الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من نحن؟الهوية الضائعة بين العراق التاريخي والعراق الاميركي

سعد سلوم

2006 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


-طبيعة الاحساس بالهوية

إنني أحب عراقيتي؟. يا لها من كلمة وما أبعده من تعبير!. الإحساس بعراقيتنا، كيف تراه يتجلى؟هل هو محض تعبير مجرد؟أعراقيتنا حائط نتكىء عليه،أم إحساس ننطلق به لتوكيد ارتباطنا بالأرض والشعب؟
ليست العراقية مفهوما مجردا أو نقطة افتراضية قابلة لقياس كمي،مفهوم العراقية ليس مفهوما جامدا ثابتا،إنما هو أفق لإحساس عام،ولطاقة متجددة،بل هو افق مفتوح: ثقافي سياسي اجتماعي تاريخي يخضع لقانون التطور ،وكمشروع سياسي يقوم على مبدأ التطور والتفاعل المستمر بين جميع الثقافات القومية والدينية والاثنية في المجتمع. ولا يكتمل هذا المشروع إلا بتوافر عامل سيكولوجي يتمثل بالولاء المطلق من قبل هذا الخليط الثقافي المتنوع الأطياف للوطن الواحد،أي أن يرفع الانسان-الفرد الإحساس بوطنيته فوق كل توجه طائفي أو مذهبي أو مصلحي،فالعراقية،ليست مجرد بطاقة شخصية تسطر عليها بضع كلمات تحدد الانتماء ،وليست اقل من رابطة قوية تلحم الذات بذلك الأفق الحضاري والقيمي المشترك الذي يسمو على المفهوم الضيق (للدولة القومية)، التي غالبا ما تقوم على العنصرية العرقية والتعصب القومي.حمانا الله من شرور التعصب!
و تجيء الولادة العسيرة لدولتنا الجديدة لتضع ساستنا ومثقفينا في مواجهة مباشرة لتحديد هوية هذه الدولة وهو تحديد يرتبط بالضرورة بتحديد الإرادة أو الهوية الجماعية التي يمكن لإرادة الدولة الارتباط بها داخليا،أي أن الإشكالية التي تواجهها الدولة الجديدة هي تحديد (نحن) الجديدة التي يفترض تمثيلها أو التعبير عنها ،أي السؤال عن من نكون، وماهية عراقيتنا؟

-المثقف العراقي بين المراهنة والمشاركة

ليس أمام المثقفين العراقيين اليوم سوى المراهنة- يا ليت الكلمة هي المشاركة - على صيغة التحول إلى الديمقراطية الليبرالية كصيغة تسمح بإقامة دولة أكثر استقراراً وعصرية لتشكل المسار الأجدى لعملية الولادة القيصرية لعراقنا المعاصر، والتعددية في ظل الليبرالية،تحول دون دخول أشباح المواقف الأيديولوجية الراديكالية من نوافذ قضايانا القومية والإقليمية، وانه لمن الباعث على الأمل التفكير بأن أيديولوجية الدولة العراقية التعددية الخاضعة لعملية التحول الليبرالي ستقوم على أساس الوطنية العراقية المحلية التي تقوم بدورها على اعتداد العراقيين بانتمائهم إلى الحضارة المشتركة المستمدة من التراث الغني لبلاد ما بين النهرين، وهي حضارة لا تستثني من حيث المبدأ أي جماعة عرقية أو دينية كما ذهب إلى ذلك جراهام فولر في كراسه(العراق في العقد القادم) الذي كنا نتبادل نسخته المستنسخة سرا أيام النظام البائد.
ولطالما تبادلت احاديثا مشوبة بالأمل مع مثقفين عراقيين كانت كل أمالهم تتشبث بحلم الدولة الموعودة ونظام الحكم الديمقراطي القادم وكانت أحلامنا تتراجع إلى مستوى الحلم بالدولة/الأمة، وكأننا نريد تحقيق حلمنا بأسطورة جديدة ذات صلة بتاريخنا القديم وحين كتبت عدة مقالات عن ضرورة الانفتاح على الاحتياطي الحضاري لامتنا العراقية وعقد المصالحة التاريخية مع تراثنا الرافديني القديم على أرضية الوحدة الوطنية لمشروع العراق الحديث.. واجهني البعض بمنطق البرغماتية السياسية واعترضوا على الطابع الرومانسي لما كتبت وكأن مستقبل العراق الفدرالي سيستبعد شبح الدولة /الأمة بمفهومها الكلاسيكي وسننفصل عن مفهوم العراق التاريخي ذي العمق الحضاري الذي يتجاوز سبعة ألاف عام، أو نتفق رغما عن أنوفنا مع مستقبل الدويلات القائمة على أساس عرقي وطائفي تحت مسمى الفدرالية؟!
وقبل أن نصبح نسخة دولليّة-نسبة الى النعجة دوللي- من تجربة أخرى كان من الأجدى التأمل في تحولات تجربتنا وقبل أن نهيئ أرضية الانتقال الديمقراطي كان من الأروع أن لا نغفل عن جذور الممارسة الديمقراطية في العراق القديم فقد دلت الأبحاث التاريخية والأثرية على وجود نوع من الديمقراطية في عصر فجر السلالات قبل خمسة آلاف عام قبل الميلاد تقريبا، فضلا عن وضع أقدم الشرائع من لدن حكام العراق القديم كشريعة حمورابي.وحين تم تأسيس الدولة القطرية الحديثة بعد التخلص من الهيمنة الاستعمارية كان الحكم في العراق مبنيا على التمثيل الشعبي بصورة تتزامن مع نشوء كيانه السياسي الوليد، وقد مثل دستور عام 1923 الوثيقة التي على أساسها قام الكيان السياسي للعراق الحديث، إذ عبر هذا الدستور عن نزوع ديمقراطي ليبرالي واتسم الكيان السياسي الجديد بسمات هذا الدستور ليبدو هو الآخر كيانا سياسيا ديمقراطيا ليبراليا، ومن اجل تأكيد هذا الواقع الديمقراطي تبنت الدولة العراقية الديمقراطية الليبرالية المؤسسات المعنية بالديمقراطية الحديثة مثل البرلمانية و التعددية الحزبية و حرية الصحافة لتعبر عن التوجه الديمقراطي الليبرالي. و نشدد اليوم على عناصر النجاح التي تهيئ لانطلاق التجربة العراقية مجددا عن طريق صياغة هوية تقوم على المصالحة التاريخية مع تراثنا الرافديني العظيم.

-مفهوم المصالحة التاريخية

نقصد بالمصالحة التاريخية :الانفتاح على الاحتياط الحضاري العراقي وتجنب معاملة بعض أجزائه على أنها غريبة عن العقل العراقي بما يتضمنه ذلك من عنصري التفاعل والتعايش قوام الوحدة التاريخية لأرض حضارة ما بين النهرين والوحدة الوطنية للعراق المعاصر: لم يكن تاريخنا يوما،تاريخ إلغاء الآخر، ولم تقم منظومتنا الفكرية والعقيدية أبدا على محق الأخر وإحلال أرديتنا على جسمه؟
لقد كان تاريخ حضارتنا بتجلياته وتمثيلاته الإمبراطورية والدولتية المتعاقبة تاريخ التفاعل مع الحضارات والأمم الأخرى،بل كان فوق ذلك تاريخ الانفتاح على أعداءنا ،حتى إن الأجنبي المحتل لأرضنا كان يجابه مفارقة كبيرة، حيث يمتص من قبل عقائدنا وثقافاتنا ،حتى يعاود إنتاج نفسه على مستوى جديد ،ملقح بأسباب عظمتنا.
ظل عراقنا على الدوام، بوابة تدخلها الأقوام لتجد صورة نفسها لم تعد تساويها في مرآة ذلك الآخر فإذا بها تنقلب على تاريخها وتنتقل إلى سر روح هذه الأمة وكونية انفتاحها حيث تبرز هذه الأرض مديات المشترك الإنساني بين الشعوب، والأفق الواحد الذي يجمع الجموع البشرية في قصة الحياة على كوكبنا الأرضي بما يحيل أرضها انفتاحا مطلقا، ووحدتها تاريخا متواصلا ،صنع نسيجه الشرق والغرب معا لهذا تجهل استراتيجية التفتيت التي تعمل على قلب النظرة التاريخية المترسخة في لاوعي الأمة بإعادة النظر في وحدة العراق و الترويج لتقسيمه على أسس جديدة يعمل في باطنها كهنة حروب الحضارات بطروحاتهم التجزيئية الجديدة وكأن الانفتاح الذي ميز تاريخ هذه الأمة محض سراب، والتعايش بين قومياته وأقلياته المتمازجة بتراب هذه الأرض منذ آلاف السنين محض ادعاء عاطفي سطحي.
كما نقصد أيضا بالمصالحة التاريخية الجهد الواعي للاحتفاظ بصورة العراق التاريخي الذي ينبغي على مشروع الدولة أن يؤطرها، كما يتضمن الجهد الموضوعي للانفتاح النقدي الإبداعي على الآخر وهو مما يؤسس لبناء وولادة الدولة العراقية الجديدة على أسس تضع المواطنة الصالحة والكفاءة والنزاهة في قلب الحراك الاجتماعي لبناء الهوية العراقية وهو ما يتطلب من النخب السياسية جهودا استثنائية وتأسيسية تنبني على إجماع على صياغة عقد اجتماعي على تربة المشترك الإنساني وهو ما لا يتفق مع التجزيئية أو التقليصية للذات العراقية باتخاذ المحاصصة الطائفية والقومية والفئوية والعائلية كمرجعية للانطلاق بالمشروع السياسي للعراق المعاصر.

- العراق التاريخي والعراق الاميركي

إنها لمفارقة كبيرة أن يكون العراق بحاجة للآخر المحتل من أجل أن يعيد تعريف ذاته وذلك المفهوم الآخر للعراق الذي يجري هندسته من فوق في يومنا هذا لا يمتلك قوة إنكار الواقع التاريخي لآلاف السنين المحفورة في لا وعينا الجمعي ولن يجد سوى انعكاس خافت على عيون أدمنت الرؤية لمشهد التنوع بحسبانه لوحة واحدة متمازجة لا تميز بين ألوانه أو تشعر بنشاز في جمالية التناسق الاقوامي في لوحة الحضارة العالمية هذه. كما أنها محاولة للقفز دون التأسيس الحقيقي أن تختصر صورة العراق التاريخي ذات الحجم الحضاري الهائل والعمق الإبداعي الذي لا يقل عن سبعة آلاف عام بالرؤية التي تنطلق من التجلي الحديث له ممثلا بالدولة العراقية التي هي عبارة عن- وبمنطق اللصق والتجزئة الاستعماريين- مجموعة من الولايات العثمانية-بغداد/ الموصل/ البصرة- التي تم تصميغ الواحدة منها بالأخرى من اجل خلق كيان هجين يحافظ على وديعة الذهب الأسود في أعماقها ؟! أو على حد التعبير الساخر"ان العراق لم يصنعه الله هكذا بل المستر ونستون تشرشل"
وهكذا يصبح العراق- ذو الامتداد التاريخي- مختصرا بشكله السياسي الحديث-صنيعة الآخر الأجنبي الذي قدر فخلق دولتنا- ومن ثم فان ما يشهد أو سيشهده من احتراب طائفي وتضاد عرقي وحاجة للآخر كيما يعيد تعريف ذاته، هو أمر منطقي تفرضه طبيعة الأشياء .
تجاهد النسخة الامريكية لتحديث مجتمعاتنا العربية التقليدية-في مقدمتها العراق- من دون أن تلمس جذور المشكلة(فمن هو معني بعمق تاريخك أكثر منك؟) فليس العراق مثل لوحة جون لوك البيضاء التي تنطبع عليها ملامح الديمقراطية الأمريكية بل هو أشبه بالمنظومة العقلية الكانتية لإدراك العالم الخارجي حيث تحكم عملية تحديثها شروط - قوانين قبلية - لعملية التحول المنشود، تنبع من الخصائص الاجتماعية للشعوب المعنية ولا يمكن أن يستسيغ العقل العراقي التحول الهووي-نسبة للهوية-، وإعادة الصياغة الفوقية دون أن يمر ذلك عبر منظومته العقيدية والعاداتية لتخرج تجربة الانطلاق الجديدة بثوبها المحلي لتصبح النسخة المحلية لتجربة عالمية؟! كما ينبغي توافر شروط موضوعية لنجاحها عبر حل اشكالية الهوية وهو ما لم يتم من خلال اختصار قضيتها بالفعل التمجيدي للماضي والفعل الدعائي الدوغمائي للتراث القديم للأمة ، إنها ليست نتاج وراثة الماضي بل هي فعل خلق للحاضر فما أجدى بنا أن نكون خالقي حضارة لا ورثتها فحسب ومن ثم فأن سفر تكوين الهوية يبتدئ بعبارة (في البدء كان الخلق).
وهي أيضا لا تتجه عمقيّا فحسب لإدراك الذات وحدود طاقاتها واستكشاف منابع ابداعها بقدر ما تتضمن الاتجاه أفقيا أيضا نحو ذلك الآخر المساوق لحركتها الحية في الحاضر للاحاطة بالتحديات التي يمثلها والفرص التي يقدمها الابتعاد عنه أو الافتراق منه. وبذلك فأن قضية الهوية ليست قضية الذات إنما هي أيضا قضية الآخر الذي لا يفترق عن الذات وهي ليست قضية انبعاث ما هو حي في الماضي بل قضية استشراف المستقبل وتهيئة مسرح الحاضر لمعانقة روح العصر.
وفي زمن سياسات الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار المربح ،نسي البعض أن الهوية هي أيضا قضية استثمار؟ لن يخسر فيها المرء أقل من نفسه ولن يربح أقل من معنى لحياته ووجوده.
إنها قضية استثمار لرأس المال الحضاري الكبير الذي يمثل احتياطينا الذي لا ينضب إذا ما حددنا التركيبة المعرفية المناسبة لاستثماره-وهذه قضية نضال حداثتنا المعاصرة- وهي استثمار معاصر لألوان الطيف العراقي على أرضية الوحدة الوطنية-وهذه هي قضية نضالنا السياسي الحديث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر