الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


14جانفي2011: ثورة أم تأسيس للفساد

الأسعد بنرحومة

2019 / 2 / 24
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


جاء 14 جانفي 2019وولّى ، وحلّت علينا سنة أخرى من سنوات الضياع بين طيّات الخديعة ، وقد تهيّأ لها الكثير بين آمل ومنتظر ويائس، أو بين مغفّل ساذج، أو صياد للفرص ، الذكرى التاسعة ”للربيع التونسي ” بوّابة الربيع العربي.
مازال البعض ، وبعد أكثر من ثماني سنوات من اعلان انتصار ”الثورة التونسية“ يصرّ على اعتبار تونس النموذج المضيء الوحيد للربيع العربي في المنطقة . خطاب شعبوي مستهلك متهالك لم يعد يصدّقه أحد حتّى تلك المرأة الكادحة في الجبال والبوادي التي طالما ضمّنوها في خطاباتهم .
ولا حاجة لنا هنا لبيان خيبة المسعى والبشارة لاستجلاب المشهد السوري واليمني أو المستنقع الليبي وغيره لاكتشاف الواقع المروّع والصورة البشعة الكاشفة لوحدها عن سوء ما بشّروا به والذي يحتار المرء في وصفه : هل هو ربيع الفساد والمفسدين؟ أم هو ربيع العدوّ المستعمر وحضارته المقزّزة ؟ أم هو ربيع كليهما معا اذ لا ينفّذ الثاني الّا باعتلاء الأوّل؟. فأكثر من مليون ونصف من القتلى ، وأكثر من 15مليون لاجئ ومشرّد ،هذا دون احتساب المعوّقين والجرحى ومشاهد الخراب والابادة ، كلّ ذلك وحده كفيل بأن يفنّد أكذوبة الربيع للربيع العربي ، هذا الربيع الذي جعل من سفك الدماء وتدمير الأوطان والأمصار ، وهدم الدّين والقيم ، وتخريب العقول والنفوس ، جعل من كلّ ذلك معاول له للهدم وزرع الخراب ونشر الفوضى واعادة توزيع الفقر على النّاس.
أمّا في تونس ، فهو مشهد آخر لكنّه لا يقلّ دموية وبشاعة وخرابا وتخريبا عن الأوّل ،لكنّه بأسلوب آخر غير الحروب ، وهو الارهاب والتضليل والتفقير، مشهد متفجّر ومتردّ نحو الهاوية ، ولا يرى صورة نموذجية لنجاحه الّا خليطا من الحمقى ومراهقي السياسة وحفنة من العملاء المأجورين .
ويمكن تلخيص أكثر من ثمان سنوات من خديعة ”الثورة التونسية“ في أكثر من مليون و700ألف فقير في البلاد ،منهم 321ألف تحت خطّ الفقر ، كما يفضح نجاحها غياب السيادة بالكامل عن البلاد وعن قراراتها وثرواتها ، وتترجمه تضاعف خطير للديون الخارجية التي تجاوزت 76مليار دينار بنسبة 71في الميّة من الناتج الاجمالي الخام للبلد، تترجمه أيضا سقوط دينارها وانحداره السريع وغياب القرار في السلطة والبرلمان وحتى في البنك المركزي الذي بات خاضعا كليا للخارج.
أكذوبة نموذج الربيع الناجح من تونس يفضحه أيضا استفراد بعض الأنفار بالجزء الأكبر من الثروة جرّاء عائدات التفريط في مقدّرات البلاد وصفقات اهدار ثرواتها واستنزافها بشكل متعمد ومقصود ، وبفضل هذه السمسرة الوضيعة انفرد 70 فردا فقط من جملة 12مليون نسمة بأكثر من 18مليار دينار بمعدّل 275مليون دينار للفرد الواحد منهم. وهذا ما جعل تونس تحتلّ المرتبة السابعة في افريقيا من مجموع الثراء ، والمرتبة الأولى في المغرب العربي لمن تتجاوز ثروتهم 58 مليون دينار.
استشراء الفساد هذا ، تجاوز المهربين ليطال بالخصوص الوسط السياسي من حكّام وبرلمان وأحزاب مما دفع مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها الى اعتبار مجلس البرلمان التونسي قد تحوّل الى مركز التقاء شبكات الزبونية ، وتحوّل عدد من النوّاب الى مختصّين في السمسرة.
”الربيع التونسي“ كما يحلو لمجمّع بُلداء الفكر ومراهقي السياسة أن يصفوه ، وعلى مدى ثمان سنوات ، حوّل هؤلاء المفسدين والفاسدين الى أكبر المتنفّذين في أكثر من 100 مجلس ادارة ، بدءا من البنك المركزي والمؤسسات المصرفية ، وصولا الى المكاتب الحكومية والادارات العمومية والوزارات ، ينضاف اليها زعماء الأحزاب السياسية والاعلام وعمادة المحامين والاتّحاد والمجتمع المدني ، وهذا بعض مما جاء في تقرير مؤسسة ” ويلث ايكس ” السنغفورية أخيرا.
هذا المشهد الأسود القاتم هو نتيجة طبيعية لكذبة كبيرة بشّروا بها وهي الديمقراطية ، ويتمّ تسويق هذه الكذبة الكبيرة وهي الديمقراطية عبر خديعة كبرى وهي الثورة التونسية ، فاجتمع الكذب والخداع والتضليل معا في شتاء تونس طويل فلم ينتج الّا الفساد والفشل والانحدار الكبير الى الهاوية.
هذا الذي استعرضناه وهو في الحقيقة الجزء الضئيل المتعلق بآثار خديعة الربيع التونسي على المستوى المادي ، وهو الجزء الذي يتعلق باعادة صياغة المنطقة الذي تمّ التخطيط له في بنود الربيع العربي كما جاءت في مشروع الشرق الأوسط الكبيرعلى المستوى الجيوسياسي والاقتصادي والأمني والعسكري...
ولكنّ الخطر الأكبر الذي يحمله فيروس الربيع العربي من تونس هو جهود اعادة صياغة المنطقة برمّتها وليس تونس وحدها فكريا وثقافيا ليجعله يقبل بأوحال الحضارة الغربية وفضلاتها الثقافية والمفاهيمية ويسلّم تبعا لذلك بالاستعمار المطلق تسليما كاملا بما يضمن اقصاء الاسلام ومنظومته الفكرية والقيمية نهائيا من أي طرح على الساحة / وكان العنوان الأكبر لهذه المرحلة هو كلّ ما له بنشر الفاحشة بين الناس وهدم القيم الرفيعة والأخلاق الفضيلة وتخريب العقول بالميوعة والرداءة والتشكيك في العقيدة والاستهزاء بالدّين واحتقار الشريعة وتقديم العراة والمنحرفين والمجرمين والمرضى على العلماء والمفكرين ، وهذا العنوان اليوم هو ما ينطق به لسان اعلامنا ومهرجاناتنا وفنوننا وبرامجنا وغيرها ، وذلك من خلال الترويج لثقافة الدعارة والجنس وتسويق الفاحشة ونشر الفساد وزرع الحقد والكراهية والعداء بين الناس ، وهذا مشهد آخر أسود قاتم قبيح ينطق به كلّ يوم كذبة كبرى اسمها ” الربيع التونسي ”.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة