الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي بن يقطين . حاج

عبدالزهرة حسن حسب

2019 / 2 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


قد يطول الاستبداد وقهر الانسان ، حتى ييأس الكثير لأنهم لا يرون للمأساة نهاية . لكن مفاجأة السقوط تدهش الجميع ، ويبقوا عاجزين عن تفسير سرعة ما حدث . وحقيقة الأمر في مرحلة الاستبداد وقهر الانسان توجه السياط الى جسم الانسان ، ويبقى عقله سالماً معافى يزيده لسع السياط حنقاً وحقداً وثوريةً تتراكم يوماً بعد يوم حتى تبلغ ذروتها عندما تنعزل الدولة عن الشعب ، وتصبح جسم غريب في المجتمع . عندئذٍ يحسب الجميع لساعة الخلاص وتبدأ مرحلة الانتقال . قد تطول وقد تقصر ، يعتمد ذلك على وعي الشعب وإدراكه لمصالحه ، ولا ننسى دوره في عملية السقوط . رغم أن الشعب كسب الرهان . ولأنه ليس اللاعب الأساسي خسر حلمه بالدولة المدنية ،( باعثة ) السعادة والاطمئنان في نفسه لكن سرعان ما تحول الحلم الى وهم ، والاطمئنان الى رعب ولا أعلم لماذا استدار بعض رفاق الدرب الى الوراء، وأعمت عيونهم العتمة فلم يعد يروا تجارب الشعوب ليأخذوا منها ما يفيد . بل تجسدت أحلامهم بالعودة الى الماضي ولم يسألوا أنفسهم هل يستطيع من يحيا القرن العشرين العيش في القرون الوسطى؟ ولأنهم كذلك أدخلونا في مرحلة توجه فيها السياط الى خلايا مخ الانسان ، وأصبح يذبح من العقل لا من الوريد .
لعمري ما أقسى ما يفعلون ، إذ الموت بالمقارنة يهون أمام اغتيال العقل الذي إليه يسعون ، لأنهم يعرفون موت الانسان حياً يقربه من الحيوان فتسهل قيادته وخداعه . هنا تكمن مهمة الخطاب السياسي ، وخطاب بعض الملالي في الجوامع والحسينيات إنهم يريدون اغتيال العقل وكأنهم لم يقرءوا قول أحد الرسل (أحب شيء عند الله العقل) . ولم يدركوا دوره في صنع الحضارة وتطور الانسان وهو المحدد للجمال والمؤسس للعلم . ونحن العراقيين عايشنا المآسي وروتنا الطائفية من ماءها الآسن . ما أحوجنا الى اعتماد العقل في قراراتنا وممارساتنا اليومية أو خططنا التكتيكية والإستراتيجية بدلاً من اغتيال العقل أو غلقه داخل موروث تبلور في وضع وحقبة معينين . أصبحت تتحكم برؤية العقل وتمنع عليه استنتاج الحقيقة من التجربة ، وفرضت عليه رؤية الواقع من خلال أحكام مسبقة .
اغتيال العقل لم يكن الغاية بذاتها في الخطاب الاسلاموي بل التزييف وخداع الناس هو غاية الخطاب . وأمثلة التزييف في العراق كثيرة ومتنوعة ، زيفت الديمقراطية لتصبح آلية انتخاب ليس إلاّ ، زيفت الهوية الوطنية إذ تحولت الى هويات فرعية ، زيفت مهام البرلمان لتصبح دفاعاً عن مصالح أعضائه بدلاً من مصالح الشعب . زيفت الحقائق ليصبح المجرم شبه بريء ، يكتفى بمسائلته التي تحقق العدالة . وكأن المقابر الجماعية مشكوك بأمرها ولم تكن حقيقة . وقائمة التزييف تطول حتى تبلغ نهايتها تزييف الحياة ويصبح جمالها مرتبط بالماضي وانتظار الموت .
كي يكون القارئ على يقين بما يقرأ أضرب مثلاً عن تزييف المفاهيم والقيم الدينية يتبناها خطاب الاسلام السياسي وخطاب الجوامع والحسينيات . المتابع للخطابين يجد أنهما يتمحوران في محورين في كثير من الأحيان . أما دعوة المسلم لقتل أخيه المسلم ونتائجها واضحة للجميع . أو خداعه بما يشوه معتقداته الدينية . وأصحاب هذا الخطاب غير مبالين بما يلحق بالمسلم البسيط من ضرر جسمي أو مالي . عزيزي القارئ إليك بعض الأمثلة في السنوات الاخيرة أخذ أصحاب خطاب الاسلام السياسي يوهمون الناس البسطاء ذوي الإيمان الصادق . أن الحسنات التي تعطى لهم عند إحيائهم مناسبة دينية تحسب على عدد الخطوات التي يقطعونها في انجاز تلك المناسبة ، وليس على صدق النوايا وذكر صاحب المناسبة بالاحترام والتقدير.
رغم إني أقف على عتبة الثمانين من عمري لكني لم اسمع ولم أقرأ الحسنات تحسب على عدد الخطوات بل ما سمعته هو العكس في حكاية حقيقية . مرقد صاحبها مقابل جامع البصرة الكبير في بداية شارع بشار . الرواية تقول: قيل للإمام الحسين ، ما أكثر الحجيج هذا العام ؟ رد الإمام "بل قل ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج والله ما حجّ إلاّ أنا وناقتي وعلي بن يقطين" . ما يهمنا في القول كيف حجَّ علي بن يقطين ؟ . تقول الحكاية أن علي بن يقطين من أهالي البصرة وليس ميسور الحال لكنه جمع متطلبات الحج المالية بجهد جهيد . في بداية مسيرته الى الحجاز شاهد امرأة أبلغته بعجزها عن إطعام أطفالها ، فما كان منه إلاّ إعطائها ما جمعه من مال الحج وعاد الى البيت . لكن الامام الحسين اعتبره حاجاً . رغم أن قدميه لم تطآ أرض الحجاز . أليست الحكاية تبين زيف وخداع خطاب الاسلام السياسي . ولأجل من يتم الخداع والتزييف المشار اليه أو لم يشر اليه؟ ، بالتأكيد يتم من أجل مصالح فئوية و حزبية ضيقة ، ومن أجل فئات اجتماعية محدودة العدد تقاتل من أجل الحفاظ على مصالحها والدفاع عن مواقعها بأساليب شتى . منها فرض ايديولوجية دينية مهمتها تزييف الواقع الفكري والثقافي للمجتمع .
الخطاب الديني رغم أنه ينظر الى الوراء ويرى سعادة الانسان تكمن في العودة الى الماضي ولا سيما حقبة الخلفاء الراشدين . يستند في موقفه على أن الحكم في تلك المرحلة منزل وقاد المسلمين الى الأمام مما جعلهم يتفوقون على الشعوب المعاصرة لهم . لكن المنطقة العربية حكمتها شعوب ( آشورية , سومرية , بابلية , فرعونية ) حققت تفوقاً على غيرها . لكن دعاة الاسلام السياسي يرون في انجازات تلك الشعوب محرمة وسجي التخلص منها . وفي حقبة حكم الاخوان المسلمين دار الحديث عن الاهرام . ولو لا جدواها الاقتصادية لرميت في النيل . بالأمس القريب حطمت عصابات داعش موجودات متحف الموصل وبعملها الشنيع دمرت حضارة 3000 سنة .
هذا جزء قليل من الممارسات لأصحاب التدين المنطلقين الى قتل العقل العراقي من خلال خطابهم المزيف للحقائق.
إذن نحن بحاجة الى نقد ذلك الخطاب المزيف للحقائق بشكل شامل يعتمد على المنطق والأدلة العلمية لإثبات زيف ما يدعون وصولاً الى دفن كل الموروث المعطِ ل أو الكابح الى عقل الانسان من التفكير والإبداع ومتى ما تحقق ذلك نكون قد خطونا الخطوة الاولى نحو بناء الدولة المدنية ذات النظام الديمقراطي . وبدون ذلك تكون مسيرتنا نحو الاستقرار والعيش بسلام متعثرة إذا لم أقل مستحيلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب