الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حراك 22 فيفري بالجزائر ... خلفيات وتحديات

مصطفى صامت

2019 / 2 / 24
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


كان إعلان ترشيح رئيس الجمهورية الجزائري السيد عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة بمثابة الصفعة التي أيقظت الجزائريين وأشعرتهم بالخطر المحدق بمستقبلهم واستقرار بلدهم ، وقد تيقن الشعب بعد أن كان بعضهم في ريب بأن الجماعة التي تحكم البلد قد صممت على جعل مصالحها الشخصية والحزبية فوق كل اعتبار بل حتى على مصلحة البلد ومن عليه .
وفي خضم هذا الجو المشحون بالغضب والاحتقان ، قٌدم للشعب خياران وتم إيهامه ان لا خيار ثالث له ، فإما الطاعون أوالكوليرا، لكن الشعب اختار ان لا يمرض ، وهذا بكسر حاجز الخوف الذي سكن القلوب والجوارح لعقود و خرج الى الشارع مطالبا بإلغاء العهدة الخامسة وبالتغير الشامل في سلمية وممارسة حضارية لم نشهدها حتى في حراك السترات الصفراء بفرنسا الحضارة والتقدم والقدوة كما تصور دائما . وقد خرج مئات الآلاف من المتظاهرين الى الشارع في كل مناطق الوطن تقريبا دون ان نسمع عن جرح أو سقوط أي متظاهر بسبب التزاحم الشعبي في الطرقات في حين أننا شهدنا النساء والرجال تدهسهم أرجل الحشود التي تم حشدها في القاعات الكبرى لدعم الرئيس في عهدته الخامسة . للرد على استفزازات المسؤولين بتهريجاتهم البوليتيكية فحطم المتظاهرون الذين كانت اغلبيتهم الساحقة من الشباب ، كل التوقعات في حراك 22 فيفري ، وكان الحراك خارج كل تحليلات المحللين الذين ركزوا على معطيات سابقة كادت أن تكون سمة الشعب لعقود على شاكلة ، لا أمل في هذا الشعب ، شعب خنوع ، شعب الكاشير ، شعب يعشق الذل والهوان ، شعب مستقل عن السياسية ، شعب عنيف لا يميت بصلة بالثقافة والتحضر ...
لكن ما يلاحظ في شعارات هذا الحراك هو أن أغلبية المتظاهرين طالبوا بإلغاء العهدة الخامسة للرئيس المريض كشرط وحيد للعودة الى البيوت والسكوت فغاب على الكثير منهم أنه ليس الرئيس من لازمه المرض فقط إنما البلد كله ، وأن التغيير لن يأتي بتغيير الرئيس فقط ، بل بتغيير كل منظومة الحكم ، فقد غاب على البعض كذلك أو انه تناسى أن لا وجود لعهدة خامسة ولا رابعة ولا ثالثة ... بل هي مجرد عهدة واحدة لجماعة وجدة التي بدأت بعد انقلابها على الحكومة المؤقتة الشرعية في صائفة 1962 ، ولأن هذه الجماعة الإنقلابية كانت ولازالت فاقدة للشرعية الشعبية والسياسية و التاريخية فقد حكمت بالوهم والنفاق وخدعت الشعب ، بالإستثمار في الشعبوية والمتاجرة بالدين والرموز الوطنية ، فليس من الغريب أن تسكت فرنسا أو تزكي العهدة الخامسة للرئيس المريض إذا علمنا أن شكوك كثيرة تحوم حول علاقة فرنسا بجماعة وجدة الانقلابية التي كانت تقود جيش الحدود الذي بقي خارج المعارك التي كان يخوضها ثوار الداخل ضد فرنسا بالجبال والمدن الكبرى ، فالغريب هو أن جيش الحدود المتمركز على الحدود الشرقية والغربية في غارديماو التونيسية ، ووجدة المغربية تحت إمرة جهاز المالج MALG ، كان يتكون من 31 ألف جندي عام 1960 (01) بينما كان جيش ثوار الداخل الذي يخوض المعارك التحريرية لا يتعدى 9 ألاف مقاتل يفتقد الى السلاح والمعونة . فما منع 31 جندي من جيش الحدود للدخول الى البلد للمشاركة في المعارك ؟
وإذا كانت أسلاك شال وموريس هي السبب فما هي الخدمة التي قدموها للثورة غير انتظار الاستقلال الذي حققه ثوار الداخل للانقضاض على البلد ؟ وكيف نفسر استلام جماعة وجدة بقيادة بومدين لأموال من طرف فرنسا كانت قد صادرتهم من فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا ، كما قامت فرنسا بتموين جيش الحدود بالبنزين والمازوت اللازم أثناء عملية اقتحامه للعاصمة من الغرب (02) ، كما تحدث توفيق الشاوي في مذكراته عن حجم الاموال الفرنسية التي كانت تتدفق على جماعة وجدة؟ (03) ، فكيف نفسر كذلك تسخير فرنسا لطائرة عمودية في خدمة بن بلة في تنقلاته الى مناطق البلاد للبحث عن مؤيدين له لبلوغ منصب الرئاسة وهذا في خضم الصراع السياسي بين جيش الحدود وثوار الداخل ؟ (4)
إن الأزمات الوطنية المتكررة في كل عقد من الزمن ، وطغيان البهتان والكذب ببيع الوهم للشعب من طرف النظام الحاكم طيلة نصف قرن وظهور أوليغارشية مالية متحكمة في مؤسسات صنع القرار ، وخلق تحالفات حزبية سياسية لدعم النظام مقابل تقاسم الريع كما لم يحدث في أي بلد غير الجزائر هو نتيجة الإعاقة التي ولدت بها الدولة الوطنية من رحم انقلاب صائفة 1962 لجيش الحدود على الشرعية ،وإقصاء ثوار الداخل من مراكز القرار ومؤسسات الدولة ،رغم أنهم نواة الحرب التحريرية ، وهو ما فتح علينا باب الصراع السياسي و الأيديولوجي إلى يومنا هذا، فما بني على باطل فهو باطل ،ولا يمكن للدولة أن تستمر على ذلك المنوال ، وقد آن الأوان لشعبنا أن يعلم أن معالجة الامور لا بد ان تمس المسائل الجوهرية بالانتقال الى الجمهورية الثانية عبر جمعية عامة وتوافق وطني ثم تصحيح ومعالجة كل مشاكل الجمهورية الأولي الفاقدة للشرعية والتي تم بنائها على أساس غير متين .
وهذا لن يكون عبر صناديق الاقتراع بتقديم مرشح منافس للنظام الحاكم كما يتوهم البعض ، بل بمقاطعة الانتخابات والتحرك في الشارع لفرض الامر الواقع بدل الاكتفاء بالمقاطعة من أجل المقاطعة فقط ، فالمشاركة في العملية الانتخابية تحتاج الى جو ديمقراطي وحرية سياسية وتساوي الفرص والعدالة وهي الشروط التي سحبها النظام الحاكم ومنعها عن غيره ، فما الغرض من المشاركة في انتخابات مزورة مسبقا إلا إذا كان الغرض منها إعطاء الشرعية لمرشح النظام ؟
لن يتحقق التغير الإيجابي في الجزائر إلا بالحراك السلمي الموحد لكل الشرائح وبالصبر والعزيمة ورفع درجة الحيطة وروح المسؤولية والوعي لدى كل فرد جزائري .وجعلها ثورة سملية حتى النصر لبناء جزائر لكل الجزائريين.


الهوامش :
01- Histoire de la guerre d Algérie, Bernard Droz, Evelyne Lever,1982,p268

02- Algeria: A Revolution That Failed. By Arslan Humbaraci. (New York: Frederick A. Praeger. 1966. P117
03- توفيق محمد الشاوي، مذكرات نصف قرن من العمل الاسلامي (1945-1995) ،القاهرة ،دار الشروق ،2000
4- R .Malek,L’algerie a Evian ,p267








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم