الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (7)

مهدي كاكه يي

2019 / 2 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (78) – الآشوريون

تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (7)

المسيحيون في ظل إمارة أربيل

بدأ سكان أربيل في إعتناق المسيحية منذ القرن الأول الميلادي، وتمّ تأسيس الكنيسة المشرقية فيها وأصبح (بقيدا) أول بطريرك عليها في حوالي سنة 104 ميلادية، حيث أصبحت بطرياركية (هادياب) في أربيل، مركز المسيحية حتى العصور الوسطى[a]. كما أنه تمت إقامة مطرانية كلدانية في مدينة أربيل في سنة 500 ميلادية، التي كانت تضم أربيل والموصل[1].

كانت مدينة أربيل عاصمة إمارة مستقلة بإسم (إمارة أربل) منذ أوائل القرن الحادي عشر للميلاد، توالى على حكمها عائلات كوردية من (آل موسك) و(إبن أبي الهيجاء) و(البابكرية) و دخلت في حُكم أتابكة الموصل في سنة 1127ميلادية ثم حكمها صهر صلاح الدين الأيوبي، السلطان (مظفر الدين كوكبري)، إلى حين وفاته في سنة 1252 ميلادية[2].

المنارة المظفرية القائمة في أربيل الى الآن، تشهد على عهد السلطان (مظفر الدين كوكبري) الذي قام ببنائها في القرن الثاني عشر الميلادي في عهد الأتابكة بإرتفاع يبلغ 45 متراً وكان الهدف من بنائها مراقبة هلال شهر رمضان و حلول الأعياد ولمراقبة الطرقات للتصدّي لِأي هجوم خارجي كان قد يحصل.

تتألف المنارة المظفرية من جزأين، سفلي وعلوي. الجزء السفلي مبني على شكل هندسي مُثمّن بأضلاع متساوية، بإستثناء ضلعَين منه. الجزء العلوي هو مخروطي الشكل، قاعدته في الأسفل ويحتوي على عدد من النوافذ للإضاءة. جدران المنارة مبنية من الآجر الأحمر و يوجد داخل المنارة سُلّمان ملتقيان على الأرض و في قمة المنارة. من الجدير بالذكر أنّ شخصاً إسمه (مسعود مراد) قام ببناء المنارة.

في سنة 1237 ميلادية، قام المغول بإحتلال وتدمير مدينة أربيل وبعد ذلك رحلوا عنها. بعد سقوط بغداد على يد هولاكو في سنة 1258 ميلادية، أعاد المغول إحتلال أربيل بعد حصار دام ستة أشهر، حيث قام (هولاكو) بِتنصيب شخص مسيحي حاكِماً لأربيل مما أتاح الفرصة لليعاقبة لبناء المزيد من الكنائس. في سنة 1264 ميلادية، تمّ تعيين رجل مسيحي إسمه (مسعود البرقوطي) والياً على الموصل والذي كان من سكان إحدى قرى أربيل[3]. كما أنه في سنة 1268 ميلادية، نقل البطريرك النسطوري مقره من بغداد الى أربيل[4].

لقد إستطاع (علي بن النفيس النصراني) السيطرة التامة على إدارة إمارة أربل، لِدرجةٍ أنه تحكّم بِأمير الإمارة، (كوكبري) الذي كان يأتمر بأمره ويُنفّذ ما يأمر به[5]. كما أن هذا الشخص المسيحي قام بِظلم الناس[5] ومن خلال نفوذه الكبير، إستطاع جمع ثروة كبيرة. لقد قام الشاعر (محمد بن علي بن شماس) بِهجائه[5].

في ظل إمارة أربيل، تبوأ بعض المسيحيين وظائف مرموقة وتوغلوا في مناصبها الإدارية، من أمثال (يعقوب النصراني) و(المختص النصراني) الذي قد يكون والد (الفخر إسحاق بن المختص الأربلي) الذي كان صاحب المؤرخ إبن خلكان، حيث أنّ هذين الشخصَين تعاقبا على إشغال وظيفة (مُشرف ديوان أربل)[6] [7]. إشغال المسيحيين لِمناصب هامة في إمارة إربل، تسبّب في إثارة حفيظة الكثيرين من سكانها غير المسيحيين، ويظهر هذا في هجو الشاعر الكوردي (طه بن إبراهيم هذباني) لأربيل في قوله:

ألا أجزى الإله بُليد سوءٍ تحكَّم فيه عبادُ الصليبِ”[8]

تم تعيين الرجل المسيحي (إبن عيدان) كاتباً لديوان أربيل من قِبل ديوان الخلافة في سنة 1232 ميلادية التي توفي خلالها السلطان مظفر الدين[9] [10] [11].

عاش المسيحيون في ظل إمارة أربيل في حُرية وأمان، لِدرجةٍ أنّ المؤرخ السعودي (سامي الصقار) ينقل عن (إبن الشعار الموصلي) بأنّه بعد تعرّض الشخصية المسيحية المصرية (هبة الله بن أبي الحسن المصري الدمنهوري)، للإعتقال في مصر لرفضه إعتناق الدين الإسلامي، لجأ إلى أربيل في سنة 1214 ميلادية، وتولى أحد دواوين الإمارة بالإضافة إلى ديوان الاشراف بِقلعتها التاريخية[10] [12].

كانت أربيل تتمتع بمركز ديني مسيحي ممتاز في عهد المغول أيضاً، حيث زار الجاثليق (مار مكيخا) سلطان المغول في سنة 1265 ميلادية والذي قام بِبناء بيعة في قلعة أربيل وبعد وفاته، تمّ تعيين (مار دنحا أربلي) خلفاً له[10].

كما أنّ كُتّاباً مسيحيين برزوا في أربيل، مثل (ميشحا زخا) الذي ألّف كتاباً بالسريانية بإسم (تاريخ إربل) ومن المرجح أنّ يعود تاريخ تأليف هذا الكتاب الى منتصف القرن السادس الميلادي[13] [14]. توجد مخطوطة هذا الكتاب في معهد الدراسات الإسلامية في بغداد والذي قام المطران بطرس عزيز المتوفي في سنة 1937 ميلادية، بترجمته من السريانية الى العربية.

كان للمسيحيين شعراء بارزين أيضاً في أربيل، مثل الشاعر (كيوركيس وردا أربلي) الذي كان يُسمى بِ(شاعر العذراء) والذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي وله ديوان شعر باللغة الآرامية الذي تضمن وصفاً لِحصار المغول لأربيل في سنة 1237 ميلادية[15] [16]. كما برز الشاعر (خميس بن قرادحي) الذي كان تلميذاً للشاعر (كيوركيس وردا أربلي) وله أيضاً ديوان مخطوط باللغة الآرامية[17] [18].

بالنسبة للحياة الدينية المسيحية في إمارة أربيل، كانت الكنائس عامرة، و في بعض الأحيان سبقت بعض المساجد في الخدمات، ويظهر هذا من خلال قصيدة الشاعر السرياني الحاجري الأربلي، (عيسى بن سنجر) المتوفي في سنة 1234 ميلادية التي أرسلها إلى والي الخليفة، يُشير فيها إلى مسجدٍ مهجورٍ وإلى كنائس المسيحيين في أربيل المُضاءة بالشموع والمزدحمة بالمُصّلين. جاء في تلك القصيدة ما يلي:

أنّا مسجدُ اللهِ بيت عبادةٍ عاري الملابسِ ليس فيه حصير

ثم يقول:
الشمعُ في خللِ الكنائس نيّرٌ
وفناءُ رَبعي مظلمٌ ديجورٌ[19].

المصادر

1. الدكتور سامي بن خماس الصقار. أمارة إربل في العصر العباسي ومؤرخها ابن المستوفى. دار الشواف للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1992، صفحة 175.

2. المصدر السابق، صفحة 35.

3. المصدر السابق، صفحة 36 – 37.

4. المصدر السابق، صفحة 37.

5. المصدر السابق، صفحة 176.

6. قطب الدين موسى بن محمد اليونيني. ذيل مرآة الزمان. المجلد الأول، دراسة وتحقيق د. حمزة أحمد عباس، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، أبو ظبي، 2007.

7. قطب الدين موسى بن محمد اليونيني. ذيل مرآة الزمان. المجلد الثاني، دراسة وتحقيق د. حمزة أحمد عباس، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، أبو ظبي، 2007.

8. قطب الدين موسى بن محمد اليونيني. ذيل مرآة الزمان. المجلد الثالث، دراسة وتحقيق د. حمزة أحمد عباس، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، أبو ظبي، 2007.

9. ابن الفوطي. الحوادث الجامعة. تحقيق الدكتور مصطفى جواد، بغداد، 1351 ﻫ، صفحة 45 - 50.

10. عباس العزاوي. امارة آل بكتكين باربل. مجلة المجمع العربي بدمشق – أعداد المجلدَين 21 و22 لِسنتي 1946 و1947 م، صفحة 62.

11. الدكتور سامي بن خماس الصقار. أمارة إربل في العصر العباسي ومؤرخها ابن المستوفى، دار الشواف للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1992، صفحة 177.

12. ابن الشعار الموصلي. عقود الجمان في شعراء هذا الزمان. مكتبة أسعد فندي، استانبول، الجزء التاسع، صفحة 122.

13. الدكتور سامي بن بن خماس الصقار. أمارة إربل في العصر العباسي ومؤرخها ابن المستوفى، دار الشواف للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1992، صفحة 31.

14. فؤاد جميل. سهل حدياب في العصور القديمة. مجلة سومر، المجلد 25، 1969، صفحة 219.

15. القس سليمان الصائغ. تاريخ الموصل. الجزء الثاني، المطبعة الكاثولوكية، بيروت، 1928، صفحة 111.

16. الدكتور سامي بن بن خماس الصقار. أمارة إربل في العصر العباسي ومؤرخها ابن المستوفى، دار الشواف للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1992، صفحة 177- 178.

17. المصدر السابق، صفحة 178.

18. القس سليمان الصائغ. تاريخ الموصل. الجزء الثاني، المطبعة الكاثولوكية، بيروت، 1928، صفحة 111 - 112.

19. عثمان أمين صالح. أربيل مدينة الأدب والعلم والحضارة. دار آراس، أربيل، 2009، صفحة 208.


a. British Institute of Persian Studies (1981). Iran. Volumes 19-21. The University of Michigan. pp. 15, 17.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن