الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[76]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 26
الادب والفن


صبري يوسف

76. الانشغال بالهمّ اليوميّ، والعمل الوظيفيّ هما بدون شكّ من المثبِّطات الَّتي تحولُ دون ازدهار الأديب المبدع وتفرّغِه إلى كتاباته اليوميّة، كيف تنظر أسماء غريب إلى هذه الإشكاليّة؟

د. أسماء غريب

سؤال في غاية التّعقيد، وكأنِّي بكَ تقول لي أيُّهُما أهمّ الخبزُ الجسديّ، أمِ الخبز الفكريّ؟ وأقولُ ليس بالخبز المادّيّ وحدهُ يعيشُ الإنسانُ، وكلا الخبزيْنِ قوت، لا يمكنُ الاستغناء عنه أبداً، فكما تفرضُ علينا طبيعتنا البشريّة السَّعي وراء الغذاء اليوميّ فإنّها أيضاً تحتاجُ منّا أن نغذّيها بالفكر والعلم والأدب. ولو أنّي أرى أنّ البطنَ الجائعة لا تسمحُ للعقلِ أن يُفكّرَ ولا أن يُنْتِجَ بشكلٍ سليمٍ وفعّال، لأنّهُ يحتاج مادّيّاً هو الآخر إلى أن يتغذّى ويتقوّى بما يصلهُ من ماء وطاقة ممّا يقتات به الجسدُ الأرضيّ، وهذه مسألة أزليّة لم يفصل فيها بعدُ العديدُ من الفلاسفة: هل نعيش لنأكل، أم نأكل لنعيش؟ هنا تكمن الإشكاليّة!

وأظن أنّه يمكنني مقاربة السُّؤال بطريقة أخرى، وعبر سؤال آخر مباشر وصريح: المبدعُ المعوز أو الفقير، أيّ إبداع ينتجهُ لنا؟ وفي هذه الحالة يمكنني أن أقول إنّ التَّاريخَ يخبرنا بأنّ معظم الأعمال الخالدة كانت من إبداع أدباء عُرِفوا، لن أقول بالعوز والحاجة، وإنّما بالكفاف والعفاف والغنى عن النّاس، وكانوا موزَّعين بين السّعي نحو القوت اليوميّ وبين العمل الإبداعيّ والفكريّ، ومن معاناتهم هذه كانوا ينتجون فكراً خلّاقاً، لكنّني على الرّغم ممّا قد يبدو في هذا التّصريح من بطولة سيزيفيّة، فإنّني لا أؤيّدهُ أبداً، وذلكَ لأنّي أتساءل دائما وأقول: ما معنى أن يعانيَ المبدعُ من الفقر ويُكابد الأمرّين وهو صاحب فكرٍ متوهّج ومتنوّر؟ ولماذا لا ينتبهُ أصحاب المناصب الثَّقافيّة الكبرى لما ينتجُ إلّا بعد أن تصبحَ عظامُه تراباً؟ أين يوجد الخللُ؟ هناك مثلاً فنّانون تشكيليون في مناطق مختلفة من العالم ممّن ينتجون حقّا أعمالاً إبداعيّة في غاية العبقريّة الّتي لا يمكن أن يحيط بها عقلُ ناقد تشكيليّ مهما كان ذكاؤه وعمق ثقافته، لكن لا أحد ينتبهُ إليهم ويعيشون في فقرٍ مدقع ولا يجدون حتى ما يكفيهم لسدّ احتياجاتهم اليومية، بل فيهم من ينتهي منتحراً. الشَّيء ذاته يمكن معاينتهُ لدى العديد من الكتّاب الذين لا يجدون من يعتني، -لا أقول بهِم-، ولكن بإبداعهم، وبكُتبهم في شتّى مجالات الفكر والعلم. ومن يعتقد أنّ النّشرَ الرقميّ قد حلَّ مشكلة النّشر الورقيّ فهو واهِم، لأنّ هذه المرحلة الرّقميّة مِن عصرنا هي عابرة بدون أدنى شكّ، وسنستيقظُ يوماً ما لنجد في ذاكرتنا التَّاريخيّة ثقباً كبيراً بحجم الكرة الأرضيّة! لا أحدَ منَ الأجيال القادمة سيتذكّرُ شيئاً ممّا تركهُ السَّابقون، إنّهم بالنّسبة لهم مجرّد خيط دخان، خرجَ من شجرةٍ اشتعلت فيها نار الإبداع ذات يوم ثمّ انطفأت وصعد الدّخان إلى السّماء ولم يبقَ منه أثر.

وعلى مرّ العصور وكما في كلّ المجالات عانى المبدع من فساد القيّمين على شؤون الإبداع والثَقافة، فمنطقُ المحاباة والزَبونيّة وتأسيس العصابات "الفكريّة" هو ما يحكمُ الإبداعَ في كل العالم، أينما تولّي وجهكَ هناك فساد. وحينما يموتُ مبدعٌ ما كانوا يتقنونَ جيّداً تهميشَه على الرَّغم من معرفتهم بمدى فاعليته وقوّته الفكريّة، فإنّهُم يتكالبون بعد ذلك على نتاجاته يصنعون منها المشاريعَ تلو الأخرى، ويتباكون عليه كالتّماسيح في برامج إذاعيّة أو تلفزونيّة تفضحُ نواياهم بقدر ما تواريها، وحينما تمتلئُ الجيوبُ، ينسونَه بشكل نهائيّ، ويمرّون إلى اِسم آخر كاتباً كانَ صاحبه أو مطرباً أو فنّاناً تشكيليّاً أو مسرحيّاً، وتستمرُّ عجلةُ العُهر في الدّوران دون أن يستطيع أحدٌ أن يوقفها أو أن يتساءلَ لماذا كلّ هذا؟ أين هي حقوقُ الفكر، أين هو الحقُّ في الإبداع، أين هي الشّعارات الضّخمة الّتي يكرِّرونها كلّ يوم في جلساتهِم وبرامجهم التّافهة الّتي لا يكفّون فيها عن تبادل الكلام المعسول إلى درجة تثير الغثيان؟!
ما من حلّ، هناكَ أخطاء لا تُغتَفَرُ تُرتكَبُ كلّ يومٍ في حقّ الكلمة، ولا أحدَ يستطيعُ أن يقول شيئاً! في جوابي السّابق، كنتُ قد تحدّثتُ عن رواية (موت صغير) للكاتب السَّعوديّ محمّد حسن علوان باعتبارها فازت بجائزة البوكر العام الماضي (2017)، وتعرّضتُ لبعض مواطن الضّعف فيها، مع الإشارة أيضاً إلى مواطن القوّة، لكنّني اليوم أعودُ لأطرح سؤالاً واحداً فقط بشأنها: ألمْ ينتبه أحد في لجنة التّحكيم إلى أنّ هذه الرِّواية هي صوتٌ مُكرّر لرواية أخرى هي (جبل قاف) للرّوائي والأديب الباحث المغربيّ عبد الإله بنعرفة، وقد سبق أنْ صدرتْ سنة 2002 بالرّباط عن مطبعة عكراش، ثمَّ سنة 2013 في بيروت عن دار ضفاف؟ إنّ من يقرأُ هذه الرِّواية، ثمّ رواية (موت صغير) الصَّادرة سنة 2016 عن دار الساقي، سيتأكّدُ جيّداً ممّا أنا بصدد الحديث عنه، وسيتساءل مثلي ويقول: هل يا ترى يمكنُ اعتبارُ الأمر مجرّدَ تناصٍّ، أم أنّه بشكلٍ أو بآخر نوع جديد من التّلاصّ؟! وهو السّؤال الّذي تناولتُه بالتّحليل بشكلٍ أكثر تفصيلاً في الجزء الثّاني من كتابي النّقديّ (كواكب على درب التّبانة) في دراسة تُزاوِجُ وتقارنُ بين الرِّوايتيْن الأولى هي (جبل قاف) لأديب وعارفٍ مغربيّ كرّسَ حياته للبحث والدَّرس في شؤون التَّصوّف والعرفان عبر مشروع ضخم ألّفَ بموجبه لليوم أكثرَ من عشر روايات عرفانيّة، والثّانية هي (موت صغير)، لروائيّ لم يسبق له أبداً أن كتب في العرفان والتَّصوّف سوى روايتِه هذه الّتي اقتبس الكثيرَ من تفاصيلها من قراءاته المختلفة سواء لرواية عبد الإله بن عرفة، أو لكتب محيي الدّين بن عربي وبالذّات (الفتوحات المكِّيّة) و(ترجمان الأشواق) مع ما فيه من تعليقات وحواشي أضيفتْ إلى النُّسخ المتفرّقة القديم منها والحديث والمعاصر، وكتاب آخر هو (شمس المغرب / سيرة الشّيخ الأكبر محيي الدِّين بن عربي) لصاحبه الدّكتور محمّد علي حاج يوسف.

لا أمل، سيبقى المبدعون الأشراف يعانون في صمتٍ، وليس لنا سوى أن نحمد الخالق ونشكره لأنّه هو من زرعَ في قلوبنا شجرة التّسامي، وأثمرَها بالمحبّة والعلوم لدرجةٍ تجعلُنا نتغاضى ونترفّع عن كلّ هذا، لننتج الأجودَ والأفضل والأرقى، وذلك لعُمق إيماننا بأنّ النّور أقدم وأقوى منَ الظَّلام، والخيرَ أسطع من الشَّرّ، والسِّلمَ والسّلام هما المبتدأ والخبر وسدرة المنتهى، وبأنّ الحقَّ يتولّى بالعناية صحبَه من الأُثَرِيِّين النُّورانيِّين، ملائكةَ الحرف والقيّمين عليه في كلّ مكانٍ وزمان، وأنّ الباطلَ لا مكانَ له بيننا ومصيره إلى الزّوال مهما علا شأنه وارتفع شأوه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج