الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نعالج البُعد التجاري في أزمة الجنيه-دولار؟

مجدى عبد الهادى
باحث اقتصادي

(Magdy Abdel-hadi)

2019 / 2 / 1
الادارة و الاقتصاد


ما تعانيه مصر من أزمة اقتصادية ضخمة هو نتاج عدد من الاختلالات الهيكلية والنوعية ، استثمارية وتجارية ومالية ونقدية .. إلخ ، وهى تمثل انعكاساً لتفاعلات السياسات والممارسات الاقتصادية مع الهياكل الاقتصادية والاجتماعية السائدة ، ورغم محورية الأخيرة في الأجل الطويل ، إلا أن الأولى تلعب الدور الأبرز في الأجل القصير ؛ ما يبرز أهميتها في سياسات المعالجة قصيرة ومتوسطة الأجل ، لكن الجزئية غير الحاسمة بطبيعة الحال ، لآثار تلك الاختلالات .

ولا شك أن في هذا القول قدرًا من التبسيط والاختزال ، فليس ثمة أسوار صينية بين الهياكل من ناحية والسياسات والممارسات ناحية أخرى ؛ فالثانية في واقعها هى نتاج للأولى بصورة من الصور ، إلا أن هذا لا يعني افتراض كونها انعكاس كامل لها ، وإلا بهذا نكون قد ألغينا أي دور للفاعلية الإنسانية !

ورغم التداخل بين كافة أشكال هذه الاختلالات ، إلا أن أغراض التبصّر فيها وبناء السياسات الملائمة لها تتطلب عزلها مرحلياً ، خصوصاً عندما يتطلب الأمر حلولاً قريبة نسبياً لا تستوعب ولا تستطيع - بحكم طبيعتها وبحكم الطبيعة العاجلة والحالّة للمشاكل المطروحة - تقديم علاج شامل للاختلالات في تشابكاتها الواقعية ، وسنحاول في هذه العجالة تناول حجم وعلاج أحد أهم وأبرز هذه الاختلالات ، وهو اختلال مصر التجاري ، أحد الروافد الأساسية والأبعاد الجوهرية في أزمة الدولار المُستعصية في مصر .



أبعاد الاختلال التجاري :
----------------

من جهة الحجم الكلي للتجارة الخارجية بالنسبة لحجم الاقتصاد المصري ، والذي يشير لحجم اندماج الاقتصاد المصري في الاقتصاد العالمي ؛ ومن ثم درجة انكشافه على الصدمات الخارجية والازمات العالمية ، نقول أنه من جهة الحجم الكلي للتجارة الخارجية يشير تقرير البنك المركزي المصري لعام 2014 / 2015م (وهو المصدر المُعتمد في باقي بيانات المقالة) إلى أن حجم التجارة الخارجية بلغ 24.9 % من الناتج المحلي الإجمالي المصري ، وهى نسبة عالية بالنسبة لاقتصاد ليس صغيراً ، وفي ضوء متوسط الدخل الفردي المنخفض ، تعتبر نسبة عالية ، ويمثل هذا أول الاختلالات التجارية على المستوى الكلي .

ومن جهة العلاقة بين الصادرات والواردات في نفس العام 2014 / 2015م ، مثلّت الصادرات السلعية 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 18.3% للواردات السلعية ؛ ما يعني أن نسبة تغطية الصادرات للورادات بالكاد تجاوزت الثلث ، ما يعني كمياً أنه مقابل كل دولار صادرات سلعية يدخل البلد تخرج تقريباً ثلاثة دولارات واردات سلعية .

أما عن اتجاهات الصادرات والواردات جغرافياً في نفس العام ، فيأتي الاتحاد الأوربي في الصدارة بنسبة 33.7% من الصادرات و 29.2% من الواردات ، ثم الدول العربية بنسبة 25.2% من الصادرات و 22.5% من الواردات ، ثم الدول الآسيوية غير العربية بنسبة 14% من الصادرات و 21.8% من الواردات ، ثم الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وروسيا بنسب متواضعة ، ويُلاحظ وجود قدر لا بأس به من التوازن النسبي في المعاملات



حتمية إعادة هيكلة التجارة الخارجية :
---------------------------

وبالنظر لاتجاهات التجارة الخارجية نجد أن أغلب تجارة مصر الخارجية ليست مع الولايات المتحدة الأمريكية ؛ ما يعني مبدئياًَ "إمكانية" إبرام بعض الاتفاقات الثنائية التفضيلية مع البلدان والمناطق الأخرى للتجارة معها بعملاتها ، وهو ما سيكون له أثر إيجابي آخر هو إجبار مصر على العمل بشكل أكثر جدية على ضبط العلاقة بين وارداتها وصادراتها في تعاملاتها مع تلك البلدان والمناطق ؛ بما يمكّنها من ضمان تغطية المعاملات (الصادرات مقابل الواردات) لبعضها بعضاً نقدياً .

وتحظى بأهمية خاصة في هذا السياق الصين أكبر شريك تجاري لمصر في آسيا ، ذلك العملاق الاقتصادي الذي يطمح حالياً لدور أكبر لعملته دولياً ، حيث يمكن التعامل معه بعملته بما يمكّن مصر من توفير الدولار النادر ، فليست الصين صاحبة أكبر احتياطي دولاري في العالم بحاجة لدعم مصر لاحتياطياتها الدولارية ، بل هى بالأحرى ترغب في دعم الوضع الدولي لعملتها بزيادة نسبتها في مبادلاتها الدولية ، كما تؤكد دعوات قياداتها في المؤتمرات الأخيرة للحزب الشيوعي الصيني .

ويرتبط بهذا التوجّه المزدوج من اتفاقات ثنائية تفضيلية وخفض للتعامل بالدولار من جهة ومن موازنة للصادرات مع الواردات جغرافياً من جهة أخرى ، توجّه آخر يعمقهما هو إعادة هيكلة التجارة الخارجية المصرية بمُجملها جغرافياً ؛ بحيث تزيد فيها نسبة التعامل التجاري مع الدول الأقرب لمصر في مستواها التنموي وفي مستويات الأسعار ، أي الدول العربية والأفريقية والآسيوية على حساب الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية ؛ بما يسهّل مهمة التعديل الإيجابي للعلاقة بين الصادرات والواردات ويوفّر نسبةً لا بأس بها من الهدر في العملة الصعبة ؛ نتيجة لانخفاض أسعار الواردات من تلك الدول ذات الأسعار الأقل نسبياً ، ولاحتمالية زدياد الصادرات لتلك الدول بحكم انخفاض مستوى المنافسة والاشتراطات الإدارية (صحية وبيئية وغيرها) بها بالقياس لمثيلتها في الدول المتقدمة في الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية .

ويعني كل ما سبق أنه لا حل إلا بإعادة هيكلة التجارة الخارجية المصرية بكافة أبعادها ، وبوجهيها الكمي والكيفي ، أي التدخل الحكومي في إدارتها وتنظيمها بصورة ما وبنسبة ما ، فضلاً عن تغييرات وتضحيات في نطاقات اقتصادية واجتماعية أخرى مرتبطة بها لسنا في معرض تناولها هنا ، وهو ما يتناقض مع اتفاقات دولية خضعنا لها وانجررنا إليها لحساب مصالح رأسمالية تابعة لا تعنيها سوى مكاسب الوكالة والسمسرة مع الخارج على حساب الوطن وفقراءه ، وهى مصالح لا تزال مُسيطرة وتعزّز مواقعها بمزيد من الارتباط بالخارج ، بما يجعلنا بدعاونا هذه في وادٍ ونظامنا الرشيد الذي استمرأ تسول رضا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكلاء هذا الخارج الرسميين في وادٍ آخر !

وهكذا فحتى الحلول التجارية الجزئية تشترط أفقاً زمنياً وسياسات وتنظيمات ومواجهات غير مطروحة على أجندة النظام المصري !









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110