الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسوية والدستور في المسألة السورية

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2019 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


عادت قضية الدستور، الى الواجهة مجدداً وبقوة هذه المرة، مع إعلان الأطراف المعنية، باقتراب الانتهاء على تسمية الثلث المتبقى من أعضاء اللجنة الدستورية، والتوجه لتجاوز الخلافات التي تعيق إطلاقها، في ظل تعطل مسارات التفاوض بين المعارضة السورية والنظام الأسدي من جهة، وانسداد أفق العمل السياسي، سواء بشأن وقف كامل لإطلاق النار في الأراضي السورية، أو في دفع الاتفاقات التي نجمت عن مسار سوتشي، الى حيز التطبيق بشكل حاسم، تتغير بموجبه معطيات الصراعات على الأرض، وفي مقدمها استمرار ملف إدلب، والمنطقة العازلة منزوعة السلاح، وأخيراً إعادة إطلاق التسوية السياسية، كما تشاء موسكو، خارج إطار الأمم المتحدة.
أثار ذلك نقاشاً غنيّاً ومهماً، وبالطبع أسئلة جوهرية، مافتئ مجتمع الثورة السورية، يطرحها، منذ أن بدأت تتكشف عن مفاوضات جنيف، التدخلات الروسية المباشرة الرامية لتحجيم دور الامم المتحدة في القضية السورية، لصالح موسكو التي أخذت بتجميع معظم الخيوط والملفات بيديها، بمباركة البيت الأبيض. كانت سلال ديمستورا الأربع، هي المعبر الأساس نحو إيقاف مفاوضات جنيف، ومن ثم الذهاب الى سوتشي، بتغليب المنهج الروسي لإدارة " الأزمة " وتصورات تسويتها، قبل أن يعيدها الكريملن الى الامم المتحدة ( مستقبلاً ) للمصادقة على ماتم إنجازه ( الاتفاق أو التوافق عليه ) وشرعنته.
توجت جهود المبعوث الدولي السابق ديمستورا، في جنيف، بانتزاع قبول هيئة التفاوض، بسلال ديمستورا، واعتبار ذلك، انجازاً تتأسس عليه أرضية الحل السياسي. لكن المبعوث الدولي، كان أميناً في تبني الأفكار الروسية، في إعطاء تشكيل لجنة دستورية، أولوية على السلال/ الملفات الأخرى، ليشكل ذلك، ليس انحيازاً واضحاً لطرف دون آخر، لا ينبغي للمبعوث الدولي ان يقع فيه فحسب، وإنما هو تجاوز متعمد لخطوات الحل السياسي التي انطوى عليها القرار 2254.
وبدءاً من ديسمبر2015، سوف يُحدث التصويت على القرار 2254، منعطفاً مهماً في المسألة السورية. باعتباره مؤسساً لأرضية ملائمة لإطلاق حل سياسي، متكامل الجوانب. وسوف تقف المجموعة الدولية عاجزة عن فرض تطبيقه، لأنه ولد دونما آليات مُلزمة، ولم يكن صادراً بموجب الفصل السابع، على الرغم من أن الحرب الطاحنة التي يشنها النظام الاسدي، ومجازره وحلفائه، ضد المدنيين، تستوجب أن يكون القرار مُلزماً لجميع الأطراف، بوقف العمليات العسكرية ( وفقاً لبيان فيينا ) والذهاب الى عملية سياسية وفقاً لمبادئ جنيف واحد. وبدلاً أن يساعد هذا القرار على تهدئة الأوضاع، فإنه تعرض للتهميش التام، وأضحت الجهود الروسية منصبة على إيجاد منصة عمل تحمل أفكارها. وهكذا وجدت فكرة هيئة الحكم الانتقالي طريقها الى الزوال، بعد أن نجح ديمستورا في إبعاد بنود القرار، واستبداله بالسلال الأربع، ثم لاحقاً لتأخذ قضية الإرهاب مكانة مهمة، في النقاش العام بهدف الابتعاد عن القضايا الأساسية للتفاوض: انتقال الحكم، وقضية المعتقلين والمفقودين، ومحاسبة مجرمي الحرب.
كفِلَ القرار بوضوح لا لُبس فيه " عملية الانتقال السياسي " ودعم مجلس الأمن لمسار سياسي تّشرف عليه الأمم المتحدة، ويشتمل على " تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسوريا ".
تمّ نسف كل شئ يتعلق بذلك، وأحيلت كل الأوراق الى سوتشي، وأضحى دور الأمم المتحدة ثانوياً، ولا قيمة له على الإطلاق، وتراجعت الجهود السياسية، لصالح الملف الأمني والعسكري. وسوف يتعزز استبعاد احتمالات الذهاب الى إنشاء هيئة حكم انتقالي، مع بدء التدخل الروسي المباشر في سوريا، كقوة احتلال منذ سبتمبر 2015. ومع تنامي استعادة المناطق المحررة، الى كنف النظام الأسدي، بموجب العمليات العسكرية الروسية، ودعم إيران والميليشيات الأخرى، توقف الحديث عن تشكيل "حكومة وحدة وطنية" تشارك فيها المعارضة السورية بقيادة الأسد، كبديل عن هيئة الحكم الانتقالي.
تضمنت ردود الفعل، اعتراضات محددة، يمكن الإشارة إليها بثلاثة نقاط أساسية، أولاها أن طرح قضية الدستور أولاً، على ما سواها من قضايا مهمة أخرى، إنما تستهدف طي مسألة إنشاء هيئة الحكم الانتقالي، وفقاً للقرار الدولي2254، وهذا يعني بقاء النظام الأسدي، بمنظومته الأمنية، بصلاحياته الواسعة، والاستئثار بالقرار الوطني، والتحكم فيه بعيداً عن المؤسسات الدستورية، يمنح الوضع القائم قدرة الاستمرار، بدعم القوى الدولية.
والثاني، بأن التضحيات الجسام التي قدمها السوريين، لم تكن من أجل إعادة كتابة الدستور، خاصة بعد جرائم الإبادة المنظمة التي ارتكبها النظام ضد السوريين. قضية التغيير، وإنهاء الإستبداد، وبناء دولة القانون، هي الهدف الأساس للثورة السورية، وهي الغاية التي يتوجب أن تندرج في خدمتها كل المسارات التي تأخذ بها المعارضة السورية، المتمثلة اليوم بهيئة التفاوض بشكل رئيس، بحكم وظيفتها ومسببات وجودها.
أما النقطة الثالثة، فتتصل بشرعية تشكيل لجنة دستورية، من قبل الأمم المتحدة، أو/ وأطراف دولية وإقليمية، هي جزء منتج لإشكاليات الوضع الأمني والعسكري والسياسي المعقد في سوريا. خاصة وأن القرار الاممي 2254 يشدد على دور السوريين في العملية السياسية، بشكل أساسي، قبل غيرهم. وتنسحب تساؤلات السوريين حول " الشرعية " فيما يتعلق بتسمية أعضاء اللجنة، الذين يتوجب أن تتوفر لاختيارهم معايير تتصل بمصداقية التمثيل ( الانتخاب ) وليس المحاصصة ذات الأبعاد السياسية والطائفية والدينية وغيرها، كما تتصل بالثقة بهم، و بخبراتهم، ومقدرتهم المعرفيه، خاصة في مجال القانون الدستوري، كمثال.
هذه مسائل تتصل بالجوهر، ليست مجرد نقاش عام يدور بين الناس. وتلك تحمل أفكاراً بشان المستقبل، وتنطوي على مخاوف المجتمع السوري، وتتلمس همومه بوضوح، لتبرز في السياق العام أسئلة عميقة أخرى، حول دور اللجنة الدستورية المرتقب، والذي لن يخرج عن إطار شكلاني، لاقيمة له، في النقاش العام و صوغ مواد الدستور بشكل حقيقي. كما يطرح السؤال الدائم نفسه، في كل مرة، عن مدى استقلالية القرار في المعارضة السورية، ودورها الممكن في رفض أو قبول ما تُساق إليه اليوم، بما في ذلك المشاركة في تجاوز بنود القرار 2254. القوى السياسية والاجتماعية السورية معطلّة اليوم، لاقدرة لديها على مواجهة التطورات التي تنجم عن توافقات القوى الإقليمية والدولية.
اعتراضاتنا لم تخرج بعد من إطار البيانات ووسائل التواصل الاجتماعي، وصوتنا في هذه الحالة لن يسمعه أحد، في ظل استمرار غياب آليات العمل المؤثر على الساحة الدولية، كيف يعرف اللاعبون الأساسيون – في الحدّ الأدنى - أننا مازلنا هنا، ولو عبر الشتات. وأن انتفاضة السوريين اندلعت من أجل الحرية والتغيير، وليس لكتابة دستور جديد فحسب، يمكن تغييره في أي وقت بقوة السلاح!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن