الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريكست : التداعيات الخطيرة لانسحاب بريطانيا من الاتّحاد

الأسعد بنرحومة

2019 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


"إن مناصري خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من السياسيين البريطانيين دون أن تكون لهم أي خطة أو برنامج لتنفيذ ذلك "يستحقون مكانا خاصا في جهنم،" هذا ما صرح به دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي عن خروج بريطانيا من الاتحاد ، تصريح لم يعجب الكثيرين من الذين رؤوا فيه مبالغة لا مبرر لها واستنقاصا من شأنها . فما هي تداعيات خروج الأخيرة من بريكست؟
انّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يكن متوقعًا بهذا الشكل، فقد أخطأ ديفيد كاميرون في حساباته باختيار الاستفتاء كوسيلة للحصول على تنازلات من الاتحاد الأوروبي في القضايا التي أرادها. وكان يتوقع أن يكون مصير هذا الاستفتاء مثل مصير استفتاء اسكتلندا. ومع ذلك فإن هذا الخروج هو بمنزلة الخسائر الجانبية التي حركت المياه الراكدة للسياسات الأميركية في أوروبا. وبعبارة أخرى فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو من بعض النتائج غير المتوقعة للسياسة الأميركية قي قضية الهجرة إلى أوروبا.
لقد حاولت أميركا منذ فترة استغلال قضية الهجرة المتدفقة على أوروبا وكذا قضية مقاومة الإرهاب من أجل تخويف دول الاتحاد الأوروبي ودفعها كرهًا نحو مشاركة أميركا في مشاكل الشرق الأوسط ومن ثم تسخيرها لمصلحة المخططات الأميركية كما نرى ذلك في سوريا وليبيا. وهذا ما جعلنا نرى كثيرًا من السياسيين في أوروبا يرددون نفس سيمفونية الخوف من المهاجرين التي اشتعلت نارها كثيرًا في بريطانيا وكانت أحد أهم أسباب دعوات الخروج من الاتحاد الأوروبي.

الأسباب: السيادة الوطنية وقضية الهجرة

لقد أرادت أميركا من وراء إثارة قضية الهجرة في أوروبا إبراز الهوية القومية للشعوب الأوروبية بالقدر الذي يدفعها مجتمعة داخل الاتحاد الأوروبي للعمل سويًا ضد المسلمين في العالم الإسلامي تحت راية الولايات المتحدة الأميركية. ذلك أن إثارة مشاعر الكراهية للمهاجرين والخوف من المسلمين في أوروبا يساعد أميركا ودول الاتحاد نفسها في تبرير تدخلاتها وحروبها على المسلمين أمام الرأي العام الأوروبي. وهذا من شأنه أن يسهل على أميركا قيادة دول الاتحاد والزج بها ضمن سياساتها الدولية ومخططاتها الإستراتيجية.
لكن الوضع في بريطانيا أن هناك بعض السياسيين الرافضين للسياسات الأميركية مثل بوريس جونسون من حزب المحافظين ونايجل فاراج زعيم حزب الإستقلال البريطاني، استغلوا أجواء الهجرة للدفع نحو قيادة حملة الخروج من أوروبا. بالطبع استغل هؤلاء السياسيون مسائل أخرى لكسب معركة الخروج من الاتحاد مثل مسألة سيطرة ألمانيا على مؤسسات الاتحاد الأوروبي أو التخويف من دخول تركيا معاهدة "شنغن"، بالإضافة إلى حالة الفقر والتهميش التي تعيشها مدن الأطراف ومناطق الأرياف بسبب الأزمات الإقتصادية المتلاحقة وسوء التوزيع للثروة والخدمات لينشروا حالة من الخوف والفزع على الهوية القومية البريطانية إذا ما بقيت ضمن الاتحاد الأوروبي.
وبالرغم من أن أغلب الخبراء يؤكدون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يكون مفيدًا لها من الناحية الإقتصادية، ومع ذلك قرر الناخب البريطاني التصويت بالخروج بدافع النزعة القومية المتحيزة ضد المهاجرين، ورفضًا لقوانين الهجرة والتشريعات الاقتصادية الخاصة بالمهاجرين في الاتحاد الأوروبي. ولذلك جاءت نتيجة الاستفتاء على غير مراد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وبالطبع على غير مراد الولايات المتحدة التي عملت منذ سنين على التحكم بالعالم من خلال التجمعات السياسية والاقتصادية الكبرى.
هذه هي أهم الأسباب التي تقف وراء انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وليس كما يُردد بعضهم من أن هذا الخروج كان "دهاء من الإنجليز، وثقلهم السياسي خولهم أن يدبروا الدخول في الاتحاد عندما كان دخوله غنمًا وخرجوا منه عندما أصبح غرمًا"!!.
أما تداعيات هذا الحدث على دول الاتحاد وعلى السياسات الأميركية فنذكر منها على سبيل الأهمية ما يلي:

التداعيات: مخاطر جيوسياسية بالدرجة الأولى
أولًا: انفراط عقد النظام العالمي

إن الاتحاد الأوروبي هو أحد ركائز هذا النظام العالمي الذي عملت أميركا على المساهمة في تأسيسه منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم عملت بعد ذلك على اكمال حلقاته عندما أصبحت الدولة الأولى ثم الدولة المتفردة في العالم. فالنظام العالمي الذي تقوده أميركا وتتحكم به حاليًا يقوم على مجموعة من المؤسسات "فوق الوطنية" مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي ومنظمة التجارة العالمية، هذا فضلًا عن المنظمات الإقليمية التي تمثل أيضًا أجزاء من النظام العالمي.
ومن هنا ينبع خوف الولايات المتحدة واستياؤها بعد تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي؛ لأن ذلك يعبر عن خوفها الإستراتيجي من انفراط أول حلقة في عقد النظام العالمي، فالاتحاد الأوروبي هو أحد أهم أعمدة النظام العالمي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولذلك فأميركا لا تزال متمسكة بالاتحاد الأوروبي مع الأخذ بعين الاعتبار تداعيات خروج بريطانيا منه، وما يعنيه ذلك من توجيه العناية إلى اصلاح شكل عمل الاتحاد حتى لا ينفرط عقده بعد أن عملت أميركا كثيرًا على توطيد وجوده إقليميًا ودوليًا لمصلحة مخططاتها تجاه روسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإفريقيا ما تحت الصحراء والسوداء.
فالمخيف بالنسبة لأميركا ليس هو مجرد خروج بريطانيا بل هو انفراط عقد النظام العالمي، فبريطانيا قد تكون مجرد البداية في سلسلة استفتاءات في بلاد أخرى للخروج من الاتحاد الأوروبي. ذلك أن التيار اليميني المعادي للمهاجرين في أوروبا يدفع بشدة في اتجاه تكرار استفتاء بريطانيا، كما نرى ذلك في فرنسا وهولاندا وألمانيا والسويد. ومما يقوي من هذا الإتجاه أن ظروف هذه البلدان تشابه بريطانيا في مشاكل الهجرة وازدياد أعداد الناخبين ذوي الدخل المحدود والمستوى التعليمي المنخفض والذين يعيشون على هامش المكاسب المادية للنظام العالمي الأميركي.
وإن ما صرح به نايجل فراج، زعيم حزب الاستقلال البريطاني، وأحد زعماء معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي يصب في هذا الاتجاه، فقد ذكر فراج قائلًا: "يحدوني الأمل أن يكون هذا الانتصار بداية سقوط هذا المشروع الفاشل، ويؤدي إلى قارة أوروبية تتمتع دولها بسيادة كاملة على أراضيها"، وأضاف في "خطاب الإنتصار" صباح يوم 24 حزيران/يونيو 2016 قائلًا: "نجاحنا ليس لنا فقط، إنما نجاح لأجل أوروبا كلها".

. ثانيًا: اختلال سياسة التوازن الأوروبي
لقد كشف استفتاء بريطانيا عن مقدار الانقسام الحاد الذي تعيشه الطبقة السياسية في هذه البلاد من الموقف من الاتحاد الأوروبي والعلاقة مع أميركا، وهذا أمر واضح داخل حزب المحافظين وحزب العمال بين داعم للوحدة مع أوروبا وتمتين العلاقة مع أميركا من خلال هذه الوحدة وبين ساع للإنفصال عن أوروبا ومطالب بالعلاقة الخاصة مع أميركا. وقد انعكس هذا الانقسام في النخبة السياسية والحاكمة على المجتمع البريطاني نفسه حول هذه المواضيع. وهذا أكبر دليل على أن بريطانيا تعيش حالة من التيه الفكري والسياسي تظهر جليًا في عدم وجود وضوح في الرؤية السياسية والمجتمعية لبريطانيا وعلاقتها بأميركا والاتحاد الاوروبي.
ولو كان في بريطانيا سياسيون من طراز رجال دولة لما دعا ديفيد كاميرون لهذا الاستفتاء من أصله، فمنذ متى تقرر الدول مصائرها المستقبلية وقضاياها الاستراتيجية عبر الاستفتاء، ولكن ضعف بريطانيا دوليًا وإقليميًا وغياب رؤية مستقلة لها عن أميركا هو الذي جعلها تنزلق في مسار الاستفتاء. والذي تخشاه أميركا هو أن ينفرط عقد بريطانيا نفسها في صورة ما لو طالبت اسكتلندا أو إيرلندا الشمالية بالاستفتاء على الانفصال عن المملكة المتحدة! ولا نظن أن دهاء بريطانيا التاريخي والمزعوم حاليًا ليمنع تفتتها إلى دويلات بعد أن فقدت مكانتها وقوتها وغابت عنها شمسها منذ أمد بعيد!
إن التحالف الفرنسي الألماني هو حجر الزاوية في بناء القوة الأوروبية وايجاد السلام في أوروبا بعد ثلاث حروب قارية بينهما بين عامي 1870 و1945. ولكن فرنسا وألمانيا ليست هي الدول الوحيدة التي تشكل ميزان القوى في أوروبا، فهناك أيضًا بريطانيا التي تمثل القوة الثالثة التي تلعب دور الوسيط في استقرار علاقة القوة بينهما على مستوى القارة. ومن هنا فإن التأثير الجيوسياسي لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو الذي تخشاه أميركا؛ لأنه قد يهز أسس ميزان القوى في أوروبا وما يعنيه ذلك من إعادة النظر بدور الاتحاد في العالم.
ومن هنا نفهم سر زيارات الرئيس أوباما المتكررة إلى بريطانيا وتدخله المباشر في الشؤون الداخلية للمملكة وكأنها أحد دول العالم بشكل لم يسبق له مثيل. فالذي تخشاه أميركا أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما يمكن أن يؤدي إليه من تفتت المملكة المتحدة أن يؤثر ذلك في سياسة توازن القوى الأوروبية التي تعتبرها أميركا أحد ركائز سياستها في التعامل مع الدول الأوروبية "الكبرى" أي فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
ومن هنا عبر باراك أوباما في أكثر من مناسبة عن دعمه المطلق لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي رابطًا ذلك بموقعها في الاتحاد، واعتبر أن وجودها في الاتحاد ذو "أهمية كبيرة" بالنسبة للولايات المتحدة، واتفق معه في ذلك ثمانية وزراء خزانة أميركيون في رسالة مفتوحة حذروا فيها من خطر خروج بريطانيا معتبرينها أقوى ضمن الاتحاد الأوروبي، وأن بقاءها هو السبيل الأمثل لمستقبل أفضل لها وللاتحاد. وفي زيارته الأخيرة لبريطانيا دافع أوباما باستماتة عن بقاء المملكة في الاتحاد وخاطب أوباما البريطانيين في المؤتمر الصحفي مع كاميرون في 22/4/2016، بالقول إن "الولايات المتحدة تدرك أن صوتكم القوي في أوروبا يضمن أن يكون لأوروبا موقف قوي في العالم، وبقاء الاتحاد الأوروبي منفتحًا ومتطلعًا للخارج وعلى صلة وثيقة بحلفائه على الضفة الأخرى من الأطلسي".
ثالثًا: الدور الأوروبي في العالم

إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل اخلالًا بالدور الأوروبي في العالم كتجمع له ثقله في التحركات الأميركية السياسية والدبلوماسية والعسكرية. فأميركا ترى في الاتحاد الأوروبي داعمًا رئيسيًا لسياساتها في العالم بالإضافة إلى دورها ضمن حلف شمال الأطلسي نفسه. ومن هنا قد يشكل خروج بريطانيا من الاتحاد تهديدًا لهذا الدور الأوروبي وربما أيضًا لعلاقة أميركا بأوروبا وبخاصة إذ ما تشجعت دول أخرى للخروج من هذا الاتحاد، وما قد يعنيه ذلك من تأثير سلبي على المصالح الأميركية في المدى البعيد.
ثم إن بريطانيا تشكل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة التي من خلالها تضغط على دول الاتحاد وتمرر قراراتها مستفيدة من مكانة وثقل بريطانيا في الاتحاد. ولا ننسى أن هذا كان أحد أسباب دخول بريطانيا للاتحاد في العام 1973، بعد زوال الفيتو الفرنسي على ذلك الدخول بسنوات قليلة من وفاة شارل ديغول، الذي وصف بريطانيا بأنها "حصان طروادة الأميركي في أوروبا". فبريطانيا تقوم بدور كبير لمصلحة أميركا في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول منطقة التجارة الحرة بين طرفي الأطلسي أميركا وأوروبا، كما لعبت دورًا هامًا في إقناع العديد من دول الاتحاد الأوروبي بالتحالف مع واشنطن في فرض عقوبات على روسيا في العام 2014.
ومع ذلك فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يمنع بريطانيا من التعاون مع أوروبا، كما أكد على ذلك حكام لندن بالقول أن "بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي ولكنها لم تخرج من القارة الأوروبية"، وهذا طبعًا بسبب استمرار عضويتها في حلف شمال الأطلسي والمصالح الأمنية المشتركة مع فرنسا وألمانيا، إلّا أنَّ تعاونها مع القارة سيكون محدودًا. ونتيجة لذلك، ستتراجع امكانيات أميركا في تسخير قدرة أوروبا على مواجهة التحديات في الخارج، سواء كانت أزمة المهاجرين، أو ما يسمى بالإرهاب الدولي أو محاصرة روسيا.
ومن هنا نفهم أيضًا سر تمسك أميركا ببقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ومدى علاقة ذلك بالدور البريطاني والدور الأوروبي في العالم خدمة للمصالح الأميركية. ففي مقال له نشر في صحيفة "دايلي تلغراف" البريطانية يوم 22/4/2016 وأثناء زيارته الأخيرة إلى بريطانيا ذكر باراك أوباما أن "الاتحاد الأوروبي لا يُنقص من النفوذ البريطاني، بل يعززه. وأوروبا قوية لا تشكل تهديدًا لدور بريطانيا في العالم، بل تزيد منه في العالم". وأوضح باراك أوباما في مقالته أن "وجود المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي يسهم في تقريب الاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة"، مشددًاً على أن "نتيجة استفتاء 23 يونيو/ حزيران في بريطانيا ستؤثر أيضاً على الأميركيين".
وهذا الموقف الأميركي الواضح لصالح بقاء بريطانيا في الاتحاد جعل بوريس جونسون، عمدة لندن وقتها والنائب عن حزب المحافظين في مجلس العموم، يتهم أوباما صراحة بـ"النفاق" ويعتبر تصريحاته "تدخلًا في الشؤون البريطانية". أما زعيم حزب الاستقلال نايجل فاراج فقد ذكر أن باراك أوباما لا يحب البريطانيين؛ لأن أصوله تعود إلى الدولة الكينية أحد مستعمرات بريطانيا وهو لم ينس تلك الحقبة بعد. وفوق كل ذلك وقع أكثر من مائة نائب معارض لأوروبا رسالة تدعو الرئيس الأميركي لعدم التدخل في النقاشات الداخلية بشأن البقاء في الاتحاد.
رابعًا: التداعيات الاقتصادية

يخشى كثير من الخبراء أن يؤدي خروج بريطانيا إلى حدوث حالة من عدم الاستقرار في بريطانيا وأوروبا وأميركا وبخاصة على المستوى الإقتصادي، وما يمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من السخط الشعبي واضطراب في الأسواق المالية واقتصاد السلع والخدمات، فحالة عدم اليقين هي العدو اللدود للنمو الاقتصادي والاستقرار المالي. وهذا ما يفسر حالة الهلع التي أصابت قادة الدول الكبرى في أوروبا ومطالبتهم لبريطانيا بالبدء سريعًا في اجراءات الخروج من الاتحاد الإوروبي. فقد طالب البرلمان الأوروبي بريطانيا في جلسة استثنائية يوم 28/6/2016 بالبدء فورًا في اجراءات الخروج من الاتحاد.
وبعد ظهور نتائج الاستفتاء ظهرت علامات القلق في المؤتمر الصحفي الذي عقده كل من رئيس فرنسا والمستشارة الألمانية ورئيس الوزراء الإيطالي يوم 27/6/2016. فقد صرحت أنجيلا ميركل بأن "الاتحاد الأوروبي قوي بما فيه الكفاية للصمود في وجه خروج بريطانيا منه"، وأضافت أن "هناك ملفات عديدة استراتيجية يجب التعامل معها بالنسبة لمستقبل الاتحاد الأوروبي من بينها الهجرة". أما فرانسوا هولاند فقال: "لا نريد أن نضيع الوقت حتى لا تكون هناك حالة من عدم الاستقرار داخل الاتحاد وبين الأعضاء الآخرين"، مضيفًا أن "مشروع الاتحاد الأوروبي يجب أن يستمر رغم خروج بريطانيا".
أما ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي، فقد صرح قائلًا: أنه "لا بد من بلورة استراتيجية أوروبية جديدة تستجيب لتطلعات الشباب وتهدف للحفاظ على الكيان الأوروبي"، مضيفًا بأنه "لا بد من الحفاظ على أوروبا قوية في المستقبل ولا بديل عن الحفاظ على الاتحاد الأوربي". وبنفس المستوى وفي نفس اليوم كان وزير الخارجية الأميركي ونظيره البريطاني يجتمعان في لندن وعملا بنفس القدر على طمأنة الشركات والأسواق والشعوب. فقد صرح فيليب هاموند في المؤتمر الصحفي المشترك قائلًا: إن "مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي لا تعني مغادرة القارة الأوروبية وسنحافظ على علاقة قوية بأوروبا". أما جون كيري فقد صرح بـ"أننا لا نزال في مرحلة التفكير في سبل تخطي تداعيات مغادرة بريطانيا للإتحاد الأوروبي".
وهذا الموقف الأميركي من جون كيري هو أمر طبيعي من جراء هول الصدمة، ذلك أنه منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 وما تبعها من نفقات كبيرة على حروب أميركا في أفغانستان والعراق ثم أزمة 2008 الاقتصادية وما تبعها من سياسات التقشف وتخفيض النفقات على مستوى الخدمات في الصحة والإسكان والنقل وازدياد البطالة سواء في أميركا وأوروبا، قد أوجد كل ذلك داخل الشعوب الأوروبية حالة من العداء للعولمة ونفور من التجمعات الكبرى التي تمثل عماد السياسة الأميركية في التحكم بالدول جملة وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي.
خامسًا: اصلاح مؤسسات الاتحاد

بمجرد اعلان نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تداعى قادة أوروبا للتعبير عن أسفهم لما جرى. ولكن الأهم في كل ردود الأفعال هو اتفاقهم على وجوب المضي قدمًا في سبيل إصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بما لا يمسّ من سيادة الدول الأعضاء، ويوفر الآليات الحيوية لمواجهة الأزمات التي يواجهها الاتحاد، ولا سيما أزمة الهجرة التي نجحت أميركا في جعلها كابوسًا يشغل بال الساسة والرأي العام في أوروبا. وبينما كانت بريطانيا تعيش حالة من الإرتباك والصدمة في شقيها المؤيد للخروج من الاتحاد والرافض له، اتفق قادة الاتحاد على وجوب التسريع بخروج بريطانيا دفاعًا عن وحدة الاتحاد ودعوة لوجوب أخد الدرس مما حدث.
فقد عبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عن أسفها لقرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي، حيث جاء في بيان لها: "أخذنا علمًا بقرار الشعب البريطاني بكل أسف، ما من شك في أن ذلك يشكل ضربة لأوروبا، وعملية التوحيد الأوروبية". أما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند فقال بأنه يأسف بشدة للقرار البريطاني، وأكد بأن التصويت وضع أوروبا على المحك، ودعا إلى تعزيز السياسات الصناعية والأمن، وتعزيز منطقة اليورو "للمضي قدمًا، لا يمكن لأوروبا أن تتصرف كما كانت تفعل من ذي قبل". وفي الوقت عينه، أكد ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي التزام إيطاليا بالاتحاد الأوروبي قائلًا: "أوروبا هي وطننا، إنها مستقبلنا"، ولكنه اعترف بأن الكتلة بحاجة إلى تغيير "لجعلها أكثر إنسانية وأكثر عدلًا".
لقد كشفت نتائج التصويت البريطاني عن وجود طبقة من الرأسماليين داخل المجتمعات الغربية نفسها من الذين ازدادوا غنى في الوقت الذي ازدادت فيه الغالبية فقرًا وتهميشًا. وهذا ما كشف عنه جون كيري نفسه في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير الخارجية البريطاني يوم 27/6/2016. ولكن بدل أن يتوجه هذا العداء نحو الرأسمالية كعقيدة ومذهب اقتصادي بمؤسساته الدولية والإقليمية التي تعمل على ترويض الشعوب، وقع توجيه هذا العداء نحو الأجانب وبخاصة المسلمين (الإسلاموفوبيا) ونحو الهجرة الناتجة عن الحروب التي صنعهتا أميركا.
ومن هنا جاء الحديث عن اصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي واعطاء الأولية للشباب حتى يأخذوا نصيبًا من المشاركة السياسية والمالية في محاولة من حكام الدول الغربية لامتصاص ردات التصويت البريطاني وتحسبًا من تحول هذا الحدث إلى رغبة داخل الشعوب الأوروبية في الخروج من الاتحاد الأوروبي، وما يعنيه ذلك من انهيار أحد أكبر المؤسسات التي عملت أميركا على إيجادها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية كما ظهر ذلك عبر مشروع مارشال (1947) أو في إعلان روبير شومان (1950).
خاتمة: الحيلولة دون فشل المشروع الأوروبي

في هذه المرحلة لن تتأثر أميركا كثيرًا بخروج بريطانيا من الاتحاد، بل هي ربما سوف تستغل هذا الخروج لتعزيز المشروع الأوروبي المضطرب وتأطير جهود التعاون مع بريطانيا والاتحاد الأوروبي فيما يخص قضايا التنمية والأمن العالمي. وهي فرصة لأميركا كي تقوم باحتواء المخاطر الاقتصادية التي قد تنجم عن هذا الخروج كأن تعقد اتفاقية تجارة مشتركة مع بريطانيا بشكل منفصل حتى لا يتضرر التبادل التجاري بين البلدين ولا تخسر الشركات البريطانية الميزة التنافسية لصالح شركات أخرى.
وبالتوازي مع ذلك فإن أميركا سوف تعمل على إحداث تغييرات في بنية الاتحاد الأوروبي بما يجعله عامل استقرار وجذب بدل أن يكون عامل طرد وفزاعة تهرب منها بعض الدول التي تخشى على سيادتها الوطنية بعد أن أصبحت شعوبها تعاني من ضغط التهميش ونفقات الهجرة اللذين باتا أحد أهم الأدوات التي تستعملها أحزاب اليمين في أوروبا من أجل التخلص من الاتحاد نفسه والعودة بأوروبا إلى وضع ما قبل الحرب العالمية الثانية، وهذا طبعا أمر لا تريده أميركا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة