلقت تكتيكاً فريداً قادرة على ممارسته حتى بعد بلوغها ما بعد سن الأربعين في بيروت ، لأنها أعتمدت في اسلوبها العديد من حركات نسائنا العربيات وأصبح رقصها نضجاً لإيقاعات جسدية فنية تمازجت مع أكثر النبرات الموسيقية المعقدة لبزق الموسيقار الكبير مطر محمد "
ولعل ما يؤكد المكانة التي يحظى به الرقص الشرقي في عالمنا العربي ، رغم ما يواجهه من تابوهات متشددة ، تداخله في كثير من الأحيان بعالم السياسة على عكس فن الباليه ، فكثير من محترفات الرقص الشرقي تم إقحامهن في أعمال الجاسوسية سواءً لصالح وطنهن أو ضده ، وذلك لما يملكه هذا النوع من قدرة سحرية في جذب رجال السياسة من ذوي المناعة الهشة ، بل لا يتوانى بعض القادة العرب عن تقديمه لكبار ضيوفهم كنوع من السخاء في كرم الضيافة ، والأمثلة على ذلك كثيرة لكن لعل أشهرها سياسياً أن نتذكر ما أقدم عليه الرئيس الراحل أنور السادات بترتيب حفلات رقص شرقي خصيصاً لضيوفه ترقص فيها سهير زكي التي اُستدعيت هي ونجوى فؤاد وغيرهما من الراقصات لتقديم عروض مماثلة لكبار القادة والمسؤلين الاجانب الذين حلوا ضيوفاً على مصر ، لا سيما في عهدي الرئيسين السادات ومبارك 0 حيث رقصت زكي أمام كل من شاه إيران و الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة ووزير الدفاع السوفييتي جريتشكو والرئيس الامريكي نيكسون ، كما سبق أن استدعائها الرئيس جمال عبد الناصر للرقص في حفل زواج إبنته منى، فيما كان أشهر من رقصت أمامهم نجوى فؤاد رئيس وزراء العدو الاسرائيلي مناحم بيجن .
وإذ تذكرني ما أفادت به بونافنتورا عما يلحق براقص وراقصة فن الاوبرا من أمراض بإفادة مطابقة عايشها أحد الاخوة الفنانين السوريين المقيمين في موسكو ردحاً من الزمن منذ العهد السوفييتي وقد رواها لي شخصياً أثناء زيارة لي للمدينة حيث تجاذبنا أطراف الحديث بُعيدة مشاهدتنا إحدى مسرحيات البولشوي الباليهية التي اصطحبني إليها مما يؤكد صحة ما ذهبت إليه بونافانتورا ، فإن المرء ليحتار حقاً في تقرير أيهما الفن الأمتع من جميع الاوجه الصحية والإبداعية الثقافية والروحية : هل هو الرقص الشرقي أم فن الباليه ؟ ففي تقديري أن لكل منهما مميزاته التي يفتقدها الآخر ، فإذا كان الرقص الشرقي اكثر حفاظاً على صحة المرأة والاكثر قدرةً على تفجير انوثتها الجميلة بقوامها المتفرد الذي لطالما تغزل به كبار الشعراء والادباء ، وهو في رأينا أفضل من التعري الإباحي الخليع والمباشر ، فإنه ينبغي ألا ننسى أن رقص الباليه له قدرته الابداعية على تأدية نوع من الفن التمثيلي الرفيع المستوى بالرموز الفنية الإشارية المصاحبة للإيقاع الراقص الحركي ، أو ذلك الشكل الذي أبتدعه نوفير وأسماه " باليه الحدث " الذي يُقدم حبكة درامية حساب ما جاء في مقال الحسن المشار إليه آنفاً . وهو الدور الذي بتمير به الباليه ولا يجاريه فيه الرقص الشرقي مثلما لا يجاري هذا الاخير في إظهار مفاتن المرأة القوامية بما تحكيه من لغة جسد في ادائها بكل ما في الكلمة من معنى ، ذلك بأن راقصة البالية عادةً ما تكون رقصتها تتسم بالجدية في الاداء والتمثيل والانضباط وعدم الخروج على النص ، ولاتشكل رقصتها استثارة للمشاهد بل إن جاز القول هي تتحدث بلغة جسد اخرى ذات فلسفة روائية راقية لا يفهمها إلا هواة أو عشاق هذا النوع من الرقص .
مهما يكن ورغم ترجيحنا صحة ما ذهبت إليه بونافنتورا بأن ثمة أضرار صحية وبدنية تلحق براقصة الباليه بوجه خاص والمعروفة بنعومتها ولين عظامها ، وراقص الباليه على نحو ربما أقل ضرراً لقدرة جسده الخشن على شيئ من التحمل لمدة أطول ، وفي ضوء أيضاً ماتناهى إلى علمنا - شخصياً - عن هذه الأضرار من فنان سوري تابع العديد من سير وحيوات محترفات ومحترفي الباليه في موسكو بعد اعتزالهم ، وبخاصة بدءاً من بلوغهم الاربعينيات ، وعلى عكس الرقص الشرقي الذي تصفه ليس فقط لا يسبب أضرارا بل وفيه منافع صحية وروحية وعاطفية في إطلاق حرية المرأة وتفجير مفاتن أنوثتها وجمال قوامها الذي ينازعها فيه أي مخلوق على الكون ، ذكراً أم اُنثى فما ، فإن المسألة في اعتقادنا بحاجة لاخضاعها إلى مزيد من الدراسات العلمية الصحية والمراقبة ازاء راقصي الباليه ، أما راقصات الرقص الشرقي ففي ما ذهبت إليه بونافنتورا من أنه ذو منافع للمرأة قدر من الوجاهة في صحته ، أو إن شئت فقل بأنه لا يلحق أي ضرر للمرأة ، على الأقل بدليل أن كثيراً من الراقصات المصريات يعمٌرن إلى ما فوق سن الثمانين ، عدا استثناءات غالباً هن من المصابات أصلاً بأمراض تفضى للوفاة المبكرة والتي ليس لها أي علاقة بممارسة الرقص . وإذا أثبتت الدراسات العلمية الصحية صحة ما يلحق براقصي الباليه من أضرار وإصابات بدنية ففي اعتقادنا ينبغي حظر هذا النوع من الرقص ، أياً يكن جماله الإبداعي والدرامي ودوره في الثقافة الإنسانية الحضارية الراقية ؛ ذلك حينما تتصادم مثل هذه الثقافة مع حقوق المرأة وتخضع متطلباتها إلى استعبادها لاحتراف هذا الفن والتضحية بصحتها وعمرها من أجل تأهيلها له فهذا ما يتناقض ليس مع حقوق الإنسان عامةً وحقوق المرأه خاصة ؛ بل وتغدو مثل هذه الثقافة ليست بإنسانية ولا حضارية بل يصبح الاستمتاع والاصرار على استمرارها تحت أي مبررات شتى أشبه بالاستمتاع الاناني القاتل الذي يتساوى مع الاستمتاع بمشاهدة مصارعة الثيران الاسبانية التي تقتل أو تهدد حياة الانسان المصارع والحيوان البرئ على حد سواء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با