الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدمرداش العقالى .... الرحلة إلى مدرسة آل البيت

محمود جابر

2019 / 2 / 24
سيرة ذاتية



المستشار الدمرداش العقالى


تقابلنا مرات، غير أن المرة الأولى كانت أكثر سخونة فى الحديث والجدل حول أحداث التاريخ، وتحليل الواقع، حوار بين شاب فى مقتبل العمر ورجل جمع تجارب الحياة وخاض غمار التجربة غير عابئ بالمصاعب التي يمكن أن تواجهه فى سبيل ما يؤمن به، تاركا ورائه مجدا قريبا، ومناصب قطوفها دانية، ولما كان صاحب السيرة رجلا من رجالات القضاء ومستشارا وقاضيا، ذو سمعة طيبة وعلم غزير، وحافظا لكتاب الله، ومن أسرة عريقة طيبة .. فكان حقا عليه أن يمضى فى طريقه تحت شعار " الحق أحق أن يتبع " ...
ورغم اختلافنا فى كثير من القضايا لكن حب الرجل تسرب فى قلبى، فهو متحدث بارع، وملم ألماما غير عادى بالأحداث الجارية والتاريخ، ويملك القدرة على الولوج إلى القلوب بصدق حديثه وعذوبة منطقة ...
والفكرة التي ظلت إلى فترة تختمر فى رأسى هي أن أسجل للتاريخ وللقارئ العربي بعض من سير جماعة ممن عرفوا مدرسة آل البيت فاعتنقوا طريقها، ولكن ومن المدهش حقا أن يتجه ثلة من المصريين إلى التشيع فى وقت كان الإقليم كله يتجه إلى خلع التسنن إلى الوهبنة والتشدد، ولكن هؤلاء الذين رتبت أن اكتب عنهم خاضوا غمار التجربة ضد التيار وسجلوا أسمائهم فى صحف التاريخ الحديث وكانوا علامات مضيئة لمن جاء بعدهم وخاصة فى مصر وعلى رأس هؤلاء رجل القضاء المستشار الدمرداش زكى العقالى ..

وهو اسم من الأسماء الكبيرة سواء فى مصر أول العالم الإسلامي بشكل عام.. ويشكل المستشار العقالي، حالة فريدة على الساحة الإسلامية فالرجل كان رئيسا لمحكمة الاستئناف وعضو مجلسي الشعب والشورى، ونائبا لرئيس حزب العمل المصري، ومستشاراً للرئيس حسني مبارك، ونشأ وتربى فى جماعة الإخوان المسلمين، ومع ذلك فقد فاجأ الجميع بتحوله بأن أصبح من كبار الشيعة !!
ولد المستشار الدمرداش زكى العقلى فى محافظة أسيوط فى صعيد مصر بقرية العقال، واصل دراسته الأكاديمية حتى تخرّج عام 1954 م من كلية الحقوق ـ جامعة القاهرة.
كان عمله بالقضاء مدخلا إلى التعرف على الفقه الجعفرى، بحثا عن حلول لبعض القضايا التى كان يتولى الحكم فيها مثل أحكام المفقود والطلاق الغيابي والطلاق بالكناية والمجاز وكل هذه القضايا للفقه الجعفري حلول قوية فيها.
وعن تلك الفترة يقول الدمرداش : لقد مر علي زمن استغرق عقدين من السنين حاولت خلالها : إن أتعرف على وجه الحق في الاعتقاد بمذهب أهل البيت (ع) وكان منطلقي في بداية البحث ريفي حيث جبلت على حب أهل البيت (ع) وإعطائهم الولاء القلبي الكامل ثم اتفق لي لما شغلت منصب القضاء في مصر أن وكل إلي في الأعوام 1965 ـ 1967 م الفصل في قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين في إحدى مدن الصعيد وهي مدينة كومومبو في محافظة أسوان حيث يتعايش المسلمون والمسيحيون في سلام اجتماعي واحترام متبادل، اتفق لي إن عرضت علي قضية تطليق بين مسيحي ومسيحية، وكان مبنى الدعوة التي أقامها الزوج على الزوجة هو الزنا، وهو السبب الوحيد لفصل العروة الزوجية عند الأقباط الأرثوذكس، وكان القانون ينص على أن القاضي عند نظره الدعاوى بين المسيحيين يحضر معه رجل الدين المسيحي، وكان القسيس الذي حضر معي الجلسة يبدو عليه التوتر والازعاج مما يرمي به المدعى الزوج زوجته المدعى عليها، فأشفقت عليه مما يعانيه وأردت أن أداعبه، فقلت له، هلا استطعتم أن تبحثوا عن طريق لتخفيف مسألة الطلاق بحيث يستطيع الزوج عندكم أن يطلق من غير حاجة إلى اتهام زوجته بالزنا، فجاء رد الرجل سريعا منفعلا قائلا : أتريد أن تجعل الطلاق عندنا مثل ما عند المسلمين حيث تطلق المرأة من غير ضوابط، فتركت هذه العبارة أثرها العميق في نفسي وأورثتني صدمة لم أكن متوقعا لها، فذهبت إلى فضيلة المرحوم أبو زهرة وكان أستاذا لي في كلية الحقوق وشكوت إليه قواعد الطلاق في مذهب أبي حنيفة ، فكان جواب الشيخ أبو زهرة لي : ياولدي لو كان الأمر بيدي ماجاوزت في القضاء والفتيا مذهب الإمام الصادق (ع) ووجهني إلى أن أعود إلى أحكام الطلاق عند مذهب أهل البيت (ع) فلما عدت إليه تبين لى أن الطلاق عندهم لايقع إلا بشروط وضوابط، فقلت في نفسي : سبحان الله كيف غاب هذا عن فقهاء خلفوا مذاهب بدين بها الناس وتتأثر بها العلاقات ويصبح بها الحلال حراما والحرام حلالا كانت هذه أول محطة جادة وضعتني مع نفسي..
ثم اتفق لي أن قرأت كتابا مطبوعا على نفقة وزارة الأوقاف المصرية في عهد وزيرها المرحوم الشيخ أحمد حسن الباقوري عام 1955عن الفقه الامامي (الشيعي) عنوانه المختصر النافع في فقه الإمامية للمحقق الحلي فزاد يقيني من أن هذا الفقه الشيعي كما وصفه الشيخ الباقوري في مقدمة الكتاب باعدتنا عنه الأهواء رغم أن فيه العلاج الأمثل لكثير من عللنا الاجتماعية، وكانت قراءتي لهذا الكتاب معاصرة مع قراءتي لفتوى أصدرها فضيلة الشيخ : محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق حيث أفتى : أن المذهب الشيعي الامامي من أصح المذاهب نقلا عن رسول الله (ص) وأنه يجوز التعبد به، ومن يومها بدأت رحلتي في التعبد بمذهب الأمامية ثم توجهت إلى الأبحاث الشيعية الأخرى حتى استبان لي أحقية هذا المذهب وعرفت أن الإمامة هي ضرورة الحياة وأن القرآن لايحيى بغير الإمامة لأنه يظل كتابا معطلا أو مستشكلا في بعض آياته بدون وجود الامام المعصوم الذي يدل على الحقيقة فقررت بعدها الانتماء لهذا المذهب.

الاستنارة من القرآن الكريم:

عكف الدمرداش بعدها على القرآن الكريم الذي كان قد حفظ الكثير منه في صغره، فجعل يتأمل في آياته البينات معالم أهل البيت، وبدأ يراجع التفاسير المعتمدة عند العامة، فهاله ما وجد من مواقف قرآنية قطعية تبيّن أن هذا القرآن الذي أنزله الله بين محكم ومتشابه لابد لفهمه من أن يكون هناك دليل هاد يقود العقل بين آياته قيادة مبرأة من الجهل والهوى.
ومن هذا المنطلق أدرك المستشار أنّ الإمامة تحتل مركزاً متميزاً في القرآن، وبدونها يصبح القرآن عرضة للتحريف في الفهم والخطأ في التأويل، ويظل القرآن كتاباً مستشكلاً فيه بدون وجود الإمام المعصوم الذي يدل على الحقيقة.
ثم واصل المستشار بحثه حتى تبيّنت له حقائق اطمأن إليها من مصادر السنة قبل مصادر الشيعة، فاستعان بالله عز وجل طالباً المزيد من البيان والأدلة والمزيد من الاطلاع على فقه أهل البيت (عليهم السلام) .

المحطة الثانية :
كانت محطته الثانية فى العربية السعودية حين انتدب من قبل وزارة العدل المصرية، وعمل ضمن فريق مشرفا على الرقابة على المصنفات المطبوعة التى كانت فى الغالب كتب عن المذهب الشيعى ووفر له هذا المكان فرصة أكبر للاطلاع والقراءة والتعرف على المذهب .
نهاية مطاف البحث:
بعد ذلك توجه المستشار الدمرداش حول البحث الجاد من أجل تحديد مصيره العقائدي، وكان معظم اهتمامه استنباط العقيدة من القرآن الكريم، وبالتدريج اكتسب الرؤية الواضحة حتى أسفر الصبح وظهرت له شمس الحقيقة ساطعة، فلم يجد مجالاً للبقاء على الموروث العقائدي، فنبذ التقليد والإتباع الأعمى واختار عن وعي إتباع مذهب أهل البيت والتمسك بهديهم وملازمة سمتهم (عليهم السلام) .
وإلى جانب عمله بالقضاء، فقد اشتغل بالشأن لعام ما بين عضوية مجلس الشورى، وعضوية مجلس الشعب المصرى، ونائبا لرئيس حزب العمل بالإضافة الى التأليف والمحاضرات، ولكن الواقع المصرى لم يسمح له أن يذهب بقاربه أبعد من هذا فالحفاظ على أرواح الناس وعدم المخاطرة شيمة من شيم العقلاء، فشجاعة الرجل ومكانته فى المجتمع أمر خارج حدود النقاش ولكن الحفاظ على الناس مهمة لا يجيدوها إلا الأفاضل ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار