الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجه الغائب عن تحليل الديمقراطية العراقية/هدم الكهف واطلاق الشارع السياسي امام صندوق الاقتراع السحري

محمد خضير سلطان

2006 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


حين حدث الزلزال في 9 نيسان 2003، سرعان ما اطلقت القوى الاجتماعية من الكهف القديم وظهرت مغشية امام نور العالم ولعل الطبقات السياسية في الشارع العراقي طوال العقود الماضية وتبعا للاحداث الكبرى كانت تمارس الظهور الى الشارع في حالة من المد السياسي لبعضها فيما يختفي البعض الاخر ويتوارى بجمهوره ليظهر في عقد اخر فيتوارى من ظهر قبله، أي ان الشارع العراقي لايتسع لجميع القوى وكان يحتفظ بكهف لاطلاق واخفاء ما يرى على وفق المواضعة السياسية والا كيف يفسر الباحث المد الديني في السبعينيات واليساري في الستينيات من القرن الماضي بغض النظر عن المؤثر الاقليمي والدولي .
الان ، حدث ان الشارع العراقي ، استطاع تدمير الكهف القديم وظهرت الى السطح جميع القوى لترى في بداية الشارع الجديد صندوق الاقتراع السحري دون ان تعنى بتعريف جومبيترللديمقراطية او قواعد روبرت التنظيمية لها سوى انها مدفوعة بهاجس تخطي الطغيان وهي سمة الديمقراطية العراقية والوجه الغائب من تحليلها الثقافي والطبقي والتاريخي.


الوضوح للنص والدقة للخطاب

عندما يكون المرء دقيقا في كلامه .. هذا يعني ان تتماثل لغته الى درجة كبيرة مع الفكرة المنبثقة عنها، وعندما يغدو واضحا .. يعني اعطاء النص او الكلام ، الصياغة اللغوية الملائمة التي تلتحم مع المنظومة الفكرية او المنهاجية لديه .الوضوح للنص، والدقة للخطاب ،
يستطيع رجل الدين ، ان يتماثل بفقهه الديني مع الفكرة المذهبية والعقائدية المعبر عنها مثلما يستطيع رجل الدولة التعبير المباشر عن النظام الهيكلي للمؤسسات وبنائها المتقدم والمتخلف او التنموي .الرجلان ينطلقان من وضوح نص ودقة خطاب لكل منهما .
بذلك ليس من السهل ، ان ياخذ احدهما موقع الاخر ازاء المعادلة شديدة الضبط ، فلا يمكن الجمع بين دقة الكهنوت ووضوح الناسوت وبالعكس ، وليس بوسع رجل الدين الكلام عن التقدم او التخلف كمفردة معاصرة الا اذا اوتي الشكل النظري المناسب الذي يرافقه مشروع تحديثي مثل مشروع الشهيد محمد باقر الصدر، حين يتحدث عن التقدم او التخلف من افكاره المعروفة في هذا المجال ضمن مسعاه التحديثي الى مجاورة خطابين بدقة منهجية ليفضي الى وضوح النص ودقة الخطاب(1).
مقابل ذلك ، لايستطيع رجل الدين والناشط السياسي في غمارنا الديمقراطية الراهنة السيد اياد جمال الدين، (على سبيل المثال ) ان يعطي اجابة دقيقة عن مفهومي التقدم او التخلف بوصفه رجلا دينيا معمما وانما يتوقع ان تكون اجابته مطابقة لما تقوله الفكرة العلمانية والمدنية، في سياق مكتسبات خطاب من خطاب اخر وبهذه الفكرة ، لا يؤكد السيد جمال الدين الفصل بين خطابين وما يترتب على ادوارهما الوظيفية والهدفية حسب بل ويكشف عن اعتراف بالخطاب الديني الراهن كونه جزءا من الفضاء المدني ، وبهذه الفرضية ، يسقط النظرة الكلية وينسجم مع العالم من خلال استثمارالمكتسبات الانسانية دون التعارض معها من جهة ، ودون ان يعطي تفسيرا يؤقلم خطابه مع الخطاب المعاصرمن جهة اخرى ، والواقع هذه الفئة الوطنية الخارجة عن دائرة المؤسسة الدينية الراعية، يحفل بهم تاريخنا السياسي الوطني منذ بدايات تشكل دولة العراق الحديث ولهم سجل حافل بالريادة في اولوية البعد الانساني على الديني ، والسيد اياد جمال الدين والشهيد عبد المجيد الخوئي وغيرهم بعد انهيار الديكتاتورية ، هم احفاد هذه النخبة في تحييد الدين عن الدولة.
اما دائرة المؤسسة الدينية ، فانها تضم دولة صامتة على جميع الصعد ، وتمتلك ثقافة الاكثرية التي تقود بها هذه الدولة السرية الابوية بامتياز، وادارة شؤونها الاجتماعية دنيويا واخرويا في الوقت الذي لاتسيطر فيه على الواقع بل تهرب بالتعالي عليه، وتستطيع الاكثرية المجتمعية انطلاقا من ثقافتها العضوية الموروثة والمتماسكة ، الموجهة من قبل المؤسسة الدينية الراعية ان تلبي مقتضيات أي نظام ضرائبي اوتعليمي او سياسي ، يفرضه نوع النظام في السياقات الحديثة وتتصرف وفقا لتصورات راسخة بان هذه الانظمة طارئة ولا تمثل جوهرا اخرويا ولكنها تستجيب لمقتضياتها العامة وتنصرف بعد نهاية دوامها الرسمي في المؤسسات الادارية والامنية الى صومعة التعاليم التي تكرس شرعية دينية في ادارة شؤون المجتمع الدنيوية بغض النظر عن الازدواجية في السلوك داخل نظامين لهدف واحد .
وفي اثر هذا الاشتباك المعقد لصدام الخطابات لابد ان يرتبك حساب العقل السياسي العراقي في مواجهة الظروف المصيرية التي تحيق الخطر الداهم بالبلاد ولابد ان يحبط ويشقى أزاء اللامبالاة امام مضخة الدم الهادرة التي لاتهدأ ولاتبعث على الوعي العملي لدى النخب السياسية وبالتالي يحجب عن العقل القدرة على التخطيط والتحرك والفعل على الارض ، انها دراما من القرابين الابراهيمية التي ينذرها شعب العراق عبر شيوع مشهد الانفجار البركاني الهائل الذي ما ان تنفجر طبقة عميقة منه حتى تسفر عن آخرى ، في سلسلة مستمرة بلا استنفاد، وهكذا فان سمة اطلاق القضايا الدامية في وجه التاريخ ، تجعل التاريخ ، يقف على سطح الشارع العراقي، وينزلق بشراسة دون ادنى اعتبار او تفكر لحجم الكارثة (الجنة بانتظار القتلى والقتلة ) بل هناك من المسؤولين الحكوميين ،من يتماهى مع ذاكرة الفواجع في تاريخ العراق فيعبر عن السعادة بالموت بوصفه معبرا الى الحياة الثانية دون ان يدرك بانه يضلل القانون الانساني الوضعي ويتقمص دور الامام في موقعه السياسي المدني، اذ يغدو التماهي دراما بكائية لانطلاق الكلام من قاعدة دينية باتجاه افق مدني محض.
وانطلاقا من ذلك لابد ان توفر مبادرة الفهم والتفهم مدخلا لاعادة تقييم الاوضاع والكشف بسرعة عن الدقة بين اكثر من خطاب محلي بوصفها وضوحا وتمييزا داخل كل خطاب كان دينيا ام مدنيا ، على سبيل المثال ، الموقف من (الاحتلال) في العراق بين رافض بالقطع وبين موافق بالتضمين دون ان يعلن موقفه المباشر (وهذه ليست دعوة للقبول او الرفض للاحتلال بقدر ما هو كشف بتحليل الفهم والتفهم )، موقف الرفض ، يتماثل مع خطابه على وفق القاعدة المفاهيمية التي تربط البناء التاريخي لتداول السلطة في القرون الاخيرة ، بعد انهيار الخلافة الاسلامية وبروز بنية التوائم الديني مع هذا التداول الذي عمل على تشكل النظام العربي الراهن مما جعله ينظر الى الاحتلال بطريقة لايمكن ان تتجزأ مهما تتيح عمليات التحليل وبيان الفرق بين ظرفية هذا الاحتلال او ذاك علما ان النظام العربي ، يتعاطى مع الوجود الاجنبي في العقود الاخيرة بنحو تجريدي بين الفكرة العقائدية التي يشيعها في المجتمع وبين المرونة الواضحة والمتدرجة بالتعاطي مع الابعاد الاستراتيجية الدولية .
اما من يوافق ضمنا بوجود القوات الاجنبية في بلاده ، فهو يعتقد انسانيا وليس فقهيا مذهبيا ، بان مسألة القبول بالطغيان الصادر عن النطاق الوطني امر لا يصمد امام مصادرة الحريات وقمع اداء الشعائر وتغليب الايديولوجية في السلطة لاستحكام النفوذ والتحكم الاخرق بمصائر الناس حتى لو كانوا اغلبية ، لان مفهوم الاغلبية يقرن بما يراه النظام العربي لمفهوم الامة العربية – الاسلامية في وحدة بنائها الجغرافية والمذهبية فيدمج الاغلبية العراقية في سياقاته عسفا ، ومع ذلك فان المذهب ذا الموافقة الضمنية للاحتلال لن يستطيع اعلان موقفه النهائي تبعا لمفارقة انسانية- دينية ، اذا لم نقل ازمة، وبالتالي يقتضى دراسة الدقة والوضوح بين النص المحمول على البعد الانساني والخطاب المحمول على البعد الديني .
واذا كانت الطائفة الدينية ، تقف في وجه الاحتلال دون استعادة لبيان فرق الظرفية التاريخية فمن الطبيعي ان ترى كل ما يترتب عليه ، هو باطل مهما كانت الاثار المدنية كارثية فيما ليس بوسع الطائفة الدينية الموافقة ضمنيا في خطابها الديني ، ان تقرر بفتوى دخول الافراد العراقيين في الحرس الوطني او الشرطة العراقية الا على المستوى الضمني الملتبس غير المحسوم شرعا .

التعويل على الواقع الخالق

ما يحدث في وقائع المشهد العراقي الضاري الان ، شيء شبيه بهذا الالتباس اللغوي ،صدام خطابات ،وضوح ساطع وجلي ، يسفر عن جنينية البنيات الاجتماعية المكونة للدولة مثلما تسفر عن النمو التدريجي المتعثر للمجتمع عبر العملية السياسية ، غير ان هذا الوضوح سرعان ما يسفر عن سلوكية انعدام الدقة تماما بعد ثلاث سنين من التغيير والعمل المتململ،شيء شبيه بالتخبط الوجودي المرتكز الى لحظة انية حية، خسران الدقة المناسبة لعملية نمو سليمة في ظل لحظة الاحتلال ، لنأخذ مثالا على ذلك قبل سقوط الصنم كانت المعارضة العراقية بكل مكوناتها الحالية في السلطة، تبدو موحدة قبل سقوط الديكتاتورية لدى المجتمع العراقي ازاء لحظة الاستبداد ، الاحزاب والقوى الوطنية جميعها ،المقارعة للاستبداد في الداخل
والخارج (مع التحفظ على الداخل بسبب الطغيان المطلق ) وقبل انهيار الديكتاتورية في العراق، كانت تقيم شكلا من (تحالف) العلاقة في ما بينها من خلال الوقوف بوجه الهدف المشترك للجميع مهما كان التناقض والانقسام الآيديولوجي والسياسي، ولكن بعد انهيار اسوار الاستبداد واطلاق الديمقراطية الغريبة على جميع هذه القوى ( السياسية والاجتماعية) وعبور الهدف المشترك ، بعد التاسع من نيسان 2003، وجدت أكثر تلك القوى والاحزاب نفسها في حالة من المشروع الحقيقي المباشر ولأول مرة أمام المجتمع وقواعدها وفي صيغة لم تألفها او تتعاطاها في العمل السياسي بما يؤكد تفكك القاسم المشترك الكفاحي بل وانهياره بعد ان استنفدت ضرورته السابقة، شيء ما بدا ينهار ايضا داخل القوى العامة نفسها ،لانها تستطيع ان تاخذ مكانها حتما في المرحلة الجديدة ولكن كيف تستطيع بخطابها الشمولي ان تواجه مقتضى العمل الديمقراطي حيث الديمقراطية مفردة معدومة في قاموسها الادبي السياسي .
أذن، كيف تنظر هذه القوى المتعددة المشارب ( اسلامية، ماركسية، ليبرالية ، قومية) الى وسائلها المتناقضة في اطار النظام التعددي، الفدرالي، اللامركزي وهل من السهل ان تلتقي حول قاسم مشترك جديد اذا ما أجرت تغييرا جوهريا في نظامها الاساسي أم أنها تحيا في ساحة مفتوحة وترى نفسها أكثر من السابق وتكون مواجهة النفس أول تحديات تلك الساحة المفتوحة عبر الاستعادة والتكيف واستنباط وسائل جديدة قبل الجهود المشتركة ام انها تعول على الواقع الخالق التي تتصل مرجعياته ومراكزه في واشنطن .
ما هي الفرضية السياسية التي تنبثق أزاء نظام تعددي، فدرالي، لامركزي آت تبعا لدستور محلي كتبه عراقيون، بعد ان دفعت اليه المبادئ الاساسية في قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية المقررة من قبل جميع القوى السياسية والدينية في العراق والمنضوية في أطار مجلس الحكم وقتها ولا يخفى ان اقرار المبادئ الاساسية المتضمنة، جاء على أساس جلباب (التوافق) الذي غطى على التفاوت والتناقض بين القوى والتيارات كلها كما لا يخفي الجانب الايجابي الزائف الذي يوضح في التحليل بأن القوى الاساسية بوجودها الاحادي ومنطلقاتها الذاتية ، تستثمر شكلا فضفاضا من العلاقة الائتلافية مع تكوين الفضاء الاجتماعي والسياسي ،ومع ذلك لم يؤت نتائجه على الارض بعد ثلاث سنين من التلفيق والارضاءات الساذجة .
كان الاستبداد هو القاسم المشترك الاعظم بين القوى السياسية ابان الكفاح المشترك ضد الديكتاتورية وكان يوضح شكل العلاقة الهش بين القوى أكثر من ان يشكل قوة ومجموع كتلة القوى ذاتها كبرنامج سياسي متكامل ضد الفاشية فلم تتحول الاتفاقات المعقودة بين فئات المعارضة العراقية قبل سقوط الاستبداد الى قاعدة مشتركة تهيئ الى مسار اخر من الاستعداد الى الاهداف الحقيقية التي تنتظم كل قوة وحزب في اتجاهات متعددة وتتضمن البرنامج الذاتي والمتكامل في آن، واذا كان ثمة مؤتمر وطني يضم ستة احزاب ، اكثر او اقل ، تشكلت قبيل انهيار الفاشية فسرعان ما انفرط بعيد انعقاد مؤتمر اور في الناصرية 2003 وذابوا في مصهر العملية السياسية المتململة ، واذاكانت بعض القوى قد جاءت بالجواز المزور لتواصل كفاحها بالداخل فسرعان ما تم استدعائهم بسهولة للتهيكل في مجلس الحكم والحكومة المؤقتة وضاعت اصواتهم الحقة في صخب الفئوية والمحاصصة ، فيما هم براء منها .
الان ، تتخذ حالات القواسم المشتركة مسارا اخر في المرحلة الانية اذ تواجه القوى المكافحة سلطة بيد صانع قرار اخر وهو المجتمع تبعا لمبدأ التداول الديمقراطي الا انه يضع هذه السلطة في يدها بالضرورة لتحار جوابا بسبب عدم دقة الخطاب في الوقت الذي لايدعم افقه مشروع ما .
وتبعا لذلك فأن المؤتمر الوطني الغائب سيفرض على جميع القوى ان تجري تأهيلا
ذاتيا يتلاءم مع الراهنية الجديدة ويضمن ديمومتها واستمرارها على الفعل الحي المجدي اكثر من الخطوة الاحادية الداخلية لكل فئة. وتعد اية خطوة في الاستعادة والتكيف تحضيرا وردما للتفاوت وتحقيقا منجزا لمبدأ التوافق. فالعملية السياسية واضحة كفكرة ، تتبلور باستمرار لكنها غير دقيقة لاتصالها بخطاب فضفاض ، تعمل اطرافه الفضفاضة على محو الاثر حتى تبدو العملية اشبه بمراوحة وتطريس على خطوة واحدة ، تلتقي فيها العناصر الطائفية والاثنية والقومية بوصفها عناصرمشاركة في البناء السياسي وتختزل عملية صنع القرار، واذا كانت قبة البرلمان هي المختبر التحويلي للبرنامج الوطني المنشود ، فان ذلك لايحدث من دون عملية التاهيل الذاتية التي تسبق الجلسات المفتوحة تحت القبة ويجب ان تشهد في البرلمان خروج هذه المكونات الطائفية والاثنية والقومية عن دوائرها الضيقة الى دائرة الوطن الاكبر ، من يستطيع تعيين دائرة الوطن الاكبر دون ان تتقاطع تصورات الدوائر الضيقة ؟
ان البرلمان لا يشهد التغيير من داخله اذا لم تأت حيثيات التقدم من الخارج ( تحول المكونات في نظامها الثقافي ) والا كيف يمكن ان نعطي توصيفا للمواطنية العراقية في ضوء ذلك ، وكيف بالامكان تحديد نقطة منتصف الطريق التي جاء بها مبدا التوافق .. صحيح انها نقطة لا على التعيين في المرتسم الافتراضي للعملية السياسية ولكن من الصعب البرهنة عليها بلا وجود قيم متحركة على الارض ، وتغدو حالة الوصول الى منتصف الطريق ، هي الوصول الى منطقة جديدة من استمرار النقطة اللامتعينة في عمق جديد من المرتسم بالرغم من هدر الوقت من شعب وضياع استثمار الجهد على النحو الافضل ( 2).



الدوران حول نقطة واحدة

وبوضوح اشد ، ان مشكلة كركوك على سبيل المثال اذا وضعت تحت سياق التوافق فلا تجد بعد ثلاث سنين من الطاولة السياسية الا ترحيلا متواليا من قانون ادارة الدولة الانتقالي الى الدستور ومن المجلس الوطني المؤقت الى مجلس النواب ... ثمة من يعتقد بعملية الهروب الى الامام كاحد الادوار الانتقالية المطلوبة لتخطي الازمة وايجاد سبل الحل في الوقت المناسب ،وهذا صحيح اذا كانت الادوار الانتقالية جزءا من الحل على المنحى الايجابي وليس جزءا من المشكلة على المنحى السلبي ، والجزء الثاني السلبي هو القائم في التعاطي مع المشكلة لان الوعي الانتقالي للجماعات السياسية لابد ان يرافقه نشدان بيئة التفاوض الصحيحة وليس بترسيخ المحاصصة التي تصطدم بالترحيل المستمر للمشكلة من اجل تاجيل النزاع حولها وبالتالي فان تجنب النزاع على هذه الشاكلة ، هواستجماع مؤجل للقدرات وتهيئة لساحة المعركة والبحث عن الوقت المناسب للحل في الطريق المسدود اذا لم نقل استخدام العنف ، والامر ينطبق على جميع القضايا المؤجلة في البيئة السياسية العراقية . كنا نعتقد ان المحاصصة جزء من التوافق لكي يتم نفيها وعدم التعامل بها مستقبلا في التدفق الجدي لافكار ادارة المجتمع ولكن الواقع العملي المؤسف اثبت انها احدى نتائج التوافق الصارمة .
من المفارقة المضحكة في ضوء ذلك ، نجد ان الطور الانتقالي الحقيقي ، يبدا على نحو فعلي في المرحلة الدائمة المفترضة نتيجة لعدم الحسم المزري للقرارات السياسية وهلامية التشكيل المؤسسي على اثر ذلك، او بالاحرى حالة افخاخ ما يسمى بالمربع الاول، تتواصل بالرغم من السقف الزمني والاجرائي لتخطي المرحلة الانتقالية، وتغدو عملية تجاوز الادارة المدنية بواسطة قانون ادارة الدولة الى الحكومة المنتخبة في الاطار الدستوري ، هي عملية دوران حول نقطة واحدة ، تتخللها عملية هدر مريع للزمن من وجود شعب ، ويسجل اثمان هذا الهدر بالدم العراقي المراق سيولا دون ان يشعر السياسيون العراقيون بالحرج قبل ان تخطر في اذهانهم اخطار المسؤولية حتى يظن المرء بان وجوههم صفراء كالحة اذا ما نزعت عنهم شعارية وتقوى اللغة الكاذبة ، انهم وبعد ثلاث سنين من التغيير مصعوقون بلحظة سقوط الصنم الديكتاتوري وبالرغم من كل الجهد الظاهر لم يتجاوز القرار السياسي العراقي تلك اللحظة التي انهار فيها الصنم، وحذار ان تلقى اللائمة في المدى الاجتماعي ، فالمجتمع ينتظر فعلا مجديا على من اختارهم لعظم المهمة وفقا لشرعية الانتخاب وانطلاقا من فرضية الانعتاق والجور، غير ان الامناء المختارين فضلوا مبدا التعويل على المجتمع السياسي الدولي (الخالق) الذي اسقط الطغيان في بلادنا وترسخ هذا التعويل لدى الاوساط السياسية العراقية في سلوكها عبر ثلاث سنين من الدوران حول نقطة واحدة دون ان تبتكر اسلوبا لنقل المشكلة من مركزها الخارجي المطفىء بعد التغيير واطلاق الديمقراطية الى مركزها الحقيقي في داخل البلاد فيما عملت هذه الاوساط دون ان تدرك على تحييد المجتمع العراقي – مصدر قرارها – عن المجتمع السياسي الدولي بل ازداد الامر سوءا حين تمعن السلطة في اتخاذ الاوساط المجتمعية اداة في هدفياتها السوقية بدلا من العمل على وفق مقتضيات الديمقراطية على التوازن وتطوير دورها في الضغط على السلطة ..... وحالة اتخاذ الاوساط المجتمعية اداة برامج حكومية وحزبية ، سوف يطمس دورها في بواكير الوعي المدني لدورها الحقيقي .

وجها الديمقراطية العراقية

يترتب على هذا السياق ، ان اللغة التي تستخدمها المكونات العامة المشاركة التي تشكل السلطة . تنتمي الى خطابات متعددة الا انها لا تشكل الخطاب السياسي العراقي العقلاني المتسق مع خلاصة التجربة العراقية الفذة قدر ما تكون مجموع اساليبها الذاتية المتضمنة اكثر من خطاب متفاوت في النظر الى العالم ، واذا كان الخطاب السياسي العراقي بعد سقوط النظام القومي في طوره التكويني ، الوطني ، المتنامي فلا يعني مباشرة النظام الجديد بلا ادنى تمحيص وتفكر ، زج العناصر المجتمعية المشاركة في اللعبة الى اقصاها كآليات ديمقراطية شكلانية ، مبكرة ومفاجئة على الكيانية العراقية دون اعتماد منحى تحليلي ، يؤشر الثابت والمتحرك من التجربة العراقية اليسارية خمسينيا وستينيا والصامتة سبعينيا وتسعينيا من القرن الماضي والكامنة في كل العقود الماضية دينيا( وبالاخص الطائفة الشيعية) وبالرغم من الدراما العراقية الكهفية غير المنطقية اقترانا بالوضع الحالي، أي انها نخبة من الافذاذ في مواجهة الجور الا ان وضعها الماساوي غير قادر على خلق برنامج سياسي كفء لمواجهة سقوط العسف ومع ذلك لا يبرر للامناء الحاليين وبروزهم الضروري في الساحة الجديدة ، التنازل عن النظم المعاصرة الثابتة وسياقات العصر في ادارة شؤون الدولة من اجل لحظة مفقودة في سياقنا التاريخي الاستبداي ،
الواقع ، ان الديمقراطية العراقية، لها وجهان ، الاول يتعلق بها كونها احد معطيات الاحتلال ، هذا يعني ترابط العلاقة بخطاب الاخر الراسمالي الليبرالي .....علاقة المبنى بالمعطى .... الذي يمثل الفكرة الغربية عبر تحولاتها المستمرة حتى وصلت الى ربط الكولنيالية الجديدة باقتصاد السوق وتجاوزت تفاقم ازماتها بما يسمى بالطبقية الجديدة لصالح استحواذها الراسمالي وعبور اخفاقاتها في تاريخها الطويل ومن الضرورة ان تتخذ على المستوى السياسي طرائق محدثة فابتكرت اسلوبية المحافظين الجدد ، شديدي الصلة بالمفاهيمية المتطورة منذ نشوء الدولة الاوربية وتحولات الانقسام الطبقي والثورة الاميركية التي ركزت الثروات في نظامها الاساسي الى جانب نمو الفكرة الديمقراطية وتطورها داخل النظام النيابي الدستوري حتى استقرت في ظل اقتصاد السوق والخصخصة الى صيغتين من الصيغ الديمقراطية التي حصرها بعض الخبراء بخمسمائة نمط ، الاولى ، الديمقراطية الانتخابية حسب تعريف جوزف شومبيتر بانها نظام يتضمن توسيع قاعدة المشاركة في عملية صنع القرار السياسي من خلال الانتخابات التنافسية ، والثانية ، المفهوم الكلاسيكي للديمقراطية الليبرالية التي تولي اهتماما فائقا بمبدا الحريات الفردية المدنية الى جانب الحريات السياسية العامة، ( ويعد كتاب روبرت دال – التعددية ، المشاركة ، المعارضة – من المساهمات المهمة في هذا المجال حيث اضاف الى جانب مطلب توسيع نطاق المنافسة والمشاركة السياسية ، ضرورة توفير مستوى ملائم للحرية السياسية مثل حرية التعبير والصحافة والتنظيم والاجتماع ومثيلاتها (3 ) .)
هذا الوجه في ديمقراطيتنا العراقية ، لايمكن باية حال في سياق اوضاعنا السياسية والاقتصادية والثقافية ان يكثف وجوده بصورة او اخرى ابتداء من لحظة تدشينه على الارض ، واذا كانت الديمقراطية خيار المحتل فالقوى السياسية في المجتمع العراقي لم تكن مدفوعة للتعاون الا بارادة التغيير واسقاط الديكتاتورية ، ومع ذلك فقد اندفعت هذه القوى في مجملها بدوافع هذا الخيار وصار المجتمع العراقي ، ينظر الى فكرة العدالة بعد سقوط الاستبداد من خلال صندوق الاقتراع ، لا لشيء خبره جيدا وانما لكونه يمثل عتبة وطيدة بالثقة من اجل تخطي ارتكاس وعودة الطغيان وبعد مرور ثلاث سنين مازالت اوساط عديدة من مجتمعنا وهي على حق ، تعتقد بان انسحاب القوات الاجنبية ، سوف يعيد العجلة الى الوراء وتحل الديكتاتورية من جديد ، بالضبط قبل ان يهمد غبار اخر دبابة منسحبة ، أي ان ديمقراطيتنا لم تصل الى تامين وطننا من شرور الطغيان ومن الممكن للثقافة السياسية القائمة العصف بمكتسب الديمقراطية الهش، ويغدو مبدا المشاركة عسكرة مجتمعية على نحو جديد .
اما الوجه الثاني لديمقراطيتنا العراقية ، هو القدرة الثقافية في درجة دنيا على توفير البيئة السياسية والاجتماعية لنمو صحيح لاليات تطبيقها من جهة ، وبيان مستويات ونتائج التطبيق باتجاه افاقها من جهة اخرى ، بمعنى دراسة بناء الوظيفة والهدف بالتزامن مع تكوينية المشهد الاجتماعي .
ان الفعالية الديمقراطية العراقية ليست خيارا مجتمعيا عراقيا ولم تكن بابسط صورة لها منطلقة من هامش تاريخي ، يخلفه الاستبداد المطلق في المركبات العامة للمجتمع العراقي فالمستبد الفاشي لم يدع أي انقسام يقود الى تحول طبقي ولم يترك اية فاصلة لنشوء شكل من الوعي المدني ،وكانت جذوره الفردية المتعسفة اعمق من الجذور المؤسسية للدولة والعراقيون المظلومون ما خرجوا بعد انهيار الاستبداد المطلق من نظام مجتمعي حديث على أي نحو وانما كانوا عائدين من جبهات القتال وتجانيد السوق والمدارس المغلقة والمقابر الجماعية، ليس ثمة لمحة في خيالهم لشيء اسمه العالم ولم يتغلغل في كيانهم أي احساس بوعي الذات، الطبقة التجارية صيرت فئة عتالين للسلطة حيث لاتستطيع بالمطلق لاشتراطات صارمة ، ان تشكل بنفوذها الاقتصادي المستلب اية خطوة في نظام تطوري، يوفر هامشا لابداء ضغط واطلاق اسار وعي ، اما التجمعات الشبابية والطلابية فهي مساقة بالعنف الى تفريغ وعيها الطبيعي بالعالم ونزوعها التغييري باتجاه الاحادية الايديولوجية للطغيان، والامر ينسحب على جميع القوى الاجتماعية التي يتربص النظام الفاشي بقمع حركتها التقليدية نحو التغيير.
وحين حدث الزلزال في 9نيسان 2003، سرعان ما اطلقت القوى الاجتماعية من الكهف القديم وظهرت مغشية امام نور العالم ولعل الطبقات السياسية في الشارع العراقي طوال العقود الماضية وتبعا للاحداث الكبرى كانت تمارس الظهور الى الشارع في حالة من المد السياسي لبعضها فيما يختفي البعض الاخر ويتوارى بجمهوره ليظهر في عقد اخر فيتوارى من ظهر قبله، أي ان الشارع العراقي لايتسع لجميع القوى وكان يحتفظ بكهف لاطلاق واخفاء ما يرى على وفق المواضعة السياسية والا كيف يفسر الباحث المد الديني في السبعينيات واليساري في الستينيات من القرن الماضي بغض النظر عن المؤثر الاقليمي والدولي .
الان ، حدث ان الشارع العراقي ، استطاع تدمير الكهف القديم وظهرت الى السطح جميع القوى لترى في بداية الشارع الجديد صندوق الاقتراع السحري دون ان تعنى بتعريف جومبيتر او قواعد روبرت التنظيمية سوى انها مدفوعة بهاجس تخطي الطغيان وهي سمة الديمقراطية العراقية والوجه الغائب من تحليلها الثقافي والطبقي والتاريخي.

المراجع

(1) نقلا عن المفكر الاسلامي محمد عبد الجبار الشبوط في كتابه ( التخلف السياسي ) الصادر عن اوراق التيار الاسلامي الديمقراطي 4-2005ص84 ، ان السيد الصدر ، يمضي بعيدا في طرح ( التقدم الانساني ) مصطلحا ومفهوما ، فيؤكد في محاضرة القاها بتاريخ 24 جمادي الثانية عام 1399هجرية ان ( الانسانية حينما تكدح نحو الله فانما هي تتسلق الى قمم كمالها وتكاملها وتطورها الى الافضل باستمرار ) ، ثم يطرح السيد الصدر كما يتابع عبد الجبار ، النظرة الايجابية المتفائلة الى انجازات الانسانية " التقدمية " حين يقول ( حتى تلك الجماعات التي تمسكت بالمثل المنخفضة وبالالهة المصطنعة واستطاعت ان تحقق لها سيرا ضمن خطوة على هذا الطريق الطويل ، حتى هذه الجماعات التي يسميها القرآن بالمشركين حتى هؤلاء ، هم يسيرون هذه الخطوة نحو الله وهو اقتراب من الله سبحانه وتعالى ) .
(2) يرى الحاكم المدني في العراق بول بريمر في كتابه ( سنتي في العراق ) الذي نشرت ترجمته جريدة المدى في حلقات متسلسلة في شهري شباط واذار 2006 ، ان ما يحققه التحالف في اسبوع ، ينجزه مجلس الحكم في شهر .
(3) قضايا التحديث واشكالياته في العالم العربي ، د . هالة مصطفى ، رئيس تحرير مجلة الديمقراطية، مؤسسة الاهرام عن الموقع الالكتروني افكار ، مجلة فكرية الكترونية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر باريس حول السودان: ماكرون يعلن تعهد المانحين بتوفير مس


.. آلاف المستوطنين يعتدون على قرى فلسطينية في محافظتي رام الله




.. مطالبات بوقف إطلاق النار بغزة في منتدى الشباب الأوروبي


.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: هجوم إيران خلق فرص تعاون جديدة




.. وزارة الصحة في غزة: ارتفاع عدد الضحايا في قطاع غزة إلى 33757