الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل فعلاً نحن بحاجةٍ للسوسيولوجيا والانثروبولوجيا في مُجتمعاتنا ؟

مازن مرسول محمد

2019 / 3 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من المُرجَّح ان التساؤل هذا يبدو غريباً نوعاً ما ، لان السوسيولوجيا والانثروبولوجيا علمان تم ايجادهما حالهما حال الكثير من الفروعِ المعرفية العلمية الاخرى ، من صميمِ حاجة البشر والمُجتمعات الانسانية المُختلفة ، بمعنى انهما استدعت الحاجة لوجودهما في العالمِ البشري وما تم على اساسهِ من تراكماتٍ لهما وتطوَّرات حدَّدت الخارطة المعرفية لكلِ منهما ، بحيث اصبحا علمين مُستقلَّين لهما فروعهما المختلفة والتي مازالت في تكاثرٍ وتطوَّرِ ، لكن وكما هو معروف لكل ذي لب ان ادامة هذهِ العلوم والتنقيب في مدياتها لأغراضِ تطويرها وفتح آفاق أوسع لها بالامتدادِ والتوسَّع لتشمل رقعة معرفية اكبر ، يحتاج الى جهودٍ كبيرة وجبارة تأخذ على اساسها هذهِ العلوم مكانها في سلَّمِ التطوَّر والرقي العلمي المعرفي ، لأغراضٍ هي في المُحصَّلةِ الاخيرة خدمة البشرية ، فلم يتم ايجاد كل العلوم اعتباطاً او هوساً من الانسانِ ، وانما لحاجاتٍ افصحت عنها تعقيدات حياة الانسان ، ومن ذلك يسعى المُشتغلون بهذهِ العلوم الغور في اعمقِ ثناياها لترسيخِ اسسها وتحقيق الفائدة المرجوة القصوى منها .
وتختلف المُجتمعات بحسبِ نظرتها لكيفيةِ التعامل مع الميدانِ العلمي وفروعه ، فهناك المُجتمعات التي تُراهن على بقاءِ وديمومة حياتها وابتكاراتها وتقدَّمها بالتوسَّعِ العلمي المُهم والنوعي ، لذلك تعمل جاهدةً لسبرِ غور كل الفروع العلمية المُهمة والسعي الحثيث نحو اكتشاف فروع معرفية اخرى يكون لها السبق في التعرَّفِ عليها، لزيادة القدرة والتمكَّن على مواجهةِ مشكلات وتعقيدات وتنوَّع الحياة ، وهي استراتيجية ذكية ومُهمة جداً ، والتي جعلت من هذهِ المُجتمعات المُتسلَّحة بالعلمِ والساعية للنهوضِ به ، قادرةٌ على الوصولِ الى درجاتٍ عُليا في النهوضِ والتقدَّم ، على عكسِ المُجتمعات الاخرى التي لا تكون لها جدية كبيرة في الاتكاءِ على الفروعِ العلمية المعرفية في رفعِ منسوبات تطوَّرها وتقدَّمها ، تجدها دائماً ما تعاني الازمات الكثيرة والتي لو وُظَّفت العلوم بشكلٍ صحيح فيها لتمت ازالة مثل هذهِ المشكلات فيها، بمعنى عدم الوعي الكافي بأهميةِ العلوم ، او الاعتماد واليقين فقط ببعضِ العلوم واهمال الاخرى من باب انها غير ذات جدوى ، الامر الذي يُحيط هذهِ المجتمعات بخرابٍ كبير بحسبِ عدم الاعتماد الكلي على العلومِ برمَّتها وتوظيفها بالشكلِ الصحيح واهمال ادوارها المُهمة .
ومن ذلك يتضح ان العلوم جميعها مُهمة مباشرةً كانت او حتى غير مباشرة ، ذات فائدة لصيقة بالإنسانِ او ثانوية ، فقط تحتاج الى من يعي أهميتها وضرورة وجودها ، لذلك فالقول هل نحن بحاجةٍ فعلاً للسوسيولوجيا والانثروبولوجيا ، يأتي من باب هل فعلاً تم وعي أهمية هذه العلوم في مُجتمعاتنا ، الى الحد الذي بات يُعتمد عليها في تجفيفِ منابع المشكلات ، ام انها اصبحت علوماً لا يُعتد بها بل لا تُعرف أهميتها مُجتمعياً وصنعة وحرفة من لا صنعة ولا حرفة له من المُدَّعين والمُتصيَّدين بالماءِ العكر من الباحثين عن السمعةِ والمركز وغير ذلك ، بحيث ان جميع المُجتمعات من الضروري ان تتعاطى مع هذينِ العلمين وادخالهما في مدياتِ الحياة والحقل البشري بتعقيداتهِ ومُمارساته واشكالياته الكبيرة ، لكن التغاضي عن اهميتهما واللجوء الى بعضِ العلوم وعدَّها المُرتكز الاساس ، جعل منها علوماً غير ذات فائدة بل لا داعٍ لوجودها ، لعدمِ الاستفادة القصوى منها وانكار وجهل نفعها بشكلٍ عميق يُشير الى الفجوة الكبيرة بين المُجتمعات التي تعدَّها مُهمة وذات ثقل اساس لديها ، وبين من لا يكترث لها بل انها تنقرض وتموت امام اعينها دون ان تُحرك ساكناً .
وتأتي أهمية هذهِ العلوم والفائدة منها او الانتفاء من ذلك بحسبِ مكانتها وموقعها المُحدد لها في المُجتمعِ وقدرة المُشتغلين بها على ابرازها بالشكلِ الذي تصبح معه ذات ثقل كبير وقادرة فعلاً على اقناعِ الآخرين بضرورةِ وجودها لمعالجةِ مُشكلات الحياة والاسهام بتقدَّمِ المُجتمع ، اي ان الامر بات رهناً بقدراتِ الباحثين ووعي الدولة ومؤسَّساتها بجدوى العلوم وبضمنها هذين العلمين ، فان اقتصرت هذهِ العلوم في الوجودِ على مُجردِ تدريسها دون تحقيق الغرض الاساس المرجو منها وهو تفكيك الحياة البشرية والغور في اسسها وتعقيداتها لوضعِ الحلول للكثيرِ من مُنغصاتها ، فلا فائدة اطلاقاً منها ، بل تصبح عالة وفائضة عن الحاجةِ ، في حين انها تُشكَّل رقماً صعباً ومُهماً في المُجتمعاتِ التي تملك قدرات بحثية واشتغالية نوعية بحسبِ امتلاكها لمُشتغلين نوعيين قادرين على ابرازِ قيمة هذين العلمين وتوظيفهما بالشكلِ الصحيح لتطويرهما ولإنقاذِ المُجتمع مما يُعاني منه ، ولإقناعِ المسؤول بأهميةِ هذه العلوم وبضرورتها واستحالة الاستغناء عنها .
لذلك فالأمر رهناً بما متوفر لهذين العلمين من بيئةٍ مُناسبة وقدرات بحثية مُهمة ونوعية وليس مشتغلين مُدَّعين لا علاقة لهم بالأمرِ ، وكذلك قبول مجتمعي وحكومي، ممكن ان تتحصَّل عليه هذهِ العلوم من خلال قدرة المُشتغلين بها على اعلاء شأنها وضرورة وجودها لفائدةِ المجتمع ، وبالتالي تصبح سمة اساسية لازدهارِ ورقي المجتمع ، وعلى العكس من ذلك تصبح لا فائدة منها رغم ثقلها العالمي بوجودِ من لا يعترف بها ولا يتم تطويرها بالشكلِ المُلائم لمكانتها ، بحسب ضعف القدرات البحثية لدي العديد من المُشتغلين بها ، عندها فعلاً تنتفي الحاجة لها ، لأنها تبقى شكلاً دون مضموناً ، اي دون الافصاح عن قدراتها الحقيقية وما يمكن ان تقلبه بتوازناتها واستراتيجياتها في المُجتمعاتِ .
وعليه ممكن ان تؤدي السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا دورهما في المُجتمعاتِ التي اعدَّت لهما مكانة متميزة ، واشتغل بهما عدداً من الباحثين القادرين على عكسِ ضرورة وجودهما ، ويصبح وجودهما لا فائدة تُرجى منه في المُجتمعات التي لا تفقه اهميتهما وما يمكن ان تُسهم به في بناءِ الحياة والانسان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس