الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منهج التفسير الأدبي للقرآن عند الخولي

عبدالجبار الرفاعي

2019 / 2 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منهج التفسير الأدبي للقرآن عند الخولي
عبدالجبار الرفاعي
كان مدخلُ الشيخ أمين الخولي لتحديث مناهج تفسير القرآن توظيفَ المناهج الحديثة في تفسيرِ ونقدِ النصوص الأدبية، وتعميمَها لتشمل النصَّ القرآني، لذلك دعا إلى ما أسماه: "التفسير الأدبي للقرآن" ، مستنداً في تسويغِ دعوته لهذا النوع من التفسير إلى أن أسلوبَ تعاطي العرب مع هذا النصّ كان أدبياً، "لأن العربي القح، أو من ربطته بالعربية تلك الروابط، يقرأ هذا الكتاب الجليل، ويدرسه درساً أدبياً، كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة، وتلك الدراسة الأدبية، لأثر عظيم كهذا القرآن، هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولاً، وفاءً بحق هذا الكتاب. ولو لم يقصدوا الاهتداء به، أو الانتفاع مما حوى وشمل. فالقرآن كتاب الفن العربي الأقدس، سواء نظر إليه الناظر على أنه كذلك للدين أم لا" . ويشرح الشيخ الخولي طريقته في التفسير الأدبي قائلاً: "إن التفسير اليوم – فيما أفهمه – هو الدراسة الأدبية، الصحيحة المنهج، الكاملة المناحي، المتسقة التوزيع، والمقصد الأول للتفسير اليوم أدبي محض صرف، غير متأثر بأي اعتبار، وراء ذلك… وعليه يتوقف تحقق كل غرض آخر يقصد إليه. هذه هي نظرتنا إلى التفسير اليوم وهذا غرضنا منه" . "وهذا التفسير الأدبي عندي هو الذى يجب أن يتقدم كل محاولة لمعرفة شئ من فقه القرآن، أو أخلاق القرآن، أو عبارات الإسلام ومعاملاته في القرآن" . تبتني طريقة "التفسير الأدبي للقرآن" على تفسير الآيات في سياق موضوعات القرآن، وليس تفسيرَها على وفق ترتيبها في سور القرآن، "فصواب الرأي - فيما يبدو - أن يفسّر القرآن موضوعاً موضوعاً، لا أن يفسّر على ترتيبه في المصحف الكريم سوراً أو قطعاً" . إذ يصنِّف المفسّرُ الآياتِ تبعاً لموضوعاتها، ويتعرّف على مناسباتِ نزولها، والسياقِ الذي وردت فيه، والدلالاتِ الحافة بها، بغية اكتشاف وحدتِها العضوية، والمنطقِ الداخلي الذي تنتظم فيه، وشبكةِ الدلالات المنبثة فيها، وما يمكن أن تولّده من مفاهيمَ ومعانٍ مشتركة، تمثل المفاهيم المفتاحية للإصلاح النفسي الخُلُقي والاجتماعي الذي يرمي إليه القرآن. مقصد التفسير الأدبي عند الخولي ليس أدبياً أو فنياً، كما ربما تشي تسميته، لأنه يرفض أن يكون الأدب للأدب، أو أن يكون الفن للفن، إذ يقول في تحليله الدلالي لكلمة في أحد الآيات: (ونريد هنا لنقف عند هذه الوحدة للاستعمال القرآني في تعبيره بالضعف والضعفين "فَيُضَاعِفَهُ" ، وهي وقفة أدبية. على أنها وقفة ليست وقفة يراد منها الفن للفن، بل هي فنه المرتبط بالهدف الاجتماعي الذى يرمى إليه القرآن دائماً، نبتغيه أول ما يبتغى من هذه الأحاديث. وإن الفن يرجى للفن وحده، فإنا لا نأخذ هنا بهذا الاتجاه. ولا نحسب القرآن قد أخذ به، لأنه يجعل فنه القوى وسيلة لإصلاح الحياة البشرية، ذلك الإصلاح الخُلُقي والاجتماعي العام الذى أنزل من أجله هدى للناس ورحمة) . فليست هناك آية أو كلمة ترد في القرآن إلا ويكون هدفها الهدى والرحمة، وليس الهدف الأدب بوصفه أدباً، أو الفن بوصفه فناً، لأن "طبيعة النص القرآني من حيث هو كتاب هدى ودين، تقتضي توجيه كل لفظ وآية إلى مناط الهداية والاعتبار" .
ويشرح الخولي ما ينشده في طريقة تفسيره الأدبي، فيؤكد أنه يتمحور حول بعدين:
أحدهما: دراسة حول القرآن.
والثاني: دراسة القرآن ذاته.
ويعني بالدراسة حول القرآن "دراسة البيئة المادية والمعنوية والثقافية التي نزل فيها القرآن الكريم" . واستكشاف تشكل الواقع وطبيعة الظروف السائدة في عصر الوحي، ونمط الاجتماع العربي في عصر النزول، وكيفية الحياة الاجتماعية والثقافية وقتئذ، وما يسودها من ظواهر ذات صلة بالمكان والزمان والبيئة، سواء كانت ماديةً أو معنوية، ودراسة كلّ ما يتصل بالذوقِ العربي، وأساليب التعبير، وأنماط تلقي وفهم الكلام المتعارفة في المجتمع، فكيف تلقاه وفهمه المشافَهون به في بيئتهم وثقافتهم وذوقهم ومشكلات واقعهم ، بمعنى أن الخولي أراد أن يقرأَ النصَّ "قراءة تزامنية"، ويضيء تفسيرَه من خلال اختراق الطبقات المتراكمة مما راكمه المفسّرون وغيرُهم من تأويلات وتفسيرات، ينتمي كلّ منها إلى زمانِ المفسّر ونمطِ فهمه وثقافتِه وأحكامِه المسبقة، ولا تحيل بالضرورة إلى معنى النصّ القرآني، بالمعنى الذي تلقاه المخاطَبون به في عصر النزول. إنه يحاول صياغةَ فنٍ لفهم القرآن، ينشد إيقاظَ المعنى المحتجب فيه، والكشفَ عنه بتفكيك ونزع ما تلّفع به من مدلولات تدفّقت متواليةً بمرور الزمان. ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون الاعتماد على علوم الإنسان والمجتمع واللسانيات وعلوم اللغة الحديثة.
أما البعدُ الثاني لتفسيره الأدبي وهو دراسةُ القرآن ذاته، فيريد به شرحَ الكلمات، وبيانَ معاني المفردات، والكشفَ عن طبيعةِ حياة الألفاظ وتطوّرِ دلالتها عبر الزمان، ومعرفةَ مدياتِ التأثر والتأثير المتبادَل بين العربية وغيرها من لغات المجتمعات المسلمة، وما اصطبغت به العربيةُ في عصور ازدهار وانحطاط الحضارة الإسلامية، وأثرِ الزمان في صيروة المعاني وتحولاتها، والتعرّفَ على مدى تأثير كلّ ذلك في تفسير القرآن. وهنا ينبّه الخولي إلى أن "من الخطأ البين أن يعمد متأدب في فهم النص القرآني الجليل فهماً لا يقوم على تقدير تام لهذا التدرج والتغيير الذي مس حياة الألفاظ ودلالتها" .
كذلك يستند في تفسيره إلى البعد النفسي، ففي ضوء اهتمامه باكتشاف صلةِ البلاغة والأدب بالنفس الإنسانية، والوشيجةِ العميقة التي تربط بينهما، وكيف أنها ترجمةٌ لما يجيش في النفس، تحدّث الشيخ الخولي عن الإعجازِ النفسي للقرآن، الذي ينبثق عن التفسير النفسي، وبيانِ ما يحدِثه القرآن من أثر بالغ في النفس البشرية، وطبيعةِ تذوّق هذا النصّ والتفاعل معه. وشدّد على ضرورة الاستعانة بعلم النفس في دراسة وتحليل ذلك، فإن "فهم الاعجاز الفني بالمعاني النفسية، يحوج إلى تناول القرآن بتفسير نفساني" . وحدّد مفهومَ "الإعجاز النفسي لبلاغة القرآن الكريم، بمعنى أثره العظيم على النفس الإنسانية ووقعه عليها وفعله فيها" .
رأى الخولي التفسيرَ النفساني الطريقَ الذي يخلّص التفسيرَ من الادّعاء والتمحّل، فهو لا غير يضيء لنا أبعاداً مهمة في بنية النصّ القرآني، ويخرجنا من سوء الفهم المكرّر لتعليل ما يسود المصحفَ من سماتٍ وخصائصَ بيانية. يلخّص الخولي رؤيتَه هذه قائلاً: "فبالأمور النفسية لا غير، يعلل إيجازه وإطنابه، وتوكيده وإشارته، وإجماله وتفصيله، وتكراره وإطالته، وتقسيمه وتفصيله، وترتيبه ومناسباته، وما قام من تعليل هذه الأشياء وغيرها، على ذلك الأصل فهو الدقيق المنضبط، وما جاوز ذلك فهو الإدعاء والتمحل، أو هو أشبه شيء به" .
وتنبّه الشيخ الخولي مبكراً إلى خطأ الزعمِ بسبق القرآن لاكتشافات العلم ومكاسبه، أو الاشتغالِ على إسقاط هذه الاكتشافات على الآيات الكريمة، وحذّر من خطورة الإسراف في توظيف نتائج العلم الحديث في التفسير، وكيف أن ذلك ينتهي الى إهدار معاني القرآن، وهدفِه المحوري في هداية الناس إلى التي هي أقوم، إذ يشرح ذلك قائلاً: "وثمة معنى بعيد، قد سبقت إليه أوهام قوم في هذا العصر، فآثرت أن أنفي القصد إليه هنا، أو التعويل على شيء منه ... ذلك هو استخراج قضايا علم النفس ونظرياته من القرآن، تدعيماً للزعم بأنه يتضمن كل شيء... ولا نناقش هؤلاء المسرفين هنا، وانما ننفي أنا نريد إلى شيء من هذا في تبين الاعجاز وتفهمه. فنحن ندع علماء النفس، في تجاربهم العلمية، ومشاهداتهم الواقعية، أو تأملاتهم النظرية... ولا نرى سبق القرآن اليه، أو تقدمه على الأجيال بأصله، وما إلى ذلك، بل نتلقاه منهم، لنعتمد عليه من بيان الوجه النفسي للإعجاز" . لو تدبّرنا هذا البيانَ الواضحَ للخولي لما استهلكنا جهوداً كثيرةً وأموالاً هائلة في الإصرارِ على سبق القرآن لما جاء به العلمُ والمعرفةُ الحديثة، وتقويلِ الآيات ما لا تقوله في مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية المختلفة، والعملِ على خلط الدين بالعلم، وإهدارِ طاقات الكثير من الباحثين الشباب، وتضييعِ عقولهم في متاهات بناء: علم نفس إسلامي، وعلم اجتماع إسلامي، وعلم اقتصاد إسلامي، وأدب إسلامي، وفن إسلامي، وغير ذلك مما ورطتنا فيه أقلامُ كتّاب الجماعات الدينية، وكدّسته من كتابات تثير هويةً جائعةً للالتحاق بقطار تقدّم العلوم والمعارف والتكنولوجيا، وتحرّض نفساً يعذّبها الغيابُ عن العصر، فتعِدُها باللحاق بقطار التقدّم بل والتفوّق عليهم، من خلال ما يسمى بـ"أسلمة المعرفة" .
وواصل الجيل الثاني، ممثلاً بنصر حامد أبو زيد، نهج "مدرسة الأمناء" التي أشاد لبناتها الفكرية أمين الخولي، وكان أبو زيد الأكثر براعة في تطوير مدرسة الشيخ الخولي والجيل الأول من تلامذته، عبر توظيفه الهرمنيوطيقا في فهم القرآن وتفسيره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س