الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكوين اللبناني .... لبنان ضحية موقعه و أطماع جيرانه

فراس سعد

2006 / 4 / 23
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


لبنان بلد متوسطي صغير لا تتجاوز مساحته 10 آلاف و 500كلم2 و عدد سكانه يتراوح بين 4 و5 مليون نسمة. تقول موسوعة لاروس أن لبنان " جبل في سورية" و هذا الجبل أول ما ذكر في التوراة كخزان لخشب الأرز الذي بنيت منه هياكل و معابد شهيرة في فلسطين و مصر و آرام , و عبر السنين كان جبل لبنان ملجأً للملاحقين و المضطهدين لأسباب فكرية و عقائدية...استقلّ لبنان عن سورية عبر عدد من الإتفاقيات الدولية تحوّل بها إلى كيان سياسي مستقل بحدود دولية فيما سمي بلبنان الكبير منذ 1920و استقل عن الإحتلال الفرنسي أواخر الأربعينات من القرن العشرين .

التكوين و النزعات:
كوّنت البيئة الجغرافية الطبيعية للبنان , طبيعة و نفسية اللبناني , فالجبل الشاهق الممتد على طول الساحل من الشمال إلى الجنوب كان يمنع الفينيقيين من التوجّه شرقاً نحو الداخل السوري , فلم يكن أمامهم سوى الساحل المحدود شمالاً و جنوباً أو البحر الممتد غرباً , لذا احتلّ الفينيقيون البحر و امتلكوا المتوسط و لهذا صار اللبناني بقدر ما هو رجل سفر و تجارة و علم , غربياً في هواه و تطلعه , فالغرب هو المكان الوحيد الممكن أمامه للحياة و تحصيل الرزق , و إذا كان الصينيون و الرافديون أهل زراعة و استقرار لوجود الأنهار العظيمة فإن اللبنانيون أهل بحر و تجارة و سفر دائم , و لذا فالحضارة اللبنانية هي حضارة المتوسط كلّه على خلاف بقية الحضارات المجاورة و لهذا السبب فأهل المتوسط كلهم مدينون للبنان و اللبنانيين.

كان لبنان الشاهق العظيم محمية حقيقية للقبائل و المجموعات المنبوذة و المنشقّة من مختلف الأديان و العقائد في المنطقة مسيحيين أو منشقين عن الإسلام الرسمي كالعلويين و الدروز و أقليات دينية أخرى عديدة لجأت إلى لبنان الجبل باعتباره مكاناً حصيناً على جيوش السلطة الحاكمة . تحول لبنان منذ ألف عام إلى مزيج من الجماعات المنشقّة و المختلفة عقائدياً عن المجموعات الكبرى و الأديان الرسمية , مجموعات ملاحقة تعيش في خطر و قلق دائمين وَسَمت النفسية اللبنانية , مع ذلك عاشت هذه المجموعات و العقائد إلى جانب بعضها على الرغم من خلافاتها و اختلافاتها العقائدية حتى بروز ما يسمى بالمسألة الشرقية الناجم عن الصراع العثماني التركي مع الأوروبيين لاقتسام بلاد الشام اقتصادياً و ثقافياً ثم سياسياً . هذا الوضع الجيوبوليتيكي للبنان كمكان محصور بين الجبل الشاهق و البحر و كملجأ للأقليات المطاردة و المدفوعة للنزاع بسبب التداخلات الخارجية وسَمَ النفسية الإجتماعية اللبنانية بثلاث نزعات أو سمات واضحة , أولها نزعة التجارة , ربما تكون التجارة اكتشاف فينيقي لبناني نتج عن السفر و الترحال البحري خصوصاً, و نجم عن نزعة التجارة و السفر نزعة العالمية و اللاستقرار و اللانتماء بحيث تحوّل اللبناني إلى كائن متوسطي و لاحقاً إلى كائن عالمي و هي نزعة يشاركه فيها معظم الشوام ( أبناء بلاد الشام) على الأخص أبناء الساحل , و أخيراً نزعة الخصومة الناتجة عن الأحتشاد المتعدد لعقائد طوائف و تيارات فكرية و من ثم سياسية تتغزّى بأدبيات متعصبة نشأت من خصومات الماضي التي كان للسلطة و أدواتها و من ثم للخارج دور كبير فيها. هذه النزعات الثلاث تساهم في جعل لبنان كيان ضعيف غير مستقر و تضعف النزعة اللبنانية بما هي نزعة وطنية تقوم على الأنتماء لأرض الوطن و ثقافته ومحبته و بذل الغالي لحمايته و تطويره و المحافظة على وحدته و استقلاله و استقراره , مع أن اللبنانيون الباقون في لبنان يملكون من العبقرية و الإرادة ما يجعلهم يقوموا من الكوارث كطائر الفينيق حتى سموا ب شعب الفينيق , فالأمة اللبنانية تنهض كل خمسمئة أو مئة أو خمسون عاماً و بعد كل غزو و كارثة.
الطوائف :
المشكلة الأساسية لطوائف لبنان أنها تابعة , أي هي طوائف ماوراء لبنانية – إذا صحّ التعبير- فتاريخياً كان الموارنة ضمن النفوذ الفرنسي , أما السنّة فضمن النفوذ السوري ثم السعودي , و الشيعة ضمن النفوذ السوري ثم الأيراني , و الدروز ضمن النفوذ الأنكليزي , و الأرثوذكس ضمن النفوذ الروسي ثم السوفيتي ... إضافة لكون العديد من طوائف لبنان بحكم النظام العقائدي الأيديولوجي للطوائف, فوق لبنانية , و نظام العقائد الطائفية في معظمه نظام و تفكير فوق وطني , ليس بسبب الميتافيزيقيا و لكن بحكم نشأتها التي تتعدى حدود الوطن أو ولاءها لجغرافيا و تاريخ "خارج لبناني" , الأمر الذي يضعف النظام السياسي الطائفي و يضعف المجتمع الطائفي , و هو أمر تشترك فيه الطوائف اللبنانية مع كل طوائف البلدان العربية المجاورة . فوق ذلك يتسم الوضع الطائفي اللبناني أنه رهين بلد صغير و ضعيف هو لبنان هذه التبعية الثقافية العقائدية تحوّلت لاحقاً إلى تبعية سياسية عبر الأحزاب الناشئة الممثلة لتلك الطوائف أو عبر المجالس السياسية لتلك الطوائف التي يقودها رجال دين أو عبر أحزاب تتبنى عقائد قومية فوق وطنية أو عقائد عالمية , هذه التبعية الشاملة تقريباً أحد أسباب انعدام الأستقرار السياسي الأقتصادي الأجتماعي اللبناني , و سبب في كون الهوية اللبنانية إشكالية لدى أوساط اجتماعية ثقافية , بل ربما كانت هوية مرفوضة أو"ملعونة" من ذهنيات طوائفية و حزبية مغلقة , تتراوح بين الفينيقية و الأسلامية مروراً بالقومية و الشيوعية , تجد في وجودها اللبناني وجوداً عابراً أو مؤقتاً ريثما يحين الوقت لإعلان دولها الدينية أو القومية أو العالمية .
المشكلة الثانية التي يعاني منها لبنان بحكم وضعه الجيوبوليتيكي أنه محاط ببلدان و قوى أقليمية كبرى قياساً له : اسرائيل سورية مصر تركيا أيران السعودية ... و معظم هذه الكيانات و القوى الإقليمية إما أنها ذات نزعة عسكرية عدوانية واضحة أو أنها ذات عقيدة شمولية توسعية , أو أنها ذات ثقل سياسي و ثقافي و اقتصادي جاذب للكيانات الصغيرة مثل لبنان الذي يميل إلى المسالمة و المهادنة و الدبلوماسية , و في الوقت الذي لا تخسر فيه هذه القوى الإقليمية الكثير من جرّاء سياساتها التوسعية أو العدوانية أو من نفوذها الثقيل فإن كيان صغير مثل لبنان يخسر على الدوام , فلا أرباح يجنيها لبنان من تأزم الأوضاع الأقليمية أو من كونه قطعة معدنية تتجازبها مغناطيسيات إقليمية كبرى , سوى ما يحققه بعض السياسيين اللبنانيين و بطاناتهم من مكاسب مالية و معنوية تكون دائماً على حساب لبنان الكيان و المجتمع , و الأرباح الفردية مهما كانت لا يجوز مقارنتها مع الخسائر الوطنية . لقد وصلت نزعة التجارة إلى تحويل لبنان إلى سلعة أو مجموعة حصص و أسهم يعرضها أمراء السياسة و الحرب لكل راغب, في سوق البورصة الإقليمية و الدولية.

ساحة صراع :
بسبب موقعه , وقع لبنان ضحية الصراع الفلسطيني الأسرائيلي و ما نجم عنه من تدخل عسكري و سياسي سوري . لقد اعتبرت الأنظمة الشمولية و العقائدية العربية لبنان مكاناً مختاراً للصراع و تصفية الحسابات فيما بينها , مؤطرة ذلك بشعارات العروبة و دعم الثورة الفلسطينية لاسيما بعد مؤتمر القاهرة الذي اعتبر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني و فتح الأراضي اللبنانية للعمل المسلّح ضد اسرائيل

, لكن هذا العمل المسلح انتهى ليكون ضد اللبنانيين و أشعل الحرب الأهلية اللبنانية أواسط السبعينيات, و ما جرّه ذلك من غزو اسرائيلي و رغم خروج المسلحين الفلسطينيين في الثمانينات استمر سلاح المليشيات الفلسطينية خارج المخيمات – تلال الناعمة مثلاً- ليشكل ذريعة دائمة لاسرائيل لقصف لبنان و تدمير بناه التحتية لاسيما بعد انتفاء مشاركة هذا السلاح في عمليات ضد اسرائيل ... استخدم النظام السوري المسألة اللبنانية و زاوجها مع مشكلته مع اسرائيل فيما سمّاه الصراع العربي الأسرائيلي , هرباً من استحقاقات داخلية و تلبية لمتطلبات الدور الأقليمي الذي دفع النظام لقبوله طامعاً بأطايب الجنة اللبنانية التي على مرمى ذراع من دمشق . ففي وقت كانت سورية أرض المحرمات كان لبنان أرض المباحات , واحة مغرية وسط صحراء , كل ما يحلم به السوري محقق فيها , من هنا نفهم الممارسات المتهورة للسوريين في لبنان يتساوى في ذلك الجنود مع عناصر الأمن و بعض

العمال الذين كانوا تابعين لأجهزة أمنية إضافة للمافيا السورية و المافيا اللبنانية التابعة أو التي تنسق مع السوريين , حيث استقوى الجميع بالقوة السورية الضاربة في لبنان , هذه السياسة السورية تجاه لبنان جرّت إلى حروب عديدة على الأرض اللبنانية أدّت باسرائيل لتدمير البنى التحتية لبيروت مرات عديدة و هجّرت الآلاف من جنوب لبنان ... و اندلعت حرب مليشيات الطوائف و الأحزاب برعاية سورية عربية اسرائيلية ...
لقد خاضت المليشيات اللبنانية لاسيما ميليشيات الطوائف الحرب اللبنانية دفاعاً عن وجودها الأجتماعي و لكن

أيضاً دفاعاً عن مشاريعها الطائفية السياسية العقائدية , فطالما أن لبنان لم يصل درجة الوطن و الهوية عند هذه الطوائف و مليشياتها , فلماذا لا تخوض حروبها العقائدية طالما أن قوى إقليمية و دولية تدعم هذه المشاريع جميعها في نفس الوقت و تزوّد الجميع بالمال و السلاح . و مقابل المال و السلاح الذي كانت تدفع به هذه الأنظمة إلى ساحة المعركة كان الدم اللبناني يهرق دون حساب دون توقف , و كان الكيان اللبناني مهدّد بالتمزق و التشرزم إلى مستوى دويلات الطوائف بديلا عن دولة الطوائف .

ترانسفير أبدي :
بسبب نزعة السفر و المغامرة و التجارة و بسبب حروب الطوائف والمليشيات و الأضطرابات الأجتماعية و السياسية و المجاعات و لضيق الأراضي الزراعية و محدوديتها و الطموح اللبناني و أغراءات العالم الجديد ( أمريكا) , لكل ذلك سافر اللبنانيون بأعداد متزايدة منذ الحرب الكونية الأولى , و منذ ذلك الوقت و النزيف السكاني اللبناني يتدفق نحو العالم و كان للتضييق على الحريات و غزو اليد العاملة غير اللبنانية للسوق اللبنانية و مستوى التعليم العالي و النفسية اللبنانية الجديدة التي نشأت في الثلث الثالث من القرن العشرين باستعلائها على بعض المهن , و المستوى الأستهلاكي و الأجتماعي المحدث خلال الحرب اللبنانية الأخيرة أسباباً أساسية لاستمرار الترانسفير اللبناني , و بينما يبلغ عدد سكان لبنان المقيم 4-5 مليون نسمة يبلغ عدد اللبنانيين في العالم 20 مليون و هذه ظاهرة فريدة من نوعها في تاريخ البلدان , فلا نعتقد أن بلداً واحداً في العالم

يبلغ عدد سكانه في المغترب أربعة أضعاف سكانه في الوطن . إن بقاء لبنان على تكوينه السياسي الطائفي الحالي و بقائه ساحة للصراع الأقليمي و تصفية الحسابات و مكاناً مفضلاً لخوض حروب جيرانه , و الأخطر, قناعة أبنائه أنهم أدوات لتنفيذ مخططات و حروب الغير , و استعدادهم للقيام بذلك على أرضهم اللبنانية , هو ما يدفعنا للقول أن الترانسفير اللبناني سيستمر .
لا شك أن لبنان ما زال قابلاً لأن يكون ساحة صراع للقوى الأقليمية طالما أن المكونات الطائفية و السياسية و الثقافية اللبنانية مرتهنة أو تابعة أو موالية لجهات و قوى غير لبنانية – إقليمية في معظمها- و طالما أن التركيبة اللبنانية تقوم على عدم الولاء للبنان أولاً , و طالما أن الأشتباك الأقليمي مازال مستمراً فلا أمل قريب في حل الأشتباك السياسي الثقافي اللبناني المزمن .

فراس سعد كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية