الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


1. صراع العقل واللاهوت

أيمن عبد الخالق

2019 / 3 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1. صراع العقل واللاهوت

((أنا لاأؤمن بشيء أنه حق إلا أن يكون واضحًا أمام عقلي أنه كذلك)).....رينيه ديكارت
لاشك أنّ حقيقة الإنسان، وكرامته الإنسانية، تكمن في عقله، وضميره الإنساني، الذي به يميز بين الصادق والكاذب في الأقوال، والخير والشر في الأفعال، عقله الذي به يفكر ويحلل ويستدل، عقله الذي به يخطط ويبرمج، ويتخذ قراراته المصيرية في حياته؛ ليكون مسؤولا عن تصرفاته، أمام ضميره، وأمام المجتمع، وأمام خالقه في يوم الحساب.
فالإنسان العاقل والحر، لايسلّم عقله لغيره، ولايجعل غيره يفكر بالنيابة عنه
فللعقل القدرة المستقلة على استكشاف قوانينه الطبيعية في التفكير، التي تضمن له سلامة التفكير الصحيح، وعنده القدرة على التأمل في الوجود، سواء بنفسه أو بتجاربه العلمية، والتعرف على أحكام الموجودات الطبيعية، وعالم ماوراء الطبيعة، وبناء رؤيته الكونية الواقعية عن الإنسان والعالم، والمبدأ والحياة بعد الموت، كما أنه يتمكن انطلاقًا من مبادئه العقلية، ومن ضميره الإنساني من استكشاف القيم الأخلاقية الإنسانية العادلة، والتي تساعده على الانسجام مع نفسه ومع الناس، بعيدًا عن الظلم والفساد، والاستبداد، وبنحو يضمن له السعادة والاستقرار.
كما أنه من الجانب الاخر، لاشك أنّ الدين الإلهي الحقيقي، النازل على الإنسان من واهب العقل، لايمكن أن يُحرّم العقل أويعطله، كيف، ومشروعية الدين، وصلاحيته المعرفية متوقفة على العقل؟!!...فالدين حتى يكون مقبولا، ينبغي أن يكون معقولا.
فالدين لم يأت إلا لإحياء العقول، وتحريك الضمائر، ومساعدة الإنسان على الارتقاء الروحي، وتحقيق العدالة الإنسانية، والسلم الاجتماعي.
ولكن وللأسف الشديد، فإنّ القارئ لتاريخ الأديان، وسيرة أغلب رجال الدين، لاسيما المنتمين منهم للسلطات الرسمية، يجد الأمر على العكس تماما، فنجدهم قد ابتدعوا منهجية، ورؤية مناوئة، ومضادة تمامًا للعقل، وسعوا لشيطنة العقل وإقصائه بالكلية.
ولم يكتفوا بذلك، بل ذهبوا إلى تحريم قراءة العلوم العقلية، وتعليمها للاخرين، وقاموا بتكفير الفلاسفة، واتهامهم بالهرطقة والزندقة، وسعوا إلى قتلهم، ونفيهم، ومطاردتهم في كل مكان، وإحراق كتبهم في الميادين العامة، وتأليب الغوغاء من العامة عليهم
وهذا الموقف المعادي للعقل والفلاسفة، ليس أمرًا اتفاقيا مختصًا بدين معين، أو فئة معينة من رجال الدين، بل هو سارفي كل الأديان والمذاهب، ولذلك فهو أمر متعمد، وعن وعي كامل من قبل رجال الدين، والأنظمة السياسية الاستبدادية الداعمة لهم، حيث أدركوا جيدًا، أنه لن يستتب لهم أمر إلا بانتهاج هذا الأسلوب الإقصائي، بعد اعتمادهم لمنهج ورؤية غير عقليتين ـ كما سنشير ـ وبالتالي لايجتمعان مع العقل، فتصبح المعركة بينهما معركة وجود، وصراع من أجل البقاء.
اما المنهج الذي وضعوه ـ على خلاف مقاصد الرسائل السماوية ـ فهو المنهج النقلي، حيث استبدلوا العقل البرهاني التحليلي، بالعقل البياني التعبدي.
والمقصود بالعقل البياني، هو العقل الذي يتخذ من النصوص الدينية، التي جمعوها وفسّروها بطريقتهم الخاصة، مبادئ لتفكيره، ينطلق منها في كل أحواله، وبالتالي فهذا العقل قبل ورود النص معطل بالكلية، ولايمكنه أن يتحرك قيد أنملة، وإنما يتفعّل وينشط بعد ورود النص، فالنصوص الدينية هي الهواء الذي يتنفسه، ولايمكن له أن يتنفس غيره، وإذا أراد أن يفكر بحرية بعيدا عن أجواء النص الديني، فهذه بداية الزندقة والخروج من الدين في عرفهم ومذهبهم
فالإنسان المتدين هو الذي ينبغي ان يستسلم للنص، ويمتثل بلا نقاش لأحكامه، وأمّا عالم الدين فلاينبغي عليه أن يجتهد في قباله، وإنما عليه فقط أن يسعى لمعرفة تفسيره، ثم تبيينه للعوام، ثم الدفاع عنه أمام الأعداء والخصوم، ومن هنا نشأ علم اللاهوت في سائر الأديان، هذا العلم الذي اتخذ من النص محورا ومنطلقًا، وأسسوا مدارسهم الدينية على أساسه
أما رؤيتهم الدينية فقد بنوها على أساس هذا العقل النصي البياني، فاختزلوها في العلاقة الآمرية بين الخالق والمخلوق، حيث صوروا الخالق على صورة ملوكهم وآباطرتهم، فهو الجبار القهار، الذي يفعل مايشاء، كما يشاء، لايُسأل عما يفعل، وتعامله مع عباده على أساس الوعد والوعيد والتهديد، وأما الناس فهم عبيد مقهورون، لايملكون لأنفسهم شيئا، ولايملكون إرادة الإصلاح والتغيير، وليس أمامهم إلا التسليم والاستسلام، لما يمليه عليهم رجال الدين الرسميين، بوصفهم الممثلين الوحيدين لرب العالمين، بلا أي قيد أو شرط، أو اعتراض، أو استفساروإلا فالعذاب الأليم في انتظارهم، والشقاء الأبدي مصيرهم
ومن الطبيعي أن تخالف الرؤية التعبدية اللاعقلانية للإنسان والعالم، الرؤية العقلية الحرة البرهانية، المبتنية على المبادئ العقلية البديهية المستقلة، والناظرة إلى الخالق نظرة الحكيم، والمصمم العظيم، والرؤوف الرحيم، والناظرة للإنسان على أنه سيد الكائنات وخليفة الرحمن. ومن هنا نشأ الصراع الطويل والمرير بين العقل واللاهوت، وبالتالي بين الفلاسفة والمؤسسة الدينية الرسمية.
والذي أريده من خلال هذه السلسلة من المقالات، هو استعراض مظاهر هذا الصراع، وتطوره في الدين المسيحي والإسلامي، بعد أن أوضحنا مناشئه وأسبابه، من أجل التعرف على مظلومية العقل والإنسان على مر التاريخ، حتى نعتبر منها، ولانكررها في المستقبل، فيخسر الإنسان عقله ودينه في نفس الوقت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا