الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهبة الجماهيرية في الجزائر بين متطلبات التجذر ومنزلق الارتباط بالفوق السياسي الفاسد

بشير الحامدي

2019 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


الهبة الجماهيرية في الجزائر بين متطلبات التجذر ومنزلق الارتباط بالفوق السياسي الفاسد
نزول الجماهير الجزائرية بالآلاف في كل المدن الجزائرية واستمرار الاحتجاجات لأكثر من أسبوع للتعبير عن رفض ترشح عبد العزيز بوتفليقة للمرة الخامسة لمنصب رئيس الجمهورية وإن لم تحقق إلى حدّ اليوم هدفها الأول المباشر وهو أن تدفع بالتناقضات بين أجنحة السلطة إلى السطح وتفجر الصراع بينها وهو وضع سيتيح للاحتجاجات وللحركة الجماهيرية ديناميكية وإمكانيات أوسع للتعبئة على معارضة أكثر تجذرا في التعبير عن أهدافها ويخلص الحركة من الأفق المنغلق المنحبسة فيه والذي لا يتعدّى رفض بوتفليقة للرئاسة. الحركة وإن لم تحقق كل هذا إلى حدّ اليوم إلا أنها نجحت في كسر حاجز الخوف من القمع وفرضت حق التظاهر والتعبير عن الرأي وقد لا تتأخر النتائج كثيرا ولكن يبقى كل شيء رهين مواصلة الاحتجاجات وتوسيع رقعتها وتجذير مطالبها وتغيير ميزان القوى بين الحركة الجماهيرية الصاعدة والنظام.
الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة العربية أنظمة تتشابه على كل الأصعدة وطرق سيطرتها وأساليب هيمنتها وتعاطيها مع الجماهير سواء أثناء أوضاع الركود الجماهيري أو أثناء الانتفاضات تكاد تكون تقريبا قائمة على نفس الاستراتيجيات: القمع والمنع والتخويف وحين تصير هذه الأساليب غير ذات جدوى تلجأ للمسايرة وربح الوقت والمراهنة على تفكيك الحركة من الداخل ثم لما تفشل هذه الأساليب وتتواصل الحركة وتتصاعد تمرّ لمرحلة جديدة هي تقديم الوعود والتنازلات والالتفاف.
خبرة 17 ديسمبر ومآلات الثورات العربية في تونس وفي مصر وفي سوريا وفي اليمن أثبتت فعالية هذه الاستراتيجيات بالنسبة للطبقات المهيمنة في النجاح في الانقلاب على السيرورات الثورية للإبقاء على أنظمة الفساد والارتباط وترميمها وإغراق الحركات الجماهيرية في حالة من العجز عن الاستمرار في الصراع لقلب ميزان القوى لصالحها وتحقيق التغيير الجذري المنشود.
الانتفاضة الجماهيرية في الجزائر مازالت اليوم في خطواتها الأولى في مواجهة نظام من أشرس الأنظمة في المنطقة وأشدها دموية وأقلها تناحرا بين أجنحته. مازالت الحركة تتقدّم دون هدف محدّد يمكن أن يسرّع في انفجار أزمة الفوق الفاسد المترسبة منذ عقود.
الأنظمة لا تسقط من تلقاء نفسها ولا تسقط بفعل تناقضاتها وصراع كتلها وتناحرها. إنها عادة ما تجد طرقا لتسوية تناقضاتها وتجاوز أزماتها زمن الركود الجماهيري.
الأنظمة تسقط حين يقع تفجير أزمتها عبر حركة جماهيرية تعرف أين تصوب ضرباتها ومسألة المراوحة في رفض العهدة الخامسة لبوتفليقة ليست الضربة التي يمكن أن تسقط نظام الأوليغارشيات الفاسد المرتبط إن أقصى ما يمكن أن تحققه هو أن تفرض تسويات بين أجنحة النظام يقع إبرازها كإنجاز ثوري جماهيري تمتصّ عبره موجة الغضب الجماهيري لتعود بعده ماكينة السلطة للاشتغال مجددا دون أن يتغير أي شيء في أوضاع الجماهير.
سيعمل الفوق الفاسد كله في الجزائر اليوم كل بطريقته وامكانياته وارتباطاته (الليبراليون الديمقراطيون في المعارضة الرسمية [يمينا ويسارا] أجنحة الأوليغارشيا العسكرية في السلطة أحزاب الإسلام السياسي بمختلف توجهاتها) على استثمار الهبة الجماهيرية وتوجيهها في الاتجاه الذي يريد ولكنهم جميعا سيكونون متوافقين على أنه لا يجب أن تتجاوز الحركة العتبة التي يمكن أن تعصف بمصالحهم جميعا.
هذا الدرس تثبته تجربة الإنقلاب في تونس على امتداد الثماني سنوات المنقضية والمستمرة إلى اليوم بشكل جليي.
الهبة الجماهيرية في بدايتها والأوضاع في عمومها تؤشر لأزمة حادة يمر بها النظام الديكتاتوري في الجزائر ولكن بالمقابل لا أحد بإمكانه التكهن بالأطوار اللاحقة التي ستعرفها الحركة الجماهيرية ولا بالسيناريوهات التي يعدّها النظام لمواجهتها وستبقى أسئلة عديدة مطروحة في انتظار تطور الأوضاع في الجزائر في الأيام القادمة: هل ستقدر الحركة على تتجاوز كل رهانات هذا الفوق الفاسد والإطاحة به بتجاوز مطلب التخلي عن العهدة الخامسة ودفع الحركة إلى طرح مهام تقرن بين السياسي والاجتماعي الاقتصادي والتنظيمي يكون محركها الأساسي ملايين المعطلين وملايين الخدامة وملايين الشباب الطلابي والتلمذي؟
هل ستقدر الحركة على حشد كل هذه القوى باستقلال عن كل مكونات الفوق السياسي الفاسد في النظام أو في المعارضة أوفي المركزيات النقابية البيروقراطية وتوحيد مطالب هذه الملايين ودفعها للتنظم في الأحياء وفي المدن وفي المحليات وفي المعاهد والكليات وفي أماكن العمل باستقلال عن البيروقراطيات الحزبية والنقابية؟
هل ستتوصّل الجماهير المنتفضة لوعي أهمية استقلالها التنظيمي والسياسي عن كل مكونات النظام وتستمر في الحركة عبر أطر مستقلة تتيح أوسع مجال للمشاركة في أخذ القرار وتنظيم الممارسة أطر تتجذر داخلها مطالب الجماهير وممارستها وتتمثل فيها كل فئات الجماهير صاحبة المصلحة في إسقاط النظام العسكري الديكتاتوري؟
هذا ما ستكشف عنه الأحداث والمستوى الذي ستتطور في اتجاهه الحركة في الأيام القادمة في الجزائر.
ــــــــ
بشيرالحامدي
04 فيفري 2019









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق